37 - (ارجع إليهم) بما أتيت من الهدية (فلنأتينهم بجنود لا قبل) لاطاقة (لهم بها ولنخرجنهم منها) من بلدهم سبأ سميت باسم أبي قبيلتهم (أذلة وهم صاغرون) إن لم يأتوا مسلمين فلما رجع إليها الرسول بالهدية جعلت سريرها داخل سبعة أبواب داخل قصرها وقصرها داخل سبعة قصور وغلقت الأبواب وجعلت عليها حرسا وتجهزت للمسير إلى سليمان لتنظر ما يأمرها به فارتحلت في اثني عشر ألف فيل مع كل فيل الوف كثيرة إلى أن قربت منه على فرسخ شعر بها
قوله تعالى : "ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها و لنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون " .
قوله تعالى : " ارجع إليهم " أي قال سليمان للمنذر بن عمرو أمير الوفد ، ارجع إليهم بهديتهم . " فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها " لام القسم والنون لها لا زمة . قال النحاس : وسمعت أبا الحسن بن كيسان يقول : هي لام توكيد وكذا كان عنده أن اللامات كلها ثلاث لا غير ، لام توكيد ، ولام أمر ، ولام خفض ، وهذا قول الحذاق من النحويين ، لأنهم يردون الشيء إلى أصله ، وهذا لا يتهيأ إلا لمن درب في العربية . ومعنى " لا قبل لهم بها " أي لا طاقة لهم عليها . " ولنخرجنهم منها " أي من أرضهم " أذلة وهم صاغرون " . وقيل : ( منها ) أي من قرية سبأ . وقد سبق ذكر القرية في قوله : " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها " . ( أدلة ) قد سلبوا ملكهم وعزهم . " وهم صاغرون " أ ي مهانون أذلاء من الصغر وهو الذل إن لم يسلموا ، فرجع إليها رسولها فأخبرها ، فقالت : قد عرفت أنه ليس بملك ولا طاقة لنا بقتال نبي من أنبياء الله . ثم أمرت بعرشها فجعل في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض ، في آخر قصر من سبعة قصور ، وغلقت الأبواب ، وجعلت حرس عليه ، وتوجهت إليه في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن ، تحت كل قيل مائة ألف . قال ابن عباس : وكان سليمان مهيباً لا يبدأ بشيء حتى يكون هذه الذي يسأل عنه ، فنظر ذات يوم رهجاً قريباً منه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : بلقيس يا نبي الله . فقال سليمان لجنوده _ وقال وهب وغيره : للجن .
ذكر غير واحد من المفسرين من السلف وغيرهم أنها بعثت إليه بهدية عظيمة من ذهب وجواهر ولالىء وغير ذلك. وقال بعضهم: أرسلت بلبنة من ذهب, والصحيح أنها أرسلت إليه بآنية من ذهب. قال مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما: أرسلت جواري في زي الغلمان, وغلمان في زي الجواري فقالت: إن عرف هؤلاء من هؤلاء فهو نبي, قالوا: فأمرهم سليمان فتوضؤا, فجعلت الجارية تفرغ على يدها من الماء وجعل الغلام يغترف فميزهم بذلك, وقيل بل جعلت الجارية تغسل باطن يدها قبل ظاهرها والغلام بالعكس, وقيل بل جعلت الجواري يغسلن من أكفهن إلى مرافقهن, والغلمان من مرافقهم إلى كفوفهم ولا منافاة بين ذلك كله, والله أعلم. وذكر بعضهم أنها أرسلت إليه بقدح ليملأه ماء رواء لا من السماء ولا من الأرض, فأجرى الخيل حتى عرقت ثم ملأه من ذلك, وبخرزة وسلك ليجعله فيها ففعل ذلك والله أعلم أكان ذلك أم لا, وأكثره مأخوذ من الإسرائيليات, والظاهر أن سليمان عليه السلام, لم ينظر إلى ما جاءوا به بالكلية, ولا اعتنى به, بل أعرض عنه. وقال منكراً عليهم "أتمدونن بمال ؟" أي أتصانعونني بمال لأترككم على شرككم وملككم ؟ "فما آتاني الله خير مما آتاكم" أي الذي أعطاني الله من الملك والمال والجنود خير مما أنتم فيه "بل أنتم بهديتكم تفرحون" أي أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف, وأما أنا فلا أقبل منكم إلا الإسلام أو السيف.
قال الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه: أمر سليمان الشياطين فموهوا له ألف قصر من ذهب وفضة, فلما رأت رسلها ذلك, قالوا: ما يصنع هذا بهديتنا, وفي هذا جواز تهيؤ الملوك وإظهارهم الزينة للرسل والقصاد "ارجع إليهم" أي بهديتهم "فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها" أي لا طاقة لهم بقتالهم "ولنخرجنهم منها أذلة" أي ولنخرجنهم من بلدتهم أذلة "وهم صاغرون" أي مهانون مدحورون. فلما رجعت إليها رسلها بهديتها وبما قال سليمان سمعت وأطاعت هي وقومها, وأقبلت تسير إليه في جنودها خاضعة ذليلة, معظمة لسليمان ناوية متابعته في الإسلام, ولما تحقق سليمان عليه السلام قدومهم عليه, ووفودهم إليه فرح بذلك وسره.
37- "ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها" أي قال سليمان للرسول: ارجع إليهم: أي إلى بلقيس وقومها، وخاطب المفرد ها هنا بعد خطابه للجماعة فيما قبل، إما لأن الذي سيرجع هو الرسول فقط، أو خص أمير الرسل بالخطاب هنا وخاطبهم معه فيما سبق افتناناً في الكلام. وقرأ عبد الله بن عباس ارجعوا وقيل إن الضمير يرجع إلى الهدهد، واللام في لنأتينهم جواب قسم محذوف. قال النحاس: وسمعت ابن كيسان يقول: هي لام توكيد ولام أمر ولام خفض، وهذا قول الحذاق من النحويين لأنه يردون الشيء إلى أصله، وهذا لا يتهيأ إلا لمن درب في العربية، ومعنى "لا قبل لهم": أي لا طاقة لهم بها ، والجملة في محل جر صفة لجنود " ولنخرجنهم " معطوف على جواب القسم أي : لنخرجنهم من أرضهم التي هم فيها "أذلة" أي حال كونهم أذلة بعد ما كانوا أعزة، وجملة "وهم صاغرون" في محل نصب على الحال، قيل وهي حال مؤكدة لأن الصغار هو الذلة، وقيل إن المراد بالصغار هنا الأسر والاستبعاد، وقيل إن الصغار الإهانة التي تسبب عنها الذلة. ولما رجع الرسول إلى بلقيس تجهزت للمسير إلى سليمان، وأخبر جبريل سليمان بذلك.
ثم قال للمنذر بن عمرو أمير الوفد:
37- "ارجع إليهم"، بالهدية، "فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم"، لا طاقة لهم، "بها ولنخرجنهم منها"، أي: من أرضهم وبلادهم وهي سبأ، "أذلةً وهم صاغرون"، ذليلون إن لم يأتوني مسلمين.
قال وهب وغيره من أهل الكتب: فلما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان، قالت: قد عرفت -والله- ما هذا بملك وما لنا به طاقة، فبعثت إلى سليمان إني قادمة عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك، ثم أمرت بعرشها فجعل في آخر سبعة أبيات بعضها في بعض في آخر قصر من سبعة قصور لها، ثم أغلقت دونه الأبواب، ووكلت به حراساً يحفظونه، ثم قالت لمن خلفت على سلطانها: احتفظ بما قبلك وسرير ملكي، لا يخلص إليه أحد ولا يرينه حتى آتيك، ثم أمرت منادياً ينادي في أهل مملكتها يؤذنهم بالرحيل، وشخصت إلى سليمان في اثنى عشر ألف قيل من ملوك اليمن، تحت يدي كل قيل ألوف كثيرة.
قال ابن عباس: وكان سليمان رجلاً مهيباً لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه، فخرج يوماً فجلس على سرير ملكه، فرأى رهجاً قريباً منه، فقال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس وقد نزلت منا بهذا المكان، وكان على مسيرة فرسخ من سليمان، قال ابن عباس: وكان بين الكوفة والحيرة قدر فرسخ، فأقبل سليمان حينئذ على جنوده.
37 -" ارجع " أيها الرسول . " إليهم " إلى بلقيس وقومها . " فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها " لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها وقرئ (( بهم )) . " ولنخرجنهم منها " من سبأ . " أذلةً " بذهاب ما كانوا فيه من العز . " وهم صاغرون " أسراء مهانون .
37. Return unto them. We verily shall come unto them with hosts that they cannot resist, and we shall drive them out from thence with shame, and they will be abased.
37 - Go back to them, and be sure we shall come to them with such hosts as they will never be able to meet: we shall expel them from there in disgrace, and they will feel humbled (indeed).