28 - (ارجعي إلى ربك) يقال لها ذلك عند الموت أي ارجعي إلى أمره وإرادته (راضية) بالثواب (مرضية) عند الله بعملك أي جامعة بين الوصفين وهما حالان ويقال لها في القيامة
قوله " ارجعي إلى ربك راضية مرضية " عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : إن هذا لحسن ، فقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إن الملك يسيقولها لك عند الموت " .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح " ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال هذا عند الموت " فادخلي في عبادي " قال هذا يوم القيامة .
وقال آخرون في ذلك بما :
حدثنا به أبو كريب ، قال : ثنا بن يمان ، عن أسامة بن زيد ، عن أبيه ، في قوله " يا أيتها النفس المطمئنة " قال : كبشرت بالجنة عند الموت ، ويوم الجمع ، وعند البعث .
وقوله " ارجعي إلى ربك " اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : هذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيل الملائكة لنفس الؤمن عن البعث ، تأرها أن ترجع في جس صاحبها ، قالوا : وعني بالرد هاهنا صاحبها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال : ترد الأرواح المطمئنة يوم القيامة في الأجساد .
قوله تعالى:" ارجعي إلى ربك راضية مرضية". وروى الضحاك:
أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه حين وقف بئر رومة. وقيل: نزلت في خبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة، وجعلوا وجهه إلى المدينة، فحول الله وجهة نحو القبلة. والله أعلم.
معنى " إلى ربك" أي إلى صاحبك وجسدك، قاله ابن عباس وعكرمة وعطاء. واختاره الطبري، ودليله قراءة ابن عباس (فأدخلي في عبدي) على التوحيد، فيأمر الله تعالى الأرواح غداً أن ترجع إلى الأجساد. وقرأ ابن مسعود (في جسد عبدي). وقال الحسن: ارجعي إلى ثواب ربك وكرامته. وقال أبو صالح: المعنى: ارجعي إلى الله.
يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة, فقال تعالى: "كلا" أي حقاً "إذا دكت الأرض دكاً دكاً" أي وطئت ومهدت وسويت الأرض والجبال وقام الخلائق من قبورهم لربهم "وجاء ربك" يعني لفصل القضاء بين خلقه وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلوات الله عليه وسلامه عليه, بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحداً بعد واحد, فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أنا لها أنا لها" فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء, فيشفعه الله تعالى في ذلك.
وهي أول الشفاعات وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة سبحان, فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء, والملائكة يجيئون بين يديه صفوفاً صفوفاً.
وقوله تعالى: "وجيء يومئذ بجهنم" قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثنا عمر بن حفص بن غياث , حدثنا أبي عن العلاء بن خالد الكاهلي عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألفاً ملك يجرونها" وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن عمر بن حفص به. ورواه أيضاً عن عبد بن حميد عن أبي عامر عن سفيان الثوري عن العلاء بن خالد عن شقيق بن سلمة , وهو أبو وائل , عن عبد الله بن مسعود قوله ولم يرفعه, وكذا رواه ابن جرير عن الحسن بن عرفة عن مروان بن معاوية الفزاري عن العلاء بن خالد عن شقيق عن عبد الله قوله. وقوله تعالى: "يومئذ يتذكر الإنسان" أي عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه "وأنى له الذكرى" أي وكيف تنفعه الذكرى "يقول يا ليتني قدمت لحياتي" يعني يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصياً ويود لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعاً كما قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا علي بن إسحاق , حدثنا عبد الله يعني ابن المبارك , حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن محمد بن أبي عميرة , وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: لو أن عبداً خر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرماً في طاعة الله لحقره يوم القيامة, ولود أنه رد إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب.
قال الله تعالى: "فيومئذ لا يعذب عذابه أحد" أي ليس أحد أشد عذاباً من تعذيب الله من عصاه "ولا يوثق وثاقه أحد" أي وليس أحد أشد قبضاً ووثقاً من الزبانية لمن كفر بربهم عز وجل, وهذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين, فأما النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق فيقال لها: " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك " أي إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في جنته "راضية" أي في نفسها "مرضية" أي قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها "فادخلي في عبادي" أي في جملتهم "وادخلي جنتي" وهذا يقال لها عند الاحتضار وفي يوم القيامة أيضاً, كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره, فكذلك ههنا.
ثم اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الاية, فروى الضحاك عن ابن عباس : نزلت في عثمان بن عفان , وعن بريدة بن الحصيب : نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. وقال العوفي عن ابن عباس : يقال للأرواح المطمئنة يوم القيامة " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك " يعني صاحبك وهو بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا "راضية مرضية" وروي عنه أنه كان يقرؤها " فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي " وكذا قال عكرمة والكلبي , واختاره ابن جرير وهو غريب, والظاهر الأول لقوله تعالى: "ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق" "وأن مردنا إلى الله" أي إلى حكمه والوقوف بين يديه. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي , حدثني أبي عن أبيه عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال: نزلت و أبو بكر جالس فقال: يا رسول الله ما أحسن هذا, فقال: "أما إنه سيقال لك هذا" ثم قال: حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا ابن يمان عن أشعث عن سعيد بن جبير قال: قرأت عند النبي صلى الله عليه وسلم " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية " فقال أبو بكر رضي الله عنه إن هذا لحسن, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إن الملك سيقول لك هذا عند الموت" وكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن ابن يمان به وهذا مرسل حسن.
ثم قال ابن أبي حاتم وحدثنا الحسن بن عرفة حدثنا مروان بن شجاع الجزري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: مات ابن عباس بالطائف فجاء طير لم ير على خلقته فدخل نعشه ثم لم ير خارجاً منه فلما دفن تليت هذه الاية على شفير القبر لا يدري من تلاها " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي " ورواه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن مروان بن شجاع عن سالم بن عجلان الأفطس به فذكره. وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر الهروي المعروف بشكر في كتاب العجائب بسنده عن قباث بن رزين أبي هاشم قال: أسرت في بلاد الروم فجمعنا الملك وعرض علينا دينه على أن من امتنع ضربت عنقه فارتد ثلاثة وجاء الرابع فامتنع فضربت عنقه وألقي رأسه في نهر هناك فرسب في الماء ثم طفا على وجه الماء ونظر إلى أولئك الثلاثة فقال: يا فلان ويا فلان ويا فلان يناديهم بأسمائهم قال الله تعالى في كتابه: " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي " ثم غاص في الماء, قال فكادت النصارى أن يسلموا ووقع سرير الملك ورجع أولئك الثلاثة إلى الإسلام قال وجاء الفداء من عند الخليفة أبي جعفر المنصور فخلصنا.
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة رواحة بنت أبي عمرو الأوزاعي عن أبيها حدثني سليمان بن حبيب المحاربي حدثني أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "قل اللهم إني أسألك نفساً بك مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك" ثم روى عن أبي سليمان بن وبر أنه قال: حديث رواحة هذا واحد أمه, آخر تفسير سورة الفجر, ولله الحمد والمنة.
28- "ارجعي إلى ربك" أي ارجعي إلى الله "راضية" بالثواب الذي أعطاك "مرضية" عنده، وقيل ارجعي إلى موعده، وقيل إلى أمره. وقال عكرمة وعطاء: معنى "ارجعي إلى ربك" إلى جسدك الذي كنت فيه، واختاره ابن جرير، ويدل على هذا قراءة ابن عباس فادخلي في عبدي بالإفراد، والأول أولى.
واختلفوا في وقت هذه المقالة، فقال قوم: يقال لها ذلك عند الموت فيقال لها:
28- "ارجعي إلى ربك"، إلى الله، "راضيةً"، بالثواب، "مرضية"، عنك.
وقال الحسن: إذا أراد الله قبضها اطمأنت إلى الله ورضيت عن الله ورضي الله عنها.
قال عبد الله بن عمرو: إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عز وجل ملكين إليه وأرسل إليه بتحفة من الجنة، فيقال لها: اخرجي يا أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى روح وريحان وربك عنك راض، فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه، والملائكة على أرجاء السماء يقولون: قد جاء من الأرض روح طيبة ونسمة طيبة. فلا تمر بباب إلا فتح لها ولا بملك إلا صلى عليها، حتى يؤتى بها الرحمن فتسجد، ثم يقال لميكائيل: اذهب بهذه فاجعلها مع أنفس المؤمنين، ثم يؤمر فيوسع عليه قبره، سبعون ذراعاً عرضه، وسبعون ذراعاً طوله، وينبذ له فيه الريحان فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره.
وإن لم يكن جعل له نوره مثل الشمس في قبره، ويكون مثله مثل العروس، ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه. وإذا توفي الكافر أرسل الله إليه ملكين وأرسل قطعة من بجاد أنتن من كل نتن وأخشن من كل خشن، فيقال: يا أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم وربك عليك غضبان.
وقال أبو صالح في قوله: "ارجعي إلى ربك راضية مرضية"، قال: هذا عند خروجها من الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قيل: " ادخلي في عبادي * وادخلي جنتي ".
وقال آخرون: إنما يقال لها ذلك عند البعث يقال: ارجعي إلى ربك، أي إلى صاحبك وجسدك، فيأمر الله الأرواح أن ترجع إلى الأجساد وهذا قول عكرمة، وعطاء، والضحاك، ورواية العوفي عن ابن عباس.
وقال الحسن: معناه: ارجعي إلى ثواب ربك وكرامته، راضيةً عن الله بما أعد لك، مرضيةً، رضي عنك ربك.
28-" رجعي إلى ربك " إلى أمره أو موعده بالموت ، ويشعر ذلك بقول من قال : كانت النفوس قبل الأبدان موجودة في عالم القدس أو البعث ، " راضيةً " بما اوتيت " مرضيةً " عند الله تعالى .
28. Return unto thy Lord, content in His good pleasure!
28 - Come back thou to thy Lord, well pleased (thyself), and well pleasing unto Him!