(فنادته الملائكة) أي جبريل (وهو قائم يصلي في المحراب) أي المسجد (أن) أي بأن وفي قراءة بالكسر بتقدير القول (الله يُبَشِّرك) مثقلا ومخففا (بيحيى مصدقا بكلمة) كائنة (من الله) أي بعيسى أنه روح الله وسمي كلمة لأنه خلق بكلمة كن (وسيدا) متبوعا (وحصورا) ممنوعا من النساء (ونبيا من الصالحين) روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض أهل الكوفة والبصرة: "فنادته الملائكة" على التأنيث بالتاء، يراد بها جمع "الملائكة". وكذلك تفعل العرب في جماعة الذكور، إذا تقدمت أفعالها، أنثت أفعالها، ولا سيما الأسماء التي في ألفاظها التأنيث، كقولهم: جاءت الطلحات.
وقد قرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة بالياء، بمعنى فناداه جبريل، فذكروه للتأويل، كما قد ذكرنا آنفاً أنهم يؤنثون فعل الذكر للفظ، فكذلك يذكرون فعل المؤنث أيضاً للفظ. واعتبروا ذلك فيما أرى بقراءة، يذكر أنها قراءة عبد الله بن مسعود، وهو ما:
حدثني به المثنى قال، حدثنا إسحق بن الحجاج قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، أن قراءة ابن مسعود: فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب.
وكذلك تأول قوله: "فنادته الملائكة" جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فنادته الملائكة"، وهو جبريل، أو: قالت الملائكة، وهو جبريل، "أن الله يبشرك بيحيى".
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وكيف جاز أن يقال على هذا التأويل: "فنادته الملائكة"، و "الملائكة" جمع لا واحد؟
قيل: ذلك جائز في كلام العرب، بأن تخبر عن الواحد بمذهب الجمع، كما يقال في الكلام: خرج فلان على بغال البرد، وإنما ركب بغلاً واحداً، وركب السفن، وإنما ركب سفينةً واحدة. وكما يقال: ممن سمعت هذا الخبر؟ فيقال: من الناس، وإنما سمعه من رجل واحد. وقد قيل إن منه قوله: "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم" [آل عمران: 173]، والقائل كان -فيما كان ذكر- واحداً، وقوله: "وإذا مس الإنسان ضر" [الروم: 33]، والناس بمعنى واحد. وذلك جائز عندهم فيما لم يقصد فيه قصد واحد.
قال أبو جعفر: وإنما الصواب من القول عندي في قراءة ذلك، أنهما قراءتان معروفتان، أعني التاء و الياء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وذلك أنه لا اختلاف في معنى ذلك باختلاف القراءتين، وهما جميعاً فصيحتان عند العرب. وذلك أن "الملائكة" إن كان مراداً بها جبريل، كما روي عن عبد الله، فإن التأنيث في فعلها فصيح في كلام العرب للفظها، إن تقدمها الفعل. وجائز فيه التذكير لمعناها.
وإن كان مراداً بها جمع "الملائكة"، فجائز في فعلها التأنيث، وهو قبلها، للفظها. وذلك أن العرب إذا قدمت على الكثير من الجماعة فعلها، أنثته، فقالت: قالت النساء. وجائز التذكير في فعلها، بناءً على الواحد، إذا تقدم فعله، فيقال: قال الرجال.
وأما الصواب من القول في تأويله، فأن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر أن الملائكة نادته. والظاهر من ذلك، أنها جماعة من الملائكة دون الواحد، وجبريل واحد. ولا يجوز أن يحمل تأويل القرآن إلا على الأظهر الأكثر من الكلام المستعمل في ألسن العرب، دون الأقل، ما وجد إلى ذلك سبيل. ولم تضطرنا حاجة إلى صرف ذلك إلى أنه بمعنى واحد، فيحتاج له إلى طلب المخرج بالخفي من الكلام والمعاني.
وبما قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة من أهل العلم، منهم: قتادة، والربيع بن أنس، وعكرمة، ومجاهد، وجماعة غيرهم. وقد ذكرنا ما قالوا من ذلك فيما مضى.
قال أبو جعفر: وتأويل قوله: "وهو قائم": فنادته الملائكة في حال قيامه مصلياً. فقوله: "وهو قائم"، خبر عن وقت نداء الملائكة زكريا.
وقوله: "يصلي" في موضع نصب على الحال من القيام، وهو رفع بالياء.
وأما "المحراب"، فقد بينا معناه، وأنه مقدم المسجد.
واختلف القرأة في قراءة قوله: "أن الله يبشرك".
فقرأته عامة القرأة: "أن الله" بفتح الألف من "أن"، بوقوع النداء عليها، بمعنى : فنادته الملائكة بذلك.
وقرأه بعض قرأة أهل الكوفة: إن الله يبشرك بكسر الألف، بمعنى: قالت الملائكة: إن الله يبشرك، لأن النداء قول. وذكروا أنها في قراءة عبد الله: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب يا زكريا إن الله يبشرك قالوا: وإذا بطل النداء أن يكون عاملاً في قوله: يا زكريا، فباطل أيضاً أن يكون عاملاً في إن.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا: "أن الله يبشرك" بفتح أن بوقوع النداء عليه، بمعنى: فنادته الملائكة بذلك.
وليست العلة التي اعتل بها القارئون بكسر إن، من أن عبد الله كان يقرؤها كذلك، فقرأوها كذلك، [لهم بعلة]. وذلك أن عبد الله إن كان قرأ ذلك كذلك، فإنما قرأها، بزعمهم، وقد اعترض بنداء زكريا بين إن وبين قوله: "فنادته"، وإذا اعترض به بينهما، فإن العرب تعمل حينئذ النداء في "أن" وتبطله عنها. أما الإبطال، فلأنه بطل عن العمل في المنادى قبله، فأسلكوا الذي بعده مسلكه في بطول عمله. وأما الإعمال، فلأن النداء فعل واقع، كسائر الأفعال.
وأما قراءتنا، فليس نداء زكريا بـ يا زكريا معترضاً به بين "أن" وبين قوله: "فنادته". وإذ لم يكن ذلك بينهما، فالكلام الفصيح من كلام العرب إذا نصبت بقول: ناديت اسم المنادي وأوقعوه عليه، أن يوقعوه كذلك على "أن" بعده. وإن كان جائزاً إبطال عمله. فقوله: نادته، قد وقع مكنى "زكريا"، فكذلك الصواب أن يكون واقعاً على "أن" وعاملاً فيها.
مع أن ذلك هو القراءة المستفيضة في قراءة أمصار الإسلام. ولا يعترض بالشاذ على الجماعة التي تجيء مجيء الحجة.
وأما قوله: "يبشرك"، فإن القرأة اختلفت في قراءته.
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والبصرة: "أن الله يبشرك" بتشديد الشين وضم الياء، على وجه تبشير الله زكريا بالولد، من قول الناس: بشرت فلاناً البشراء بكذا وكذا، أي: أتته بشارات البشراء بذلك.
وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفة وغيرهم: أن الله يبشرك، بفتح الياء وضم الشين وتخفيفها، بمعنى: أن الله يسرك بولد يهبه لك، من قول الشاعر:
بشرت عيالي إذ رأيت صحيفةً أتتك من الحجاج يتلى كتابها
وقد قيل: إن بشرت لغة أهل تهامة من كنانة وغيرهم من قريش، وأنهم يقولون بشرت فلاناً بكذا، فأنا أبشره بشراً، و هل أنت باشر بكذا؟ وينشد لهم البيت في ذلك:
وإذا رأيت الباهشين إلى العلى غبراً أكفهم بقاع ممحل
فأعنهم، وابشر بما بشروا به، وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
فإذا صاروا إلى الأمر، فالكلام الصحيح من كلامهم بلا ألف فيقال: ابشر فلاناً بكذا، ولا يكادون يقولون: بشره بكذا ولا أبشره.
وقد روي عن حميد بن قيس أنه كان يقرأ: يبشرك، بضم الياء وكسر الشين وتخفيفها. وقد:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن معاذ الكوفي قال: من قرأ: يبشرهم مثقلة، فإنه من البشارة، ومن قرأ: يبشرهم، مخففة، بنصب الياء، فإنه من السرور، يسرهم.
قال أبو جعفر: والقراءة التي هي القراءة عندنا في ذلك، ضم الياء وتشديد الشين، بمعنى التبشير. لأن ذلك هي اللغة السائرة والكلام المستفيض المعروف في الناس، مع أن جميع قرأة الأمصار مجمعون في قراءة: "فبم تبشرون" [الحجر: 54]، على التشديد. والصواب في سائر ما في القرآن من نظائره، أن يكون مثله في التشديد وضم الياء.
وأما ما روي عن معاذ الكوفي من الفرق بين معنى التخفيف والتشديد في ذلك، فلم نجد أهل العلم بكلام العرب يعرفونه من وجه صحيح، فلا معنى لما حكي من ذلك عنه، وقد قال جرير بن عطية:
يا بشر حق لوجهك التبشير هلا غضبت لنا وأنت أمير!
فقد علم أنه أراد بقوله: التبشير، الجمال والنضارة والسرور، فقال التبشير ولم يقل البشر، فقد بين ذلك أن معنى التخفيف والتثقيل في ذلك واحد.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: "أن الله يبشرك بيحيى"، قال: بشرته الملائكة بذلك.
وأما قوله: بيحيى، فإنه اسم، أصله يفعل، من قول القائل: حيي فلان فهو يحيى، وذلك إذا عاش. فيحيى يفعل من قولهم حيي.
وقيل: إن الله جل ثناؤه سماه بذلك، لأنه يتأول اسمه: أحياه بالإيمان.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "أن الله يبشرك بيحيى"، يقول: عبد أحياه الله بالإيمان.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة قوله: "أن الله يبشرك بيحيى"، قال: إنما سمي يحيى، لأن الله أحياه بالإيمان.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أن الله يبشرك يا زكريا بيحيى ابناً لك، "مصدقا بكلمة من الله"، يعني: بعيسى ابن مريم.
ونصب قوله: "مصدقا"، على القطع من "يحيى"، لأن "مصدقا" نعت له، وهو نكرة، و "يحيى" غير نكرة.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطفاوي قال، حدثنا محمد بن ربيعة قال، حدثنا النضر بن عربي، عن مجاهد قال: قالت امرأة زكريا لمريم: إني أجد الذي في بطني يتحرك للذي في بطنك! قال: فوضعت امرأة زكريا يحيى، ومريم عيسى، ولذا قال: "مصدقا بكلمة من الله"، قال: يحيى مصدق بعيسى.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن الرقاشي في قول الله: "يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله"، قال: مصدقاً بعيسى ابن مريم.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سليمان قال، حدثنا أبو هلال قال، حدثنا قتادة في قوله: "مصدقا بكلمة من الله"، قال: مصدقاً بعيسى.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "مصدقا بكلمة من الله"، يقول: مصدقاً بعيسى ابن مريم، وعلى سنته ومنهاجه.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "مصدقا بكلمة من الله"، يعني: عيسى ابن مريم.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة: "مصدقا بكلمة من الله"، يقول: مصدقاً بعيسى ابن مريم، يقول على سننه ومنهاجه.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "مصدقا بكلمة من الله"، قال: كان أول رجل صدق عيسى، وهو كلمة من الله وروح.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "مصدقا بكلمة من الله"، يصدق بعيسى.
حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله"، كان يحيى أول من صدق بعيسى وشهد أنه كلمة من الله، وكان يحيى ابن خالة عيسى، وكان أكبر من عيسى.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة عن ابن عباس قوله: "مصدقا بكلمة من الله"، قال: عيسى ابن مريم، هو الكلمة من الله، اسمه المسيح.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، أخبرني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: قوله: "مصدقا بكلمة من الله"، قال: كان عيسى ويحيى ابني خالة، وكانت أم يحيى تقول لمريم: إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك! فذلك تصديقه بعيسى: سجوده في بطن أمه. وهو أول من صدق بعيسى وكلمة عيسى، ويحيى أكبر من عيسى.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله"، قال: الكلمة التي صدق بها: عيسى.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لقيت أم يحيى أم عيسى، وهذه حامل بيحيى، وهذه حامل بعيسى، فقالت امرأة زكريا: يا مريم، استشعرت أني حبلى! قالت مريم: استشعرت أني أيضاً حبلى! قالت امرأة زكريا: فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك! فذلك قوله: "مصدقا بكلمة من الله".
حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قول الله: "أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله"، قال: مصدقاً بعيسى ابن مريم.
قال أبو جعفر: وقد زعم بعض أهل العلم بلغات العرب من أهل البصرة، أن معنى قوله: "مصدقا بكلمة من الله"، بكتاب من الله، من قول العرب: أنشدني فلان كلمة كذا، يراد به: قصيدة كذا، جهلاً منه بتأويل الكلمة، واجتراءً على ترجمة القرآن برأيه.
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "وسيدا"، وشريفاً في العلم والعبادة.
ونصب السيد عطفاً على قوله: "مصدقا".
وتأويل الكلام: أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بهذا، وسيداً.
والسيد الفعيل من قول القائل: ساد يسود، كما:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وسيدا" أي والله، لسيد في العبادة والحلم والعلم والورع.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مسلم قال، حدثنا أبو هلال قال، حدثنا قتادة في قوله: "وسيدا"، قال: السيد، لا أعلمه إلا قال: في العلم والعبادة.
حدثت عن عمار قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة قال: السيد الحليم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شريك، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، "وسيدا"، قال: الحليم.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: "وسيدا"، قال: السيد التقي.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "وسيدا"، قال: السيد الكريم على الله.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل قال: زعم الرقاشي أن السيد، الكريم على الله.
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قول الله عز وجل: "وسيدا"، قال: السيد الحليم التقي.
حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "وسيدا"، قال يقول: تقياً حليماً.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان في قوله: "وسيدا"، قال: حليماً تقياً.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد في قوله: "وسيدا"، قال: السيد الشريف.
حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد، عن عبد الملك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب في قول الله عز وجل: "وسيدا"، قال: السيد الفقيه العالم.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال: حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "وسيدا"، قال، يقول: حليماً تقياً.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن عكرمة: "وسيدا"، قال: السيد الذي لا يغلبه الغضب.
قال أبو جعفر: يعني بذلك: ممتنعاً من جماع النساء، من قول القائل: حصرت من كذا أحصر، إذا امتنع منه. ومنه قولهم: حصر فلان في قراءته، إذا امتنع من القراءة فلم يقدر عليها. وكذلك حصر العدو، حبسهم الناس ومنعهم إياهم التصرف. ولذلك قيل للذي لا يخرج مع ندمائه شيئاً، حصور، كما قال الأخطل:
وشارب مربح بالكأس نادمني لا بالحصور ولا فيها بسوار
ويروى: بسآر. ويقال أيضاً للذي لا يخرج سره ويكتمه حصور، لأنه يمنع سره أن يظهر، كما قال جرير:
ولقد تساقطني الوشاة، فصادفوا حصراً بسرك يا أميم ضنينا
وأصل جميع ذلك واحد، وهو المنع والحبس.
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن خلف قال، حدثنا حماد بن شعيب، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله في قوله: "وسيدا وحصورا"، قال: الحصور، الذي لا يأتي النساء.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه قال: حدثني ابن العاص: "أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب، إلا ما كان من يحيى بن زكريا. قال: ثم دلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الأرض، فأخذ عويداً صغيراً ثم قال: وذلك أنه لم يكن له ما للرجال إلا مثل هذا العود"، وبذلك سماه الله سيداً وحصوراً.
حدثني يونس قال، أخبرنا أنس بن عياض، عن يحيى بن سعيد قال، سمعت سعيد بن المسيب يقول: ليس أحد إلا يلقى الله يوم القيامة ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا، كان حصوراً، معه مثل الهدبة.
حدثنا أحمد بن الوليد القرشي قال، حدثنا عمر بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: قال ابن العاص -إما عبد الله، وإما أبوه-: ما أحد يلقى الله إلا وهو ذو ذنب، إلا يحيى بن زكريا. قال وقال سعيد بن المسيب: "وسيدا وحصورا"، قال: الحصور، الذي لا يغشى النساء، ولم يكن معه إلا مثل هدبة الثوب.
حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد، عن عبد الملك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب في قوله: "وحصورا"، قال: الحصور الذي لا يشتهي النساء. ثم ضرب بيده إلى الأرض فأخذ نواة فقال: ما كان معه إلا مثل هذه.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير قال: الحصور، الذي لا يأتي النساء.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد مثله.
حدثني عبد الرحمن بن الأسود قال، حدثنا محمد بن ربيعة قال، حدثنا النضر بن عربي، عن مجاهد: "وحصورا"، قال: الذي لا يأتي النساء.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الحصور لا يقرب النساء.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل قال: زعم الرقاشي: الحصور الذي لا يقرب النساء.
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: الحصور، الذي لا يولد له، وليس له ماء.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "وحصورا"، قال: هو الذي لا ماء له.
حدثنا بشر قال، حدثنا سويد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وحصورا"، كنا نحدث أن الحصور الذي لا يقرب النساء.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سليمان قال، حدثنا أبو هلال قال، حدثنا قتادة فى قوله: "وسيدا وحصورا"، قال: الحصور الذي لا يأتي النساء.
حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الحصور الذي لا ينزل الماء.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عن ابن يزيد: "وحصورا"، قال: الحصور الذي لا يأتي النساء.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وحصورا"، قال: الحصور، الذي لا يريد النساء.
حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن: "وحصورا"، قال: لا يقرب النساء.
وأما قوله: "ونبيا من الصالحين"، فإنه يعني: رسولاً لربه إلى قومه، ينبئهم عنه بأمره ونهيه، وحلاله وحرامه، ويبلغهم عنه ما أرسله به إليهم.
ويعني بقوله: "من الصالحين"، من أنبيائه الصالحين.
وقد دللنا فيما مضى على معنى النبوة وما أصلها، بشواهد ذلك والأدلة الدالة على الصحيح من القول فيه، بما أغنى عن إعادته.
قوله تعالى : " فنادته الملائكة " قرأ حمزة والكسائي فناداه بالألف على التذكير ، ويملانها لأن أصلها الياء ، ولأنها رابعة . وبالألف قراءة ابن عبتس وابن مسعود ، وهو اختيار أبي عبيد . وروي عن جرير عن مغيرة عن ابراهيم قال : كان عبد الله يذكر الملائكة في كل القرآن . قال أبوعبيدة : نراه اختار ذلك خلافا على المشركين لأنهم قالوا : الملائكة بنات الله . قال النحاس : هذا احتجاج لا يحصل منه شيء ، لأن العرب تقول : قالت الرجال ، وقال الرجال ، وكذا النساء ، وكيف يحتج عليهم بالقرآن ، ولو جاز أن يحتج عليهم بالقرآن بهذا لجاز أن يحتجوا بقوله تعالى : " وإذ قالت الملائكة " ولكن الحجة عليهم في قوله عز وجل : " أشهدوا خلقهم" أي فلم يشاهدوا ، فكيف يقولون إنهم إناث فقد علم أن هذا ظن وهوى . وأما فناداه فهو جائز على تذكير الجمع ونادته على تأنيث الجماعة . قال مكي : والملائكة ممن يعقل في التكسير فجرى في التأنيث مجرى ما لا يعقل ، تقول : هي الرجال ، وهي الجذوع ، وهي الجمال ، وقالت الأعراب . ويقوي ذلك قوله : " وإذ قالت الملائكة " وقد ذكر في موضع آخر فقال : " والملائكة باسطوا أيديهم " وهذا إجماع . وقال تعالى :
" والملائكة يدخلون عليهم من كل باب " فتأنيث هذا الجمع وتذكيره حسنان . وقال السدي : ناداه جبريل وحده ، وكذا في قراءة ابن مسعود . في التنزيل " ينزل الملائكة بالروح من أمره " يعني جبريل ، والروح الوحي . وجائز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع . وجاء في التنزيل " الذين قال لهم الناس " يعني نعيم بن مسعود ، على ما يأتي . وقيل : ناداه جميع الملائكة ، وهو الأظهر . أي جاء النداء من قبلهم . قوله تعالى : " وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك " وهو قائم ابتداء وخبر يصلي في موضع رفع ، وإن شئت كان نصبا على الحال من المضمر . بأن الله أي بأن الله . وقرأ حمزة والكسائي إن أي قالت إن الله ، فالنداء بمعنى القول . يبشرك بالتشديد قراءة أهل المدينة . وقرأ حمزة يبشرك مخففا ، وكذلك حميد بن القيس المكي إلا أنه كسر الشين وضم الياء وخفف الباء . قال الأخفش : هي ثلاث لغات بمعنى واحد . دليل الأولى هي قراءة الجماعة أن ما في القرآن من هذا من فعل ماض أو أمر فهو بالتثقيل ، كقوله تعالى : " فبشر عباد " . " فبشره بمغفرة " " فبشرناها بإسحاق " " قالوا بشرناك بالحق " . وأما الثانية وهي قراءة عبد الله بن مسعود فهي بشرة يبشر وهي لغة تهامة ، ومنه قول الشاعر :
بشرت عيالي إذا رأيت صحيفة أتتك من الحجاج يتلى كتابها
وقال آخر :
وإذا رأيت الباهشين إلى الندى غبرا أكفهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
وأما الثالثة فهي من أبشر يبشر إبشارا قال :
يا أم عمرو أبشري بالبشرى موت ذريع وجراد عظلى
قوله تعالى : " بيحيى " كان اسمه في الكتاب الأول حيا ، وكان اسم سارة زوجة إبراهيم عليه السلام يسارة ، وتفسيره بالعربية لا تلد ، فلما بشرت بإسحاق قيل لها : سارة ، سماها بذلك جبريل عليه السلام . فقالت : يا إبراهيم لم نقص من اسمي حرف ؟ فقال إبراهيم ذلك لجبريل عليهما السلام فقال ك إن ذلك الحرف زيد في اسم ابن لهما من أفضل الأنبياء اسمه حي وسمي بيحيى ذكره النقاش . وقال قتادة سمي بيحي لأن الله تعالى أحياه بالإيمان والنبوة : وقال بعضهم : سمي بذلك لأن الله تعالى أحيا به الناس بالهدى . وقال مقاتل : اشتق اسمه من اسم الله تعالى حي فسمى يحيى وقيل : لأنه أحيا به رحم أمة .
" مصدقا بكلمة من الله " يعني عيسى في قول اكثر المفسرين . وسمي عيس كلمة لأنه كان بكلمة الله تعالى التي هي كن فكان من غير أب . وقرا أبو السمال العدوي بكلمة مكسورة الكاف ساكنة اللام في جميع القرآن وهي لغة فصيحة مثل كتف وفخذ . وقيل : سمي كلمة لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بكلام الله تعالى . وقال أبو عبيد : معنى " بكلمة من الله " بكتاب من الله . قال : والعرب تقول أنشدني كلمة أي قصيدة ، كما روي أن الحويدرة ذكر لحسان فقال : لعن الله كلمته ، يعني قصيدته . وقيل غير هذا من الأقوال . والقول الأول أشهر وعليه من العلماء الأكثر . ويحيى أول من آمن بعيسى عليهما السلام وصدقة ن وكان يحيى اكبر من عيسى بثلاث سنين ويقال بستة اشهر . وكان ابني خالة ، فلما سمع زكريا شهادته قام إلى عيسى فضمه إليه وهو في خرقه . وذكر الطبري أن مريم لما حملت بعيسى حملت أيضا أختها بيحيى ، فجاءت أختها زائرة فقالت : يا مريم أشعرت أني حملت ؟ فقالت لها مريم : أشعرت أنت أني حملت ؟ فقالت لها : وإني لأجد ما في بطني يسجد لما في بطنك ز وذلك أنه روي أنها أحست جنينها يخرج رأسه إلى ناحية بطن مريم . قال السدي : فذلك قوله " مصدقا بكلمة من الله " و " مصدقا " نصب على الحال . " وسيد " السيد ، الذي يسود قومه وينتهى إلى قوله ، وأصله سيود يقال : فلان ، أسود من فلان أفعل من السيادة ، ففيه دلالة على جواز تسمية الإنسان سيدا كما يجوز أن يسمى عزيزا أو كريما . وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لبني قريظة : " قوموا إلى سيدكم " . وفي البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحسن : " إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " وكذلك كان ، فإنه لما قتل علي رشي الله عنه بايعه أكثر من أربعين ألفا وكثير ممن تخلف عن أبيه وممن نكث بيعته ، فبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان ، ثم سار إلى معاوية في أهل الحجاز والعراق وسار إليه معاوية في أهل الشام ، فلما تراءى الجمعان بموضع يقال له مسكن من أرض السواد بناحية الأنبار كره الحسن القتال لعلمه إحدى الطائفتين لا تغلب حتى تهلك أكثر الأخرى فيهلك المسلمون ، فسلم الأمر إلى معاوية على شروط عليه ، منها أن يكون الأمر له من بعد معاوية ، فالتزم كل ذلك معاوية فصدق قوله عليه السلام : " إن ابني هذا سيد " ولا أسود ممن سوده الله تعالى ورسوله . قال قتادة قي قوله تعالى " وسيدا " قال : في العلم والعبادة . ابن جبير والضحاك : في العلم والتقى . مجاهد : السيد الكريم . ابن زيد : الذي لا يغلبه الغضب . وقال الزجاج : السيد الذي يفوق أقرانه في كل شيء من الخير . وهذا جامع . وقال الكسائي : السيد من المعز المسن . وفي الحديث : " ثني من الضأن خير من السيد المعز " قال :
سواء عليه شاة عام دنت له ليذبحها للضيف أم شاة سيد
" وحصورا " أصله من الحصر وهو الحبس . حصرني الشيء وأحصرني إذا حبسني . قال ابن ميادة :
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت عليك ولا أن أحصرتك شغول
وناقة حصور : ضيقة الإحليل . والحصور الذي لا يأتي النساء كأنه محجم عنهن ، كما يقال : رجل حصور وحصير إذا حبس رفده ولم يخرج ما يخرجه الندامى . يقال شرب القوم فحصر عليهم فلان ، أي بخل ، عن أبي عمرو . قال الأخطل :
وشارب مربح بالكأس نادمني لا بالحصور ولا فيها بسوار
وفي التنزيل " وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا " أي محبسا . والحصير الملك لأنه محجوب . وقال لبيد :
وقمام غلب الرقاب كأنهم جن لدى باب الحصير قيام
فيحيى عليه السلام حصور ، فعول بمعنى مفعول لا يأتي النساء ، كأنه ممنوع مما يكون في الرجال ، عن ابن مسعود وغيره . وفعول بعنى مفعول كثير في اللغة ، من ذلك حلوب بمعنى محلوبة ، قال الشاعر :
فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كخافية الغراب الأسحم
وقال ابن مسعود أيضا وابن عباس وابن جبير وقتادة وعطاء وأبو الشعثاء والحسن والسدي وابن زيد : هو الذي يكف عن النساء ولا يقربهن مع القدرة . وهذا أصح الأقوال لوجهين : أحدهما أنه مدح وثناء عليه ، والثناء إنما يكون عن الفعل المكتسب دون الجبلة في الغالب . الثاني أن فعولا في اللغة من صيغ الفاعلين ، كما قال :
ضروب بنصل السيف سوق سمانها إذا عدموا زاد فإنك عاقر
فالمعنى أنه يحصر نفسه عن الشهوات . ولعل هذا كان شرعه ، فأما شرعنا فالنكاح ، كما تقدم . وقيل : الحصور العنين الذي لا ذكر له يتأتى له به النكاح ولا ينزل ، عن ابن عباس أيضا وسعيد بن المسيب والضحاك . وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا فإنه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين " ثم أهوى النبي بيده إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال : " كان ذكره هكذا مثل هذه القذاة " . وقيل : معناه الحارس نفسه عن معاصي الله عز وجل . " ونبيا من الصالحين " قال الزجاج : الصالح الذي يؤدي ما افترض عليه ، وإلى الناس حقوقهم .
لما رأى زكريا عليه السلام أن الله يرزق مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء, طمع حينئذ في الولد وكان شيخاً كبيراً قد وهن منه العظم واشتعل الرأس شيباً, وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقراً, لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداء خفياً, وقال "رب هب لي من لدنك" أي من عندك "ذرية طيبة" أي ولداً صالحاً "إنك سميع الدعاء". قال تعالى: "فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب" أي خاطبته الملائكة شفاهاً خطاباً, أسمعته وهو قائم يصلي في محراب عبادته ومحل خلوته ومجلس مناجاته وصلاته. ثم أخبر تعالى عما بشرته به الملائكة "أن الله يبشرك بيحيى" أي بولد يوجد لك من صلبك اسمه يحيى. قال قتادة وغيره: إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإيمان. وقوله "مصدقاً بكلمة من الله". روى العوفي وغيره عن ابن عباس , وقال الحسن وقتادة وعكرمة ومجاهد وأبو الشعثاء والسدي والربيع بن أنس والضحاك وغيره في هذه الاية "مصدقاً بكلمة من الله" أي بعيسى ابن مريم. وقال الربيع بن أنس : هو أول من صدق بعيسى ابن مريم. وقال قتادة : وعلى سننه ومنهاجه. وقال ابن جريج : قال ابن عباس في قوله "مصدقاً بكلمة من الله", قال: كان يحيى وعيسى ابني خالة, وكانت أم يحيى تقول لمريم: إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك, فذلك تصديقه بعيسى تصديقه له في بطن أمه, وهو أول من صدق عيسى, وكلمة الله عيسى, وهو أكبر من عيسى عليه السلام, وهكذا قال السدي أيضاً.
قوله: "وسيداً" قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم: الحكيم . قال قتادة : سيداً في العلم والعبادة. وقال ابن عباس والثوري والضحاك : السيد الحكيم التقي . قال سعيد بن المسيب : هو الفقيه العالم. وقال عطية : السيد في خلقه ودينه . وقال عكرمة : هو الذي لا يغلبه الغضب. وقال ابن زيد : هو الشريف. وقال مجاهد وغيره: هو الكريم على الله عز وجل.
وقوله: "وحصوراً" روي عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء وعطية العوفي , أنهم قالوا: الذي لا يأتي النساء. وعن أبي العالية والربيع بن أنس : هو الذي لا يولد له وقال الضحاك : هو الذي لا ولد له ولا ماء له. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا يحيى بن المغيرة , أنبأنا جرير عن قابوس , عن أبيه , عن ابن عباس في الحصور: الذي لا ينزل الماء. وقد روى ابن أبي حاتم في هذا حديثاً غريباً جداً, فقال: حدثنا أبو جعفر محمد بن غالب البغدادي , حدثني سعيد بن سليمان , حدثنا عباد يعني ابن العوام , عن يحيى بن سعيد , عن سعيد بن المسيب , عن ابن العاص ـ لا يدري عبد الله أو عمرو ـ " عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وسيداً وحصوراً" قال: ثم تناول شيئاً من الأرض, فقال كان ذكره مثل هذا " ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري , أنه سمع سعيد بن المسيب , عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: ليس أحد من خلق الله لا يلقاه بذنب غير يحيى بن زكريا . ثم قرأ سعيد "وسيداً وحصوراً" ثم أخذ شيئاً من الأرض, فقال: الحصور من كان ذكره مثل ذي. وأشار يحيى بن سعيد القطان بطرف أصبعه السبابة, فهذا موقوف أصح إسناداً من المرفوع بل وفي صحة المرفوع نظر والله أعلم. ورواه ابن المنذر في تفسيره: حدثنا أحمد بن داود السمناني , حدثنا سويد بن سعيد , حدثنا علي بن مسهر , عن يحيى بن سعيد , عن سعيد بن المسيب , قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص , قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يلقى الله إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا, فإن الله يقول "وسيداً وحصوراً" قال: وإنما ذكره مثل هدبة الثوب وأشار بأنملته " , وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عيسى بن حماد ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا حجاج بن سليمان المقري عن الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن القعقاع , عن أبي صالح , عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :كل ابن آدم يلقى الله بذنب يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه, إلا يحيى بن زكريا فإنه كان سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض, فأخذها وقال: وكان ذكره مثل هذه القذاة " .
وقد قال القاضي عياض في كتابه الشفاء : اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان "حصوراً" ليس كما قاله بعضهم إنه كان هيوباً أو لا ذكر له, بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين, ونقاد العلماء, وقالوا: هذه نقيصة وعيب, ولا تليق بالأنبياء عليهم السلام, وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب, أي لا يأتيها كأنه حصر عنها. وقيل مانعاً نفسه من الشهوات. وقيل ليست له شهوة في النساء, وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص, وإنما الفضل في كونها موجودة, ثم يمنعها إما بمجاهدة كعيسى, أو بكفاية من الله عز وجل كيحيى عليه السلام, ثم هي في حق من قدر عليها, وقام بالواجب فيها, ولم تشغله عن ربه درجة عليا, وهي درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه, بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن وقيامه عليهن وإكسابه لهن وهدايته إياهن, بل قد صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو, وإن كانت من حظوظ دنيا غيره, فقال: "حبب إلي من دنياكم" هذا لفظه. والمقصود أنه مدح ليحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء, بل معناه كما قاله هو وغيره: أنه معصوم عن الفواحش والقاذورات, ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن, بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم حيث قال: "هب لي من لدنك ذرية طيبة" كأنه قال: ولداً له ذرية ونسل وعقب, والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقوله: "ونبياً من الصالحين" هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته, وهي أعلى من الأولى, كقوله لأم موسى "إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين" فلما تحقق زكريا عليه السلام هذه البشارة, أخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر "قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال" أي الملك "كذلك الله يفعل ما يشاء" أي هكذا أمر الله عظيم, لا يعجزه شيء, ولا يتعاظمه أمر, "قال رب اجعل لي آية" أي علامة أستدل بها على وجود الولد مني " قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا " أي إشارة لا تستطيع النطق مع أنك سوي صحيح, كما في قوله: "ثلاث ليال سويا" ثم أمر بكثرة الذكر والتكبير والتسبيح في هذه الحال, فقال تعالى: "واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار". وسيأتي طرف آخر في بسط هذا المقام في أول سورة مريم, إن شاء الله تعالى.
قوله 39- "فنادته الملائكة"، قرأ حمزة والكسائي : " فناداه " وبذالك قرأ إبن عباس وإبن مسعود .وقرأ الباقون "فنادته الملائكة " قيل: المراد هنا جبريل، والتعبير بلفظ الجمع عن الواحد جائز في العربية، ومنه "الذين قال لهم الناس"، وقيل ناداه جميع الملائكة وهو الظاهر من إسناد الفعل إلى الجمع والمعنى الحقيقي مقدم فلا يصار إلى المجاز إلا لقرينة. قوله "وهو قائم" جملة حالية، و"يصلي في المحراب" صفة لقوله "قائم" أو خبر ثان لقوله "وهو" قوله "أن الله يبشرك" قرئ بفتح أن، والتقدير بأن الله، وقرئ بكسرها على تقدير القول. وقرأ أهل المدينة يبشرك بالتشديد. وقرأ حمزة بالتخفيف. وقرأ حميد بن قيس المكي بكسر وضم حرف المضارعة. قال الأخفش: هي ثلاث لغات بمعنى واحد، والقراءة الأولى هي وردت كثيراً في القرآن، ومنه " فبشر عباد " " فبشره بمغفرة " " فبشرناها بإسحاق " "قالوا بشرناك بالحق" وهي قراءة الجمهور. والثانية لغة أهل تهامة، وبها قرأ أيضاً عبد الله بن مسعود. والثالثة من أبشر يبشر إبشاراً. ويحيى ممتنع إما لكونه أعجمياً أو لكون فيه وزن الفعل كيعمر مع العلمية. قال القرطبي حاكياً عن النقاش: كان اسمه في الكتاب الأول حنا انتهى. والذي رأيناه في مواضع من الإنجيل أنه يوحنا، قيل: سمي بذلك لأن الله أحياه بالإيمان والنبوة، وقيل لأن الله أحيا به الناس بالهدى. والمراد هنا التبشير بولادته: أي يبشرك بولادة يحيى. وقوله "مصدقاً بكلمة من الله" أي: بعيسى عليه السلام، وسمي كلمة الله لأنه كان بقوله سبحانه كن، وقيل سمي كلمة الله، لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بكلام الله. وقال أبو عبيد: معنى "بكلمة من الله" بكتاب من الله، قال: والعرب تقول: أنشدني كلمته: أي قصيدته، كما روي أن الحويدرة ذكر لحسان فقال: لعن الله كلمته، يعني قصيدته انتهى. ويحيى أول من آمن بعيسى وصدق، وكان أكبر من عيسى بثلاث سنين، وقيل بستة أشهر. والسيد: الذي يسود قومه، قال الزجاج: السيد الذي يفوق أقرانه في كل شيء من الخبر. والحصور أصله من الحصر وهو الحبس، يقال: حصروني الشيء وأحصرني: إذا حبسني، ومنه قول الشاعر:
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت عليك ولا أن أحصرتك شغول
والحصور: الذي لا يأتي النساء كأنه يحجم عنهن كما يقال: رجل حصور وحصير: إذا حبس رفده ولم يخرجه، فيحيى عليه السلام كان حصوراً عن إتيان النساء: أي محصوراً لا يأتيهن كغيره من الرجال، إما لعدم القدرة على ذلك، أو لكونه يكف عنهن إلا على أمر مكتسب يقدر فاعله على خلافه، لا على ما كان من أصل الخلقة وفي نفس الجبلة. وقوله "من الصالحين" أي: ناشئاً من الصالحين، لكونه من نسل الأنبياء، أو كائناً من جملة الصالحين، كما في قوله "وإنه في الآخرة لمن الصالحين". قال الزجاج: الصالح الذي يؤدي لله ما افترض عليه، وإلى الناس حقوقهم.
39-" فنادته الملائكة " قرأ حمزة والكسائي فناداه بالياء ، والآخرون بالتاء ، فمن قرأ بالتاء فلتأنيث لفظ الملائكة وللجمع مع أن الذكور إذا تقدم فعلهم وهم جماعة كان التأنيث فيها احسن كقوله تعالى :"قالت الأعراب" (14-الحجرات) وعن إبراهيم قال: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما يذكر الملائكة في القرآن قال :أبو عبيدة: انما نرى عبد الله اختار ذلك خلافاً للمشركين في قولهم الملائكة بنات الله تعالى ، وروى الشعبي إن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إذا اختلفتم في التاء والياء فاجعلوها ياء وذكروا القرآن.
وأراد الملائكة ها هنا: جبريل عليه السلام وحده ، كقوله تعالى في سورة النحل " ينزل الملائكة" يعني جبريل "بالروح" بالوحي، ويجوز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع كقولهم : سمعت هذا الخبر من لأناس ، وإنما سمع من واحد ، نظيره قوله تعالى :" الذين قال لهم الناس"(173- آل عمران) يعني نعيم بن مسعود"إن الناس" يعني أبا سفيان بن حرب وقال الفضل بن سلمة : إذا كان القاتل رئيساً يجوز الأخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه ، وكان جبريل عليه السلام رئيس الملائكة وقل ما يبعث إلا ومعه جمع ، فجرى على ذلك.
قوله تعالى:"وهو قائم يصلي في المحراب" أي في المسجد وذلك أن زكريا كان الحبر الكبير الذي يقرب القربان ، فيفتح باب المذبح فلا يدخلون حتى بأذن لهم في الدخول ، فبينما هو قائم يصلي في المحراب ، يعني في المسجد عنه المذبح يصلي، والناس ينتظرون إن يأذن لهم في الدخول فإذا هو برجل شاب عليه ثياب بيض ففزع منه فناداه ، وهو جبريل عليه السلام ، يا زكريا"إن الله يبشرك"قرأ ابن عامر وحمة (إن الله) بكسر الألف على إضمار القول تقديره : فنادته الملائكة فقالت " إن الله يبشرك" وقرأ الآخرون بالفتح بإيقاع النداء عليه ، كأنه قال : فنادته الملائكة بان الله يبشرك قرأ حمزة يبشرك وبابه بالتخفيف كل القرآن إلا قوله :" فبم تبشرون" (54-الحجر) فإنهم اتفقوا على تشديدها ووافقة الكسائي هاهنا في الموضعين وفي سبحان والكهف وعسق ووافق ابن كثير وأبو عمرو في "عسق" والباقون بالتشديد ، فمن قرا بالتشديد فهو من بشر يبشر تبشيراً ، وهو أعرب اللغات وأفصحها . دليل التشديد قوله تعالى " فبشر عباد " (الزمر -17)"وبشرناه بإسحاق" (112-الصافات) قالوا "بشرناك بالحق"(55-الحجر) وغيرها من الآيات ومن خفف فهو من بشر يبشر وهي لغة تهامة ، وقرأه ابن مسعود رضي الله عنه "بيحيى" هو اسم لايجر لمعرفته وللزائد في اوله مثل يزيد ويعمر، وجمعه يحيون مثل موسون وعيسون ، واختلفوا في أنه لم سمي يحيى ؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما : لأن الله احيا به عقر أمه ، قال قتادة :لأن الله تعالى أحيا قلبه بالإيمان وقيل: لأن الله تعالى أحياه بالطاعة حتى لم يعص ولم يهم بمعصية "مصدقاً" نصب على الحال "بكلمة من الله " يعني عيسى عليه السلام سمي عيسىكلمة الله لن الله تعالى قال له : كن من غير أب فكان ، فوقع عليه اسم الكلمة لأنه بها كان ، وقيل: سمي كلمة لأنه يهتدى به كما يهتدى بكلام الله تعالى اخبر الأنبياء بكلامه في كتبه انه يخلق نبياً بلا أب ، فمساه كلمة لحصوله بذلك الوعد . وكان يحيى عليه السلام اول من آمن بعيسى عليه السلام وصدقه ، وكان يحيى عليه السلام اكبر من عيسى بستة اشهر وكانا ابني الخالة ، ثم قتل يحيى قبل ان يرفع عيسى عليه السلام ، وقال ابو عبيدة "بكلمة من الله" أي بكتاب من الله وآياته ، تقو العرب: انشدني كلمة فلان أي قصيدته.
قوله تعالى:"وسيداً" هو فعيل من ساد يسود وهو الرئيس الذي يتبع وينتهي الى قوله قال المفضل : أراد سيداً في الدين قال الضحاك : السيد / الحسن الخلق. قال سعيد بن جبير : السيد الذي يطيع ربه عز وجل .وقال سعيد بن المسيب : السيد الفقية العالم ، وقال قتادة سيد في العلم والعبادة والورع ، وقيل : الحليم الذي لا يغضه شئ . قال مجاهد: الكريم على الله تعالى ، وقال الضحاك : السيد التقي، قال سفيان الثوري : الذي لايحسد وقيل: الذي يفوق قومه في جميع خصال الخير ،وقيل: هو القانع بما قسم الله له وقيل: السخي ، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سيدكم يابني سلمة ؟ قالوا: جد بن قيس على أنا نبخله قال: وأي داء أدوأ من البخل، لكن سيدكم عمرو بن الجموح".
قوله تعالى :"وحصوراً ونبياً من الصالحين" الحصور أصله من لا حصر وهو الحبس و الحصور في قول ابن مسعود رضي الله عنه وابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة رضي الله عنهم وعطاء والحسن : الذي لا يأتي النساء ولا يقربهن، وهو على هذا القول فعول بمعنى فاعل يعني انه يحصر نفسه عن الشهوات (وقيل: هو الفقير الذي لا مال) له فيكون الحصور بمعنى المحصور يعني الممنوع من النساء قال سعيد بن المسيب:كان له مثل هدبة الثوب وقد تزوج مع ذلك ليكون أغض لبصره .وفيه قول آخر:أن الحصور هو الممتنع من الوطء مع القدرة عليه واختار قوم هذا القول لوجهين (أحدهما): لأن الكلام خرج مخرج الثناء ، وهذا أقرب إلى أستحقا الثناء، و(الثاني) :أنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء.
39"فنادته الملائكة" أي من جنسهم كقولهم زيد يركب الخيل. فإن المنادي كان جبريل وحده. وقرأ حمزة والكسائي "فناداه" بالإمالة والتذكير. "وهو قائم يصلي في المحراب" أي قائماً في الصلاة، و"يصلي" صفة قائم أو خبر أو حال آخر أو حال من الضمير في قائم. " أن الله يبشرك بيحيى " أي بأن الله. وقرأ نافع وابن عامر بالكسر على إرادة القول، أو لأن النداء نوع منه. وقرأ حمزة والكسائي "يبشرك"، ويحيى اسم أعجمي وإن جعل عربياً منع صرفه للتعريف ووزن الفعل. "مصدقاً بكلمة من الله" أي بعيسى عليه السلام، سمي بذلك لأنه وجد بأمره تعالى دون أب فشابه البدعيات التي هي عالم الأمر، أو بكتاب الله، سمي كلمة كما قيل كلمة الحويدرة لقصيدته. "وسيداً" يسود قومه ويفوقهم وكان فائقاً للناس كلهم في أنه ما هم بمعصية قط. "وحصوراً" مبالغاً في حصر النفس عن الشهوات والملاهي. روي أنه مر في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال: ما للعب خلقت. "ونبياً من الصالحين" ناشئاً منهم أو كائنا من عداد من لم يأت كبيرة ولا صغيرة.
39. And the angels called to him as he stood praying in the sanctuary: Allah giveth thee glad tidings of (a son whose name is) John, (who cometh) to confirm a word from Allah, lordly, chaste, a Prophet of the righteous.
39 - While he was standing in prayer in the chamber, the angels called unto him: God doth give thee glad tidings of Yahya, witnessing the truth of a word from God, and (be besides) noble, chaste, and a prophet, of the (goodly) company of the righteous.