42 - وهو (إن عبادي) أي المؤمنين (ليس لك عليهم سلطان) قوة (إلا) لكن (من اتبعك من الغاوين) الكافرين
اختلفت القراء في قراءة قوله "قال هذا صراط علي مستقيم" ، فقرأه عامة قراء الحجاز والمدينة والكوفة والبصرة "هذا صراط علي مستقيم" ، بمعنى : هذا طريق إلي مستقيم .
فكان معنى الكلام : هذا طريق مرحعه إلي : فأجازي كلا بأعمالهم ، كما قال تعالى ذكره ( إن ربك لبالمرصاد ) ، وذلك نظير قول القائل لمن يتوعده ويتهدده . طريقك علي ، وأنا على طريقك ، فكذلك قوله : "هذا صراط" ، معناه : هذا طريق علي وهذا طريق إلي ، وكذلك تأويل من قرأ ذلك كذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال :حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، حدثني الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : "هذا صراط علي مستقيم" ، قال :الحق يرجع إلى الله ، وعليه طريقه ، لا يعرج على شيء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ،قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا مروان بن شجاع ، عن خصيف ، عن زياد بن أبي مريم ، وعبد الله بن كثير أنهما قرآها "هذا صراط علي مستقيم" ، وقالا : علي هي إلي وبمنزلتهما .
حدثنا الحسن بن محمد ،قا : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن إسماعيل بن مسلم ،عن الحسن ، و سعيد ، عن قتادة عن الحسن "هذا صراط علي مستقيم "، يقول : إلي مستقيم : وقرأ ذلك قيس بن عباد و ابن سيرين وقتادة فيما ذكر عنهم هذا صراط علي مستقيم برفع علي على أنه نعت للصراط ، بمعنى : رفيع .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي حماد ، قال : حدثني جعفر البصري ، عن ابن سيرين ، أنه كان يقرأ هذا صراط علي مستقيم يعني : رفيع .
حدثنا بشر، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هذا صراط علي مستقيم أي رفيع مستقيم . قال بشر ، قال يزيد ، قال سعيد : هكذا نقرؤها نحن و قتادة .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن هارون ، عن أبي العوام ،عن قتادة ، عن قيس بن عباد : هذا صراط علي مستقيم يقول : رفيع .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأ "هذا صراط علي مستقيم" ، على التأويل الذي ذكرناه عن مجاهد و الحسن البصري ، ومن وافقهما عليه ، لإجماع الحجة من القراء عليها ، وشذوذ ما خالفها .
وقوله : "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين" ، يقول تعالى ذكره : إن عبادي ليس لك عليهم حجة ، إلا من اتبعك على ما دعوته إبيه من الضلالة ممن غوى وهلك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عبيد الله بن موهب ، قال : حدثنا يزيد بن قسيط ، قال :"كانت الأنبياء لهم مساجد خارجة من قراهم ، فإذا أراد النبي أن يستنبىء ربه عن شيء ، خرج إلى مسجده ، فصلى ما كتب الله له ، ثم سأل ما بدا له ، فبينما نبي في مسجه ، إذ جاء عدو الله حتى جلس بينه وبين القبلة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقال عدو الله : أرأيت الذي تعوذ منه فهو هو ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فردد ذلك ثلاث مرات ، فقال عدو الله : أخبرني بأي شيء تنجو مني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم ، مرتين ، فأخذ كل واحد منهما على صاحبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى ذكره يقول "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين" قال عدو الله : قد سمعت هذا قبل أن تولد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ويقول الله تعالى ذكره : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) ، وإني والله ما أحسست بك قك إلا استعذت بالله منك ، فقال عدو الله : صدقت بهذا تنجو مني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فأخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم ؟ قال: آخذه عند الغضب ، وعند الهوى " .
الأولى: قوله تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " قال العلماء: يعني علي قلوبهم. وقال ابن عيينة: أي في أن يلقيهم في ذنب يمنعهم عفوي ويضيقه عليهم. وهؤلاء الذين هداهم الله واجتباهم واختارهم واصطفاهم.
قلت: لعل قائلاً يقول: قد أخبر الله عن صفة آدم وحواء عليهما السلام بقوله: " فأزلهما الشيطان " ( البقرة: 36)، وعن جملة من أصحاب نبيه بقوله: " إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا " ( آل عمران: 155) فالجواب ما ذكر، موهو أنه ليس له سلطان على قلوبهم، ولا موضع إيمانهم، ولا يلقيهم في ذنب يؤول إلى عدم القبول، بل تزيله التوبة وتمحوه الأوبة. ولم يكن خروج آدم عقوبة لما تناول، على ما تقدم في ( البقرة) بيانه. وأما أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى القول عنهم في آل عمران. ثم إن قوله سبحانه: ( ليس لك عليهم سلطان) يحتمل أن يكون خاصاً فيمن حفظه الله، ويحتمل أن يكون في أكثر الأوقات والأحوال، وقد يكون في تسلطه تفريج كربة وإزالة غمة، كما فعل ببلال، إذ أتاه يهديه كما يهدى الصبي حتى نام، ونام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس، وفزعوا وقالوا: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس في النوم تفريط " ففرج عنهم. " إلا من اتبعك من الغاوين " أي الضالين المشركين. أي سلطانه على هؤلاء، دليله " إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون " ( النحل: 100).
الثانية: وهذه الآية والتي قبلها دليل على جواز استثناء القليل من الكثير والكثير من القليل، مثل أن ويقول: عشرة إلا درهماً. أو يقول: عشرة إلا تسعة. وقال أحمد بن حنبل : لا يجوز أن يستثنى إلا قدر النصف فما دونه. واما استثناء الأكثر من الجملة فلا يصح. ودليلنا هذه الآية، فإن فيها استثناء ( الغاوين) من العباد والعباد من الغاوين، وذلك يدل على أن الاستثناء الأقل من الجملة واستثناء الأكثر من الجملة جائز.
يقول تعالى مخبراً عن إبليس وتمرده وعتوه أنه قال للرب: "بما أغويتني" قال بعضهم: أقسم بإغواء الله له. "قلت" ويحتمل أنه بسبب ما أغويتني وأضللتني "لأزينن لهم" أي لذرية آدم عليه السلام "في الأرض" أي أحبب إليهم المعاصي وأرغبهم فيها وأؤزهم إليها, وأزعجهم إليها إزعاجاً "ولأغوينهم أجمعين" أي كما أغويتني وقدرت علي ذلك "إلا عبادك منهم المخلصين" كقوله: " أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا " "قال" الله تعالى له متهدداً ومتوعداً " هذا صراط علي مستقيم " أي مرجعكم كلكم إلي, فأجازيكم بأعمالكم إن خيراً فخير وإن شراً فشر, كقوله تعالى: "إن ربك لبالمرصاد". وقيل: طريق الحق مرجعها إلى الله تعالى, وإليه تنتهي, قاله مجاهد والحسن وقتادة كقوله: "وعلى الله قصد السبيل" وقرأ قيس بن عبادة ومحمد بن سيرين وقتادة " هذا صراط علي مستقيم " كقوله: "وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم" أي رفيع والمشهور القراءة الأولى.
وقوله "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" أي الذي قدرت لهم الهداية فلا سبيل لك عليهم ولا وصول لك إليهم "إلا من اتبعك من الغاوين" استثناء منقطع. وقد أورد ابن جرير ههنا من حديث عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن موهب, حدثنا يزيد بن قسيط قال: كانت الأنبياء يكون لهم مساجد خارجة من قراهم, فإذا أراد النبي أن يستنبىء ربه عن شيء خرج إلى مسجده فصلى ما كتب الله له, ثم سأله ما بدا له, فبينا نبي في مسجده إذ جاء عدو الله ـ يعني إبليس ـ حتى جلس بينه وبين القبلة, فقال النبي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, قال: فردد ذلك ثلاث مرات, فقال عدو الله: أخبرني بأي شيء تنجو مني ؟ فقال النبي: بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم مرتين ؟ فأخذ كل واحد منهما على صاحبه, فقال النبي: إن الله تعالى يقول: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين". قال عدو الله: قد سمعت هذا قبل أن تولد. قال النبي: ويقول الله: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم", وإني و الله ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله منك. قال عدو الله: صدقت بهذا تنجو مني, فقال النبي: أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم ؟ قال آخذه عند الغضب والهوى.
قوله: "وإن جهنم لموعدهم أجمعين" أي جهنم موعد جميع من اتبع إبليس, كما قال عن القرآن "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده", ثم أخبر أن لجهنم سبعة أبواب "لكل باب منهم جزء مقسوم" أي قد كتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس يدخلونه لا محيد لهم عنه, أجارنا الله منها, وكل يدخل من باب بحسب عمله, ويستقر في درك بقدر عمله. قال إسماعيل بن علية وشعبة, كلاهما عن أبي هارون الغنوي عن حطان بن عبد الله أنه قال: سمعت علي بن أبي طالب وهو يخطب قال: إن أبواب جهنم هكذا ـ قال أبو هارون ـ أطباقاً بعضها فوق بعض. وقال إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبيرة بن أبي يريم, عن علي رضي الله عنه قال: أبواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض, فيمتلىء الأول ثم الثاني ثم الثالث حتى تمتلىء كلها.
وقال عكرمة: سبعة أبواب سبعة أطباق, وقال ابن جريج: سبعة أبواب: أولها جنهم, ثم لظى, ثم الحطمة, ثم السعير, ثم سقر, ثم الجحيم, ثم الهاوية. وروى الضحاك عن ابن عباس نحوه: وكذا روي عن الأعمش بنحوه أيضاً, وقال قتادة: "لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم" هي والله منازل بأعمالهم, رواهن ابن جرير, وقال جويبر عن الضحاك "لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم" قال: باب لليهود, وباب للنصارى, وباب للصابئين, وباب للمجوس, وباب للذين أشركوا وهم كفار العرب, وباب للمنافقين, وباب لأهل التوحيد, فأهل التوحيد يرجى لهم ولا يرجى لأولئك أبداً.
وقال الترمذي: حدثنا عبد بن جنيد, حدثنا عثمان بن عمر عن مالك بن مغول عن حميد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لجهنم سبعة أبواب, باب منها لمن سل السيف على أمتي ـ أو قال على أمة محمد " ثم قال: لا نعرفه إلا من حديث مالك بن مغول. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عباس بن الوليد الخلال, حدثنا زيد ـ يعني ابن يحيى ـ حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي نضرة عن سمرة بن جندب, عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "لكل باب منهم جزء مقسوم" قال "إن من أهل النار من تأخذه النار إلى كعبيه, وإن منهم من تأخذه النار إلى حجزته, ومنهم من تأخذه النار إلى تراقيه, منازلهم بأعمالهم, فذلك قوله: "لكل باب منهم جزء مقسوم" " .
42- "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" المراد بالعباد هنا هم المخلصون، والمراد أنه لا تسلط له عليهم بإيقاعهم في ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه، فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحواء ونحوهما، فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة عنه "إلا من اتبعك من الغاوين" استثنى سبحانه من عباده هؤلاء، وهم المتبعون لإبليس من الغاوين عن طريق الحق الواقعين في الضلال، وهو موافق لما قاله إبليس اللعين من قوله: لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين، ويمكن أن يقال: إن بين الكلامين فرقاً، فكلام الله سبحانه فيه نفي سلطان إبليس على جميع عباده إلا من اتبعه من الغاوين، فيدخل في ذلك المخلصون وغيرهم ممن لم يتبع إبليس من الغاوين، وكلام إبليس اللعين يتضمن إغواء الجميع إلا المخلصين، فدخل فيهم من لم يكن مخلصاً ولا تابعاً لإبليس غاوياً. والحاصل أن بين المخلصين والغاوين التابعين لإبليس طائفة لم تكن مخلصة ولا غاوية تابعة لإبليس، وقد قيل إن الغاوين المتبعين لإبليس هم المشركون، ويدل على ذلك قوله تعالى: "إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون".
42-"إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" ، أي: قوة.
قال أهل المعاني: يعني على قلوبهم.
وسئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية فقال: معناه ليس لك عليهم سلطان تلقيهم في ذنب يضيق عنه عفوي، وهؤلاء ثنية الله الذين هداهم واجتباهم. "إلا من اتبعك من الغاوين".
42."إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين"تصديق لإبليس فيما استثناه وتغيير الوضع لتعظيم "المخلصين"، ولأن المقصود بيان عصمتهم وانقطاع مخالب الشيطان عنهم ، أو تكذيب له فيما أوهم أن له سلطاناً على من ليس بمخلص من عباده ، فإن منتهى تزيينه التحريض والتدليس كما قال : "وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي "أقل من الباقي لإفضائه إلى تناقض الاستثناءين .
42. Lo! as for My slaves, thou hast no power over any of them save such of the froward as follow thee,
42 - For over my servants no authority shalt thou have, except such as put themselves in the wrong and follow thee.