وينذر) من جملة الكافرين (الذين قالوا اتخذ الله ولدا)
يقول تعالى ذكره : ويحذر أيضاً محمد القوم " الذين قالوا اتخذ الله ولداً " من مشركي قومه وغيرهم ، بأس الله وعاجل نقمته ، وآجل عذابه ، على قيلهم ذلك .
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا" يعني قريشاً في قولهم : إنما نعبد الملائكة، وهن بنات الله ، وقوله " ما لهم به من علم " يقول ؟ ما لقائلي هذا القول ، يعني قولهم " اتخذ الله ولداً " " به " : يعني بالله من علم ، والهاء في قوله " به " من ذكر الله . وإنما معنى الكلام : ما لهؤلاء القائلين هذا القول بالله ، إنه لا يجوز أن يكون له ولد من علم ، فلجهلهم بالله وعظمته قالوا ذلك .
قوله تعالى : " وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا " وهم اليهود قالوا عزير ابن الله والنصارى قالوا المسيح ابن الله ، وقريش قالت الملائكة بنات الله . فالإنذار في أول السورة عام ، وهذا خاص فيمن قال لله ولد .
قد تقدم في أول التفسير أنه تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتمها, فإنه المحمود على كل حال, وله الحمد في الأولى والاخرة, ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه, فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور حيث جعله كتاباً مستقيماً لا اعوجاج فيه ولا زيغ, بل يهدي إلى صراط مستقيم واضحاً بيناً جلياً نذيراً للكافرين, بشيراً للمؤمنين, ولهذا قال: "ولم يجعل له عوجاً" أي لم يجعل فيه اعوجاجاً ولا ميلاً, بل جعله معتدلاً مستقيماً ولهذا قال: "قيماً" أي مستقيما "لينذر بأساً شديداً من لدنه" أي لمن خالفه وكذبه ولم يؤمن به ينذره بأساً شديداً عقوبة عاجلة في الدنيا وآجلة في الأخرى "من لدنه" أي من عند الله الذي لا يعذب عذابه أحد, ولا يوثق وثاقه أحد "ويبشر المؤمنين" أي بهذا القرآن الذين صدقوا إيمانهم بالعمل الصالح "أن لهم أجراً حسناً" أي مثوبة عند الله جميلة "ماكثين فيه" في ثوابهم عند الله, وهو الجنة خالدين فيه "أبداً" دائماً لا زوال له ولا انقضاء.
وقوله: "وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً" قال ابن إسحاق : وهم مشركو العرب في قولهم نحن نعبد الملائكة وهم بنات الله " ما لهم به من علم " أي بهذا القول الذي افتروه وائتفكوه " ولا لآبائهم " أي لأسلافهم "كبرت كلمة" نصب على التمييز تقديره كبرت كلمتهم هذه كلمةً. وقيل: على التعجب تقديره أعظم بكلمتهم كلمة, كما تقول: أكرم بزيد رجلاً, قاله بعض البصريين, وقرأ ذلك بعض قراء مكة: كبرت كلمة, كما يقال عظم قولك وكبر شأنك, والمعنى على قراءة الجمهور أظهر, فإن هذا تبشيع لمقالتهم واستعظام لإفكهم, ولهذا قال: "كبرت كلمة تخرج من أفواههم" أي ليس لها مستند سوى قولهم, ولا دليل لهم عليها إلا كذبهم وافتراؤهم, ولهذا قال: "إن يقولون إلا كذبا" وقد ذكر محمد بن إسحاق سبب نزول هذه السورة الكريمة, فقال: حدثني شيخ من أهل مصر قدم علينا منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة, فقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله, فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء, فخرجا حتى أتيا المدينة فسألوا أحبار اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ووصفوا لهم أمره وبعض قوله, وقالا: إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا, قال: فقالوا لهم سلوه عن ثلاث نأمركم بهن, فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل, وإلا فرجل متقول فتروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم, فإنهم قد كان لهم حديث عجيب ؟ وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه, وسلوه عن الروح ما هو ؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه, وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم, فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد, قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور فأخبروهم بها, فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا, فسألوه عما أمروهم به, فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبركم غدا عما سألتم عنه" ولم يستثن فانصرفوا عنه ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحياً, ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غداً, واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها, لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة, ثم جاءه جبرائيل عليه السلام من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف, فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف, وقول الله عز وجل "ويسألونك عن الروح ؟ قل الروح" الاية.
ثم كرر الإنذار وذكر المنذر لخصوصه وحذف المنذر به، وهو البأس الشديد، لتقدم ذكره فقال: 4- "وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً" وهم اليهود والنصارى وبعض كفار قريش. القائلون بأن الملائكة بنات الله، فذكر سبحانه أولاً قضية كلية، وهي إنذار عموم الكفار.
4 - " وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً " .
4."وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً"خصهم بالذكر وكرر والإنذار متعلقاً بهم استعظاماً لكفرهم، وإنما لم يذكر المنذر به استغناء بتقدم ذكره.
4. And to warn those who say: Allah hath chosen a son,
4 - Further, that he may warn those (also) who say, God hath begotten a son: