28 - (ضرب) جعل (لكم) أيها المشركون (مثلا) كائنا (من أنفسكم) وهو (هل لكم من ما ملكت) أي من مماليككم (أيمانكم من) لكم (شركاء في) من الأموال وغيرها (ما) وهم (رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم) أمثالكم من الأحرار والاستفهام بمعنى النفي المعنى ليس مماليككم شركاء لكم إلى آخره عندكم فكيف تجعلون بعض مماليك الله شركاء له (كخيفتكم أنفسكم كذلك) نبينها مثل ذلك التفصيل (نفصل الآيات) يتدبرون
ك وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال كان يلبي أهل الشرك لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك فأنزل الله هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم الآية وأخرج جويبر مثله داود بن أبي هند عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه
يقول تعالى ذكره: مثل لكم أيها القوم ربكم مثلاً من أنفسكم، هل لكم مما ملكت أيمانكم: يقول: من مماليككم من شركاء، فيما رزقناكم من مال، فأنتم فيه سواء وهم. يقول: فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها لي شركاء في عبادتكم إياي، وأنتم وهم عبيدي ومماليكي، وأنا مالك جميعكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء " قال: مثل ضربه الله لمن عدل به شيئاً من خلقه، يقول: أكان أحدكم مشاركاً مملوكه في فراشه وزوجته، فكذلكم الله لا يرضى أن يعدل به أحد من خلقه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء ". قال: هل تجد أحداً يجعل عبده هكذا في ماله، فكيف تعمد أنت وأنت تشهد أنهم عبيدي وخلقي، وتجعل لهم نصيباً في عبادتي، كيف يكون هذا؟ قال: وهذا مثل ضربه الله لهم، وقرأ " كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ".
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله " تخافونهم كخيفتكم أنفسكم " فقال بعضهم: معنى ذلك: تخافون هؤلاء الشركاء مما ملكت أيمانكم أن يرثوكم أموالكم من بعد وفاتكم، كما يرث بعضكم بعضاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قال: في الآلهة، وفيه يقول: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضاً.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تخافون هؤلاء الشركاء مما ملكت إيمانكم أن يقاسموكم أموالكم، كما يقاسم بعضكم بعضاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت عمران قال: قال أبو مجلز: إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك، وليس له ذلك، كذلك الله لا شريك له.
وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك القول الثاني، لأنه أشبههما بما دل عليه ظاهر الكلام، وذلك أن الله جل ثناؤه وبخ هؤلاء المشركين الذين يجعلون له من خلقه آلهة يعبدونها، وأشركوهم في عبادتهم إياه، وهم مع ذلك يقرون بأنها خلقه وهم عبيده، وعيرهم بفعلهم ذلك، فقال لهم: هل لكم من عبيدكم شركاء فيما خولناكم من نعمنا، فهم سواء، وأنتم في ذلك تخافون أن يقاسموكم ذلك المال الذي هو بينكم وبينهم، كخيفة بعضكم بعضاً أن يقاسمه ما بينه وبينه من المال شركة، فالخيفة التي ذكرها تعالى ذكره بأن تكون خيفة مما يخاف الشريك من مقاسمة شريكه المال الذي بينهما إياه أشبه من أن تكون خيفة منه بأن يرثه، لأن ذكر الشركة لا يدل على خيفة الوراثة، وقد يدل على خيفة الفراق والمقاسمة.
وقوله " كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون " يقول تعالى ذكره: كما بينا لكم أيها القوم حججنا في هذه الآيات من هذه السورة على قدرتنا على ما نشاء من إنشاء ما نشاء، وإفناء ما نحب، وإعادة ما نريد إعادته بعد فنائه، ودللنا على أنه لا تصلح العبادة إلا للواحد القهار، الذي بيده ملوكت كل شيء كذلك نبين حججنا في كل حق لقوم يعقلون، فيتدبرونها إذا سمعوها، ويعتبرون فيتعظون بها.
فيه مسألتين: الأولى: قوله تعالى: "من أنفسكم" ثم قال: "من شركاء"، ثم قال: "من ما ملكت أيمانكم" فـ من الأولى للابتداء، كأنه قال: أخذ مثلاً وانتزعه من أقرب شئ منكم وهي أنفسكم. والثانية للتبعيض، والثالثة زائدة لتأكيد الاستفهام. والآية نزلت في كفار قريش، كانوا يقولون في التلبية: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، قال سعيد بن جبر وقال قتادة: هذا مثل شربه الله للمشركين، والمعنى: هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله، فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم فكيف جعلتهم لله شركاء.
الثانية: قال بعض العلماء: هذه الآية أصل في الشركة بين الخلوقين لافتقار بعضهم إلى بعض ونفيها عن الله سبحانه، وذلك انه لما قال جل وعز: "ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم" الآية، فيجب أن يقولوا: ليس عبيدنا شركاءنا فيما رزقتنا! فيقال لهم: فكيف يتصور أن تنزهوا نفوسكم عن مشاركة عبيدكم وتجعلوا عبيدي شركائي في خلقي، فهذا حكم فاسد وقلة نظر وعمى قلب! فإذا بطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة والخلق كلهم عبيد لله تعالى فيبطل أن يكون شئ من العالم شريكاً لله تعالى في شئ من أفعاله، فلم يبق إلا أنه واحد يستحيل أن يكون له شريك، إذ الشركة تقتضي المعاونة، ونحن مفتقرون إلى معاونة بعضنا بعضاً بالمال والعمل، والتقديم الأزلي منزه عن ذلك جل وعز.
وهذه المسألة أفضل للطالب من حفظ ديوان كامل في الفقه، لأن جميع العبادات البدنية لا تصح إلا بتصحيح هذه المسألة في القلب، فافهم ذلك.
هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين به, العابدين معه غيره, الجاعلين له شركاء وهم مع ذلك معترفون أن شركاءه من الأصنام والأنداد عبيد له, ملك له, كما كانوا في تلبيتهم يقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك, تملكه وما ملك. فقال تعالى: "ضرب لكم مثلاً من أنفسكم" أي تشهدونه وتفهمونه من أنفسكم " هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء " أي يرتضي أحدكم أن يكون عبده شريكاً له في ماله فهو وهو فيه على السواء "تخافونهم كخيفتكم أنفسكم" أي تخافون أن يقاسموكم الأموال. قال أبو مجلز : إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك, وليس له ذاك, كذلك الله لا شريك له, والمعنى إن أحدكم يأنف من ذلك, فكيف تجعلون لله الأنداد من خلقه ؟ وهذا كقوله تعالى: "ويجعلون لله ما يكرهون" أي من البنات حيث جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً, وجعلوها بنات الله, وقد كان أحدهم إذا بشر بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم, يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون, أم يدسه في التراب ؟ فهم يأنفون من البنات, وجعلوا الملائكة بنات الله, فنسبوا إليه ما لا يرتضونه لأنفسهم, فهذا أغلظ الكفر, وهكذا في هذا المقام جعلوا له شركاء من عبيده وخلقه, وأحدهم يأبى غاية الإباء ويأنف غاية الأنفة من ذلك, أن يكون عبده شريكه في ماله يساويه فيه ولو شاء لقاسمه عليه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
قال الطبراني : حدثنا محمود بن الفرج الأصفهاني , حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي , حدثنا حماد بن شعيب عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان يلبي أهل الشرك لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك, تملكه وما ملك. فأنزل الله تعالى: " هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم " ولما كان التنبيه بهذا المثل على براءته تعالى ونزاهته بطريق الأولى والأحرى. قال تعالى: " كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون " ثم قال تعالى مبيناً أن المشركين إنما عبدوا غيره سفهاً من أنفسهم وجهلاً "بل اتبع الذين ظلموا" أي المشركون "أهواءهم" أي في عبادتهم الأنداد بغير علم "فمن يهدي من أضل الله" أي فلا أحد يهديهم إذا كتب الله ضلالهم "وما لهم من ناصرين" أي ليس لهم من قدرة الله منقذ ولا مجير ولا محيد لهم عنه, لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
قوله: 28- "ضرب لكم مثلاً" قد تقدم تحقيق معنى المثل، ومن في "من أنفسكم" لابتداء الغاية وهي ومجرورها في محل نصب صفة لمثلاً: أي مثلاً منتزعاً ومأخوذاً من أنفسكم فإنها أقرب شيء منكم، وأبين من غيرها عندكم، فإذا ضرب لكم المثل بها في بطلان الشرك كان أظهر دلالة وأعظم وضوحاً. ثم بين المثل المذكور فقال: " هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم " من في مما ملكت للتبعيض، وفي من شركاء زائدة للتأكيد، والمعنى هل لكم شركاء فيما رزقناكم كائنون من النوع الذي ملكت أيمانكم، وهم العبيد والإماء، والاستفهام للإنكار، وجملة "فأنتم فيه سواء" جواب للاستفهام الذي بمعنى النفي، ومحققة لمعنى الشركة بينهم وبين العبيد والإماء المملوكين لهم في أموالهم: أي هل ترضون لأنفسكم، والحال أن عبيدكم وإماءكم أمثالكم في البشرية أن يساووكم في التصرف بما رزقناكم من الأموال، ويشاركوكم فيها من غير فرق بينكم وبينهم "تخافونهم كخيفتكم أنفسكم" الكاف نعت مصدر محذوف: أي تخافون الأحرار المشابهين لكم في الحرية وملك الأموال وجواز التصرف، والمقصود نفي الأشياء الثلاثة الشركة بينهم وبين المملوكين والاستواء معهم وخوفهم إياهم. وليس المراد ثبوت الشركة ونفي الاستواء والخوف كما قيل في قولهم: ما تأتينا فتحدثنا. والمراد: إقامة الحجة على المشركين فإنهم لا بد أن يقولوا لا نرضى بذلك، فيقال لهم فكيف تنزهون أنفسكم عن مشاركة المملوكين لكم وهم أمثالكم في البشرية، وتجعلون عبيد الله شركاء له؟ فإذا بطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة بطلت الشركة بين الله وبين أحد من خلقه، والخلق كلهم عبيد الله تعالى، ولم يبق إلا أنه الرب وحده لا شريك له. قرأ الجمهور "أنفسكم" بالنصب على أنه معمول المصدر المضاف إلى فاعله، وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على إضافة المصدر إلى مفعوله "كذلك نفصل الآيات" تفصيلاً واضحاً وبياناً جلياً "لقوم يعقلون" لأنهم الذين ينتفعون بالآيات التنزيلية والتكوينية باستعمال عقولهم في تدبرها والتفكر فيها.
28- "ضرب لكم مثلاً من أنفسكم"، أي: بين لكم شبهاً بحالكم، وذلك المثل من أنفسكم، ثم بين المثل فقال: "هل لكم من ما ملكت أيمانكم"، أي: عبيدكم وإمائكم، " من شركاء في ما رزقناكم "، من المال، "فأنتم"، وهم، "فيه سواء"، أي: هل يشارككم عبيدكم في أموالكم التي أعطيناكم، "تخافونهم كخيفتكم أنفسكم"، اي: تخافون أن يشاركوكم في أموالكم ويقاسموكم كما يخاف الحر شريكه الحر في المال يكون بينهما أن ينفرد فيه بأمر دونه، وكما يخاف الرجل شريكه في الميراث، وهو يحب أن ينفرد به.
قال ابن عباس: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضاً فإذا لم تخافوا هذا من مماليككم ولم ترضوا ذلك لأنفسكم، فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها شركائي وهم عبيدي؟.
ومعنى قوله: أنفسكم، أي: أمثالكم من الأحرار كقوله: "ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً" (النور-12)، أي: بأمثالهم.
"كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون"، ينظرون إلى هذه الدلائل بعقولهم.
28 -" ضرب لكم مثلاً من أنفسكم " منتزعاً من أحوالها التي هي أقرب الأمور إليكم . " هل لكم من ما ملكت أيمانكم " من مماليككم . " من شركاء في ما رزقناكم " من الأموال وغيرها . " فأنتم فيه سواء " فتكونون أنتم وهم فيه شرعاً يتصرفون فيه كتصرفكم مع أنهم بشر مثلكم وأنها معارة لكم . و" من " الأولى للابتداء والثانية للتبعيض والثالثة مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي . " تخافونهم " أن يستبدوا بتصرف فيه . " كخيفتكم أنفسكم " كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض . " كذلك " مثل ذلك التفصيل . " نفصل الآيات " نبينها فإن التفصيل مما يكشف المعاني ويوضحها . " لقوم يعقلون " يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال .
28. He coineth for you a similitude of yourselves. Have ye, from among those whom your right hands possess, partners in the wealth We have bestowed upon you, equal with you in respect thereof, so that ye fear them as ye fear each other (that ye ascribe unto Us partners out of that which We created)? Thus We display the revelations for people who have sense.
28 - I does propound to you a similitude from your own (experience): do ye have partners among those whom your right hands possess, to share as equals in the wealth we have bestowed on you? do ye fear them as ye fear each other? Thus do We explain the Signs in detail to a people that understand.