35 - (يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى) تحرق (بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) وتوسع جلودهم حتى توضع عليها كلها ويقال لهم (هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) أي جزاءه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فبشر هؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة، ولا يخرجون حقوق الله منها، يا محمد، بعذاب أليم، " يوم يحمى عليها في نار جهنم "، فـ((اليوم)) من صلة ((العذاب الأليم))، كأنه قيل: يبشرهم بعذاب أليم، يعذبهم الله به في يوم يحمى عليها.
ويعني بقوله: " يحمى عليها "، تدخل النار فيوقد عليها، أي: على الذهب والفضة التي كنزوها، " في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ".
وكل شيء أدخل في النار، فقد أحمي إحماءً، يقال منه: ((أحميت الحديدة في النار أحميها إحماءً)).
وقوله: " فتكوى بها جباههم "، يعني بالذهب والفضة المكنوزة، يحمى عليها في نار جهنم، يكوي الله بها، يقول: يحرق الله جباه كانزيها وجنوبهم وظهورهم، " هذا ما كنزتم "، ومعناه: ويقال لهم: هذا ما كنزتم في الدنيا، أيها الكافرون الذين منعوا كنوزهم من فرائض الله الواجبة فيها لأنفسكم، " فذوقوا ما كنتم تكنزون "، يقول: فيقال لهم: فاطعموا عذاب الله بما كنتم تمنعون من أموالكم حقوق الله وتكنزنها مكاثرةً ومباهاةً.
وحذف من قوله: ((هذا ما كنزتم)) ((ويقال لهم))، لدلالة الكلام عليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن حميد بن هلال قال: كان أبو ذر يقول: بشر الكنازين بكي في الجباه، وكي في الجنوب، وكي في الظهور، حتى يلتقي الحر في أجوافهم.
... قال، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير، عن الأحنف بن قيس قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليه في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه، حتى يخرج من حلمة ثدييه، يتزلزل. قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً. قال: وأدبر، فاتبعته، حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت! فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم قال، حدثني عمرو بن قيس، عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي نصر، عن الاحنف بن قيس قال: رأيت في مسجد المدينة رجلاً غليظ الثياب، رث الهيئة، يطوف في الحلق وهو يقول: بشر أصحاب الكنوز بكي في جنوبهم، وكي في جباههم، وكي في ظهورهم! ثم انطلق وهو يتذمر يقول: ما عسى تصنع بي قريش!!
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال أبو ذر: بشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه، وكي في الجنوب، وكي في الظهور.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: " يوم يحمى عليها في نار جهنم "، قال: حية تنطوي على جبينه وجبهته تقول: أنا مالك الذي بخلت به!
" حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: من ترك بعده كنزاً مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان، يتبعه، يقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك! فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها، ثم يتبعه سائر جسده " . حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبدالرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال: بلغني أن الكنوز تتحول يوم القيامة شجاعاً يتبع صاحبه وهو يفر منه، ويقول: أنا كنزك! لا يدرك منه شيئاً، إلا أخذه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: والذي لا إله غيره، لا يكوى عبد بكنز فيمس دينار ديناراً ولا درهم درهماً، ولكن يوسع جلده، فيوضع كل دينار ودرهم على حدته.
... قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: ما من رجل يكوى بكنز فيوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم، ولكن يوسع جلده.
فيه أربع مسائل:
الأولى- قوله تعالى: "يوم يحمى عليها في نار جهنم" يوم ظرف، والتقدير يعذبون يوم يحمى. ولا يصح أن يكون على تقدير: فبشرهم يوم يحمى عليها، لأن البشارة لا تكون حينئذ. يقال: أحميت الحديدة في النار، أي أوقدت عليها، ويقال: أحميته، ولا يقال: أحميت عليه. وههنا قال عليها، لأنه جعل على من صلة معنى الإحماء ومعنى الإحماء الإيقاد. أي يوقد عليها فتكوى. الكي: إلصاق الحار من الحديد والنار بالعضو حتى يحترق الجلد. والجباه جمع الجبهة، وهو مستوى ما بين الحاجب إلى الناصية. وجبهت فلاناً بكذا، أي استقبلته به وضربت جبهته. والجنوب جمع الجنب. والكي فيه الوجه أشهر وأشنع، وفي الجنب والظهر آلم وأوجع، فلذلك خصها بالذكر من بين سائر الأعضاء. وقال علماء الصوفية: لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم، ولما طووا كشحا عن الفقير إذا جالسهم كويت جنوبهم، ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقةً بها واعتماداً عليها كويت ظهورهم. وقال علماء الظاهر: إنما خص هذه الأعضاء لأن الغني إذا رأى الفقير زوى ما بين عينيه وقبض وجهه. كما قال:
يزيد يغض الطرف عني كأنما روى بين عينيه علي المحاجم
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم
وإذا سأله طوى كشحه، وإذا زاده في السؤال وأكثر عليه ولاه ظهره. فرتب الله العقوبة على حال المعصية.
الثانية- واختلف الآثار في كيفية الكي بذلك، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر ما ذكرنا من ذكر الرضف. وفيه من حديث أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي عنها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيطت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار". الحديث. وفي البخاري: أنه يمثل له كنزه شجاعاً أقرع. وقد تقدم في غير الصحيح عن عبد الله بن مسعود أنه قال: من كان له مال فلم يؤد زكاته طوقه يوم القيامة شجاعاً أقرع ينقر رأسه.
قلت: ولعل هذا يكون في مواطن: موطن يمثل المال فيه ثعباناً، وموطن يكون صفائح، وموطن يكون رضفاً. فتتغير الصفات والجسمية واحدة، فالشجاع جسم والمال جسم. وهذا التمثيل حقيقة، بخلاف قوله:
"يؤتى بالموت كأنه كبش أملح" فإن تلك طريقة أخرى، ولله سبحانه وتعالى أن يفعل ما يشاء. وخص الشجاع بالذكر لأنه العدو الثاني للخلق. والشجاع من الحيات هو الحية الذكر الذي يواثب الفارس والراجل، ويقوم على ذنبه وربما بلغ الفارس، ويكون في الصحارى. وقيل هو الثعبان. قال اللحياني: يقال للحية شجاع، وثلاثة أشجعة، ثم شجعان. والأقرع من الحيات هو الذي تمعط رأسه وابيض من السم. في الموطأ: له زبيبتان، أي نقطتان منتفختان في شدقيه كالرغوتين. ويكون ذلك في شدقي الإنسان إذا غضب وأكثر من الكلام. قالت أم غيران بنت جرير ربما أنشدت أبي حتى يتزبب شدقاي. ضرب مثلاً للشجاع الذي كثر سمه فيمثل المال بهذا الحيوان فيلقى صاحبه غضبان. وقال ابن دريد: نقتطان سوداوان فوق عينيه. وفي رواية: مثل له شجاع يتبعه فيضطره فيعطيه يده فيقضمها كما يقضم الفحل. وقال ابن مسعود: والله لا يعذب الله أحداً بكنز فيمس درهم درهماً ولا دينار ديناراً، ولكن يوسع جله حتى يوضع كل درهم ودينار على حدته. وهذا إنما يصح في الكافر -كما ورد في الحديث- لا في المؤمن. والله أعلم.
الثالثة- أسند الطبري إلى أبي أمامة الباهلي قال:
"مات رجل من أهل الصفة فوجد في بردته دينار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كية. ثم مات آخر فوجد له ديناران. فقار رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيتان". وهذا إما لأنهما كانا يعشان من الصدقة وعندهما التبر، وإما لأن هذا كان في صدر الإسلام، ثم قرر الشرع ضبط المال وأداء حقه. ولو كان ضبط المال ممنوعاً لكان حقه أن يخرج كله، وليس في الأمة من يلزم هذا. وحسبك حال الصحابة وأموالهم رضوان الله عليهم. وأما ما ذكر عن أبي ذر فهو مذهب له، رضي الله عنه. وقد روى موسى بن عبيدة عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من جمع ديناراً أو درهماً أو تبرا أو فضة ولا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة".
قلت: هذا الذي يليق بأبي ذر رضي الله عنه أن يقول به، وأن ما فضل عن الحاجة فليس بكنز إذا كان معداً لسبيل الله. وقال أبو أمامة: من خلف بيضاً أو صفراً كوي بهما مغفوراً له أو غير مغفور له، ألا إن حلية السيف من ذلك. وروى ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله له بكل قيراط صفيحة يكوى بها من فرقه إلى قدمه مغفوراً له بعد ذلك أو معذباً".
قلت: وهذا محمول على ما تؤد زكاته بدليل ما ذكرنا في الآية قبل هذا. فيكون التقدير: وعند أحمر أو أبيض لم يؤد زكاته. وكذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه: من ترك عشرة آلاف جعلت صفائح يعذب بها صاحبها يوم القيامة. أي إن لم يؤد زكاتها، لئلا تتناقض الأحاديث. والله أعلم.
الرابعة- قوله تعالى: "هذا ما كنزتم لأنفسكم" أي يقال لهم هذا ما كنزتم، فحذف. "فذوقوا ما كنتم تكنزون" أي عذاب ما كنتم تكنزون.
قال السدي: الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى وهو كما قال فإن الأحبار هم علماء اليهود كما قال تعالى: "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت" والرهبان عباد النصارى والقسيسون علماؤهم كما قال تعالى: "ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً" والمقصود التحذير من علماء السوء وعباد الضلال كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود, ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى. وفي الحديث الصحيح "لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة" قالوا: اليهود والنصارى ؟ قال: "فمن" ؟ وفي رواية فارس والروم , قال: "فمن الناس إلا هؤلاء ؟" والحاصل التحذير من التشبه بهم في أقوالهم وأحوالهم ولهذا قال تعالى: "ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله " وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورياستهم في الناس يأكلون أموالهم بذلك كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف ولهم عندهم خرج وهدايا وضرائب تجيء إليهم فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم طمعاً منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات فأطفأها الله بنور النبوة وسلبهم إياها وعوضهم الذل والصغار وباءوا بغضب من الله تعالى .
وقوله تعالى: "ويصدون عن سبيل الله" أي وهم مع أكلهم الحرام يصدون الناس عن اتباع الحق ويلبسون الحق بالباطل ويظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعونه إلى الخير وليسوا كما يزعمون بل هم دعاة إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون. وقوله: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم", هؤلاء هم القسم الثالث من رؤوس الناس فإن الناس عالة على العلماء وعلى العباد وعلى أرباب الأموال فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس كما قال ابن المبارك:
وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها
وأما الكنز فقال مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هو المال الذي لا يؤدى زكاته, وروى الثوري وغيره عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين وما كان ظاهراً لا تؤدى زكاته فهو كنز, وقد روي هذا عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة موقوفاً ومرفوعاً, وقال عمر بن الخطاب نحوه أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً في الأرض, وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض, وروى البخاري من حديث الزهري عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر فقال: هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت جعلها الله طهرة للأموال, وكذا قال عمر بن عبد العزيز وعراك بن مالك نسخها قوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة" الاية.
وقال سعيد بن محمد بن زياد عن أبي أمامة أنه قال: حلية السيوف من الكنز. ما أحدثكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الثوري عن أبي حصين عن أبي الضحى عن جعدة بن هبيرة عن علي رضي الله عنه قال: أربعة آلاف فما دونها نفقة فما كان أكثر من ذلك فهو كنز وهذا غريب وقد جاء في مدح التقلل من الذهب والفضة وذم التكثر منهما أحاديث كثيرة. ولنورد منها هنا طرفا يدل على الباقي قال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري أخبرني أبو حصين عن أبي الضحى عن جعدة بن هبيرة عن علي رضي الله عنه في قوله: "والذين يكنزون الذهب والفضة" الاية. قال النبي: "تباً للذهب تباً للفضة" يقولها ثلاثاً قال فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: فأي مال نتخذ ؟ فقال عمر رضي الله عنه أنا أعلم لكم ذلك فقال: يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم وقالوا: فأي المال نتخذ قال: "لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً وزوجة تعين أحدكم على دينه".
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن عمرو بن مرة عن أبي محمد جعفر حدثنا شعبة حدثني سالم بن عبد الله أخبرنا عبد الله بن أبي الهذيل حدثني صاحب لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "تباً للذهب والفضة" قال وحدثني صاحبي أنه انطلق مع عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله قولك: "تباً للذهب والفضة" ماذا ندخر ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً وزوجة تعين على الاخرة".
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا عبد الله بن عمرو بن مرة عن أبيه عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان قال: لما نزل في الذهب والفضة ما نزل قالوا: فأي المال نتخذ ؟ قال عمر: فأنا أعلم لكم ذلك فأوضع على بعير فأدركه وأنا في أثره فقال: يا رسول الله أي المال نتخذ ؟ قال: "قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة تعين أحدكم على أمر الاخرة" ورواه الترمذي وابن ماجه من غير وجه عن سالم بن أبي الجعد وقال الترمذي حسن, وحكي عن البخاري أن سالماً لم يسمعه من ثوبان قلت: ولهذا رواه بعضهم عنه مرسلاً, والله أعلم.
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا حميد بن مالك حدثنا يحيى بن يعلى المحاربي حدثنا أبي حدثنا غيلان بن جامع المحاربي عن عثمان أبي اليقظان عن جعفر بن أبي إياس عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الاية "والذين يكنزون الذهب والفضة" الاية, كبر ذلك على المسلمين وقالوا: ما يستطيع أحد منا أن يترك لولده مالاً يبقى بعده فقال عمر: أنا أفرج عنكم فانطلق عمر واتبعه ثوبان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إنه قد كبر على أصحابك هذه الاية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم" قال فكبر عمر ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء ؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته, وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته" ورواه أبو داود والحاكم في مستدركه وابن مردويه من حديث يحيى بن يعلى به وقال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه .
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا روح حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: كان شداد بن أوس رضي الله عنه في سفر فنزل منزلاً فقال لغلامه ائتنا بالشفرة نعبث بها فأنكرت عليه فقال: ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتي هذه فلا تحفظوها علي واحفظوا ما أقول لكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسن عبادتك وأسألك قلباً سليماً وأسألك لساناً صادقاً وأسألك من خير ما تعلم, وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب".
وقوله تعالى: "يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" أي يقال لهم هذا الكلام تبكيتاً وتقريعاً وتهكماً كما في قوله "ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم" أي هذا بذاك وهذا الذي كنتم تكنزون لأنفسكم ولهذا يقال من أحب شيئاً وقدمه على طاعة الله عذب به وهؤلاء لما كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم عذبوا بها كما كان أبو لهب لعنه الله جاهداً في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وامرأته تعينه في ذلك كانت يوم القيامة عوناً على عذابه أيضاً في جيدها أي عنقها حبل من مسد أي تجمع من الحطب في النار وتلقي عليه ليكون ذلك أبلغ في عذابه ممن هو أشفق عليه في الدنيا كما أن هذه الأموال لما كانت أعز الأشياء على أربابها كانت أضر الأشياء عليهم في الدار الاخرة فيحمى عليها في نار جهنم وناهيك بحرها فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. قال سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن عمرو بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود: والذي لا إله غيره لا يكوى عبد بكنز فيمس دينار ديناراً ولا درهم درهماً ولكن يوسع جلده فيوضع كل دينار ودرهم على حدته, وقد رواه ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعاً ولا يصح رفعه والله أعلم .
وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: بلغني أن الكنز يتحول يوم القيامة شجاعاً يتبع صاحبه وهو يفر منه ويقول: أنا كنزك لا يدرك منه شيئاً إلا أخذه. وقال الإمام أبو جعفر ابن جرير حدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "من ترك بعده كنزاً مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يتبعه ويقول: ويلك ما أنت ؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك ولا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ثم يتبعها سائر جسده" ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث يزيد عن سعيد به وأصل هذا الحديث في الصحيحين من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه, وفي صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" وذكر تمام الحديث. وقال البخاري في تفسير هذه الاية حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن حصين عن زيد بن وهب قال: مررت على أبي ذر بالربذة فقلت ما أنزلك بهذه الأرض ؟.
قال كنا بالشام فقرأت "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" فقال معاوية ما هذه فينا ما هذه إلا في أهل الكتاب, قال: قلت إنها لفينا وفيهم ورواه ابن جرير من حديث عبثر بن القاسم عن حصين عن زيد بن وهب عن أبي ذر رضي الله عنه فذكره وزاد فارتفع في ذلك بيني وبينه القول فكتب إلى عثمان يشكوني فكتب إلي عثمان أن أقبل إليه قال فأقبلت إليه فلما قدمت المدينة ركبني الناس كأنهم لم يروني قبل يومئذ فشكوت ذلك إلى عثمان فقال لي: تنح قريباً قلت: والله لن أدع ما كنت أقول (قلت) كان من مذهب أبي ذر رضي الله عنه تحريم ادخار ما زاد على نفقة العيال وكان يفتي بذلك ويحثهم عليه ويأمرهم به ويغلظ في خلافه فنهاه معاوية فلم ينته فخشي أن يضر الناس في هذا فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان وأن يأخذه إليه فاستقدمه عثمان إلى المدينة وأنزله بالربذة وحده وبها مات رضي الله عنه في خلافة عثمان. وقد اختبره معاوية رضي الله عنه وهو عنده هل يوافق عمله قوله فبعث إليه بألف دينار ففرقها من يومه ثم بعث إليه الذي أتاه بها فقال إن معاوية إنما بعثني إلى غيرك فأخطأت فهات الذهب فقال ويحك إنها خرجت ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به وهكذا روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنها عامة وقال السدي: هي في أهل القبلة وقال الأحنف بن قيس قدمت المدينة فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه فقام عليهم فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل قال فوضع القوم رؤوسهم فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً قال وأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم, فقال: إن هؤلاء لا يعلمون شيئاً وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: "ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهباً يمر علي ثلاثة أيام وعندي منه شيء إلا دينار أرصده لدين" فهذا والله أعلم هو الذي حدا بأبي ذر على القول بهذا.
وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن عبد الله بن الصامت رضي الله عنه أنه كان مع أبي ذر فخرج عطاؤه ومعه جارية فجعلت تقضي حوائجه ففضلت معها سبعة فأمرها أن تشتري به فلوساً قال: قلت لو ادخرته لحاجة بيوتك وللضيف ينزل بك قال إن خليلي عهد إلي أن أيما ذهب أو فضة أوكىء عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله عز وجل. ورواه عن يزيد عن همام به وزاد إفراغاً.
وقال الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي بكر الشبلي في ترجمته عن محمد بن مهدي حدثنا عمر بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله عن طلحة بن زيد عن أبي فروة الرهاوي عن عطاء عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الق الله فقيراً, ولا تلقه غنياً" قال: يا رسول الله كيف لي بذلك ؟ قال: "ما سئلت فلا تمنع, وما رزقت فلا تخبىء" قال: يا رسول الله كيف لي بذلك ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو ذاك وإلا فالنار" إسناده ضعيف.
وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا عيينة عن يزيد بن الصرم قال سمعت علياً رضي الله عنه يقول مات رجل من أهل الصفة وترك دينارين أو درهمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيتان, صلوا على صاحبكم" وقد روي هذا من طرق أخر, وقال قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة صدي بن عجلان قال: مات رجل من أهل الصفة فوجد في مئزره دينار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كية" ثم توفي رجل في مئزره ديناران فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كيتان" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي حدثنا معاوية بن يحيى الاطرابلسي حدثني أرطاة حدثني أبو عامر الهوزني سمعت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله بكل قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه" وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمود بن خداش حدثنا سيف بن محمد الثوري حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يوضع الدينار على الدينار, ولا الدرهم على الدرهم ولكن يوسع جلده فيكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" سيف هذا كذاب متروك.
ومعنى 35- "يوم يحمى عليها في نار جهنم" أن النار توقد عليها وهي ذات حمى وحر شديد، ولو قال يوم تحمى: أي الكنوز لم يعط هذا المعنى، فجعل الإحماء للنار مبالغة، ثم حذف النار وأسند الفعل إلى الجار كما تقول رفعت القصة إلى الأمير، فإن لم تذكر القصة قلت رفع إلى الأمير. وقرأ ابن عامر " يحمى " بالمثناة الفوقية. وقرأ أبو حيوة فيكوى بالتحتية. وخص الجباه والجنوب والظهور لكون التألم بكيها أشد لما في داخلها من الأعضاء الشريفة، وقيل ليكون الكي في الجهات الأربع: من قدام، وخلف، وعن يمين، وعن يسار، وقيل: لأن الجمال في الوجه، والقوة في الظهر والجنبين، والإنسان إنما يطلب المال للجمال والقوة، وقيل غير ذلك مما لا يخلو عن تكلف. قوله: "هذا ما كنزتم لأنفسكم" أي يقال لهم هذا ما كنزتم لأنفسكم: أي كنزتموه لتنتفعوا به فهذا نفعه على طريقة التهكم والتوبيخ "فذوقوا ما كنتم تكنزون" ما مصدرية أو موصولة: أي ذوقوا وباله، وسوء عاقبته، وقبح مغبته، وشؤم فائدته.
وقد أخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله: "إن كثيراً من الأحبار والرهبان" يعني علماء اليهود والنصارى "ليأكلون أموال الناس بالباطل" والباطل كتب كتبوها لم ينزلها الله فأكلوا بها أموال الناس، وذلك قول الله تعالى: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله". وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "والذين يكنزون الذهب والفضة" قال: هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة من أموالهم، وكل مال لا تؤدى زكاته كان على ظهر الأرض أو في بطنها فهو كنز، وكل مال أديت زكاته فليس بكنز، كان على ظهر الأرض أو في بطنها. وأخرجه عنه ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ من وجه آخر. وأخرج مالك وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر نحوه. وأخرج ابن مردويه عنه نحوه مرفوعاً. وأخرج ابن عدي والخطيب عن جابر نحوه مرفوعاً أيضاً. وأخرجه ابن أبي شيبة عنه موقوفاً. وأخرج أحمد في الزهد والبخاري وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر في الآية قال: إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة جعلها الله طهرة للأموال، ثم قال: ما أبالي لو كان عندي مثل أحد ذهباً أعلم عدده وأزكيه وأعمل فيه بطاعات الله؟. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال: ليس بكنز ما أدى زكاته. وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أم سلمة مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده وأبو داود وأبو يعلى وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال:" لما نزلت هذه الآية "والذين يكنزون الذهب والفضة" كبر ذلك على المسلمين، وقالوا: ما يستطيع أحد منا لولوده ما لا يبقى بعده، فقال عمر: أنا أفرج عنكم، فانطلق عمر واتبعه ثوبان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال: إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم، فكبر عمر، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته". وقد أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه عن سالم بن أبي الجعد من غير وجه عن ثوبان. وحكى البخاري أن سالماً لم يسمعه من ثوبان. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "والذين يكنزون الذهب والفضة" قال: هم أهل الكتاب، وقال: هي خاصة وعامة. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: أربعة آلاف فما دونها نفقة وما فوقها كنز. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال: حلية السيوف من الكنوز ما أحدثكم إلا ما سمعت. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عراك بن مالك وعمر بن عبد العزيز أنهما قالا في قوله: "والذين يكنزون الذهب والفضة" إنها نسختها الآية الأخرى "خذ من أموالهم صدقة" الآية. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا جعلها يوم القيامة صفائح، ثم أحمى عليها في نار جهنم، ثم يكوى بها جنباه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين الناس فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن زيد بن وهب قال: مررت على أبي ذر بالزبدة فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض؟ فقال: كنا بالشام فقرأت: "والذين يكنزون الذهب والفضة" الآية، فقال معاوية: ما هذه فينا، ما هذه إلا في أهل الكتاب، قلت: إنها لفينا وفيهم.
35-"يوم يحمى عليها في نار جهنم"، أي: يدخل النار فيوقد عليها أي على الكنوز، "فتكوى بها"، فتحرق بها، "جباههم"، أي: جباه كانزيها، "وجنوبهم وظهورهم"، روي عن ابن مسعود قال: إنه لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم في موضع على حدة.
وسئل أبو بكر الوراق: لم خص الجباه والجنوب والظهور بالكي؟ قال: لأن الغني صاحب الكنز إذا رأي الفقير وجهه، وزوى ما بين عينيه، وولاه ظهره، وأعرض عنه بكشحه.
قوله تعالى: "هذا ما كنزتم"، أي: يقال لهم : هذا ما كنزتم، "لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون"، أي: تمنعون حقوق الله تعالى في أموالكم. وقال بعض الصحابة: هذه الآية في أهل الكتاب. وقال الأكثرون: هي عامة في أهل الكتاب والمسلمين، وبه قال أبو ذر رضي الله عنه.
35. " يوم يحمى عليها في نار جهنم " أي يوم توقد النار ذات حمى شديد عليها، وأصله تحمى بالنار فجعل الإحماء للنار مبالغة ثم حذفت النار وأسند الفعل إلى الجار والمجرور تنبيهاً على المقصود فانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير ، وإنما قال " عليها" والمذكور شيئان لآن المراد بهما دنانير ودراهم كثيرة كما قال علي رضي الله تعالى عنه : أربعة آلاف وما دونها وما فوقها كنز . وكذا قوله تعالى : " ولا ينفقونها " وقيل الضمير فيهما للكنوز أو للأموال فإن الحكم عام وتخصيصهما بالذكر لأنهما قانون التمول ، او للفضة وتخصيصها لقربها ودلالة حكمها على أن الذهب أولى بهذا الحكم . " فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم " لأن جمعهم إمساكهم إيان كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية ، أو لأنهم ازوروا عن السائل وأعرضوا عنه وولوه ظهورهم ، أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة فإنها المشتملة على الأعضاء الرئيسية التي هي الدماغ والقلب والكبد ،أو لأنها أصول الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن ومآخيره وجنباه . " هذا ما كنزتم " على إرادة القول ." لأنفسكم " لمنفعتها وكان عين مضرتها وسبب تعذيبها ."فذوقوا ما كنتم تكنزون" أي وبال كنزكم أو ما تكنزونه وقرئ " تكنزون" بضم النون .
35. On the day when it will (all) be heated in the fire of hell, and their foreheads and their flanks and their backs will be branded therewith (and it will be said unto them): Here is that which ye hoarded for yourselves. Now taste of what ye used to hoard.
35 - On the day when heat will be produced out of that (wealth) in the fire of hell, and with it will be branded their foreheads, their flanks, and their backs. this is the (treasure) which ye buried for yourself: taste ye then, the (treasures) ye buried