36 - (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) أهلكنا قبل كفار قريش قرونا كثيرة من الكفار (هم أشد منهم بطشا) قوة (فنقبوا) فتشوا (في البلاد هل من محيص) لهم أو لغيرهم من الموت فلم يجدوا
وقوله " كم أهلكنا قبلهم من قرن " يقول تعالى ذكره : وكثيرا أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش من القرون ، "هم أشد " من قريش الذين كذبوا محمدا " بطشا فنقبوا في البلاد " يقول : فخرقوا البلاد فساروا فيها ، فطافوا وتوغلوا إلى الأقاصي منها ، قال امرؤ القيس :
لقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس " فنقبوا في البلاد " قال : أثروا .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " فنقبوا في البلاد " قال : يقول : عملوا في البلاد ذاك النقب .
ذكر من قال ذلك :
وقوله : " هل من محيص " يقول جل ثناؤه : فهل كان لهم بتنقيبهم في البلاد من معدل عن الموت ، ومنجي من الهلاك إذ جاءهم أمرنا . وأضمرت كان في هذا الموضع ، كما أضمرت في قوله ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم ) بمعنى : فلم يكن لهم ناصر عند هلاكهم . وقرأت القراء قوله : " فنقبوا " بالتشديد وفتح القاف على وجه الخبر عنهم . وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك فنقبوا بكسر القاف على وجه التهديد والوعيد : أي طوفوا في البلاد ، وترددوا فيها ، فإنكم لن تفوتنا بأنفسكم .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : " من محيص " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " وكم أهلكنا قبلهم من قرن " ... حتى بلغ " هل من محيص " قد حاص الفجرة فوجدوا أمر الله متبعا .
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قوله : " فنقبوا في البلاد هل من محيص " قال : حاص أعداء الله فوجدوا أمر الله لهم مدركا .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال :قال ابن زيد في قوله : " هل من محيص " قال : هل من منجى .
قوله تعالى " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص "
قوله تعالى " وكم أهلكنا قبلهم من قرن " أي كم أهلكنا يا محمد قبل قومك من أمة هم أشد منهم بطشا وقوة " فنقبوا في البلاد " أي ساروا فيها طلبا للمهرب وقيل أثروا في البلاد قال ابن عباس وقال مجاهد ضربوا وطافوا وقال النضر بن شميل دوروا وقال قتادة طوفوا وقال المؤرج تباعدوا ومنه قول امرئ القيس :
وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
ثم قيل: طافوا في أقاصي البلاد طلبا للتجارات وهل وجدوا من الموت محيصا ؟ وقيل طوفوا في البلاد يلتمسون محيصا من الموت وقال الحرث بن حلزة :
نقبوا في البلاد من حذر المو ت وجالوا في الأرض كل مجال
وقرأ الحسن وأبو العالية فنقبوا بفتح القاف وتخفيفها والنقب هو الخرق والدخول في الشيء . وقيل : النقب الطريق في الجبل ، وكذلك المنقب والمنقبة عن ابن السكيت ونقب الجدار نقبا ، واسم تلك النقبة نقب أيضا وجمع النقب النقوب أي خرقوا البلاد وساروا في نقوبها وقيل أثروا فيها كتأثير الحديد فيما ينقب . وقرأ السلمي ويحيى بن معمر فنقبوا بكسر القاف والتشديد على الأمر بالتهديد والوعيد ، أي طوفوا البلاد وسيروا فيها فانظروا "هل من " الموت " محيص" ومهرب ذكره الثعلبي وحكى القشيري فنقبوا بكسر القاف مع التخفيف أي أكثروا السير فيها حتى نقبت دوابهم . الجوهري ونقب البعير بالكسر إذا رقت أخفافه وأنقب الرجل إذا نقب بعيره ونقب الخف الملبوس أي تخرق . والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حيصا وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا أي عدل وحاد يقال ما عنه محيص أي محيد ومهرب والانحياص مثله يقال للأولياء حاصوا عن العدو وللأعداء انهزموا .
يقول تعالى: وكم أهلكنا قبل هؤلاء المكذبين "من قرن هم أشد منهم بطشاً" أي كانوا أكثر منهم وأشد قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها ولهذا قال تعالى ههنا: "فنقبوا في البلاد هل من محيص" قال ابن عباس رضي الله عنهما: أثروا فيها. وقال مجاهد "فنقبوا في البلاد" ضربوا في الأرض وقال قتادة: فساروا في البلاد أي ساروا فيها يبتغون الأرزاق والمتاجر والمكاسب أكثر مما طفتم بها, ويقال لمن طوف في البلاد نقب فيها, قال امرؤ القيس:
لقد نقبت في الافاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وقوله تعالى: "هل من محيص" أي هل من مفر كان لهم من قضاء الله وقدره وهل نفعهم ما جمعوه ورد عنهم عذاب الله إذ جاءهم لما كذبوا الرسل فأنتم أيضاً لا مفر لكم ولا محيد ولا مناص ولا محيص. وقوله عز وجل: "إن في ذلك لذكرى" أي لعبرة "لمن كان له قلب" أي لب يعي به وقال مجاهد: عقل "أو ألقى السمع وهو شهيد" أي استمع الكلام فوعاه وتعقله بعقله وتفهمه بلبه, وقال مجاهد: "أو ألقى السمع" يعني لا يحدث نفسه في هذا بقلب, وقال الضحاك: العرب تقول ألقى فلان سمعه إذا استمع بأذنيه, وهو شاهد بقلب غير غائب, وهكذا قال الثوري وغير واحد. وقوله سبحانه وتعالى: "ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب" فيه تقرير للمعاد لأن من قدر على خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى, وقال قتادة: قالت اليهود ـ عليهم لعائن الله ـ خلق الله السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت, وهم يسمونه يوم الراحة فأنزل الله تعالى تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه "وما مسنا من لغوب" أي من إعياء ولا تعب ولا نصب, كما قال تبارك وتعالى في الاية الأخرى: " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير " وكما قال عز وجل: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" وقال تعالى: " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ".
وقوله عز وجل: "فاصبر على ما يقولون" يعني المكذبين اصبر عليهم واهجرهم هجراً جميلاً "وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر وقبل الغروب في وقت العصر, وقيام الليل كان واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته حولاً ثم نسخ في حق الأمة وجوبه ثم بعد ذلك نسخ الله تعالى ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات, ولكن منهن صلاة الصبح والعصر فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: "أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر لا تضامون فيه, فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ "وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" ورواه البخاري ومسلم وبقية الجماعة من حديث إسماعيل به.
وقوله تعالى: "ومن الليل فسبحه" أي فصل له كقوله: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" "وأدبار السجود" قال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: هو التسبيح بعد الصلاة. ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: جاء فقراء المهاجرين فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك ؟" قالوا: يصلون كما نصلي, ويصومون كما نصوم, ويتصدقون ولا نتصدق, ويعتقون ولا نعتق. قال صلى الله عليه وسلم: "أفلا أعلمكم شيئاً إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من فعل مثل ما فعلتم ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" قال: فقالوا يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. فقال صلى الله عليه وسلم: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" والقول الثاني أن المراد بقوله تعالى: "وأدبار السجود" هما الركعتان بعد المغرب وروي ذلك عن عمر وعلي وابنه الحسن وابن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة رضي الله عنهم وبه يقول مجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي والحسن وقتادة وغيرهم.
قال الإمام أحمد حدثنا وكيع وعبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحاق, عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على أثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر, وقال عبد الرحمن دبر كل صلاة. ورواه أبو داود والنسائي من حديث سفيان الثوري به, زاد النسائي ومطرف عن أبي إسحاق به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني, حدثنا ابن فضيل عن رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصلى ركعتين خفيفتين اللتين قبل الفجر, ثم خرج إلى الصلاة فقال يا ابن عباس "ركعتين قبل صلاة الفجر إدبار النجوم, وركعتين بعد المغرب إدبار السجود" ورواه الترمذي عن أبي هشام الرفاعي عن محمد بن فضيل به. وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وحديث ابن عباس رضي الله عنهما, وأنه بات في بيت خالته ميمونة رضي الله عنها, وصلى تلك الليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة ثابت في الصحيحين وغيرهما. فأما هذه الزيادة فغريبة لا تعرف إلا من هذا الوجه ورشدين بن كريب ضعيف, ولعله من كلام ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً عليه, والله أعلم.
خوف سبحانه أهل مكة بما اتفق للقرون الماضية 36- "قبلهم" أي قبل قريش ومن وافقهم "من قرن" أي من أمة "هم أشد منهم بطشاً" أي قوة كعاد وثمود وغيرهما "فنقبوا في البلاد" أي ساروا وتقلبوا فيها وطافوا بقاعها وأصله من النقب، وهو الطريق. قال مجاهد: ضربوا وطافوا. وقال النضر بن شميل: دوروا. وقال المؤرج: تباعدوا. والأول أولى، ومنه قول امرئ القيس:
وقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
ومثله قول الحارث بن حلزة:
نقبوا في البلاد من حذر المو ت وجالوا في الأرض كل مجال
وقرأ ابن عباس والحسن وأبو العالية وأبو عمرو في رواية "نقبوا" بفتح القاف مخففة، والنقب هو الخرق والطريق في الجبل وكذا المنقب والمنقبة، كذا قال ابن السكيت، وجمع النقب نقوب. وقرأ السلمي ويحيى بن يعمر بكسر القاف مشددة على الأمر للتهديد: أي طوفوا فيها وسيروا في جوانبها. وقرأ الباقون بفتح القاف مشددة على الماضي "هل من محيص" أي هل لهم من مهرب يهربون إليه، أو مخلص يتخلصون به من العذاب. قال الزجاج: لم يروا محيصاً من الموت، والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حيصاً وحيوصاً ومحيصاً ومحاصاً وحيصاناً: أي عدل وحاد، والجملة مستأنفة لبيان أنه لا مهرب لهم، وفي هذا إنذار لأهل مكة أنهم مثل من قبلهم القرون لا يجدون من الموت والعذاب مفراً.
36. قوله عز وجل: " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشاً فنقبوا في البلاد "، ضربوا وساروا وتقلبوا وطافوا، وأصله من النقب، وهو الطريق كأنهم سلكوا كل طريق، " هل من محيص "، فلم يجدوا محيصاً من أمر الله. وقيل: ((هل من محيص)) مفر من الموت؟ فلم يجدوا [منه مفراً، وهذا إنذار] لأهل مكة وأنهم على مثل سبيلهم لا يجدون مفراً عن الموت يموتون، فيصيرون إلى عذاب الله.
36-" وكم أهلكنا قبلهم " قبل قومك " من قرن هم أشد منهم بطشاً " قوة كعاد وثمود وفرعون ." فنقبوا في البلاد " فخرقوا في البلاد وتصرفوا فيها ، أو جالوا في الأرض كل مجال حذر الموت ،فالفاء على الأول للتسبب وعلى الثاني لمجرد التعقيب ،وأصل التنقيب التنقير عن الشيء والبحث عنه . " هل من محيص " أي لهم من الله أو من الموت .وقيل الضمير في "نقبوا " لأهل مكة أي ساروا في أسفارهم في بلاد القرون فهل رأوالهم محيصاً حتى يتوقعوا مثله لأنفسهم ، ويؤيده أنه قرئ فنقبوا على الأمر ، وقرئ فنقبوا بالكسر من النقب وهو أن ينتقب خف البعير أي أكثروا السير حتى نقبت أقدامهم أو أخفاف مراكبهم .
36. And how many a generation We destroyed before them, who were mightier than these in prowess so that they overran the lands! Had they any place of refuge (when the judgment came)?
36 - But how many generations before them did We destroy (for their sins), stronger in power than they? Then did they wander through the land: was there any place of escape (for them)?