30 - (وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب) أي يوم حزب بعد حزب
يقول تعالى ذكره : وقال المؤمن من آل فرعون وملئه : يا قوم إني أخاف عليكم بقتلكم موسى إن قتلتموه مثل يوم الأحزاب الذين تحزبوا على رسل الله نوح وهود وصالح ، فأهلكهم الله بتجرئهم عليهم ، فيهلككم كما أهلكهم .
قوله تعالى : " ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد " زاد في الوعظ والتخويف وأفصح عن إيمانه ، وإما مستسلماً موطناً نفسه على القتال ، وأو واثقاً بأنهم لا يقصدونه بسوء ، وقد وقاه الله شرهم بقوله الحق " فوقاه الله سيئات ما مكروا " . وقراءة العامة ( التناد ) بتخفيف الدال وهو يوم القيامة ، قال أمية بن أبي الصلت :
وبث الخلق فيا إذ دحها فهم سكانها حتى التناد سمي بذلك لمناداة الناس بعضهم بعضاً ، فينادي أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم ، وينادي أصحاب الجنة وأصحاب النار : " أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا " [ الأعراف : 44] وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة : " أن أفيضوا علينا من الماء " [ الأعراف : 50] وينادي المنادي أيضاً بالشقوة والسعادة : ألا إن فلا ن بن فلا ن قد شقى شقاوة لا يسعد بعدها أبداً ، ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدكها أبداً . وهذا عند وزن الأعمال . وتنادي الملائكة أصحاب الجنة " أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون " [ الأعراف : 43] وينادي حين يذبح الموت : يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت وينادي كل قوم بإماههم إلى غير ذلك من النداء . وقرأ الحسن بن السميقع و يعقوب و ابن كثير و ابن مجاهد : ( التناد ) بإثبات الياء في الوصل والوقف على الأصل . وقرأ ابن عباس و الضحاك و عكرمة ( يوم التناد ) بتشديد الدال . قال بعض أهل العربية : هذا لحن ، لأنه من ند يند إذا مر على وجهه هارباً ، كما قال الشاعر :
ويرك هجود قد أثارت مخافتي نواديها أسعى بعضب مجرد
قال: فلا معنى لهذا في القيامة . قال أبو جعفر النحاس : وهذا غلط والقراءة بها حسنة على معنى يوم التنافر . قال الضحاك : ذلك إذا سمعوا زفير جهنم ندوا هرباً ، فلا يأتون قطراً من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفاً من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله : " يوم التناد " وقوله : " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض " [ الرحمن : 33] الآية . وقوله : " والملك على أرجائها " [ الحاقة : 17] ذكره ابن المبارك بمعناه . وقال : وأخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثنا عبد الجبار بن عبيد الله بن سلمان في قوله تعالى : " إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين " ثم تستجيب لهم أعينهم بالدمع فيبكون حتى ينفد الدمع ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالدم فيبكون حتى ينفد الدم ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح . قال : يرسل عليهم من الله أمر فيولون مدبرين ، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح ، فيبكون حتى ينفد القيح فتغور أعينهم كالحرق في الطين . وقيل : إن هذا يكون عند نفخ إسرافيل عليه السلام في الصور نفخة الفزع . ذكره علي بن معبد و الطبري وغيرهما من حديث أبي هريررة وفيه : " فتكون الأرض كلسفينة في البحر تضربها الأمواج فيميد الناس على ظهرها وتذهل المراضع وتضع الحوامل ما في بطونها وتشيب والولدان وتتطاير الشياطين هاربة فتلقاها الملائكة تضرب وجوهها ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضاً وهي التي يقول الله تعالى : "يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد " " الحديث بكماله . وقد ذكرناه في كتاب التذكرة وتكلمنا عليه هناك . وروي عن علي بن نصر عن أبي عمرو وإسكان الدال من ( التناد ) في الوصول خاصة . وروى أبو معمر عن عبد الوارث زيادة الياء في الوصل خاصة وهو مذهب ورش . والمشهور عن أبي عمرو حذفها في الحالين . وكذلك قرأ سائر السبعة سوى ورش على ما ذكرنا عنه وسوى ابن كثير على ماتقدم . وقيل : سمي يوم القيامة يوم التناد ، لأن الكافر ينادي فيه بالويل والثبور والحسرة . وقاله ابن جريج . وقيل : فيه إضمار أي إني أخاف عليكم عذاب يوم التناد ، فالله أعلم .
هذا إخبار من الله عز وجل عن هذا الرجل الصالح مؤمن آل فرعون أنه حذر قومه بأس الله تعالى في الدنيا والاخرة فقال: "يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب" أي الذين كذبوا رسل الله في قديم الدهر كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم من الأمم المكذبة كيف حل بهم بأس الله وما رده عنهم راد ولا صده عنهم صاد "وما الله يريد ظلماً للعباد" أي إنما أهلكهم الله تعالى بذنوبهم وتكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره فأنفذ فيهم قدره ثم قال: "ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد" يعني يوم القيامة وسمي بذلك, قال بعضهم لما جاء في حديث الصور أن الأرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر وماجت وارتجت فنظر الناس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضاً وقال آخرون منهم الضحاك بل ذلك إذا جيء بجنهم ذهب الناس هراباً منهم فتتلقاهم الملائكة فتردهم إلى مقام المحشر وهو قوله تعالى: "والملك على أرجائها" وقوله: "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان" وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه والحسن والضحاك أنهم قرأوا يوم التناد بتشديد الدال من ند البعير إذا شرد وذهب وقيل لأن الميزان عنده ملك إذا وزن عمل العبد فرجح نادى بأعلى صوته ألا قد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً, وإن خف عمله نادى ألا قد شقي فلان بن فلان وقال قتادة: ينادي كل قوم بأعمالهم, ينادي أهل الجنة أهل الجنة وأهل النار أهل النار, وقيل سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار "أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ قالوا نعم" ومناداة أهل النار أهل الجنة "أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين" ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار كما هو مذكور في سورة الأعراف, واختار البغوي وغيره أنه سمي بذلك لمجموع ذلك وهو قول حسن جيد, والله أعلم وقوله تعالى: "يوم تولون مدبرين" أي ذاهبين هاربين " كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر " ولهذا قال عز وجل: "ما لكم من الله من عاصم" أي لا مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه "ومن يضلل الله فما له من هاد" أي من أضله الله فلا هادي له غيره. وقوله تبارك وتعالى: "ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات" يعني أهل مصر وقد بعث الله فيهم رسولاً من قبل موسى عليه الصلاة والسلام وهو يوسف عليه الصلاة والسلام كان عزيز أهل مصر وكان رسولاً يدعو إلى الله تعالى أمته بالقسط فما أطاعوه تلك الطاعة إلا بمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ولهذا قال تعالى: "فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً" أي يئستم فقلتم طامعين: "لن يبعث الله من بعده رسولاً" وذلك لكفرهم وتكذيبهم "كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب" أي كحالكم هذا يكون حال من يضله الله لإسرافه في أفعاله وارتياب قلبه, ثم قال عز وجل: "الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم" أي الذين يدفعون الحق بالباطل ويجادلون بالحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى فإن الله عز وجل يمقت على ذلك أشد المقت ولهذا قال تعالى: "كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا" أي والمؤمنون أيضاً يبغضون من تكون هذه صفته فإن من كانت هذه صفته يطبع الله على قلبه فلا يعرف بعد ذلك معروفاً ولا ينكر منكراً ولهذا قال تبارك وتعالى: "كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر" أي على اتباع الحق "جبار" وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة وحكي عن الشعبي أنهما قالا: لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين وقال أبو عمران الجوني وقتادة: آية الجبابرة القتل بغير حق, والله تعالى أعلم.
ثم كرر ذلك الرجل المؤمن تذكيرهم، وحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم، فقال الله حاكياً عنه 30- "وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب" أي مثل يوم عذاب الأمم الماضية الذين تحزبوا على أنبيائهم وأفرد اليوم لأن جمع الأحزاب قد أغنى عن جمعه.
30. " وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب "
30-" وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم " في تكذيبه والتعرض له . " مثل يوم الأحزاب " مثل أيام الأمم الماضية يعني وقائعهم ، وجمع " الأحزاب " مع التفسير أغنى عن جمع " اليوم " .
30. And he who believed said: O my people! Lo! I fear for you a fate like that of the factions (of old);
30 - Then said the man who believed: O my people! Truly I do fear for you something like the Day (of disaster) of the Confederates (in sin)!