(ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون) أسوأ وأحسن بمعنى السيء والحسن
يقول تعالى ذكره : وجزى هؤلاء المحسنين ربهم بإحسانهم ، كي يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال ، فيما بينهم وبين ربهم ، بما كان منهم فيها من توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها " ويجزيهم أجرهم " يقول : ويثيبهم ثوابهم " بأحسن الذي كانوا " في الدنيا " يعملون " مما يرضي الله عنهم دون أسوئها .
كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد : " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " : أي ألهم ذنوب ؟ أي رب نعم " لهم " فيها " لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين * ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون " وقرأ " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " [ الأنفال : 2 ] ... إلى أن بلغ " ومغفرة " [ الأنفال : 4 ] لئلا ييئس من لهم الذنوب أن لا يكونوا منهم " ورزق كريم " [ الأنفال : 4 ] ، وقوله : " إن المسلمين والمسلمات " [ الأحزاب : 35 ] .... إلى آخر الآية .
قوله تعالى : " ليكفر الله عنهم " أي صدقوا ( ليفكر الله عنهم ) . " أسوأ الذي عملوا " أي يكرمهم ولا يؤاخذهم بما عملوا قبل الإسلام . " ويجزيهم أجرهم " أي يثيبهم علىالطاعات في الدنيا " بأحسن الذي كانوا يعملون " وهي الجنة .
يقول عز وجل مخاطباً المشركين الذين افتروا على الله وجعلوا معه آلهة أخرى وادعوا أن الملائكة بنات الله وجعلوا لله ولداً تعالى عن قولهم علواً كبيراً, ومع هذا كذبوا بالحق إذ جاءهم على ألسنة رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولهذا قال عز وجل: "فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه" أي لا أحد أظلم من هذا لأنه جمع بين طرفي الباطل كذب على الله وكذب رسول الله قالوا الباطل وردوا الحق ولهذا قال جلت عظمته متوعداً لهم: " أليس في جهنم مثوى للكافرين " وهم الجاحدون المكذبون. ثم قال جل وعلا: "والذي جاء بالصدق وصدق به" قال مجاهد وقتادة والربيع بن أنس وابن زيد: الذي جاء بالصدق هو الرسول صلى الله عليه وسلم وقال السدي: هو جبريل عليه السلام "وصدق به" يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وقال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "والذي جاء بالصدق" قال: من جاء بلا إله إلا الله "وصدق به" يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ الربيع بن أنس " والذي جاء بالصدق " يعني الأنبياء " وصدق به " يعني الأتباع. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد "والذي جاء بالصدق وصدق به" قال: أصحاب القرآن المؤمنون يجيئون يوم القيامة فيقولون هذا ما أعطيتمونا فعملنا فيه بما أمرتمونا. وهذا القول عن مجاهد يشمل كل المؤمنين فإن المؤمنين يقولون الحق ويعملون به والرسول صلى الله عليه وسلم أولى الناس بالدخول في هذه الاية على هذا التفسير فإنه جاء بالصدق وصدق المرسلين وآمن بما أنزل إليه من ربه والؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "والذي جاء بالصدق" هو رسول الله صلى الله عليه وسلم "وصدق به" قال المسلمون "أولئك هم المتقون" قال ابن عباس رضي الله عنهما: اتقوا الشرك "لهم ما يشاؤون عند ربهم" يعني في الجنة مهما طلبوا وجدوا "ذلك جزاء المحسنين * ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون" كما قال عز وجل في الاية الأخرى: "أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون".
ثم بين سبحانه ما هو الغاية مما لهم عند ربهم فقال: 35- "ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا" فإن ذلك هو أعظم ما يرجونه من دفع الضرر عنهم لأن الله سبحانه إذا غفر لهم ما هو الأسوأ من أعمالهم غفر لهم ما دونه بطريقة الأولى، واللام متعلقة بيشاءون أو بالمحسنين أو بمحذوف. قرأ الجمهور "أسوأ" على أنه أفعل تفضيل. وقيل ليست للتفضيل بل بمعنى سيء الذي عملوا. وقرأ ابن كثير في رواية عنه أسواء بألف بين الهمزة والواو بزنة أجمال جمع سوء، "ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون" لما ذكر سبحانه ما يدل على المضار عنهم ذكر ما يدل على جلب أعظم المنافع إليهم وإضافة الأحسن إلى ما بعده ليست من إضافة المفضل إلى المفضل عليه، بل من إضافة الشيء إلى بعضه قصداً إلى التوضيح من غير اعتبار تفضيل. قال مقاتل: يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم المساوئ.
وقد أخرج الآجري والبيهقي عن ابن عباس في قوله: "غير ذي عوج" قال: غير مخلوق. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "ضرب الله مثلاً رجلاً" الآية قال: الرجل يعبد آلهة شتى، فهذا مثل ضربه الله لأهل الأوثان " ورجلا سلما " يعبد إلهاً واحداً ضرب لنفسه مثلاً. وأخرجا عنه أيضاً في قوله: " ورجلا سلما " قال: ليس لأحد فيه شيء. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال: لقد لبثنا برهة من دهرنا، ونحن نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتابين من قبلنا "إنك ميت وإنهم ميتون" الآية، حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف، فعرفت أنها نزلت فينا. وأخرج نعيم بن حماد في الفتن والحاكم وصححه وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عنه أيضاً قال: نزلت علينا الآية "ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة، فقلنا هذا الذي وعدنا ربنا أن نختصم فيه. وأخرج عبد الرزاق وأحمد وابن منيع وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في البعث والنشور عن الزبير بن العوام قال: "لما نزلت " إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " قلت: يا رسول الله أيكرر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال: نعم ليكررن عليكم ذلك حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه. قال الزبير: فوالله إن الأمر لشديد". وأخرج سعيد بن منصور عن أبي سيعد الخدري قال: لما نزلت "ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون" كنا نقول: ربنا واحد وديننا واحد ونبينا واحد فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف، قلنا نعم هو هذا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: "والذي جاء بالصدق" يعني بلا إله إلا الله "وصدق به" يعني برسول الله صلى الله عليه وسلم "أولئك هم المتقون" يعني اتقوا الشرك. وأخرج ابن جرير والباوردي في معرفة الصحابة وابن عساكر من طريق أسيد بن صفوان، وله صحبة عن علي بن أبي طالب قال: الذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم، وصدق به أبو بكر. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة مثله.
35. " ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا "، يسترها عليهم بالمغفرة، " ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون "، قال مقاتل : يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوئ.
35-" ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا " خص الأسوأ للمبالغة فإنه إذا كفر كان غيره أولى بذلك ، أو للإشعار بأنهم لاستعظامهم الذنوب يحسبون أنهم مقصرون مذنبون وأن ما يفرط منهم من الصغائر أسوأ ذنوبهم ، ويجوز أن يكون بمعنى السيئ كقولهم : الناقص والأشج أعدلا بني مروان ،وقرئ أسوأ جمع سوء " ويجزيهم أجرهم " ويعطيهم ثوابهم ." بأحسن الذي كانوا يعملون " فتعد لهم محاسن أعمالهم بأحسنها في زيادة الأجر وعظمه لفرط إخلاصهم فيها .
35. That Allah will remit from them the worst of what they did, and will pay them for reward the best they used to Jo.
35 - So that God will turn off from them (even) the worst in their deeds and give them their reward according to the best of what they have done.