43 - (استكبارا في الأرض) عن الإيمان مفعول له (ومكر) العمل (السيء) من الشرك وغيره (ولا يحيق) يحيط (المكر السيء إلا بأهله) وهو الماكر وصف المكر بالسيء أصل وإضافته إليه قبل استعمال آخر قدر فيه مضاف حذرا من الإضافة إلى الصفة (فهل ينظرون) ينتظرون (إلا سنة الأولين) سنة الله فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم رسلهم (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) أي لا يبدل بالعذاب غيره ولا يحول إلى غير مستحقه
قوله " استكبارا في الأرض " يقول: نفروا استكباراً في الأرض، وخدعة سيئة، وذلك أنهم صدوا الضعفاء عن اتباعه مع كفرهم به، والمكر ها هنا: هو الشرك.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ومكر السيئ " وهو الشرك، وأضيف المكر إلى السيء، والسيء من نعت المكر، كما قيل: ( إن هذا لهو حق اليقين) ( الواقعة: 95) وقيل: إن ذلك في قراءة عبد الله ( ومكرا سيئا)، وفي ذلك تحقيق القول الذي قلناه من أن السيء في المعنى من نعت المكر وقرأ ذلك قراء الأمصار غير الأعمش وحمزة بهمزة محركة بالخفض. وقرأ ذلك الأعمش وحمزة بهمزة وتسكين الهمزة اعتلالاً منهما بأن الحركات لما كثرت في ذلك ثقل، فسكنا الهمزة، كما قال الشاعر:
إذا اعوججن قلت صاحب قوم
فسكن الباء، لكثرة الحركات.
والصواب من القراءة ما عليه قراء الأمصار من تحريك الهمزة فيه إلى الخفض، وغير جائز في القرآن أن يقرأ بكل ما جاز في العربية، لأن القراءة إنما هي ما قرأت به الأئمة الماضية، وجاء به السلف على النحو الذي أخذوا عمن قبلهم.
وقوله " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " يقول: ولا ينزل المكر السيء إلا بأهله، يعني بالذين يمكرونه، وإنما عنى أنه لا يحل مكروه ذلك المكر الذي مكره هؤلاء المشركون إلا بهم.
وقال قتادة في ذلك ما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " وهو الشرك.
وقوله " فهل ينظرون إلا سنة الأولين " يقول تعالى ذكره: فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا سنة الله بهم في عاجل الدنيا على كفرهم به أليم العقاب. يقول: فهل ينتظرون هؤلاء إلا أن أحل بهم من نقمتي على شركهم بي وتكذيبهم رسولي مثل الذي أحللت بمن قبلهم من أشكالهم من الأمم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " فهل ينظرون إلا سنة الأولين ": أي عقوبة الأولين " فلن تجد لسنة الله تبديلا " يقول: فلن تجد يا محمد لسنة الله تغييراً.
وقوله " ولن تجد لسنة الله تحويلا " يقول: ولن تجد لسنة الله في خلقه تبديلاً: يقول: لن يغير ذلك، ولا يبدله، لأنه لا مرد لقضائه.
" استكبارا " أي عتوا عن الإيمان " ومكر السيئ " أي مكر العمل السيئ وهو الكفر وخدع الضعفاء ، وصدهم عن الإيمان ليكثر أتباهم . وأنث (( من إحدى الأمم )) لتأنيث أمة ، قاله الأخفش . وقرأ حمزة و الأخفش (( ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء )) فحذف الإعراب من الأول وأثبته في الثاني . قال الزجاج : وهو لحن ، وإنما صار لحنا لأنه حذف الإعراب منه . وزعم المبرد أنه لا يجوز في كلام ولا في شعر ، لأن حركات الإعراب لا يجوز حذفها ، لأنها دخلت للفرق بين المعاني . وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش على جلالته ومحله يقرأ بهذا ، قال : إنما كان يقف عليه ، فغلط من أدى عنه ، قال : والدليل على هذا أنه تمام الكلام ، وأن الثاني لما لم يكن تمام الكلام أعرب باتفاق ، والحركة في الثاني أثقل منها في الأول لأنها ضمة بين كسرتين . وقد احتج بعض النحويين لـ حمزة في هذا بقول سيبويه ، وأنه أنشد هو وغيره :
إذا اعوججن قلت صاحب قوم
وقال الآخر :
فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغل
وهذا لا حجة فيه ، لأن سيبويه لم يجزه ، وإنما حكاه عن بعض النحويين ، والحديث إذا قيل فيه عن بعض العلماء لم يكن فيه حجة ، فكيف وإنما جاء به على وجه الشذوذ ولضرورة الشعر وقد خولف فيه . وزعم الزجاج أن أبا العباس أنشده :
إذا اعوججن قلت صاح قوم
وأنه أنشد :
فاليوم اشرب غير مستحقب
بوصل الألف على الأمر ، ذكر جميعه النحاس . الزمخشري : وقرأ حمزة (( ومكر السيء )) بسكون الهمزة ، وذلك لاستثقاله الحركات ، ولعله اختلس فظن سكونا ، أو وقف وقفة خفيفة ثم ابتدأ (( ولا يحيق )) . وقرأ ابن مسعود (( ومكرا سيئا )) . وقال المهدوي : ومن سكن الهمزة من قوله : " ومكر السيئ " فهو على تقدير الوقف عليه ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ، أو علىأنه أسكن الهمزة لتوالي الكسرات والياءات ، كما قال :
فاليوم اشرب غير مستحقب
قال القشيري : وقرأ حمزة (( ومكر السيء )) بسكون الهمزة ، وخطأه أقوام . وقال قوم : لعله وقف عليه لأنه تمام الكلام ، فغلط الراوي وروي ذلك عنه في الإدراج ، وقد سبق الكلام في أمثال هذا ، وقلنا : ماثبت بالاستفاضة أو التواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأه فلا بد من جوازه ، ولا يجوز أن يقال : إنه لحن ، ولعل مراد من صار إلى التخطئة أن غيره أفصح منه ، وإن كان هو فصيحا . " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " أي لا ينزل عاقبة الشرك إلا بمن أشرك . وقيل : هذا إشارة إلى قتلهم ببدر .
وقال الشاعر :
وقد دفعوا المنية فاستقلت ذراعا بعد ما كانت تحيق
أي تنزل ، وهذا قول قطرب . وقال الكلبي : (( يحيق )) بمعنى يحيط . والحوق الإحاطة ، يقال : حاق به كذا أي أحاط به . وعن ابن عباس أن كعبا قال له : إني أجد في التوراة (( من حفر لأخيه حفرة وقع فيها ؟ فقال ابن عباس : فإني أوجدك في القرآن ذلك . قال : وأين ؟ قال : فاقرأ (( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله )) . وفي أمثال العرب (( من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا )) و" روى الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تمكر ولا تعن ماكرا فإن الله تعالى يقول : " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " ، ولا تبغ ولا تعن باغيا فإن الله تعالى يقول : " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " وقال تعالى : " إنما بغيكم على أنفسكم " " وقال بعض الحكماء :
يا أيها الظالم في فعله والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى تحصي المصائب وتنسى النعم
وفي الحديث : " المكر والخديعة في النار " . فقوله : " في النار " يعني في الآخرة تدخل أصحابها في النار ، لأنها من أخلاق الكفار لا من أخلاق المؤمنين الأخيار ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في سياق هذا الحديث : " وليس من أخلاق المؤمن المكر والخديعة والخيانة " . وفي هذا أبلغ تحذير عن التخلق بهذه الأخلاق الذميمة ، والخروج عن أخلاق الإيمان الكريمة .
قوله تعالى : " فهل ينظرون إلا سنة الأولين " أي إنما ينتظرون العذاب الذي نزل بالكفار الأولين . " فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا " أي أجرى الله العذاب على الكفار ، ويجعل ذلك سنة فيهم ، فهو يعذب بمثله من استحقه ، لايقدر أحد أن يبدل ذلك ، ولا أن يحول العذاب عن نفسه إلى غيره . والسنة الطريقة ،والجمع سنن .وقد مضى في (( آل عمران )) وأضافها إلى الله عز وجل . وقال في موضع آخر : " سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا " فأضاف إلى القوم لتعلق الأمر بالجانبين ، وهو كالأجل ، تارة يضاف إلى الله ، وتارة إلى القوم ، قال الله تعالى : " فإن أجل الله لآت " وقال : " فإذا جاء أجلهم "
يخبر تعالى عن قريش والعرب, أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم قبل إرسال الرسول إليهم "لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم", أي من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل, قاله الضحاك وغيره كقوله تعالى: " أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها " وكقوله تعالى: " وإن كانوا ليقولون * لو أن عندنا ذكرا من الأولين * لكنا عباد الله المخلصين * فكفروا به فسوف يعلمون " قال الله تعالى: "فلما جاءهم نذير" وهو محمد صلى الله عليه وسلم بما أنزل معه من الكتاب العظيم, وهو القرآن المبين "ما زادهم إلا نفوراً" أي ما ازدادوا إلا كفراً إلى كفرهم, ثم بين ذلك بقوله: "استكباراً في الأرض" أي: استكبروا عن اتباع آيات الله " ومكر السيئ " أي ومكروا بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " أي وما يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم.
قال ابن أبي حاتم : ذكر علي بن الحسين , حدثنا ابن أبي عمر , حدثنا سفيان عن أبي زكريا الكوفي عن رجل حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياك ومكر السيء, فإنه لايحيق المكر السيء إلا بأهله, ولهم من الله طالب" وقال محمد بن كعب القرظي : ثلاث من فعلهن لم ينج حتى ينزل به: من مكر أو بغى أو نكث, وتصديقها في كتاب الله تعالى: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " "إنما بغيكم على أنفسكم" " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " وقوله عز وجل: "فهل ينظرون إلا سنة الأولين" يعني عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره "ولن تجد لسنة الله تبديلاً" أي لاتغير ولا تبدل, بل هي جارية كذلك في كل مكذب "ولن تجد لسنة الله تحويلاً" أي "وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له" ولا يكشف ذلك عنهم ويحوله عنهم أحد, والله أعلم.
43- "استكباراً في الأرض" أي لأجل الاستكبار والعتو "و" لأجل " ومكر السيئ " أي مكر العمل السيء، أو مكروا المكر السيء، والمكر هو الحيلة والخداع والعمل القبيح، وأضيف إلى صفته كقوله: مسجد الجامع، وصلاة الأولى وأنث إحدى لكون أمة مؤنة كما قال الأخفش. وقيل المعنى: من إحدى الأمم على العموم، وقيل من الأمم التي يقال لها إحدى الأمم تفضيلاً لها. قرأ الجمهور " ومكر السيئ " بخفض همزة السيء، وقرأ الأعمش وحمزة بسكونها وصلاً. وقد غلط كثير من النحاة هذه القراءة، ونزهوا الأعمش على جلالته أن يقرأ بها، قالوا: وإنما كان يقف بالسكون، فغلط من روى عنه أنه كان يقرأ بالسكون وصلاً، وتوجيه هذه القراءة ممكن، بأن من قرأ بها أجرى الوصل مجرى الوقف كما في قول الشاعر:
فاليوم أشرب غير مستحقب إثماً من الله ولا واغل
بسكون الباء من أشرب، ومثله قراءة من قرأ "وما يشعركم" بسكون الراء، ومثل ذلك قراءة أبي عمرو "إلى بارئكم" بسكون الهمزة، وغير ذلك كثير. قال أبو علي الفارسي: هذا على إجراء الوصل مجرى الوقف، وقرأ ابن مسعود ومكراً سيئاً " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " أي لا تنزل عاقبة السوء إلا بمن أساء. قال الكلبي: يحيق بمعنى يحيط، والحوق الإحاطة، يقال حاق به كذا إذا أحاط به وهذا هو الظاهر من معنى يحيق في لغة العرب، ولكن قطرب فسره هنا بينزل، وأنشد:
وقد رفعوا المنية فاستقلت ذراعاً بعد ما كانت تحيق
أي تنزل "فهل ينظرون إلا سنة الأولين" أي فهل ينتظرون إلا سنة الأولين: أي سنة الله فيهم بأن ينزل بهؤلاء العذاب كما نزل بأولئك "فلن تجد لسنة الله تبديلاً" أي لا يقدر أحد أن يبدل سنة الله التي سنها بالأمم المكذبة من إنزال عذابه بهم بأن يضع موضعه غيره بدلاً عنه "ولن تجد لسنة الله تحويلاً" بأن يحول ما جرت به سنة الله من العذاب فيدفعه عنهم ويضعه على غيرهم، ونفي وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفي وجودهما.
43- "استكباراً في الأرض"، نصب استكباراً على البدل من النفور، " ومكر السيئ "، يعني: العمل القبيح، أضيف المكر إلى صفته، قال الكلبي: هو اجتماعهم على الشرك وقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ حمزة: مكر السيء ساكنة الهمزة تخفيفاً، وهي قراءة الأعمش، " ولا يحيق المكر السيئ "، أي: لا يحل ولا يحيط المكر السيء، "إلا بأهله"، فقتلوا يوم بدر، وقال ابن عباس: عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك. والمعنى: وبال مكرهم راجع إليهم، "فهل ينظرون"، ينتظرون، "إلا سنة الأولين"، إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مضى من الكفار، "فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً".
43 -" استكباراً في الأرض " بدل من نفوراً أو مفعول له . " ومكر السيئ " أصله وإن مكروا المكر السيئ فحذف الموصوف استغناء بوصفه ، ثم بدل أن مع الفعل بالمصدر ، ثم أضيف . وقرأ حمزة وحده بسكون الهمزة في الوصل . " ولا يحيق " ولا يحيط . " المكر السيئ إلا بأهله " وهو الماكر وقد حاق بهم يوم بدر ، وقرئ " ولا يحيق المكر " أي ولا يحيق الله . " فهل ينظرون " ينتظرون . " إلا سنة الأولين " سنة الله فيهم بتعذيب مكذبيهم . " فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا " إذ لا يبدلها بجعله غير التعذيب تعذيباً ولا يحولها بأن ينقله من المكذبين إلى غيرهم ، وقوله :
44. Have they not travelled in the land and seen the nature of the consequence for those who were before them, and they were mightier than these in power? Allah is not such that aught in the heavens or in the earth escapeth Him. Lo! He is the Wise, the Mighty.
44 - Do they not travel through the earth, and see what was the End of those before them, though they were superior to them in strength? Nor is God to be frustrated by anything whatever in the heavens or on earth: for He is All Knowing, All Powerful