28 - (قال) تعالى (لا تختصموا لدي) أي ما ينفع الخصام هنا (وقد قدمت إليكم) في الدنيا (بالوعيد) بالعذاب في الآخرة لو لم تؤمنوا ولا بد منه
وقوله " لا تختصموا لدي " يقول تعالى ذكره : قال الله لهؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم ، وصفة قرنائهم من الشياطين " لا تختصموا لدي " اليوم " وقد قدمت إليكم " في الدنيا قبل اختصامكم هذا " بالوعيد " لمن كفر بي ، وعصاني ، وخالف أمري ونهي في كتبي ، وعلى ألسن رسلي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الله بن أبي زياد قال : ثنا عبد الله بن أبي بكر قال : ثنا جعفر قال : سمعت أبا عمران يقول في قول الله " وقد قدمت إليكم بالوعيد " قال : بالقرآن .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله " لا تختصموا لدي " قال : إنهم اعتذروا بغير عذر ، فأبطل الله حجتهم ، ورد عليهم قولهم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد " قال : يقول : قد أمرتكم ونهيتكم ، قال : هذا ابن آدم وقرينه من الجن .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن أبي جعفر عن الربيع قال : قلت لأبي العالية " لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد " قال أبوجعفر الطبري : أحسب قال : هم أهل الشرك ، وقال في آية أخرى ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) فهم أهل القبلة .
يقول الله تعالى " لا تختصموا لدي" يعني الكافرين وقرناءهم من الشياطين . قال القشيري وهذا يدل على أن القرين الشيطان . "وقد قدمت إليكم بالوعيد " أي أرسلت الرسل . وقيل هذا خطاب لكل من اختصم . وقيل هو للاثنين وجاء بلفظ الجمع .
يقول تعالى مخبراً عن الملك الموكل بعمل ابن آدم إنه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل ويقول: "هذا ما لدي عتيد" أي معتمد محضر بلا زيادة ولا نقصان. وقال مجاهد: هذا كلام الملك السائق, يقول ابن آدم الذي وكلتني به قد أحضرته وقد اختار ابن جرير أنه يعم السائق والشهيد, وله اتجاه وقوة, فعند ذلك يحكم الله تعالى في الخليقة بالعدل فيقول: "ألقيا في جهنم كل كفار عنيد" وقد اختلف النحاة في قوله: "ألقيا" فقال بعضهم هي لغة لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتثنية كما روي عن الحجاج أنه كان يقول يا حرسي اضربا عنقه, ومما أنشد ابن جرير على هذه قول الشاعر:
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر وإن تتركاني أحم عرضاً ممنعا
وقيل: بل هي نون التأكيد سهلت إلى الألف, وهذا بعيد لأن هذا إنما يكون في الوقف, والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد, فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب, فلما أدى الشهيد عليه أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم, وبئس المصير "ألقيا في جهنم كل كفار عنيد" أي كثير الكفر والتكذيب بالحق عنيد معاند للحق, معارض له بالباطل مع علمه بذلك "مناع للخير" أي لا يؤدي ما عليه من الحقوق ولا بر فيه ولا صلة ولا صدقة "معتد" أي فيما ينفقه ويصرفه يتجاوز فيه الحد. وقال قتادة: معتد في منطقه وسيره وأمره "مريب" أي شاك في أمره مريب لمن نظر في أمره "الذي جعل مع الله إلهاً آخر" أي أشرك بالله فعبد معه غيره "فألقياه في العذاب الشديد" وقد تقدم في الحديث أن عنقاً من النار يبرز للخلائق فينادي بصوت يسمع الخلائق: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد, ومن جعل مع الله إلهاً آخر, وبالمصورين, ثم تنطوي عليهم, قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية هو ابن هشام, حدثنا شيبان عن فراس عن عطية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يخرج عنق من النار يتكلم يقول وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد, ومن جعل مع الله إلهاً آخر, ومن قتل نفساً بغير نفس فتنطوي عليهم فتقذفهم في غمرات جهنم ".
"قال قرينه" قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة وغيرهم: هو الشيطان الذي وكل به "ربنا ما أطغيته" أي يقول عن الإنسان الذي قد أوفى القيامة كافراً يتبرأ منه شيطانه فيقول: "ربنا ما أطغيته" أي ما أضللته "ولكن كان في ضلال بعيد" أي بل كان هو في نفسه ضالاً قابلاً للباطل معانداً للحق, كما أخبر سبحانه وتعالى في الاية الأخرى في قوله: " وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم " وقوله تبارك وتعالى: "قال لا تختصموا لدي" يقول الرب عز وجل للإنسي وقرينه من الجن, وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق تعالى, فيقول الإنسي يا رب هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني, ويقول الشيطان: "ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد" أي عن منهج الحق, فيقول الرب عز وجل لهما: "لا تختصموا لدي" أي عندي "وقد قدمت إليكم بالوعيد" أي قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل, وأنزلت الكتب وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين "ما يبدل القول لدي" قال مجاهد: يعني قد قضيت ما أنا قاض "وما أنا بظلام للعبيد" أي لست أعذب أحداً إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه.
وبه قال الجمهور: 28- "قال لا تختصموا لدي" هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل، فماذا قال الله؟ فقيل: "قال لا تختصموا لدي" يعني الكافرين وقرناءهم، نهاهم سبحانه عن الاختصام في موقف الحساب، وجملة "وقد قدمت إليكم بالوعيد" في محل نصب على الحال: أي والحال أن قدمت إليكم بالوعيد بإرسال الرسل وإنزال الكتب، والباء في بالوعيد مزيدة للتأكيد أو على تضمين قدم معنى تقدم.
28. " قال "، فيقول الله " لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد "، في القرآن وأنذرتكم وحذرتكم على لسان الرسول، وقضيت عليكم ما أنا قاض.
28-" قال " أي الله تعالى ." لا تختصموا لدي " أي في موقف الحساب فإنه لا فائدة فيه ، وهو استئناف مثل الأول . " وقد قدمت إليكم بالوعيد " على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فلم يبق لكم حجة ، وهو حال تعليل للنهي أي " لا تختصموا " عالمين بأني أعدتكم ، والباء مزيدة أو معدية على أن قدم بمعنى تقدم ، ويجوز أن يكون " بالوعيد " حالاً والفعل واقعاً على قوله :
28. He saith: Contend not in My presence, when I had already proffered unto you the warning.
28 - He will say: Dispute not with each other in My Presence: I had already in advance sent you Warning.