4 - (ألا) استفهام توبيخ (يظن) يتيقن (أولئك أنهم مبعوثون)
وقوله : " ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم " يقول تعالى ذكره : ألا يظن هؤلاء المطففون الناس في مكاييلهم وموازينهم ، أنهم مبعوثون من قبورهم بعد مماتهم ، ليوم عظيم شأنه ، هائل أمره ، فظيع هوله .
قوله تعالى:" ألا يظن أولئك" إنكار وتعجيب عظيم من حالهم، في الاجتراء على التطفيف، كأنهم لايخطرون التطفيف ببالهم، ولا يخمنون تخمينا " أنهم مبعوثون" فمسؤولون عما يفعلون. والظن هنا بمعنى اليقين، أي ألا يوقن أولئك، ولو أيقنوا ما نقصوا في الكيل والوزن. وقيل: الظن بمعنى التردد، أي إن كانوا لا يستيقنون بالبعث، فهلا ظنوه، حتى يتدبروا ويبحثوا عنه، ويأخذوا بالأحوط.
قال النسائي وابن ماجه : أخبرنا محمد بن عقيل , زاد ابن ماجه وعبد الرحمن بن بشر قالا: حدثنا علي بن الحسين بن واقد , حدثني أبي عن يزيد وهو ابن أبي سعيد النحوي مولى قريش عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل الله تعالى: "ويل للمطففين" فحسنوا الكيل بعد ذلك. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن النضر بن حماد , حدثنا محمد بن عبيد عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن هلال بن طلق قال: بينما أنا أسير مع ابن عمر فقلت: من أحسن الناس هيئة وأوفاهم كيلاً أهل مكة أو أهل المدينة قال: حق لهم, أما سمعت الله تعالى يقول: "ويل للمطففين" وقال ابن جرير : حدثنا أبو السائب , حدثنا ابن فضيل عن ضرار عن عبد الله المكتب عن رجل عن عبد الله قال: قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن إن أهل المدينة ليوفون الكيل, قال: وما يمنعهم أن يوفوا الكيل وقد قال الله تعالى: " ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون * ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم * يوم يقوم الناس لرب العالمين " والمراد بالتطفيف ههنا البخس في المكيال والميزان إما بالإزدياد إن اقتضى من الناس وإما بالنقصان إن قضاهم, ولهذا فسر تعالى المطففين الذين وعدهم بالخسار والهلاك وهو الويل بقوله تعالى: "الذين إذا اكتالوا على الناس" أي من الناس "يستوفون" أي يأخذون حقهم بالوافي والزائد "وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون" أي ينقصون, والأحسن أن يجعل كالوا ووزنوا متعدياً ويكون هم في محل نصب, ومنهم من يجعلها ضميراً مؤكداً للمستتر في قوله كالوا ووزنوا ويحذف المفعول لدلالة الكلام عليه, وكلاهما متقارب.
وقد أمر الله تعالى بالوفاء في الكيل والميزان فقال تعالى: " وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا " وقال تعالى: "وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها" وقال تعالى: "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" وأهلك الله قوم شعيب ودمرهم على ما كانوا يبخسون الناس في الميزان والمكيال ثم قال تعالى: متوعداً لهم: "ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم ؟" أي ما يخاف أولئك من البعث والقيام بين يدي من يعلم السرائر والضمائر في يوم عظيم الهول كثير الفزع جليل الخطب, من خسر فيه أدخل ناراً حامية ؟ وقوله تعالى: "يوم يقوم الناس لرب العالمين" أي يقومون حفاة عراة غرلاً في موقف صعب حرج ضيق ضنك على المجرم ويغشاهم من أمر الله تعالى ما تعجز القوى والحواس عنه.
قال الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه" رواه البخاري من حديث مالك وعبد الله بن عون كلاهما عن نافع به,ورواه مسلم من الطريقين أيضاً, وكذلك رواه أيوب بن يحيى وصالح بن كيسان وعبد الله وعبيد الله ابنا عمر ومحمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر به. ولفظ الإمام أحمد : حدثنا يزيد , أخبرنا ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يوم يقوم الناس لرب العالمين لعظمة الرحمن عز وجل يوم القيامة حتى إن العرق ليلجم الرجال إلى أنصاف آذانهم".
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق , حدثنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر , حدثني سليم بن عامر , حدثني المقداد يعني ابن الأسودالكندي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين ـ قال ـ فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق كقدر أعمالهم, منهم من يأخذه إلى عقبيه ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه, ومنهم من يأخذه إلى حقويه, ومنهم من يلجمه إلجاماً" رواه مسلم عن الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة والترمذي عن سويد عن ابن المبارك , كلاهما عن ابن جابر به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن سوار , حدثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن أبا عبد الرحمن حدثه عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل ويزاد في حرها كذا كذا, تغلي منها الهوام كما تغلي القدور يعرقون فيها على قدر خطاياهم, منهم من يبلغ إلى كعبيه ومنهم من يبلغ إلى ساقيه, ومنهم من يبلغ إلى وسطه, ومنهم من يلجمه العرق". انفرد به أحمد .
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة , حدثنا أبو عشانة حيي بن يؤمن أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تدنو الشمس من الأرض فيعرق الناس فمن الناس من يبلغ عرقه عقبيه ومنهم من يبلغ إلى نصف الساق, ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه ومنهم من يبلغ العجز ومنهم من يبلغ الخاصرة, ومنهم من يبلغ منكبيه, ومنهم من يبلغ وسط فيه ـ وأشار بيده فألجمها فاه, رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده هكذا ومنهم من يغطيه عرقه" وضرب بيده إشارة, انفرد به أحمد , وفي حديث أنهم يقومون سبعين سنة لا يتكلمون, وقيل يقومون ثلاثمائة سنة, وقيل يقومون أربعين ألف سنة ويقضي بينهم في مقدار عشرة آلاف سنة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة".
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو عون الزيادي , أخبرنا عبد السلام بن عجلان , سمعت أبا يزيد المدني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبشير الغفاري : "كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه ثلاثمائة سنة لرب العالمين من أيام الدنيا لا يأتيهم فيه خبر من السماء ولا يؤمر فيهم بأمر ؟" قال بشير : المستعان الله, قال "فإذا أويت إلى فراشك فتعوذ بالله من كرب يوم القيامة وسوء الحساب" ورواه ابن جرير من طريق عبد السلام به. وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة. وعن ابن مسعود يقومون أربعين سنة رافعي رؤوسهم إلى السماء لا يكلمهم أحد قد ألجم العرق برهم وفاجرهم. وعن ابن عمر : يقومون مائة سنة رواهما ابن جرير . وفي سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح عن أزهر بن سعيد الحواري عن عاصم بن حميد عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح قيام الليل: يكبر عشراً ويحمد عشراً, ويسبح عشراً ويستغفر عشراً ويقول: اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة ".
ثم خوفهم سبحانه فقال: 4- "ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون" والجملة مستأنفة مسوقة لتهويل ما فعلوه من التطفيف وتفظيعه وللتعجيب من حالهم في الاجتراء عليه، والإشارة بقوله: "أولئك" إلى المطففين، والمعنى: أنهم لا يخطرون ببالهم أنهم بمعوثون فمسؤولون عما يفعلون. قيل والظن هنا بمعنى اليقين: أي لا يوقن أولئك، ولو أيقنوا ما نقصوا الكيل والوزن، وقيل الظن على بابه، والمعنى: إن كانوا لا يستيقنون البعث، فهلا ظنوه حتى يتدبوا فيه ويبحثوا عنه يوتركوا ما يخشون من عاقبته. واليوم العظيم هو يوم القيامة، ووصفه بالعظم لكونه زماناً لتلك الأمور العظام من البعث والحساب والعقاب، ودخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.
4- "ألا يظن"، يستيقن، "أولئك"، الذين يفعلون ذلك، "أنهم مبعوثون".
4-" ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون " فإن من ظن ذلك لم يتجاسر على أمثال هذه القبائح فكيف بمن تيقنه وفيه إنكار وتعجيب من حالهم .
4. Do such (men) not consider that they will be again
4 - Do they not think that they will be called to account?