39 - (إلا) بإدغام لا في نون إن الشرطية في الموضعين (تنفروا) تخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد (يعذبكم عذاباً أليماً) مؤلماً (ويستبدل قوماً غيركم) أي يأت بهم بدلكم (ولا تضروه) أي الله أو النبي صلى الله عليه وسلم (شيئا) بترك نصره فإن الله ناصر دينه (والله على كل شيء قدير) ومنه نصر دينه ونبيه
ك قوله تعالى إلا تنفروا الآية أخرج ابن أبي حاتم عن نجدة بن نفيع قال سألت ابن عباس عن هذه الآية فقال استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياء من العرب فتثاقلوا عنه فأنزل الله إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما فأمسك عنهم المطر فكان عذابهم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله، متوعدهم على ترك النفر إلى عدوهم من الروم: إن لم تنفروا، أيها المؤمنون، إلى من استنفركم رسول الله، يعذبكم الله عاجلاً في الدنيا، بترككم النفر إليهم، عذاباً موجعاً، " ويستبدل قوما غيركم "، يقول: يستبدل الله بكم نبيه قوماً غيركم، ينفرون إذا استنفروا، ويجيبونه إذا دعوا، ويطيعون الله ورسوله، " ولا تضروه شيئا "، يقول:ولا تضروا الله، بترككم النفير ومعصيتكم إياه، شيئاً، لأنه لا حاجة به إليكم، بل أنتم أهل الحاجة إليه، وهو الغني عنكم وأنتم الفقراء، " والله على كل شيء قدير "، يقول جل ثناؤه: والله على إهلاككم واستبدال قوم غيركم بكم، وعلى كل ما يشاء من الأشياء، قدير.
وقد ذكر أن ((العذاب الأليم)) في هذا الموضع، كان احتباس القطر عنهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثني عبد المؤمن بن خالد الحنفي قال، حدثني نجدة الخراساني قال: سمعت ابن عباس، وسئل عن قوله: " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما "، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر حياً من أحياء العرب فتثاقلوا عنه، فأمسك عنهم المطر، فكان ذلك عذابهم، فذلك قوله: " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبد المؤمن، عن نجدة قال: سألت ابن عباس، فذكر نحوه، إلا أنه قال: فكان عذابهم أن أمسك عنهم المطر.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما "، استنفر الله المؤمنين في لهبان الحر في غزوة تبوك قبل الشأم، على ما يعلم الله من الجهد.
وقد زعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا: قال: " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما "، وقال: " ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه " إلى قوله: " ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون "، فنسختها الآية التي تلتها: " وما كان المؤمنون لينفروا كافة " إلى قوله: " لعلهم يحذرون "، [التوبة: 120 - 122].
قال أبو جعفر: ولا خبر بالذي قال عكرمة و الحسن ، من نسخ حكم هذه الآية التي ذكرا، يجب التسليم له، ولا حجة ناف لصحة ذلك. وقد رأى ثبوت الحكم بذلك عدد من الصحابة والتابعين سنذكرهم بعد، وجائز أن يكون قوله: " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما "، الخاص من الناس، ويكون المراد به من استنفره رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينفر، على ما ذكرنا من الرواية عن ابن عباس.
وإذا كان ذلك كذلك، كان قوله: " وما كان المؤمنون لينفروا كافة "، نهياً من الله المؤمنين عن إخلاء بلاد الإسلام بغير مؤمن مقيم فيها، وإعلاماً من الله لهم أن الواجب النفر على بعضهم دون بعض، وذلك على من استنفر منهم دون من لم يستنفر. وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن في إحدى الآيتين نسخ للأخرى، وكان حكم كل واحدة منهما ماضياً فيما عنيت به.
فيه مسألة واحدة - وهو أن قوله تعالى: "إلا تنفروا" شرط، فلذلك حذفت منه النون. والجواب "يعذبكم"، "ويستبدل قوماً غيركم" وهذا تهديد شديد ووعيد مؤكد في ترك النفير. قال ابن العربي : ومن محققات الأصول أن الأمر إذا ورد فليس في وروده أكثر من اقتضاء الفعل. فأما العقاب عند الترك فلا يؤخذ من نفس الأمر ولا يقتضيه الاقتضاء،وإنما يكون العقاب بالخبر عنه، كقوله: إن لم تفعل كذا عذبتك بكذا، كما ورد في هذه الآية. فوجب بمقتضاها النفير للجهاد والخروج إلى الكفار لمقاتلتهم على أن تكون كلمة الله هي العليا. روى أبو داود عن ابن عباس قال: "إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً" و"ما كان لأهل المدينة" -إلى قوله- "يعملون" [التوبة 121] نسختها الآية التي تليها: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة". وهو قول الضحاك والحسن وعكرمة. "يعذبكم" قال ابن عباس: هو حبس المطر عنهم. قال ابن العربي: فإن صح ذلك عنه فهو أعلم من أين قاله، وإلا فالعذاب الأليم هو في الدنيا باستيلاء العدو وبالنار في الآخرة.
قلت: قول ابن عباس خرجه الإمام أبو داود في سننه عن ابن نفيع قال: سألت ابن عباس عن هذه الآية "إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً" قال: فأمسك عنهم المطر فكان عذابهم. وذكره الإمام أبو محمد بن عطية مرفوعاً عن ابن عباس قال: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيلة من القبائل قبيلة من القبائل فقعدت، فأمسك الله عنهم المطر وعذبها به. وأليم بمعنى مؤلم، أي موجع. وقد تقدم. "ويستبدل قوماً غيركم" توعد بأن يبدل لرسوله قوماً لا يقعدون عند استنفاره إياهم. قيل: أبناء فارس. وقيل: أهل اليمن. "ولا تضروه شيئاً" عطف. والهاء قيل لله تعالى، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم. والتثاقل عن الجهاد مع إظهار الكراهة حرام على كل أحد. فأما من غير كراهة فمن عينه النبي صلى الله عليه وسلم حرم عليه التثاقل وإن أمن منهما فالفرض فرض كفاية، ذكره القشيري. وقد قيل: إن المراد بهذه الآية وجوب النفير عند الحاجة وظهور الكفرة واشتداد شوكتهم. وظاهر الآية يدل على أن ذلك على وجه الاستدعاء فعلى هذا لا يتجه الحمل على وقت ظهور المشركين، فإن وجوب ذلك لا يختص بالاستدعاء، لأنه متعين. وإذا ثبت ذلك فالاستدعاء والاستنفار يبعد أن يكون موجبا شيئاً لم يجب من قبل، إلا أن الإمام إذا عين قوماً وندبهم إلى الجهاد لم يكن لهم أن يتثاقلوا عند التعيين، ويصير بتعيينه فرضاً على من عينه لا لمكان الجهاد ولكن لطاعة الإمام. والله أعلم.
هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحمارة القيظ فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله" أي إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله "اثاقلتم إلى الأرض" أي تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " أي ما لكم فعلتم هكذا أرضىً منكم بالدنيا بدلاً من الاخرة ؟ ثم زهد تبارك وتعالى في الدنيا, ورغب في الاخرة فقال " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ويحيى بن سعيد قالا حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن المستورد أخي بني فهر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما الدنيا في الاخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بم ترجع ؟" وأشار بالسبابة انفرد بإخراجه مسلم. وروى ابن أبي حاتم حدثنا بشر بن مسلم بن عبد الحميد الحمصي بحمص حدثنا الربيع بن روح حدثنا محمد بن خالد الوهبي حدثنا زياد يعني الجصاص عن أبي عثمان قال: قلت: يا أبا هريرة سمعت من إخواني بالبصرة أنك تقول: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة" قال أبو هريرة: بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة" ثم تلا هذه الاية " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " فالدنيا ما مضى منها وما بقي منها عند الله قليل. وقال الثوري عن الأعمش في الاية " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " قال: كزاد الراكب.
وقال عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه: لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة. قال: ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال: أما لي من كبير ما أخلف من الدنيا إلا هذا ؟ ثم ولى ظهره فبكى وهو يقول أف لك من دار إن كان كثيرك لقليل, وإن كان قليلك لقصير, وإن كنا منك لفي غرور. ثم توعد تعالى من ترك الجهاد فقال: "إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً" قال ابن عباس: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عذابهم "ويستبدل قوماً غيركم" أي لنصرة نبيه وإقامة دينه كما قال تعالى: " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " "ولا تضروه شيئاً" أي ولا تضروا الله شيئاً بتوليكم عن الجهاد, ونكولكم وتثاقلكم عنه "والله على كل شيء قدير" أي قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم, وقد قيل إن هذه الاية وقوله: "انفروا خفافاً وثقالاً" وقوله: "ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله" إنهن منسوخات بقوله تعالى: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة" روي هذا عن ابن عباس وعكرمة والحسن, وزيد بن أسلم ورده ابن جرير وقال: إنما هذا فيمن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد فتعين عليهم ذلك فلو تركوه لعوقبوا عليه وهذا له اتجاه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .
قوله: 39- "إلا تنفروا يعذبكم" هذا تهديد شديد، ووعيد مؤكد لمن ترك النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعذبكم عذاباً أليماً" أي يهلككم بعذاب شديد مؤلم، قيل في الدنيا فقط، وقيل هو أعم من ذلك. قوله: "ويستبدل قوماً غيركم" أي يجعله لرسله بدلاً منكم ممن لا يتباطأ عند حاجتهم إليهم.
واختلف في هؤلاء القوم من هم؟ فقيل أهل اليمن، وقيل أهل فارس، ولا وجه للتعيين بدون دليل. قوله: "ولا تضروه شيئاً" معطوف على "يستبدل"، والضمير قيل لله، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي ولا تضروا الله بترك امتثال أمره بالنفير شيئاً، أو لا تضروا رسول الله بترك نصره والنفير معه شيئاً "والله على كل شيء قدير" ومن جملة مقدوراته تعذيبكم والاستبدال بكم.
39-ثم أوعدهم على ترك الجهاد، فقال تعالى:
"إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما"، في الآخرة. وقيل: هو احتباس المطر عنهم في الدنيا.
وسأل نجدة بن نفيع ابن عباس عن هذه الآية، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر حيا من أحياء العرب، فتثاقلوا عليه، فأمسك عنهم المطر، فكان ذلك عذابهم. "ويستبدل قوما غيركم" خيرا منكم وأطوع. قال سعيد بن جبير: هم أبناء فارس. وقيل: هم أهل اليمن، "ولا تضروه شيئا"، بترككم النفير. "والله على كل شيء قدير".
39."إلا تنفروا " إن لا تنفروا إلى ما استنفرتم إليه ."يعذبكم عذاباً أليماً " بالإهلاك بسبب فظيع كقحط وظهور عدو ." ويستبدل قوماً غيركم " ويستبدل بكم آخرين مطيعين كأهل اليمن وأبناء فارس ."ولا تضروه شيئاً " إذ لا يقدح تثاقلكم في نصر دينه شيئاً فإنه الغني عن كل شيء وفي كل أمر . وقيل الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم أي ولا تضروه فإن الله سبحانه وتعالى وعد له بالعصمة والنصرة ووعده حق ." والله على كل شيء قدير" فيقدر على التبديل وتغيير الأسباب والنصرة بلا مدد كما قال.
39. If ye go not forth He will afflict you with a painful doom, and will choose instead of you a folk other then you Ye cannot harm Him at all. Allah is Able to do all things
39 - unless ye go forth, he will punish you with a grievous penalty, and put others in your place; but him ye would not harm in the least. for God hath power over all things.