30 - (فذوقوا) أي فيقال لهم في الآخرة عند وقوع العذاب عليهم ذوقوا جزاءكم (فلن نزيدكم إلا عذابا) فوق عذابكم
وقوله : " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا " يقول جل ثناؤه : يقال الكفار في جهنم إذا شربوا الحميم والغساق : ذوقوا أيها القوم من عذاب الله الذي كنتم به في الدنيا تكذبون ، فلن نزيدكم إلا عذاباً على العذاب الذي أنتم فيه لا تخفيفاً منه ، ولا ترفهأً .
وقد حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، ع، قتادة عن أبي أيوب الأزدي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : لم تنزل على أهل النار آية أشد من هذه " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا " قال : فهم في مزيد من العذاب أبداً .
حدثنا بشر ، قال : ثنا مزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا " ذكر لنا أن عبد الله بن عمرو كان يقول : ما نزلت على أهل النار آية أشد منها " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا " فهم في مزيد من الله أبداً .
فقال: ((قوله تعالى:" فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا" )) أي ((كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها)) و ((كلما خبت زدناهم سعيراً)).
يقول تعالى مخبراً عن يوم الفصل وهو يوم القيامة أنه مؤقت بأجل معدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه ولا يعلم وقته على التعيين إلا الله عز وجل كما قال تعالى: "وما نؤخره إلا لأجل معدود" "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً" قال مجاهد : زمراً زمراً, قال ابن جرير : يعني تأتي كل أمة مع رسولها, وكقوله تعالى: " يوم ندعوا كل أناس بإمامهم " وقال البخاري "يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً" حدثنا محمد , حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين أربعون قالوا: أربعون يوماً ؟ قال أبيت قالوا: أربعون شهراً ؟ قال أبيت قالوا: أربعون سنة ؟ قال أبيت قال :ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة".
"وفتحت السماء فكانت أبواباً" أي طرقاً ومسالك لنزول الملائكة "وسيرت الجبال فكانت سراباً" كقوله تعالى: "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب" وكقوله تعالى: "وتكون الجبال كالعهن المنفوش" وقال ههنا: "فكانت سراباً" أي يخيل إلى الناظر أنها شيء وليست بشيء وبعد هذا تذهب بالكلية فلا عين ولا أثر, كما قال تعالى: "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً * فيذرها قاعاً صفصفاً * لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً", وقال تعالى: "ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة" وقوله تعالى: "إن جهنم كانت مرصاداً" أي مرصدة معدة "للطاغين" وهم المردة العصاة المخالفون للرسل "مآباً" أي مرجعاً ومنقلباً ومصيراً ونزلاً. وقال الحسن وقتادة في قوله تعالى: "إن جهنم كانت مرصاداً" يعني أنه لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز بالنار فإن كان معه جواز نجا وإلا احتبس, وقال سفيان الثوري : عليها ثلاث قناطر.
وقوله تعالى: " لابثين فيها أحقابا " أي ماكثين فيها أحقاباً وهي جمع حقب وهو المدة من الزمان, وقد اختلفوا في مقداره فقال ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري : ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل ؟ قال: نجده ثمانين سنة كل سنة اثنا عشر شهراً كل شهر ثلاثون يوماً كل يوم ألف سنة, وهكذا روي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وسعيد بن جبير وعمرو بن ميمون والحسن وقتادة والربيع بن أنس والضحاك , وعن الحسن والسدي أيضاً سبعون سنة كذلك, وعن عبد الله بن عمرو : الحقب أربعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون,رواهما ابن أبي حاتم .
وقال بشير بن كعب : ذكر لي أن الحقب الواحد ثلثمائة سنة, كل سنة اثنا عشر شهراً, كل سنة ثلثمائة وستون يوماً كل يوم منها كألف سنة, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , ثم قال ابن أبي حاتم : ذكر عن عمرو بن علي بن أبي بكر الأسفيدي , حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: " لابثين فيها أحقابا " قال: فالحقب شهر, الشهر ثلاثون يوماً والسنة اثنا عشر شهراً, والسنة ثلثمائة وستون يوما, كل يوم منها ألف سنة مما تعدون, فالحقب ثلاثون ألف ألف سنة, وهذا حديث منكر جداً, والقاسم هو والراوي عنه وهو جعفر بن الزبير كلاهما متروك. وقال البزار : حدثنا محمد بن مرداس , حدثنا سليمان بن مسلم أبو العلاء قال: سألت سليمان التيمي : هل يخرج من النار أحد ؟ فقال: حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والله لا يخرج من النار أحد حتى يمكث فيها أحقاباً قال: والحقب بضع وثمانون سنة كل سنة ثلثمائة وستون يوماً مما تعدون" , ثم قال: سليمان بن مسلم بصري مشهور, وقال السدي " لابثين فيها أحقابا " سبعمائة حقب, كل حقب سبعون سنة, كل سنة ثلثمائة وستون يوماً, كل يوم كألف سنة مما تعدون, وقد قال مقاتل بن حيان : إن هذه الاية منسوخة بقوله تعالى: "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً".
وقال خالد بن معدان : هذه الاية وقوله تعالى: "إلا ما شاء ربك" في أهل التوحيد رواهما ابن جرير ثم قال: ويحتمل أن يكون قوله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" متعلقاً بقوله تعالى: "لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً" ثم يحدث الله لهم بعد ذلك عذاباً من شكل آخر ونوع آخر ثم قال: والصحيح أنها لا انقضاء لها كما قال قتادة والربيع بن أنس , وقد قال قبل ذلك: حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي , حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير عن سالم : سمعت الحسن يسأل عن قوله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" قال: أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار, ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون, وقال سعيد عن قتادة : قال الله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" وهو ما لا انقطاع له وكلما مضى حقب جاء حقب بعده. وذكر لنا أن الحقب ثمانون سنة وقال الربيع بن أنس " لابثين فيها أحقابا " لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله عز وجل, وذكر لنا أن الحقب الواحد ثمانون سنة, والسنة ثلثمائة وستون يوماً, وكل يوم كألف سنة مما تعدون, رواهما أيضاً ابن جرير .
وقوله تعالى: "لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً" أي لا يجدون في جهنم برداً لقلوبهم ولا شراباً طيباً يتغذون به ولهذا قال تعالى: "إلا حميماً وغساقاً" قال أبو العالية : استثنى من البرد الحميم ومن الشراب الغساق, وكذا قال الربيع بن أنس , فأما الحميم فهو الحار الذي قد انتهى حره وحموه والغساق هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم فهو بارد لا يستطاع من برده ولا يواجه من نتنه, وقد قدمنا الكلام على الغساق في سورة ص بما أغنى عن إعادته ـ أجارنا الله من ذلك بمنه وكرمه ـ قال ابن جرير وقيل المراد بقوله: "لا يذوقون فيها برداً" يعني النوم كما قال الكندي :
بردت مراشفها علي فصدني عنها وعن قبلاتها البرد
يعني بالبرد النعاس والنوم. هكذا ذكره ولم يعزه إلى أحد. وقد رواه ابن أبي حاتم من طريق السدي عن مرة الطيب ونقله عن مجاهد أيضاً. وحكاه البغوي عن أبي عبيدة والكسائي أيضاً. وقوله تعالى: "جزاء وفاقاً" أي هذا الذي صاروا إليه من هذه العقوبة وفق أعمالهم الفاسدة التي كانوا يعملونها في الدنيا, قاله مجاهد وقتادة وغير واحد. ثم قال تعالى: "إنهم كانوا لا يرجون حساباً" أي لم يكونوا يعتقدون أن ثم داراً يجازون فيها ويحاسبون "وكذبوا بآياتنا كذاباً" أي وكانوا يكذبون بحجج الله ودلائله على خلقه التي أنزلها على رسله, فيقابلونها بالتكذيب والمعاندة. وقوله: "كذاباً" أي تكذيباً, وهو مصدر من غير الفعل, قالوا: وقد سمع أعرابي يستفتي الفراء على المروة: الحلق أحب إليك أو القصار ؟ وأنشد بعضهم:
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حوج قصارها من شفائيا
وقوله تعالى: " وكل شيء أحصيناه كتابا " أي وقد علمنا أعمال العباد كلهم وكتبناها عليهم وسنجزيهم على ذلك إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وقوله تعالى: "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" أي يقال لأهل النار: ذوقوا ما أنتم فيه فلن نزيدكم إلا عذاباً من جنسه وآخر من شكله أزواج, قال قتادة عن أبي أيوب الأزدي عن عبد الله بن عمرو قال: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الاية "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" قال: فهم في مزيد من العذاب أبداً, وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري , حدثنا خالد بن عبد الرحمن , حدثنا جسر بن فرقد عن الحسن قال: سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله على أهل النار قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" قال: أهلك القوم بمعاصيهم الله عز وجل" جسر بن فرقد ضعيف الحديث بالكلية.
30- "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" هذه الجملة مسببة عن كفرهم وتكذيبهم بالآيات. قال الرازي: هذه الفاء للجزاء، فنبه على أن الأمر بالذوق معلل بما تقدم شرحه من قبائح أفعالهم، ومن الزيادة في عذابهم أنها كلما نضجت جلودهم بدلهم جلوداً غيرها، وكلما خبت النار زادهم الله سعيراً.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس " عن النبإ العظيم " قال: القرآن: وهذا مروي عن جماعة من التابعين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "وجعلنا سراجاً وهاجا" قال: مضيئاً "وأنزلنا من المعصرات" قال: السحاب "ماء ثجاجا" قال: منصباً. وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً "ثجاجاً" قال: منصباً. وأخرج الشافعي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: "وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجا" قال: يبعث الله الريح، فتحمل الماء فيمر به السحاب، فتدر كما تدر اللقحة، والثجاج ينزل من السماء أمثال الغزالي فتصرفه الرياح فينزل متفرقاً. وأخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن قتادة قال: في قراءة ابن عباس وأنزلنا من المعصرات بالرياح. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "وجنات ألفافاً" قال: ملتفة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً في الآية قال: يقول: التف بعضها ببعض. وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً في قوله: "وسيرت الجبال فكانت سراباً" قال: سراب الشمس الآل. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "لابثين فيها أحقابا" قال: سنين. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سالم بن أبي الجعد قال: سأل علي بن أبي طالب هلال الهجري ما تجدون الحقب في كتاب الله؟ قال: نجده ثمانين سنة كل سنة منها اثنا عشر شهراً كل شهر ثلاثون يوماً كل يوم ألف سنة. وأخرج سعيد بن منصور والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الآية قال: الحقب الواحد ثمانون سنة. وأخرج البزار عن أبي هريرة رفعه قال: الحقب ثمانون سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يوماً، واليوم كألف سنة مما تعدون. وأخرج عبد بن حميد عنه قال: الحقب ثمانون عاماً اليوم منها كسدس الدنيا. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه. قال السيوطي: بسند ضعيف عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم "لابثين فيها أحقاباً" قال: الحقب ألف شهر، والشهر ثلاثون يوماً، والسنة اثنا عشر شهراً ثلاثمائة وستون يوماً كل يوم منها ألف سنة مما تعدون، فالحقب ثلاثون ألف سنة. وأخرج البزار وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يخرج من النار من دخلها حتى يمكث فيها أحقاباً، والحقب بضع وثمانون سنة، كل سنة ثلثمائة وستون يوماً، واليوم ألف سنة مما تعدون". قال ابن عمر: فلا يتكلن أحد أنه يخرج من النار. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عبد الله بن عمرو قال: الحقب الواحد ثمانون سنة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحقب أربعون سنة وأخرج ابن جرير عن خالد بن معدان في قوله: "لابثين فيها أحقاباً" وقوله: "إلا ما شاء ربك" إنهما في أهل التوحيد من أهل القبلة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: زمهرير جهنم يكون لهم من العذاب، لأن الله يقول: "لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً". وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "في قوله: " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما " قال: قد انتهى حره "وغساقا" قد انتهى حره، وإن الرجل إذا أدنى الإناء من فيه سقط فروة وجهه، حتى يبقى عظاما تقعقع". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "جزاءً وفاقا" قال: وافق أعمالهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن عمرو قال: ما أنزلت على أهل النار آية قط أشد منها "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" فهم في مزيد من عذاب الله أبداً.
30- "فذوقوا"، أي يقال لهم: فذوقوا، "فلن نزيدكم إلا عذاباً".
30-" فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً " مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات مجيئه على طريقة الالتفات للمبالغة ، وفي الحديث " هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار " .
30. So taste (of that which ye have earned). No increase do We give you save of torment.
30 - So taste ye (the fruits of your deeds); for no increase shall We grant you, except in Punishment.