3 - (الذي هم فيه مختلفون) فالمؤمنون يثبتونه والكافرون ينكرونه
قوله تعالى : " الذي هم فيه مختلفون " .
قوله تعالى:" الذي هم فيه مختلفون" أي يخالف فيه بعضهم بعضاً، فيصدق واحد ويكذب آخر، فروى أبو صالح عن ابن عباس قال: هو القرآن، دليله قوله: " قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون" [ ص:67-68] فالقرآن نبأ وخبر وقصص، وهو نبأ عظيم الشأن. وروى سعيد عن قتادة قال: هو البعث بعد الموت صار الناس فيه رجلين: مصدق ومكذب. وقيل : أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: وذلك أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كثيرة، فأخبره الله جل ثناؤه باختلافهم،
يقول تعالى منكراً على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة إنكاراً لوقوعها " عم يتساءلون * عن النبإ العظيم " أي عن أي شيء يتساءلون عن أمر القيامة وهو النبأ العظيم, يعني الخبر الهائل المفظع الباهر, قال قتادة وابن زيد : النبأ العظيم البعث بعد الموت وقال مجاهد : هو القرآن. والأظهر الأول لقوله: "الذي هم فيه مختلفون" يعني الناس فيه على قولين مؤمن به وكافر, ثم قال تعالى متوعداً لمنكري القيامة: "كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون" وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد. ثم شرع تبارك وتعالى يبين قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره فقال: "ألم نجعل الأرض مهاداً" أي ممهدة للخلائق ذلولاً لهم قارة ساكنة ثابتة "والجبال أوتاداً" أي جعلها لها أوتاداً أرساها بها وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها. ثم قال تعالى: "وخلقناكم أزواجاً" يعني ذكراً وأنثى يتمتع كل منهما بالاخر ويحصل التناسل بذلك كقوله: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" وقوله تعالى: "وجعلنا نومكم سباتاً" أي قطعاً للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعي في المعايش في عرض النهار وقد تقدم مثل هذه الاية في سورة الفرقان "وجعلنا الليل لباساً" أي يغشى الناس ظلامه وسواده كما قال: "والليل إذا يغشاها" وقال الشاعر:
فلما لبسن الليل أوحين نصبت له من خذا آذانها وهو جانح
وقال قتادة في قوله تعالى: "وجعلنا الليل لباساً" أي سكناً, وقوله تعالى: "وجعلنا النهار معاشاً" أي جعلناه مشرقاً نيراً مضيئاً ليتمكن الناس من التصرف فيه والذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارات وغير ذلك. وقوله تعالى: "وبنينا فوقكم سبعاً شداداً" يعني السموات السبع في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت والسيارات ولهذا قال تعالى: "وجعلنا سراجاً وهاجاً" يعني الشمس المنيرة على جميع العالم التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم. وقوله تعالى: "وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً" قال العوفي عن ابن عباس : المعصرات الريح, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "وأنزلنا من المعصرات" قال: الرياح, وكذا قال عكرمة ومجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن إنها الرياح, ومعنى هذا القول أنها تستدر المطر من السحاب, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من المعصرات أي من السحاب, وكذا قال عكرمة أيضاً وأبو العالية والضحاك والحسن والربيع بن أنس والثوري واختاره ابن جرير , وقال الفراء : هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد, كما يقال امرأة معصر إذا دنا حيضها ولم تحض. وعن الحسن وقتادة : من المعصرات يعني السموات وهذا قول غريب, والأظهر أن المراد بالمعصرات السحاب كما قال تعالى: "الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله" أي من بينه.
وقوله جل وعلا: "ماء ثجاجاً" قال مجاهد وقتادة والربيع بن أنس : ثجاجاً منصباً وقال الثوري : متتابعاً وقال ابن زيد : كثيراً, وقال ابن جرير ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثج وإنما الثج الصب المتتابع ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الحج العج والثج" يعني صب دماء البدن هكذا قال, قلت وفي حديث المستحاضة حين قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنعت لك الكرسف" يعني أن تحتشي بالقطن فقالت: يا رسول الله هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً, وهذا فيه دلالة على استعمال الثج في الصب المتتابع الكثير, والله أعلم. وقوله تعالى: " لنخرج به حبا ونباتا * وجنات ألفافا " أي لنخرج بهذا الماء الكثير الطيب النافع المبارك "حباً" يدخر للأناسي والأنعام "ونباتاً" أي خضراً يؤكل رطباً "وجنات" أي بساتين وحدائق من ثمرات متنوعة وألوان مختلفة وطعوم وروائح متفاوتة وإن كان ذلك في بقعة واحدة من الأرض مجتمعاً ولهذا قال وجنات ألفافاً, قال ابن عباس وغيره: ألفافاً مجتمعة, وهذه كقوله تعالى: " وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ".
وقد استدل على أن النبأ العظيم هو القرآن بقوله: 3- "الذي هم فيه مختلفون" فإنهم اختلفوا في القرآن، فجعله بعضهم سحراً وبعهضهم شعراً وبعضهم كهانة وبعضهم قال هو أساطير الأولين. وأما البعث فقد اتفق الكفار إذا ذاك على إنكاره. ويمكن أن يقال إنه قد وقع الاختلاف في البعث في الجملة، فصدق به المؤمنون وكذب به الكافرون، فقد وقع الاختلاف فيه من هذه الحيثية، وإن لم يقع الاختلاف فيه بين الكفار أنفسهم على التسليم والتنزل، ومما يدل على أنه القرآن قوله سبحانه " قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون " ومما يدل على أنه البعث أنه أكثر ما كان يستنكره المشركون وتأباه عقولهم السخيفة. وأيضاً فطوائف الكفار قد وقع الاختلاف بينهم في البعث، فأثبت النصارى المعاد الروحاني، وأثبتت طائفة من اليهود المعاد الجسماني، وفي التوارة التصريح بلفظ الجنة باللغة العبرانية بلغظ جنعيذا بجيم مفتوحة ثم نون ساكنة ثم عين مكسورة مهملة ثم تحتية ساكنة ثم ذال معجمة بعدها ألف. وفي الإنجيل في مواضع كثيرة التصريح بالمعاد، وأنه يكون فيه النعيم للمطيعين والعذاب للعاصين، وقد كان بعض طوائف كفار العرب ينكر المعاد كما حكى الله عنهم بقوله: " إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين " وكانت طائفة منهم غير جازمة بنفيه، بل شاكة فيه كما حكى الله عنهم بقوله: "إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين" وما حكاه عنهم بقوله: "وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى" فقد حصل الاختلاف بين طوائف الكفر على هذه الصفة. وقد قيل إن الضمير في قوله يتساءلون يرجع إلى المؤمنين والكفار لأنهم جميعاً كانوا يتساءلون عنه، فأما المسلم فيزداد يقيناً واستعداداً وبصيرة في دينه. وأما الكافر فاستهزاء وسخرية. قال الرازي: ويحتمل أنهم يسألون الرسول ويقولون: ما هذا الذي يعدنا به من أمر الآخرة، والموصول في محل جر صفة للنبإ بعد وصفه بكونه عظيماً فهو متصف بالعظم ومتصف بوقوع الاختلاف فيه.
3- "الذي هم فيه مختلفون"، فمصدق ومكذب.
3-" الذي هم فيه مختلفون " بجزم النفي والشك فيه ، أو بالإقرار والإنكار .
3. Concerning which they are in disagreement.
3 - About which they cannot agree.