33 - (قل إنما حرم ربي الفواحش) الكبائر كالزنا (ما ظهر منها وما بطن) أي جهرها وسرها (والإثم) المعصية (والبغي) على الناس (بغير الحق) وهو الظلم (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به) بإشراكه (سلطانا) حجة (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) من تحريم ما لم يحرم وغيره
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد : قل ، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يتجردون من ثيابهم للطواف بالبيت ، ويحرمون أكل طيبات ما أحل الله لهم من رزقه : أيها القوم ، إن الله لم يحرم ما تحرمونه ، بل أحل ذلك لعباده المؤمنين وطيبه لهم ، وإنما حرم ربي القبائح من الأشياء، وهي " الفواحش " ، " ما ظهر منها " ، فكان علانية، " وما بطن " ، منها فكان سراً في خفاء.
وقد روي عن مجاهد في ذلك ما:
حدثني الحارث قال ، حدثني عبد العزيز قال ، حدثنا أبو سعد ، قال : سمعت مجاهداً يقول في قوله : " ما ظهر منها وما بطن " ، قال : " ما ظهر منها" ، طواف أهل الجاهلية عراة، " وما بطن " ، الزنا .
وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك بالروايات فيما مضى ، فكرهت إعادته .
وأما " الإثم " ، فإنه المعصية ، " والبغي " ، الاستطالة على الناس .
يقول تعالى ذكره : إنما حرم ربي الفواحش مع الإثم والبغي على الناس .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " والإثم والبغي " ، أما الإثم فالمعصية، و البغي ، أن يبغى على الناس بغيو الحق .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو سعد قال : سمعت مجاهداً في قوله : " ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي "، قال : نهى عن الإثم ، وهي المعاصي كلها، وأخبر أن الباغي بغيه كائن على نفسه .
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : إنما حرم ربي الفواحش والشرك به ، أن تعبدوا مع الله إلها غيره ، " ما لم ينزل به سلطانا" ، يقول : حرم ربكم عليكم أن تجعلوا معه في عبادته شركا لشيء لم يجعل لكم في إشراككم إياه في عبادته حجة ولا برهانا -وهو السلطان -، " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " ، يقول : وأن تقولوا إن الله أمركم بالتعري والتجرد للطواف بالبيت ، وحرم عليكم أكل هذه الأنعام التي حرمتموها وسيبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي ، وغير ذلك مما لا تعلمون أن الله حرمه ، أو أمر به ، أو أباحه ، فتضيفوا إلى الله تحريمه وحظره والأمر به ، فإن ذلك هو الذي حرمه الله عليكم دون ما تزعمون أن الله حرمه ، أو تقولون إن الله أمركم به ، جهلاً منكم بحقيتة فى تقولون وتضيفونه إلى الله .
فيه مسألة واحدة:
قال الكلبي: لما لبس المسلمون الثياب وطافوا بالبيت عيرهم المشركون، فنزلت هذه الآية. والفواحش: الأعمال المفرطة في القبح، ما ظهر منها وما بطن. وروى روح بن عباد عن زكريا بن إسحاق عن أبي نجيح عن مجاهد قال: ما ظهر منها نكاح الأمهات في الجاهلية وما بطن الزنى. وقال قتادة: سرها وعلانيتها. وهذا فيه نظر، فإنه ذكر الإثم والبغي فدل أن المراد بالفواحش بعضها، وإذا كان كذلك فالظاهر من الفواحش الزنى. والله أعلم. "والإثم" قال الحسن: الخمر. قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول
وقال آخر:
نشرب الإثم بالصواع جهارا وترى المسك بيننا مستعارا
"والبغي" الظلم وتجاوز الحد فيه. وقد تقدم. وقال ثعلب: البغي أن يقع الرجل في الرجل فيتكلم فيه، ويبغي عليه بغير الحق، إلا أن ينتصر منه بحق. وأخرج الإثم والبغي من الفواحش وهما منه لعظمهما وفحشهما، فنص على ذكرهما تأكيداً لأمرهما وقصداً للزجر عنهما. وكذا "وأن تشركوا" "وأن تقولوا" وهما في موضع نصب عطفاً على ما قبل. وقد أنكر جماعة أن يكون الإثم بمعنى الخمر. قال الفراء الإثم ما دون الحد والاستطالة على الناس. قال النحاس: فأما أن يكون الإثم الخمر فلا يعرف ذلك، وحقيقة الإثم أنه جميع المعاصي، كما قال الشاعر:
إني وجدت الأمر أرشده تقوى الإله وشره الإثم
قلت: وأنكره ابن العربي أيضاً وقال: ولا حجة في البيت، لأنه لو قال: شربت الذنب أو شربت الوزر لكان كذلك، ولم يوجب قوله أن يكون الذنب والوزر اسماً من أسماء الخمر كذلك الإثم. والذي أوجب التكلم بمثل هذا الجهل باللغة وبطريق الأدلة في المعاني.
قلت: وقد ذكرناه عن الحسن. وقال الجوهري في الصحاح: وقد يسمى الخمر إثماً، وأنشد:
شربت الإثم.......... البيت
وأنشده الهروي في غريبيه، على أن الخمر الإثم. فلا يبعد أن يكون الإثم يقع على جميع المعاصي وعلى الخمر أيضاً لغةً، فلا تناقض. والبغي: التجاوز في الظلم، وقيل: الفساد.
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا أحد أغير من الله فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن, ولا أحد أحب إليه المدح من الله" أخرجاه في الصحيحين من حديث سليمان بن مهران الأعمش, عن شقيق عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود, وتقدم الكلام على ما يتعلق بالفواحش ما ظهر منها وما بطن في سورة الأنعام وقوله "والإثم والبغي بغير الحق" قال السدي: أما الإثم فالمعصية والبغي أن تبغي على الناس بغير الحق, وقال مجاهد, الإثم المعاصي كلها وأخبر أن الباغي بغيه على نفسه, وحاصل ما فسر به الإثم أنه الخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه, والبغي هو التعدي إلى الناس فحرم الله هذا وهذا, وقوله تعالى: "وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً" أي تجعلوا له شركاء في عبادته "وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" من الافتراء والكذب من دعوى أن له ولداً ونحو ذلك مما لا علم لكم به, كقوله "فاجتنبوا الرجس من الأوثان" الاية.
قوله: 33- "قل إنما حرم ربي الفواحش" جمع فاحشة. وقد تقدم تفسيرها "ما ظهر منها وما بطن" أي ما أعلن منها وما أسر، وقيل: هي خاصة بفواحش الزنا ولا وجه لذلك، والإثم يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم، وقيل: هو الخمر خاصة، ومنه قول الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول
ومثله قول الآخر:
يشرب الإثم بالصواع جهارا
وقد أنكر جماعة من أهل العلم على من جعل الإثم خاصاً بالخمر. قال النحاس: فأما أن يكون الإثم الخمر فلا يعرف ذلك، وحقيقته أنه جميع المعاصي، كما قال الشاعر:
إني وجدت الأمر أرشده تقوى الإله وشره الإثم
قال الفراء: الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس انتهى. وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به، فهو أحد المعاصي التي يصدق عليها. قال في الصحاح: وقد يسمى الخمر إثماً، وأنشد:
شربت الإثم
البيت، وكذا أنشده الهروي قبله في غريبته. قوله: "والبغي بغير الحق" أي الظلم المجاوز للحد، وأفرده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنباً عظيماً كقوله: "وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" "وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً" أي وأن تجعلوا لله شريكاً لم ينزل عليكم به حجة. والمراد التهكم بالمشركين، لأن الله لا ينزل برهاناً بأن يكون غيره شريكاً له " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " بحقيقته وأن الله قاله، وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها.
وقد أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وغيرهم عن ابن عباس أن النساء كن يطفن عراة إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
فنزلت "خذوا زينتكم عند كل مسجد". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال: كان الرجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة. والزينة: اللباس وما يواري السوءة وما سوى ذلك من جيد البر والمتاع. وأخرج ابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا زينة الصلاة، قالوا: وما زينة الصلاة؟ قال: البسوا نعالكم فصلوا فيها". وأخرج العقيلي وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله: "خذوا زينتكم عند كل مسجد" قال: صلوا في نعالكم. والأحاديث في مشروعية الصلاة في النعل كثيرة جداً، وأما كون ذلك هو تفسير الآية كما روي في هذين الحديثين فلا أدري كيف إسنادهما. وقد ورد النهي عن أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً أو مخيلة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "إنه لا يحب المسرفين" قال: في الطعام والشراب. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف، فإن الله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال: كانت قريش تطوف بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون، فأنزل الله: "قل من حرم زينة الله" فأمروا بالثياب أن يلبسوها "قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة" قال: ينتفعون بها في الدنيا لا يتبعهم فيها مأثم يوم القيامة. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك "قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا" قال: المشركون يشاركون المؤمنين في زهرة الدنيا وهي خالصة يوم القيامة للمؤمنين دون المشركين. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس "والطيبات من الرزق" قال: الودك واللحم والسمن. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: "قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً" وهذا هذا، فأنزل الله: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا" يعني شارك المسلمون الكفار في الطيبات في الحياة الدنيا فأكلوا من طيبات طعامهم ولبسوا من جياد ثيابهم ونكحوا من صالحي نسائها، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا وليس للمشركين فيها شيء. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما ظهر منها العربة، وما بطن الزنا، وكانوا يطوفون بالبيت عراة. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: ما ظهر منها طواف الجاهلية عارة، وما بطن الزنا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "والإثم" قال المعصية: "والبغي" قال: أن يبغي على الناس بغير حق.
33- " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن "، يعني: الطواف عراة " ما ظهر "طواف الرجال بالنهار " وما بطن " طواف النساء بالليل. وقيل: هو الزنا سراً وعلانيةً .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عبد الله قال قلت: أنت سمعت هذا من عبد الله ؟ قال: نعم، فرفعه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أحد أغير من الله، فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله فلذلك مدح نفسه ".
قوله عز وجل: " والإثم "، يعني: الذنب والمعصية. وقال الضحاك:الذنب الذي لا حد فيه.قال الحسن : الإثم: الخمر. قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول
" والبغي "، الظلم والكبر، " بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً "، حجةً وبرهاناً، " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون "،في تحريم الحرث والأنعام، في قول مقاتل . وقال غيره، هو عام في تحريم القول في الدين من غير يقين .
33. " قل إنما حرم ربي الفواحش" ما تزايد قبحه ، وقيل ما يتعلق بالفروج . " ما ظهر منها وما بطن " جهرها وسرها . " والإثم " وما يوجب الإثم تعميم بعد تخصيص وقيل شرب الخمر . " والبغي " الظلم ، أو الكبر أفرده بالذكر للمبالغة . " بغير الحق " متعلق بالبغي مؤكد له معنى . " وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ً " تهكم بالمشركين ن وتنبيهه على تحريم اتباع ما لم يدل عليه برهان. " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " بالإلحاد في صفاته سبحانه وتعالى ، والافتراء عليه كقولهم " الله أمرنا بها " .
33. Say: My Lord forbiddeth only indecencies, such of them as are apparent and such as are within, and sin and wrongful oppression, and that ye associate with Allah that for which no warrant hath been revealed, and that ye tell concerning Allah that which ye know not.
33 - Say: the things that my Lord hath indeed forbidden are: shameful deeds, whether open or secret; since and trespasses against truth or reason; assigning of partners to God, for which he hath given no authority; and saying things about God of which ye have no knowledge.