42 - (فبأي آلاء ربكما تكذبان) تضم ناصية كل منهم إلى قدميه من خلف أو قدام ويلقى في النار ويقال لهم
"فبأي آلاء ربكما تكذبان " يقول تعالى ذكره فبأي نعم ربكما معشر الجن والإنس التي أنعم عليكم بها من تعريفه ملائكته أهل الإجرام من أهل الطاعة منكم حتى خصوا بالإذلال والإهانة المجرمين دون غيرهم ..
قوله تعالى " فبأي آلاء ربكما تكذبان "
يقول تعالى: "فإذا انشقت السماء" يوم القيامة كما دلت عليه هذه الايات مع ما شاكلها من الايات الواردة في معناها كقوله تعالى: "وانشقت السماء فهي يومئذ واهية" وقوله: "ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا" وقوله: " إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت " وقوله تعالى: "فكانت وردة كالدهان" أي تذوب كما يذوب الدردي والفضة في السبك, وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها, فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء, وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء, حدثنا نافع أبو غالب الباهلي, حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم" قال الجوهري: الطش المطر الضعيف, وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: "وردة كالدهان" قال: هو الأديم الأحمر, وقال أبو كدينة عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس "فكانت وردة كالدهان" كالفرس الورد, وقال العوفي عن ابن عباس: تغير لونها, وقال أبو صالح: كالبرذون الورد, ثم كانت بعد كالدهان, وحكى البغوي وغيره أن الفرس الورد تكون في الربيع صفراء, وفي الشتاء حمراء, فإذا اشتد البرد تغير لونها, وقال الحسن البصري: تكون ألواناً. وقال السدي: تكون كلون البغلة الوردة, وتكون كالمهل كدردي الزيت, وقال مجاهد "كالدهان" كألوان الدهان, وقال عطاء الخراساني: كلون دهن الورد في الصفرة, وقال قتادة: هي اليوم خضراء ويومئذ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان. وقال أبو الجوزاء: في صفاء الدهن. وقال ابن جريج: تصير السماء كالدهن الذائب وذلك حين يصيبها حر جهنم.
وقوله تعالى: "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" وهذه كقوله تعالى: " هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون " فهذا في حال وثم في حال يسأل الخلائق عن جميع أعمالهم, وقال الله تعالى: " فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون " ولهذا قال قتادة: "فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان" قال: قد كانت مسألة ثم ختم على أفواه القوم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا, لأنه أعلم بذلك منهم, ولكن يقول: لم عملتم كذا وكذا ؟ فهذا قول ثان. وقال مجاهد في هذه الاية: لا تسأل الملائكة عن المجرمين بل يعرفون بسيماهم, وهذا قول ثالث, وكأن هذا بعدما يؤمر بهم إلى النار فذلك الوقت لا يسألون عن ذنوبهم بل يقادون إليها ويلقون فيها كما قال تعالى: "يعرف المجرمون بسيماهم" أي بعلامات تظهر عليهم. وقال الحسن وقتادة: يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون. قلت: وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء.
وقوله تعالى: "فيؤخذ بالنواصي والأقدام" أي يجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ويلقونه في النار كذلك, وقال الأعمش عن ابن عباس: يؤخذ بناصيته وقدميه فيكسر كما يكسر الحطب في التنور, وقال الضحاك: يجمع بين ناصيته وقدميه في سلسلة من وراء ظهره, وقال السدي: يجمع بين ناصية الكافر وقدميه فتربط ناصيته بقدمه ويفتل ظهره. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع, حدثنا معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يعني جده, أخبرني عبد الرحمن, حدثني رجل من كندة قال: أتيت عائشة فدخلت عليها وبيني وبينها حجاب فقلت: حدثك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يأتي عليه ساعة لا يملك فيها لأحد شفاعة ؟ قالت: نعم لقد سألته عن هذا وأنا وهو في شعار واحد قال: "نعم حين يوضع الصراط لا أملك لأحد فيها شفاعة حتى أعلم أين يسلك بي, ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه حتى أنظر ماذا يفعل بي ـ أو قال يوحى ـ وعند الجسر حين يستحد ويستحر فقالت: وما يستحد وما يستحر ؟ قال يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف, ويستحر حتى يكون مثل الجمرة, فأما المؤمن فيجوزه لا يضره, وأما المنافق فيتعلق حتى إذا بلغ أوسطه خر من قدميه فيهوي بيديه إلى قدميه ـ قالت: فهل رأيت من يسعى حافياً فتأخذه شوكة حتى تكاد تنفذ قدميه, فإنه كذلك يهوي بيده ورأسه إلى قدميه فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه, فتقذفه في جهنم فيهوي فيها مقدار خمسين عاماً ـ قلت: ما ثقل الرجل ؟ قالت: ثقل عشر خلقات سمان فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام". هذا حديث غريب جداً, وفيه ألفاظ منكر رفعها, وفي الإسناد من لم يسم ومثله لا يحتج به, والله أعلم.
وقوله تعالى: "هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون" أي هذه النار التي كنتم تكذبون بوجودها, هاهي حاضرة تشاهدونها عياناً, يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتصغيراً وتحقيراً. وقوله تعالى: "يطوفون بينها وبين حميم آن" أي تارة يعذبون في الجحيم وتارة يسقون من الحميم, وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب يقطع الأمعاء والأحشاء, وهذه كقوله تعالى: " إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون ".
وقوله تعالى: "آن" أي حار قد بلغ الغاية في الحرارة لا يستطاع من شدة ذلك, قال ابن عباس في قوله: "يطوفون بينها وبين حميم آن" أي قد انتهى غليه واشتد حره, وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك والحسن والثوري والسدي وقال قتادة: قد آن طبخه منذ خلق الله السموات والأرض, وقال محمد بن كعب القرظي: يؤخذ العبد فيحرك بناصيته في ذلك الحميم حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس وهي كالتي يقول الله تعالى: "في الحميم ثم في النار يسجرون" والحميم الان يعني الحار, وعن القرظي رواية أخرى "حميم آن" أي حاضر وهو قول ابن زيد أيضاً, والحاضر لا ينافي ماروي عن القرظي أولاً أنه الحار كقوله تعالى: "تسقى من عين آنية" أي حارة شديدة الحر لا تستطاع, وكقوله: "غير ناظرين إناه" يعني استواءه ونضجه فقوله: "حميم آن" أي حميم حار جداً. ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه, وكان إنذاره لهم عن عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك قال ممتناً بذلك على بريته " فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
42- "فبأي آلاء ربكما تكذبان" فإن من جملتها هذا الترهيب الشديد والوعيد البالغ الذي ترجف له القلوب وتضطرب لهوله الأحشاء.
42. " فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
42-" فبأي آلاء ربكما تكذبان " .
42. Which is it, of the favors of your Lord, that ye deny?
42 - Then which of the favours of your Lord will ye deny?