39 - (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) عن ذنبه ويسألون في وقت آخر فوربك لنسألنهم أجمعين والجان هنا وفيما سيأتي بمعنى الجن والإنس فيهما بمعنى الإنسي
يقول تعالى ذكره : فيومئذ لا يسأل الملائكة المجرمين عن ذنوبهم لأن الله قد حفظها عليهم ولا يسأل بعضهم عن ذنوب بعض ربهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " يقول تعالى ذكره :لا يسألهم عن أعمالهم ولا يسأل بعضهم عن بعض وهو مثل قوله " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " ( القصص 78 ) ومثل قوله لمحمد صلى الله عليه وسلم " ولا تسأل عن أصحاب الجحيم " ( البقرة 119 ) .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله " لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " قال :حفظ الله عز وجل عليهم أعمالهم .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " قال : كان مجاهد يقول : لايسأل الملائكة عن مجرم يعرفون بسيماهم .
حدثنا محمد بن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام عن قتادة " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " قال : قد كانت مسئلة ثم ختم على ألسنة القوم فتتكلم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون .
قوله تعالى " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " هذا مثل قوله تعالى " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " وأن القيامة مواطن لطول ذلك اليوم فيسأل في بعض ولا يسأل في بعض وهذا قول عكرمة وقيل المعنى لا يسألون إذا استقروا في النار ، وقال الحسنوقتادة لا يسألون عن ذنوبهم لأن الله حفظها عليهم وكتبتها عليهم الملائكة . رواه العوفي عن ابن عباس . وعن الحسن ومجاهد أيضا : المعنى لا تسأل الملائكة عنهم ، لأنهم يعرفونهم بسيماهم دليله ما بعده . وقاله مجاهد عن ابن عباس . وعنه أيضا في قوله تعالى " فوربك لنسألنهم أجمعين " وقوله " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " وقال : لا يسألهم ليعرف ذلك منهم . لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكنه يسألهم لم عملتموها سؤال توبيخ ، وقال أبو العالية لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم وقال قتادة كانت المسألة قبل ثم ختم على أفواه القوم وتكلمت الجوارح شاهدة عليهم . وفي حديث أبي هريرة " عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قال : فيلقى العبد فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول إني أنساك كما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول له مثل ذلك بعينه ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول ها هنا إذا ثم يقال له الآن نبعث شاهدنا عليك فيفتكر في نفسه من هذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه " وقد مضى هذا الحديث في حم السجدة وغيرها .
يقول تعالى: "فإذا انشقت السماء" يوم القيامة كما دلت عليه هذه الايات مع ما شاكلها من الايات الواردة في معناها كقوله تعالى: "وانشقت السماء فهي يومئذ واهية" وقوله: "ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا" وقوله: " إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت " وقوله تعالى: "فكانت وردة كالدهان" أي تذوب كما يذوب الدردي والفضة في السبك, وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها, فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء, وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء, حدثنا نافع أبو غالب الباهلي, حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم" قال الجوهري: الطش المطر الضعيف, وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: "وردة كالدهان" قال: هو الأديم الأحمر, وقال أبو كدينة عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس "فكانت وردة كالدهان" كالفرس الورد, وقال العوفي عن ابن عباس: تغير لونها, وقال أبو صالح: كالبرذون الورد, ثم كانت بعد كالدهان, وحكى البغوي وغيره أن الفرس الورد تكون في الربيع صفراء, وفي الشتاء حمراء, فإذا اشتد البرد تغير لونها, وقال الحسن البصري: تكون ألواناً. وقال السدي: تكون كلون البغلة الوردة, وتكون كالمهل كدردي الزيت, وقال مجاهد "كالدهان" كألوان الدهان, وقال عطاء الخراساني: كلون دهن الورد في الصفرة, وقال قتادة: هي اليوم خضراء ويومئذ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان. وقال أبو الجوزاء: في صفاء الدهن. وقال ابن جريج: تصير السماء كالدهن الذائب وذلك حين يصيبها حر جهنم.
وقوله تعالى: "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" وهذه كقوله تعالى: " هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون " فهذا في حال وثم في حال يسأل الخلائق عن جميع أعمالهم, وقال الله تعالى: " فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " ولهذا قال قتادة: "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" قال: قد كانت مسألة ثم ختم على أفواه القوم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا, لأنه أعلم بذلك منهم, ولكن يقول: لم عملتم كذا وكذا ؟ فهذا قول ثان. وقال مجاهد في هذه الاية: لا تسأل الملائكة عن المجرمين بل يعرفون بسيماهم, وهذا قول ثالث, وكأن هذا بعدما يؤمر بهم إلى النار فذلك الوقت لا يسألون عن ذنوبهم بل يقادون إليها ويلقون فيها كما قال تعالى: "يعرف المجرمون بسيماهم" أي بعلامات تظهر عليهم. وقال الحسن وقتادة: يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون. قلت: وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء.
وقوله تعالى: "فيؤخذ بالنواصي والأقدام" أي يجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ويلقونه في النار كذلك, وقال الأعمش عن ابن عباس: يؤخذ بناصيته وقدميه فيكسر كما يكسر الحطب في التنور, وقال الضحاك: يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره, وقال السدي: يجمع بين ناصية الكافر وقدميه فتربط ناصيته بقدمه ويفتل ظهره. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع, حدثنا معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يعني جده, أخبرني عبد الرحمن, حدثني رجل من كندة قال: أتيت عائشة فدخلت عليها وبيني وبينها حجاب فقلت: حدثك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأتي عليه ساعة لا يملك فيها لأحد شفاعة ؟ قالت: نعم لقد سألته عن هذا وأنا وهو في شعار واحد قال: "نعم حين يوضع الصراط لا أملك لأحد فيها شفاعة حتى أعلم أين يسلك بي, ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه حتى أنظر ماذا يفعل بي ـ أو قال يوحى ـ وعند الجسر حين يستحد ويستحر فقالت: وما يستحد وما يستحر ؟ قال يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف, ويستحر حتى يكون مثل الجمرة, فأما المؤمن فيجوزه لا يضره, وأما المنافق فيتعلق حتى إذا بلغ أوسطه خر من قدميه فيهوي بيديه إلى قدميه ـ قالت: فهل رأيت من يسعى حافياً فتأخذه شوكة حتى تكاد تنفذ قدميه, فإنه كذلك يهوي بيده ورأسه إلى قدميه فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه, فتقذفه في جهنم فيهوي فيها مقدار خمسين عاماً ـ قلت: ما ثقل الرجل ؟ قالت: ثقل عشر خلقات سمان فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام". هذا حديث غريب جداً, وفيه ألفاظ منكر رفعها, وفي الإسناد من لم يسم ومثله لا يحتج به, والله أعلم.
وقوله تعالى: "هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون" أي هذه النار التي كنتم تكذبون بوجودها, هاهي حاضرة تشاهدونها عياناً, يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتصغيراً وتحقيراً. وقوله تعالى: "يطوفون بينها وبين حميم آن" أي تارة يعذبون في الجحيم وتارة يسقون من الحميم, وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب يقطع الأمعاء والأحشاء, وهذه كقوله تعالى: " إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون ".
وقوله تعالى: "آن" أي حار قد بلغ الغاية في الحرارة لا يستطاع من شدة ذلك, قال ابن عباس في قوله: "يطوفون بينها وبين حميم آن" أي قد انتهى غليه واشتد حره, وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك والحسن والثوري والسدي وقال قتادة: قد آن طبخه منذ خلق الله السموات والأرض, وقال محمد بن كعب القرظي: يؤخذ العبد فيحرك بناصيته في ذلك الحميم حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس وهي كالتي يقول الله تعالى: "في الحميم ثم في النار يسجرون" والحميم الان يعني الحار, وعن القرظي رواية أخرى "حميم آن" أي حاضر وهو قول ابن زيد أيضاً, والحاضر لا ينافي ماروي عن القرظي أولاً أنه الحار كقوله تعالى: "تسقى من عين آنية" أي حارة شديدة الحر لا تستطاع, وكقوله: "غير ناظرين إناه" يعني استواءه ونضجه فقوله: "حميم آن" أي حميم حار جداً. ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه, وكان إنذاره لهم عن عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك قال ممتناً بذلك على بريته " فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
36- "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" أي يوم تنشق السماء لا يسأل أحد من الإنس ولا من الجن عن ذنبه، لأنهم يعرفون بسيماهم عند خروجهم من قبورهم، والجمع بين هذه الآية وبين مثل قوله: "فوربك لنسألنهم أجمعين" أن ما هنا يكون في موقف والسؤال في موقف آخر من مواقف القيامة: وقيل إنهم لا يسألون هنا سؤال استفهام عن ذنوبهم، لأن الله سبحانه قد أحصى الأعمال وحفظها على العباد، ولكن يسألون سؤال توبيخ وتقريع، ومثل هذه الآية قوله: "ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون" قال أبو العالية: المعنى لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم. وقيل إن عدم السؤال هو عند البعث، والسؤال هو في موقف الحساب.
39. " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان "، قال الحسن و قتادة : لا يسألون عن ذنوبهم لتعلم من جهتهم، لأن الله عز وجل علمها منهم، وكتبت الملائكة عليهم، وهي رواية العوفي عن ابن عباس.
وعنه أيضاً لا تسأل الملائكة المجرمين لأنهم يعرفونهم بسيماهم. دليله ما بعده، وهذا قول مجاهد .
وعن ابن عباس في الجمع بين هذه الآية وبين قوله: " فوربك لنسألنهم أجمعين " (الحجر-92)، قال: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا؟ وعن عكرمة أنه قال: إنها مواطن، يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها.
وعن ابن عباس أيضاً: لا يسألون سؤال شفقة ورحمة وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ.
وقال أبو العالية : لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم.
39-" فيومئذ " أي فيوم تنشق السماء . " لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " لأنهم يعرفون بسيماهم وذلك حين ما يخرجون من قبورهم ويحشرون إلى الموقف ذوداً على اختلاف مراتبهم ، وأما قوله تعالى : " فوربك لنسألنهم " ونحوه فحين يحاسبون في المجمع ، والهاء للإنس باعتبار اللفظ فإنه وإن تأخر لفظاً تقدم رتبة .
39. On that day neither man nor jinn will be questioned of his sin.
39 - On that Day no question will be asked of man or Jinn as to his sin,