38 - ونزل لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى غزوة تبوك وكانوا في عسرة وشدة وحر فشق عليهم (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم) بإدغام التاء في الأصل في المثلثة واجتلاب همزة الوصل أي تباطأتم وملتم عن الجهاد (إلى الأرض) والقعود فيها والاستفهام للتوبيخ (أرضيتم بالحياة الدنيا) ولذاتها (من الآخرة) أي بدل نعيمها (فما متاع الحياة الدنيا في) جنب متاع (الآخرة إلا قليل) حقير
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم الآية أخرج ابن جرير عن مجاهد في هذه الآية قال هذا حين امروا بغزوة تبوك بعد الفتح وحين أمرهم بالنفير في الصيف حين طابت الثمار واشتهوا الظلال وشق عليهم المخرج فأنزل الله انفروا خفافا وثقالا
قال أبو جعفر: وهذه الآية حث من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسوله، على غزو الروم، وذلك غزرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك.
يقول جل ثناؤه: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، " ما لكم "، أي شيء أمركم، " إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله "، يقول: إذا قال لكم رسول الله محمد: " انفروا "، أي:اخرجوا من منازلكم إلى مغزاكم.
وأصل ((النفر))، مفارقة مكان إلى مكان لأمر هاجه على ذلك. ومنه: ((نفوراً الدابة)). غير أنه يقال من النفر إلى الغزو: ((نفر فلان إلى ثغر كذا ينفر نفراً ونفيراً))، وأحسب أن هذا من الفروق التي يفرقون بها بين اختلاف المخبر عنه، وإن اتفقت معاني الخبر.
فمعنى الكلام: ما لكم أيها المؤمنون، إذا قيل لكم: اخرجوا غزاة، " في سبيل الله "، أي: في جهاد أعداء الله، " اثاقلتم إلى الأرض"، يقول: تثاقلتم إلى لزوم أرضكم ومساكنكم والجلوس فيها.
وقيل: " اثاقلتم " لإدغام ((الثاء)) في ((التاء)) فأحذثت لها ألف، ليتوصل إلى الكلام بها، لأن ((التاء)) مدغمة في ((الثاء)). ولو أسقطت الألف، وابتدىء بها، لم تكن إلا متحركة، فأحدثت الألف لتقع الحركة بها، كما قال جل ثناؤه: " حتى إذا اداركوا فيها جميعا "، [الأعراف: 38]، وكما قال الشاعر:
تولي الضجيع إذا ما استافها خصراً عذب المذاق، إذا ما اتابع القبل
فهو من ((الثقل))، ومجازه مجاز ((افتعلتم))، من ((التثاقل)).
وقوله:" أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة "، يقول جل ثناؤه: أرضيتم بحظ الدنيا والدعة فيها، عوضاً من نعيم الآخرة، وما عند الله للمتقين في جناته، " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة "، يقول: فما الذي يستمتع به المتمتعون في الدنيا في عيشها ولذاتها في نعيم الآخية والكرامة التي أعدها الله لأوليائه وأهل طاعته، " إلا قليل "، يسير. يقول لهم: فاطلبوا، أيها المؤمنون، نعيم الآخرة، وشرف الكرامة التي عند الله لأوليائه، بطاعته والمسارعة إلى الإجابة إلى أمره في النفير لجهاد عدوه.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض "، أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وبعد الطائف، وبعد حنين. أمروا بالنفير في الصيف، حين خرفت النخل، وطابت الثمار واشتهوا الظلال، وشق عليهم المخرج.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله: " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض " الآية، قال: هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وحنين وبعد الطائف. أمرهم بالنفير في الصيف، حين اخترفت النخل، وطابت الثمار، واشتهوا الظلال، وشق عليهم المخرج. قال: فقالوا: ((الثقيل))، ذو الحاجة، والضيغة والشغل، والمنتشر به أمره في ذلك كله، فأنزل الله: " انفروا خفافا وثقالا "، [التوبة: 41].
فيه مسألتان:
الأولى- قوله تعالى: "ما لكم" ما حرف استفهام معناه التقرير والتوبيخ، التقدير: أي شيء يمنعكم عن كذا، كما تقول: مالك عن فلان معرضاً. ولا خلاف أن هذه الآية نزلت عتاباً على تخلف من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام، وسيأتي ذكرها في آخر السورة إن شاء الله. والنفر: هو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث، يقال في ابن آدم: نفر إلى الأمر ينفر نفوراً. وقوم نفور، ومنه قوله تعالى: "ولوا على أدبارهم نفوراً" [الإسراء: 46]. ويقال في الدابة: نفرت تنفز (بضم الفاء وكسرها) نفاراً ونفوراً. يقال: في الدابة نفار، وهو اسم مثل الحران. ونفر الحاج من منىً نفراً.
الثانية- قوله تعالى: "اثاقلتم إلى الأرض" قال المفسرون: معناه اثاقلتم إلى نعيم الأرض، أو إلى الإقامة بالأرض. وهو توبيخ على ترك الجهاد وعتاب على التقاعد عن المبادرة إلى الخروج، وهو نحو من أخلد إلى الأرض. وأصله تثاقلتم، أدغمت التاء في الثاء لقربها منها، واحتاجت إلى ألف الوصل لتصل إلى النطق بالساكن، ومثله "اداركوا" و "ادارأتم" "اطيرنا" و"وازينت". وأنشد الكسائي:
تولي الضجيع إذا ما استافها خصراً عذب المذاق إذا ما اتابع القبل
وقرأ الأعمش تثاقلتم على الأصل. حكاه المهدوي. وكانت تبوك- ودعا الناس إليها- في حرارة القيظ وطيب الثمار وبرد الظلال -كما جاء في الحديث الصحيح على ما يأتي -فاستولى على الناس الكسل، فتقاعدوا وتثاقلوا، فوبخهم الله بقوله هذا، وغاب عليهم الإيثار للدنيا على الآخرة. ومعنى "أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة" أي بدلاً، التقدير: أرضيتم بنعيم الدنيا بدلاً من نعيم الآخرة. فـ من تتضمن معنى البدل، كقوله تعالى: "ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون" [الزخرف: 60] أي بدلاً منكم.
وقال الشاعر:
فليت لنا من ماء زمزم شربةً مبردة باتت على طهيان
ويروى من ماء حمنان. أراد: ليت لنا بدلاً من ماء زمزم شربة مبردة. والطهيان: عود ينصب في ناحية الدار للهواء، يعلق عليه الماء حتى يبرد. عاتبهم الله على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة في الآخرة، إذ لا تنال راحة الآخرة إلا بنصب الدنيا. قال صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد طافت راكبة.
"أجرك على قدر نصبك". خرجه البخاري.
هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحمارة القيظ فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله" أي إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله "اثاقلتم إلى الأرض" أي تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " أي ما لكم فعلتم هكذا أرضىً منكم بالدنيا بدلاً من الاخرة ؟ ثم زهد تبارك وتعالى في الدنيا, ورغب في الاخرة فقال " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ويحيى بن سعيد قالا حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن المستورد أخي بني فهر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما الدنيا في الاخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بم ترجع ؟" وأشار بالسبابة انفرد بإخراجه مسلم. وروى ابن أبي حاتم حدثنا بشر بن مسلم بن عبد الحميد الحمصي بحمص حدثنا الربيع بن روح حدثنا محمد بن خالد الوهبي حدثنا زياد يعني الجصاص عن أبي عثمان قال: قلت: يا أبا هريرة سمعت من إخواني بالبصرة أنك تقول: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة" قال أبو هريرة: بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة" ثم تلا هذه الاية " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " فالدنيا ما مضى منها وما بقي منها عند الله قليل. وقال الثوري عن الأعمش في الاية " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " قال: كزاد الراكب.
وقال عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه: لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة. قال: ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال: أما لي من كبير ما أخلف من الدنيا إلا هذا ؟ ثم ولى ظهره فبكى وهو يقول أف لك من دار إن كان كثيرك لقليل, وإن كان قليلك لقصير, وإن كنا منك لفي غرور. ثم توعد تعالى من ترك الجهاد فقال: "إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً" قال ابن عباس: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عذابهم "ويستبدل قوماً غيركم" أي لنصرة نبيه وإقامة دينه كما قال تعالى: " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " "ولا تضروه شيئاً" أي ولا تضروا الله شيئاً بتوليكم عن الجهاد, ونكولكم وتثاقلكم عنه "والله على كل شيء قدير" أي قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم, وقد قيل إن هذه الاية وقوله: "انفروا خفافاً وثقالاً" وقوله: "ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله" إنهن منسوخات بقوله تعالى: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة" روي هذا عن ابن عباس وعكرمة والحسن, وزيد بن أسلم ورده ابن جرير وقال: إنما هذا فيمن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد فتعين عليهم ذلك فلو تركوه لعوقبوا عليه وهذا له اتجاه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .
قوله: 38- "يا أيها الذين آمنوا" لما شرح معايب أولئك الكفار عاد إلى ترغيب المؤمنين في قتالهم، والاستفهام في "ما لكم" للإنكار والتوبيخ: أي أي شيء يمنعكم من ذلك، ولا خلاف أن هذه الآية نزلت عتابا لمن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام، والنفر: هو الانتقال بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث. قوله: "اثاقلتم إلى الأرض" أصله تثاقلتم أدغمت التاء في الثاء لقربها منها، وجيء بألف الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن، ومثله: اداركوا، و اطيرتم، واطيروا، وأنشد الكسائي:
توالى الضجيع إذا ما اشتاقها حضرا عذب المذاق إذا ما اتابع القبل
وقرأ الأعمش " اثاقلتم " على الأصل، ومعناه تباطأتم، وعدي بإلى لتضمنه معنى الميل والإخلاد، وقيل معناه: ملتم إلى الإقامة بأرضكم والبقاء فيها وقرئ " اثاقلتم " على الاستفهام، ومعناه التوبيخ والعامل في الظرف ما في "ما لكم" من معنى الفعل، كأنه قيل ما يمنعكم، أو ما تصنعون إذا قيل لكم؟ و "إلى الأرض" متعلق باثاقلتم وكما مر. قوله: "أرضيتم بالحياة الدنيا" أي بنعيمها بدلاً من الآخرة كقوله تعالى: "ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون" أي بدلاً منكم، ومثله قول الشاعر:
قلبت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان
أي بدلاً من ماء زمزم، والطهيان عود ينصب في ناحية الدار للهواء يعلق عليه الماء ليبرد، ومعنى "في الآخرة" أي في جنب الآخرة، وفي مقابلها "إلا قليل" أي إلا متاع حقير لا يعبأ به، ويجوز أن يراد بالقليل العدم، إذ لا نسبة للمتناهي الزائل إلى غير المتناهي الباقي، والظاهر أن هذا التثاقل لم يصدر من الكل، إذ من البعيد أن يطبقوا جميعاً على التباطؤ والتثاقل، وإنما هو من باب نسبة ما يقع من البعض إلى الكل، وهو كثير شائع.
38-قوله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض " الآية، نزلت في الحث على غزوة تبوك، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف أمر بالجهاد لغزوة الروم، وكان ذلك في زمان عسرة من الناس، وشدة من الحر، حين طابت الثمار والظلال، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا، ومفاوز هائلة، وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، فشق عليهم الخروج وتثاقلوا فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم " أي: قال لكم رسول الله: "انفروا" اخرجوا في سبيل الله "اثاقلتم إلى الأرض" أي: لزمتم أرضكم ومساكنكم، "أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة"، أي: بخفض الدنيا ودعتها من نعيم الآخرة "فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل".
38. " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم " تباطأتم ،وقرئ (تثاقلتم ) على الأصل و(أثاقلتم )على الاستفهام للتوبيخ . " إلى الأرض " متعلق به كأنه ضمن معنى الإخلاد والميل فعدي بإلى ، وكان ذلك في غزوة تبوك أمروا بها بعد رجوعهم من الطائف في وقت عسرة وقيظ مع بعد الشقة وكثرة العدو فشق عليهم . " أرضيتم بالحياة الدنيا " وغرورها."من الآخرة " بدل الآخرة ونعيمها. " فما متاع الحياة الدنيا " فما التمتع بها. " في الآخرة " في جنب الآخرة. "إلا قليل" مستحقر.
38. O ye who believe! What aileth you that when it is said unto you: Go forth in the way of Allah, ye are bowed down to the ground with heaviness. Take ye pleasure in the life of the world rather than in the Hereafter? The comfort of the life of the world is but little in the Hereafter.
38 - O ye who believe what is the matter with you, that when ye are asked to go forth in the cause of God, ye cling heavily to the earth? do ye refer the life of this world to the hereafter? but little is the comfort of this life, as compared with the hereafter.