44 - (قالوا) هذه (أضغاث) أخلاط (أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين)
قال ابو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال الملأ الذين سألهم ملك مصر عن تعبر رؤياه : رؤياك هذه "أضغاث أحلام" ، يعنون : أنها أخلاط ، رؤيا كاذبة لا حقيقة لها .
وهي جمع ضغث ، و الضغث أصله الحزمة من الحشيش ، يشبه بها الأحلام المختلطة التي لا تأويل لها ،و الأحلام ، جمع حلم ، وهو ما لم يصدق من الرؤيا . ومن الأضغاث قول ابن مقبل :
خود كأن فراشها وضعت به أضغاث ريحان غداة شمال
ومنه قول الآخر :
يحمي ذمار جنين قل مانعه طاو كضغث الخلا في البطن مكتمن
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ،عن ابن عباس قوله : "أضغاث أحلام" ، يقول : مشتبهة .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ،عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "أضغاث أحلام" ، كاذبة .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : لما قص الملك رؤياه التي رأى على أصحابه ، قالوا : "أضغاث أحلام" ، أي فعل الأحلام .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ،عن معمر ، عن قتادة : "أضغاث أحلام" ، قال : أخلاط أحلام ، "وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين" .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي مرزوق ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : "أضغاث أحلام" ، كاذبة .
قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : "قالوا أضغاث" ، قال : كذب .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "أضغاث أحلام" ، هي الأحلام الكاذبة .
وقوله : "وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين" ، يقول : وما نحن بما تؤول إليه الأحلام الكاذبة بعالمين .
و الباء الأولى في التأويل من صلة العالمين ، والتي في العالمين الباء التي تدخل في الخبر مع ما التي بمعنى الجحد ، ورفع "أضغاث أحلام" ، لأن معنى الكلام :ليس هذه الرؤيا بشيء ، إنما هي أضغاث أحلام .
فيه مسألتنان:
الأولى: قوله تعالى: " أضغاث أحلام " قال الفراء: ويجوز ( أضغاث أحلام) قال النحاس : النصب بعيد، لأن المعنى: لم تر شيئاً له تأويل، إنما هي أضغاث أحلام، أي أخلاط. وواحد الأضغاث ضغث، يقال لكل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما ضغث، قال الشاعر:
كضغث حلم غر منه حالمه
" وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين " قال الزجاج: المعنى بتأويل الأحلام المختلطة، نفوا عن أنفسهم علم ما لا تأويل له، لا أنهم نفوا عن أنفسهم علم التأويل. وقيل: نفوا عن أنفسهم علم التعبير. والأضغاث على هذا الجماعات من الرؤيا التي منها صحيحة ومنها باطلة، ولهذا قال الساقي: ( أنا أنبئكم بتأويله) فعلم أن القوم عجزوا عن التأويل، لا أنهم ادعوا ألا تأويل لها. وقيل: إنهم لم يقصدوا تفسيراً، وإنما أرادوا محوها من صدر الملك حتى لا تشغل باله، وعلى هذا أيضاً فعندهم علم. و( الأحلام) جمع حلم، والحلم بالضم ما يراه النائم، تقول منه: حلم بالفتح واحتلم، وتقول: حلمت بكذا وحلمته، قال:
فحلمتها وبنو رفيدة دونها لا يبعدن خيالها المحلوم
أصله الأناة، ومنه الحلم ضد الطيش، فقيل لما يرى في النوم حلم لأن النوم حالة أناة وسكون ودعة.
الثانية: في الآية دليل على بطلان قول من يقول: إن الرؤيا على أول ما تعبر، لأن القوم قالوا: " أضغاث أحلام " ولم تقع كذلك، فإن يوسف فسرها على سني الجدب والخصب، فكان كما عبر، وفيها دليل على فساد أن الرؤيا على رجل طائر، فإذا عبرت وقعت.
هذه الرؤيا من ملك مصر مما قدر الله تعالى أنها كانت سبباً لخروج يوسف عليه السلام من السجن, معززاً مكرماً, وذلك أن الملك رأى هذه الرؤيا, فهالته وتعجب من أمرها وما يكون تفسيرها, فجمع الكهنة والحذاة وكبار دولته وأمراءه فقص عليهم ما رأى وسألهم عن تأويلها, فلم يعرفوا ذلك, واعتذروا إليه بأنها "أضغاث أحلام" أي أخلاط أحلام اقتضته رؤياك هذه "وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين" أي لو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط لما كان لنا معرفة بتأويلها, وهو تعبيرها, فعند ذلك تذكر الذي نجا من ذينك الفتيين اللذين كانا في السجن مع يوسف, وكان الشيطان قد أنساه ما وصاه به يوسف من ذكر أمره للملك, فعند ذلك تذكر بعد أمة, أي مدة, وقرأ بعضهم بعد أمه أي بعد نسيان, فقال لهم, أي للملك والذين جمعهم لذلك "أنا أنبئكم بتأويله" أي بتأويل هذا المنام, "فأرسلون" أي فابعثون إلى يوسف الصديق إلى السجن, ومعنى الكلام فبعثوه فجاءه, فقال: "يوسف أيها الصديق أفتنا" وذكر المنام الذي رآه الملك, فعند ذلك ذكر له يوسف عليه السلام تعبيرها من غير تعنيف للفتى في نسيانه ما وصاه به, ومن غير اشتراط للخروج قبل ذلك, بل قال: "تزرعون سبع سنين دأباً" أي يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متواليات ففسر البقر بالسنين لأنها تثير الأرض التي تستغل منها الثمرات والزروع, وهن السنبلات الخضر, ثم أرشدهم إلى ما يعتدونه في تلك السنين, فقال "فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون" أي مهما استغللتم في هذه السبع السنين الخصب, فادخروه في سنبله ليكون أبقى له وأبعد عن إسراع الفساد إليه إلا المقدار الذي تأكلونه, وليكن قليلاً قليلاً, لا تسرفوا فيه لتنتفعوا في السبع الشداد, وهن السبع السنين المحل التي تعقب هذه السبع المتواليات, وهن البقرات العجاف اللاتي تأكل السمان, لأن سني الجدب يؤكل فيها ما جمعوه في سني الخصب, وهن السنبلات اليابسات, وأخبرهم أنهن لا ينبتن شيئاً, وما بذروه فلا يرجعون منه إلى شيء, ولهذا قال: "يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون" ثم بشرهم بعد الجدب العام المتوالي بأنه يعقبهم بعد ذلك عام فيه يغاث الناس, أي يأتيهم الغيث وهو المطر وتغل البلاد, ويعصر الناس ما كانوا يعصرون على عادتهم من زيت ونحوه, وسكر ونحوه, حتى قال بعضهم: يدخل فيه حلب اللبن أيضاً. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وفيه يعصرون" يحلبون.
وجملة 44- "قالوا أضغاث أحلام" مستأنفة جواب سؤال مقدر، والأضغاث جمع ضغث، وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما، والمعنى: أخاليط أحلام جمع حلم: وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها كما يكون من حديث النفس ووسواس الشيطان، والإضافة بمعنى من، وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلا رؤيا واحدة مبالغة منهم في وصفها بالبطلان، ويجوز أن يكون رأى مع هذه الرؤيا غيرها مما لم يقصه الله علينا "وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين" قال الزجاج: المعنى بتأويل الأحلام المختلطة، نفوا عن أنفسم علم ما لا تأويل له، لا مطلق العلم بالتأويل، وقيل إنهما نفوا عن أنفسهم علم التعبير مطلقاً ولم يدعوا أنه لا تأويل لهذه الرؤيا، وقيل إنهم قصدوا محوها من صدر الملك حتى لا يشتغل بها، ولم يكن ما ذكروه من نفي العلم حقيقة .
44-"قالوا أضغاث أحلام"، أخلاط أحلام مشتبهة، أهاويل، واحدها ضغث، وأصله الحزمة من أنواع الحشيش، والأحلام جمع الحلم، وهو الرؤيا، والفعل منه حلمت أحلم، بفتح اللام في الماضي وضمها في الغابر، حلما وحلما، مثقلا ومخففا. "وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين".
44."قالوا أضغاث أحلام" أي هذه أضغاث أحلام وهي تخاليطها جمع ضغث وأصله ما جمع من أخلاط النبات وحزم فاستعير للرؤيا الكاذبة ، وإنما جمعوا للمبالغة في وصف الحلم بالبطلان كقولهم : فلان يركب الخيل ، أو لتضمنه أشياء مختلفة . "وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين" يريدون بالأحلام المنامات الباطلة خاصة أي ليس لها تأويل عندنا ،وإنما التأويل للمنامات الصادقة فهو كأنه مقدمة ثانية للعذر فيجهلهم بتأويله.
44. They answered: Jumbled dreams! And we are not knowing in the interpretation of dreams.
44 - They said: A confused medley of dreams: and we are not skilled in the interpretation of dreams.