30 - (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة) بفتح الياء وكسرها أي بينت أو هي بينة (يضاعف) وفي قراءة يضعف بالتشديد وفي أخرى نضعف بالنون معه ونصب العذاب (لها العذاب ضعفين) ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه (وكان ذلك على الله يسيرا)
يقول تعالى ذكره لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: " يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة " يقول: من يزن منكن الزنى المعروف الذي أوجب الله عليه الحد، يضاعف لها العذاب على فجورها في الآخرة ضعفين على فجور أزواج الناس غيرهم، كما:
حدثني محمد بن سع، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس " يضاعف لها العذاب ضعفين " قال: يعني عذاب الآخرة.
واختلفت القراء في قرءاة ذلك، فقرأته عامة قراء الأمصار " يضاعف لها العذاب " بالألف غير أبي عمرو، فإنه قرأ ذلك ( يضعف) بتشديد العين تأولاً منه في قراءته ذلك أن يضعف، بمعنى: تضعيف الشيء مرة واحدة، وذلك أن يجعل الشيء شيئين، فكأن معنى الكلام عنده: أن يجعل عذاب من يأتي من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بفاحشة مبينة في الدنيا والآخرة، مثلي عذاب سائر النساء غيرهن، ويقول: إن " يضاعف " بمعنى أن يجعل إلى الشيء مثلاه حتى يكون ثلاثة، فكأن معنى من قرأ " يضاعف " ععنده كان أن عذابها غيرها من النساء من غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك اختار يضعف على يضاعف. وأنكر الآخرون الذين قرءوا ذلك يضاعف ما كان يقول في ذلك، ويقولون: لا نعلم بين يضاعف ويضعف فرقاً.
والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار، وذلك " يضاعف ". وأما التأويل الذين ذهب إليه أبو عمرو، فتأويل لا نعلم أحداً من أهل العلم ادعاه غيره، وغير أبي عبيدة معمر بن المثنى، ولا يجوز خلاف ما جاءت به الحجة مجمعة عليه بتأويل لا برهان له من الوجه الذي يجب التسليم له.
وقوله " وكان ذلك على الله يسيرا " يقول تعالى ذكره: وكانت مضاعفة العذاب على من فعل ذلك منهن على الله يسيرا، والله أعلم.
قوله تعالى :" يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة " فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قال العلماء : لما اختار نساء النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم شكرهن الله على ذلك فقال تكرمة لهن : " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج " الآية . وبين حكمهن عن غيرهن فقال : " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا " وجعل ثواب طاعتهن وعقاب معصيتهن أكثر مما لغيرهن فقال : " يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين " . فأخبر تعالى أن من جاء من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بفاحشة - والله عاصم رسوله عليه السلام من ذلك كما مر في حديث الإفك - (( يضاعف لها العذاب ضعفين )) ، لشرف منزلتهن وفضل درجتهن ، وتقدمهن على سائر النساء أجمع . وكذلك بينت الشريعة في غير ما موضع حسبما تقدم بيانه غير مرة - أنه كلما تضاعفت الحرمات فهتكت تضاعفت العقوبات ، ولذلك ضوعف حد الحر على العبد والثيب على البكر . وقيل : لما كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مهبط والوحي وفي منزل أوامر الله ونواهيه ، قوي الأمر عليهن ولزمهن بسبب مكانتهن أكثر مما يلزم غيرهن ، فضوعف لهن الأجر والعذاب . وقيل : إنما ذلك لعظم الضرر في جرائمهن بإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت العقوبة على قدر عظم الجريمة في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى : " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة " . واختار هذا القول الكيا الطبري .
الثانية : قال قوم : لو قدر الزنى من واحدة منهن - وقد أعاذهن الله من ذلك - لكانت تحد حدين لعظم قدرها ، كما يزاد حد الحرة على الأمة . والعذاب بمعنى الحد ، قال الله تعالى : " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " . وعلى هذا فمعنى الضعفين معنى المثلين أو المرتين . وقال أبو عبيدة : ضعف الشيء شيئان حتى يكون ثلاثة . وقاله أبو عمرو فيما حكى الطبري عنه ، فيضاعف إليه عذابان مثله فيكون ثلاثة أعذبة . وضعفه الطبري . وكذلك هو غير صحيح وإن كان له باللفظ تعلق الاحتمال . وكون الأجر مرتين يفسد هذا القول ، لأن العذاب في الفاحشة بإزاء الأجر في الطاعة ، قاله ابن عطية . وقال النحاس : فرق أبو عمرو بين (( يضاعف ويضعف )) قال : (( يضاعف )) للمرار الكثيرة . و(( يضعف )) مرتين . وقرأ (( يضعف )) لهذا . وقال أبو عبيدة : (( يضاعف لها العذاب )) يجعل ثلاثة أعذبة . قال النحاس : التفريق الذي جاء به أبو عمرو و أبو عبيدة لا يعرفه أحد من أهل اللغة علمته ، والمعنى في (( يضاعف ويضعف )) واحد ، أي يجعل ضعفين ، كما تقول : إن دفعت إلي درهما دفعت إليك ضعفيه أي مثليه ، يعني درهمين . ويدل على هذا
" نؤتها أجرها مرتين " ولا يكون العذاب أكثر من الأجر . وقال في موضع آخر " آتهم ضعفين من العذاب " أي مثلين . وروى معمر عن قتادة (( يضاعف لها العذاب ضعفين )) قال : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة . قال القشيري أبو نصر : الظاهر أنه أراد بالضعفين المثلين ، لأنه قال : " نؤتها أجرها مرتين " . فأما في الوصايا ، لو أوصى لإنسان بضعفي نصيب ولده فهو وصية بأن يعطى مثل نصيبه ثلاث مرات ، فإن الوصايا تجري على العرف فيما بين الناس ، وكلام الله يرد تفسيره إلى كلام العرب ، والضعف في كلام العرب المثل إلى ما زاد ، وليس بمقصور على مثلين .يقال : هذا ضعف هذا ، أي مثله . وهذا ضعفاه ، أي مثلاه ، فالضعف في الأصل زيادة غير محصورة ، قال الله تعالى : " فأولئك لهم جزاء الضعف " ولم يرد مثلا ولا مثلين . كل هذا قول الأزهري . وقد تقدم في (( النور )) الاختلاف في حد من قذف واحدة منهن ، والحمد لله .
الثالثة : قال أبو رافع : كان عمر رضي الله عنه كثيرا ما يقرأ سورة يوسف وسورة الأحزاب في الصبح ، وكان إذا بلغ (( يا نساء النبي )) رفع بها صوته ، فقيل له في ذلك فقال : (( أذكرهن العهد )) . قرأ الجمهور : (( من يأت )) بالياء . وكذلك (( من يقنت )) حملا على لفظ (( من )) . والقنوت الطاعة ، وقد تقدم . وقرأ يعقوب : (( من تأت )) و(( تقنت )) بالتاء من فوق ، حملا على المعنى . وقال قوم : الفاحشة إذا وردت معرفة فهي الزنى واللواط . وإذا وردت منكرة فهي سائر المعاصي . وإذا وردت منعوتة فهي عقوق الزوج وفساد عشرته . وقالت فرقة : بل قوله " بفاحشة مبينة " تعم جميع المعاصي . وكذلك الفاحشة كيف وردت . وقرأ ابن كثير (( مبينة )) بفتح الياء . وقرأ نافع و أبو عمرو بكسرها . وقرأت فرقة : (( نضاعف )) بالنون المضمومة ونصب (( العذاب )) وهذه قراءة ابن محيصن . وهذه مفاعلة من واحد ، كطارقت النعل وعاقبت اللص . وقرأ نافع و حمزة و الكسائي (( يضاعف )) بالياء وفتح العين ، (( العذاب )) رفعا . وهي قراءة الحسن و ابن كثير و عيسى . وقرأ ابن كثير و ابن عامر (( نضعف )) بالنون وكسر العين المشددة ، (( العذاب )) نصبا . قال مقاتل : هذا التضعيف في العذاب إنما هو في الآخرة ، لأن إيتاء الأجر مرتين أيضا في الآخرة . وهذا حسن ، لأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتين بفاحشة توجب حدا . وقد قال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط ، وإنما خانت في الإيمان والطاعة . وقال بعض المفسرين : العذاب الذي توعدن به (( ضعفين )) هو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فكذلك الأجر . قال ابن عطية : وهذا ضعيف ، اللهم إلا أن يكون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا ترفع عنهن حدود الدنيا عذاب الآخرة ، على ما هي حال الناس عليه ، بحكم حديث عبادة بن الصامت . وهذا أمر لم يرو في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا حفظ تقرره . وأهل التفسير على أن الرزق الكريم الجنة ، ذكره النحاس .
يقول الله تعالى واعظاً نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الاخر, واستقر أمرهن تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم فناسب أن يخبرهن بحكمهن وتخصيصهن دون سائر النساء بأن من يأت منهن بفاحشة مبينة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: وهي النشوز وسوء الخلق, وعلى كل تقدير فهو شرط, والشرط لا يقتضي الوقوع كقوله تعالى: "ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك" وكقوله عز وجل: "ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون" "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" " لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار " فلما كانت محلتهن رفيعة ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهن مغلظاً صيانة لجنابهن وحجابهن الرفيع, ولهذا قال تعالى: " من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين " قال مالك عن زيد بن أسلم "يضاعف لها العذاب ضعفين" قال: في الدنيا والاخرة, وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله " وكان ذلك على الله يسيراً" أي سهلاً هيناً, ثم ذكر عدله وفضله في قوله: "ومن يقنت منكن لله ورسوله" أي ويستجب "نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً" أي في الجنة فإنهن في منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلى العليين, فوق منازل جميع الخلائق في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش.
ثم لما اختار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله أنزل فيهن هذه الآيات تكرمة لهن وتعظيماً لحقهن فقال: 30- "يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة" أي ظاهرة القبح واضحة الفحش، وقد عصمهن الله عن ذلك وبرأهن وطهرهن "يضاعف لها العذاب ضعفين" أي يعذبهن مثلي عذاب غيرهن من النساء إذا أتين بمثل تلك الفاحشة، وذلك لشرفهن وعلو درجتهن وارتفاع منزلتهن. وقد ثبت في هذه الشريعة في غير موضع أن تضاعف الشرف وارتفاع الدرجات يوجب لصاحبه إذا عصى تضاعف العقوبات. وقرأ أبو عمرو يضعف على البناء للمفعول، وفرق هو وأبو عبيد بين يضاعف فقالا: يكون يضاعف ثلاثة عذابات ويضعف عذابين. قال النحاس: هذه التفرقة التي جاء بها لا يعرفها أحد من أهل اللغة، والمعنى في يضاعف ويضعف واحد: أي يجعل ضعفينن وهكذا ضعف ما قالاه ابن جرير "وكان ذلك على الله يسيراً" لا يتعاظمه ولا يصعب عليه.
قوله عز وجل: 30- "يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة"، بمعصية ظاهرة، قيل: هو كقوله عز وجل: " لئن أشركت ليحبطن عملك " (الزمر-65) لا أن منهن من أتت بفاحشة. وقال ابن عباس: المراد بالفاحشة النشوز وسوء الخلق. "يضاعف لها العذاب ضعفين"، قرأ ابن كثير وابن عامر: نضعف بالنون وكسر العين وتشديدها، العذاب نصب، وقرأ الآخرون بالياء وفتح العين العذاب رفع ويشددها أبو جعفر وأهل البصرة، وشدد أبو عمرو هذه وحدها لقوله: ضعفين، وقرأ الآخرون: يضاعف بالألف وفتح العين، العذاب رفع، وهما لغتان مثل بعد وباعد، قال أبو عمرو وأبو عبيدة: ضعفت الشيء إذا جعلته مثليه وضاعفته إذا جعلته أمثاله. "وكان ذلك على الله يسيراً"، قال مقاتل: كان عذابها على الله هيناً وتضعيف عقوبتهن على المعصية لشرفهن كتضعيف عقوبة الحرة على الأمة وتضعيف ثوابهن لرفع منزلتهن، وفيه إشارة إلى أنهن أشرف نساء العالمين.
30 -" يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة " بكبيرة . " مبينة " ظاهره قبحها على قراءة ابن كثير و أبي بكر والباقون بكسر الياء . " يضاعف لها العذاب ضعفين " ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه ، لأن الذنب منهن أقبح فإن زيادة قبحه تتبع زيادة فضل المذنب والنعمة عليه ولذلك جعل حد الحر ضعفي حد العبد ، وعوتب الأنبياء بما لا يعاتب به غيرهم وقرأ البصريان (( يضعف )) على البناء للمفعول ، ورفع (( العذاب )) و ابن كثير و ابن عامر (( نضعف )) بالنون وبناء الفاعل ونصب (( العذاب )) . " وكان ذلك على الله يسيراً " لا يمنعه عن التضعيف كونهن نساء النبي وكيف وهو سببه .
30. O ye wives of the Prophet! Whosoever of you committeth manifest lewdness, the punishment for her will be doubled, and that is easy for Allah.
30 - O Consorts of the prophet if any of you were guilty of evident unseemly conduct, the Punishment would be doubled to her, and that is easy for God.