32 - (من الذين) بدل بإعادة الجار (فرقوا دينهم) باختلافهم فيما يعبدونه (وكانوا شيعا) فرقا في ذلك (كل حزب) منهم (بما لديهم) عندهم (فرحون) مسرورون وفي قراءة فارقوا أي تركوا دينهم الذي أمروا به
وقوله " من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا " يقول: ولا تكونوا من المشركين الذين بدلوا دينهم، وخالفوه ففارقوه " وكانوا شيعا " يقول: وكانوا أحزاباً فرقاً كاليهود والنصارى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ": وهم اليهود والنصارى.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا " إلى آخر الآية، قال: هؤلاء يهود، فلو وجه قوله " من الذين فرقوا دينهم " إلى أنه خبر مستأنف منقطع عن قوله " ولا تكونوا من المشركين " وأن معناه: من الذين فرقوا دينهم " وكانوا شيعا " أحزاباً " كل حزب بما لديهم فرحون " كان وجهاً يحتمله الكلام.
وقوله " كل حزب بما لديهم فرحون " يقول: كل طائفة وفرقة من هؤلاء الذين فرقوا دينهم الحق، فأحدثوا البدع التي أحدثوا بما لديهم فرحون: يقول: بما هم به متمسكون من المذهب، فرحون مسرورون، يحسبون أن الصواب معهم دون غيرهم.
"من الذين فرقوا دينهم" تأوله أبو هريرة وعائشة وأبو أمامة: أنه لأهل القبلة من أهل الأهواء والبدع. وقد مضى في الأنعام بيانه. وقال الربيع بن أنس: الذين فرقوا دينهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وقال قتادة ومعمر. وقرأ حمزة والكسائي: فارقوا دينهم، وقد قرأ بذلك علي بن أبي طالب، أي فارقوا دينهم الذي يجب اتباعه، وهو التوحيد. "وكانوا شيعا" أي فرقاً، قاله الكلبي. وقيل أدياناً، قاله مقاتل. "كل حزب بما لديهم فرحون" أي مسرورون معجبون، لأنهم لم يتبينوا الحق وعليهم أن يتبينوه. وقيل: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض. وقول ثالث: أن المعاصي لله عز وجل قد يكون فرحاً بمعصيته، فذلك الشيطان وقطاع الطريق. وغيرهم، والله أعلم. وزعم الفراء أنه يجوز أن يكون التمام ولا تكونوا من المشركين ويكون المعنى: من الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً على الاستئناف، وأنه أن يكون متصلاً بما قبله. النحاس: إذا كان متصلاً بما قبله فهو عند المبصرين على البذل بإعادة الحرف، كما قال جل وعز: "قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم" الأعراف:75 ولو كان بلا حرف لجاز.
يقول تعالى: فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم, الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال, وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها, فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده وأنه لا إله غيره, كما تقدم عند قوله تعالى: "وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا بلى". وفي الحديث "إني خلقت عبادي حنفاء, فاجتالتهم الشياطين عن دينهم" وسنذكر في الأحاديث أن الله تعالى فطر خلقه على الإسلام, ثم طرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كاليهودية والنصرانية والمجوسية.
وقوله تعالى: "لا تبديل لخلق الله" قال بعضهم: معناه لا تبدلوا خلق الله فتغيروا الناس عن فطرتهم التي فطرهم الله عليها, فيكون خبراً بمعنى الطلب, كقوله تعالى: "ومن دخله كان آمنا" وهو معنى حسن صحيح, وقال آخرون: هو خبر على بابه ومعناه أنه تعالى ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة, لا يولد أحد إلا على ذلك, ولا تفاوت بين الناس في ذلك. ولهذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك وابن زيد في قوله "لا تبديل لخلق الله" أي لدين الله, وقال البخاري : قوله "لا تبديل لخلق الله" لدين الله, خلق الأولين دين الأولين, الدين والفطرة الإسلام.
حدثنا عبدان : أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري , أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه, كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء, هل تحسون فيها من جدعاء ؟" ثم يقول "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم" ورواه مسلم من حديث عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري به, وأخرجاه أيضاً من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي معنى هذا الحديث قد وردت أحاديث عن جماعة من الصحابة, فمنهم الأسود بن سريع التميمي .
قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل , حدثنا يونس عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت معه فأصبت ظهراً, فقتل الناس يومئذ حتى قتلوا الولدان, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "ما بال أقوام جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية ؟ فقال رجل: يا رسول الله أما هم أبناء المشركين ؟ فقال:لا إنما خياركم أبناء المشركين ـ ثم قال ـ لا تقتلوا ذرية, لاتقتلوا ذرية ـ وقال ـ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها, فأبواها يهودانها أو ينصرانها" ورواه النسائي في كتاب السير عن زياد بن أيوب عن هشيم , عن يونس وهو ابن عبيد بن الحسن البصري به.
ومنهم جابر بن عبد الله الأنصاري . قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم , حدثنا أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه, فإذا عبر عنه لسانه إما شاكراً وإما كفوراً".
ومنهم عبد الله بن عباس الهاشمي . قال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا أبو عوانة , حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين, فقال :الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم" أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً بذلك.
وقد قال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا عفان حدثنا حماد يعني ابن سلمة , أنبأنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: أتى علي زمان وأنا أقول: أولاد المسلمين مع أولاد المسلمين, وأولاد المشركين مع المشركين, حتى حدثني فلان عن فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم, فقال "الله أعلم بما كانوا عاملين". قال: فلقيت الرجل فأخبرني, فأمسكت عن قولي.
ومنهم عياض بن حمار المجاشعي . قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد , حدثنا هشام حدثنا قتادة عن مطرف عن عياض بن حمار " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم, فقال في خطبته إن ربي عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا: كل ما نحلته عبادي حلال, وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم, وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم, وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا, ثم إن الله عز وجل نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب, وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك, وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء, تقرؤه نائماً ويقظان: ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشاً, فقلت: يارب إذاً يثلغ رأسي فيدعه خبزة, قال: استخرجهم كما استخرجوك, واغزهم نغزك, وأنفق عليهم فسننفق عليك, وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله, وقاتل بمن أطاعك من عصاك ـ قال ـ: وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق, ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم, ورجل عفيف فقير متصدق وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبع لا يبتغون أهلاً ولا مالاً, والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه, ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك" وذكر البخيل أو الكذاب والشنظير: الفحاش. انفرد بإخراجه مسلم , فرواه من طرق عن قتادة به.
وقوله تعالى: "ذلك الدين القيم" أي التمسك بالشريعة والفطرة السليمة هو الدين القيم المستقيم "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" أي فلهذا لا يعرفه أكثر الناس, فهم عنه ناكبون, كما قال تعالى: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" وقال تعالى: "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" الاية. وقوله تعالى: "منيبين إليه" قال ابن زيد وابن جريج : أي راجعين إليه. "واتقوه" أي خافوه وراقبوه, "وأقيموا الصلاة" وهي الطاعة العظيمة, "ولا تكونوا من المشركين" أي بل كونوا من الموحدين المخلصين له العبادة لا يريدون بها سواه. قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح , حدثنا يوسف بن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي مريم قال: مر عمر رضي الله عنه بمعاذ بن جبل فقال: ما قوام هذه الأمة ؟ قال معاذ : ثلاث وهن المنجيات: الإخلاص وهي الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها, والصلاة وهي الملة, والطاعة وهي العصمة, فقال عمر : صدقت. حدثني يعقوب , حدثنا ابن علية , حدثنا أيوب عن أبي قلابة أن عمر رضي الله عنه قال لمعاذ : ما قوام هذا الأمر ؟ فذكر نحوه.
وقوله تعالى: "من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون" أي لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي بدلوه وغيروه, وآمنوا ببعض وكفروا ببعض, وقرأ بعضهم: فارقوا دينهم, أي تركوه وراء ظهورهم, وهؤلاء كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان وسائر أهل الأديان الباطلة مما عدا أهل الإسلام, كما قال تعالى: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله" الاية, فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء ومثل باطلة, وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء, وهذه لأمة أيضاً اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة وهم أهل السنة والجماعة, المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه, كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية منهم فقال "ما أنا عليه وأصحابي".
وقوله: 32- "من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً" هو بدل مما قبله بإعادة الجار، والشيع الفرق: أي لا تكونوا من الذين تفرقوا فرقاً في الدين يشايع بعضهم بعضاً من أهل البدع والأهواء. وقيل المراد بالذين فرقوا دينهم شيعاً اليهود والنصارى. وقرأ حمزة والكسائي " فرقوا دينهم " ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب: أي فارقوا دينهم الذي يجب اتباعه، وهو التوحيد. وقد تقدم تفسير هذه الآية في آخر سورة الأنعام "كل حزب بما لديهم فرحون" أي كل فريق بما لديهم من الدين المبني على غير الصواب مسرورون مبتهجون يظنون أنهم على الحق وليس بأيديهم منه شيء. وقال الفراء: يجوز أن يكون قوله من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً مستأنفاً كما يجوز أن يكون متصلاً بما قبله.
32- "من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً"، أي: صاروا فرقاً مختلفة وهم اليهود والنصارى. وقيل: هم أهل البدع من هذه الأمة، "كل حزب بما لديهم فرحون"، أي: راضون بما عندهم.
32 -" من الذين فرقوا دينهم " بدل من المشركين وتفريقهم اختلافهم فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم ، وقرأ حمزة و الكسائي (( فارقوا )) بمعنى تركوا دينهم الذي أمروا به . " وكانوا شيعاً " فرقاً تشايع كل إمامها الذي أضل دينها . " كل حزب بما لديهم فرحون " مسرورون ظناً بأنه الحق ، ويجوز أن يجعل فرحون صفة كل على أن الخبر " من الذين فرقوا " .
32. Of those who split up their religion and became schismatics, each sect exulting in its tenets.
32 - Those who split up their Religion, and become (mere) Sects, each party rejoicing in that which is with itself!