39 - (ذلك اليوم الحق) الثابت وقوعه وهو يوم القيامة (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) مرجعا أي رجع إلى الله بطاعته ليسلم من العذاب فيه
يقول تعالى ذكره : " ذلك اليوم " يعني : يوم القيامة ، وهو يوم الروح والملائكة صفاً " الحق " : يقول : إنه حق كائن ، لا شك فيه .
وقوله : " فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا " يقول : فمن شاء من عباده اتخذ بالتصديق بهذا اليوم الحق ، والاستعداد له ، والعمل بما فيه النجاة له من أهواله " مآبا " يعني : مرجعاً ، وهو مفعل ، من قولهم : آب فلان من سفره ، كما قال عبيد :
وكل ذي غيبة يئوب وغائب الموت لا يئوب
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا " قال : اتخذوا إلى الله مآبا بطاعته وما يقربهم إليه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " إلى ربه مآبا " قال: سبيلاً .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " مآبا " يقول : مرجعاً منزلاً .
قوله تعالى:" ذلك اليوم الحق" أي الكائن الواقع"فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا" أي مرجعاً بالعمل الصالح، كأنه إذا عمل خيراً رده إلى الله عز وجل، وإذا عمل شراً عده منه. وينظر إلى هذا المعنى قوله عليه السلام:" (( والخير كله بيديك، والشر ليس إليك)) " . وقال قتادة :((مآباً)) : سبيلاً.
يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وأنه رب السموات والأرض وما فيهما وما بينهما وأنه الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء, وقوله تعالى: "لا يملكون منه خطاباً" أي لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه كقوله تعالى: "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" وكقوله تعالى: "يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون" اختلف المفسرون في المراد بالروح ههنا ما هو ؟ على أقوال (أحدها) ما رواه العوفي عن ابن عباس أنهم أرواح بني آدم (الثاني) هم بنو آدم قاله الحسن وقتادة . وقال قتادة : هذا مما كان ابن عباس يكتمه (الثالث) أنهم خلق من خلق الله على صور بني آدم وليسوا بملائكة ولا بشر, وهم يأكلون ويشربون, قاله ابن عباس ومجاهد وأبو صالح والأعمش (الرابع) هو جبريل قاله الشعبي وسعيد بن جبير والضحاك , ويستشهد لهذا القول بقوله عز وجل: "نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين" وقال مقاتل بن حيان : الروح هو أشرف الملائكة وأقرب إلى الرب عز وجل وصاحب الوحي. (الخامس) أنه القرآن, قاله ابن زيد كقوله: "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا" الاية. (والسادس) أنه ملك من الملائكة بقدر جميع المخلوقات, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: "يوم يقوم الروح" قال: هو ملك عظيم من أعظم الملائكة خلقاً.
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن خلف العسقلاني , حدثنا رواد بن الجراح عن أبي حمزة عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود قال: الروح في السماء الرابعة هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة, يخلق الله تعالى من كل تسبيحة ملكاً من الملائكة يجيء يوم القيامة صفاً وحده وهذا قول غريب جداً. وقد قال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله بن عرس المصري , حدثنا وهب الله بن روق بن هبيرة , حدثنا بشر بن بكر , حدثنا الأوزاعي , حدثني عطاء عن عبد الله بن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن لله ملكاً لو قيل له التقم السموات السبع والأرضين بلقمة واحدة لفعل. تسبيحه سبحانك حيث كنت" وهذا حديث غريب جداً, وفي رفعه نظر, وقد يكون موقوفاً على ابن عباس , ويكون مما تلقاه من الإسرائيليات, والله أعلم. وتوقف ابن جرير فلم يقطع بواحد من هذه الأقوال كلها والأشبه عندي والله أعلم أنهم بنو آدم.
وقوله تعالى: "إلا من أذن له الرحمن" كقوله: "يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه" وكما ثبت في الصحيح " ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل" وقوله تعالى: "وقال صواباً" أي حقاً ومن الحق لا إله إلا الله كما قاله أبو صالح وعكرمة , وقوله تعالى: "ذلك اليوم الحق" أي الكائن لا محالة "فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً" أي مرجعاً طريقاً يهتدي إليه ومنهجاً يمر به عليه. وقوله تعالى: "إنا أنذرناكم عذاباً قريباً" يعني يوم القيامة لتأكد وقوعه صار قريباً لأن كل ما هو آت آت "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه" أي يعرض عليه جميع أعماله خيرها وشرها. قديمها وحديثها كقوله تعالى: "ووجدوا ما عملوا حاضراً" وكقوله تعالى: "ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر" " ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا " أي يود الكافر يومئذ أنه كان في الدار الدنيا تراباً, ولم يكن خلق ولا خرج إلى الوجود, وذلك حين عاين عذاب الله ونظر إلى أعماله الفاسدة قد سطرت عليه بأيدي الملائكة السفرة الكرام البررة, وقيل إنما يود ذلك حين يحكم الله بين الحيوانات التي كانت في الدنيا فيفصل بينها بحكمه العدل الذي لا يجور, حتى إنه ليقتص للشاة الجماء من القرناء فإذا فرغ من الحكم بينها قال لها: كوني تراباً فتصير تراباً فعند ذلك يقول الكافر "يا ليتني كنت تراباً" أي كنت حيواناً فأرجع إلى التراب, وقد ورد معنى هذا في حديث الصور المشهور, وورد فيه آثار عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وغيرهما. آخر تفسير سورة النبأ. ولله الحمد والمنة. وبه التوفيق والعصمة.
والإشارة بقوله: 39- "ذلك" إلى يوم قيامهم على تلك الصفة، وهو مبتدأ وخبره " اليوم أحل " أي الكائن الواقع المتحقق " فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا " أي مرجعاً يرجع إليه بالعمل الصالح، لأنه إذا عمل خيراً قربه إلى الله، وإذا عمل شراً باعده منه، ومعنى "إلى ربه" إلى ثواب ربه قال قتادة: مآباً: سبيلاً.
39- "ذلك اليوم الحق"، الكائن الواقع يعني يوم القيامة، "فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً"، مرجعاً وسبيلاً بطاعته، أي: فمن شاء رجع إلى الله بطاعته.
39-" ذلك اليوم الحق " الكائن لا محالة . " فمن شاء اتخذ إلى ربه " إلى ثوابه . "مآباً " بالإيمان والطاعة .
39. That is the True Day. So whoso will should seek recourse unto his Lord.
39 - That Day will be the sure Reality: therefore, who so will, let him take a (straight) Return to his Lord!