45 - (قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا) أي يعجل بالعقوبة (أو أن يطغى) علينا أي يتكبر
وقوله "قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا" يقول تعالى ذكره : قال موسى وهارون : ربنا إننا نخاف فرعون إن نحن دعوناه إلى ما أمرتنا أن ندعوه إليه ، أن يعجل علينا بالعقوبة، وهو من قولهم : فرط مني إلى فلان أمر: إذا سبق منه ذلك إليه ، ومنه : فارط القوم وهو المتعجل المتقدم أمامهم إلى الماء أو المنزل كما قال الراجز:
قد فرط العلج علينا وعجل
وأما الإفراط : فهو الإسراف والإشطاط وا لتعدي. يقال منه : أفرطت في قولك: إذا أسرف فيه وتعدى.
وأما التفريط : فإنه التواني. يقال منه : فرطت في هذا الأمر حتى فات : إذا توانى فيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "أن يفرط علينا" قال : عقوبة منه.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى" قال : نخاف أن يعجل علينا إذ نبلغه كلامك أو أمرك ، يفرط ويعجل وقرأ "لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى".
قوله تعالى: " قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى " قال الضحاك : " يفرط " يعجل. قال: و " يطغى " يعتدي. النحاس : التقدير نخاف أن يفرط علينا منه أمر، قال الفراء : فرط منه أمر أي بدر، قال: وأفرط أسرف. قال: وفرط ترك وقراءة الجمهور " يفرط " بفتح الياء وضم الراء، ومعناه يعجل ويبادر بعقوبتنا. يقال: فرط مني أمر أي بدر، ومنه الفارط في الماء الذي يتقدم القوم إلى الماء. أي يعذبنا عذاب الفارط في الذنب وهو المتقدم فيه، قاله المبرد. وقرأت فرقة منهم ابن محيصن " يفرط " بفتح الياء والراء، قال المهدوي : ولعلها لغة. وعنه أيضاً بضم الياء وفتح الراء ومعناها أن يحمله حامل على التسرع إلينا. وقرأت طائفة " يفرط " بضم الياء وكسر الراء، وبها قرأ ابن عباس و مجاهد وعكرمة و ابن محيصن أيضاً. ومعناه يشطط في أذيتنا، قال الراجز:
قد أفرط العلج علينا وعجل
يقول تعالى إخباراً عن موسى وهارون عليهما السلام, أنهما قالا متسجيرين بالله تعالى شاكيين إليه: "إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى" يعنيان أن يبدر إليهما بعقوبة أو يعتدي عليهما, فيعاقبهما وهما لا يستحقان منه ذلك. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أن يفرط يعجل. وقال مجاهد : يبسط علينا. وقال الضحاك عن ابن عباس أو أن يطغى: يعتدي "قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى" أي لا تخافا منه, فإنني معكما أسمع كلامكما وكلامه, وأرى مكانكما ومكانه, لا يخفى علي من أمركم شيء, واعلما أن ناصيته بيدي, فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري, وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا علي بن محمد الطنافسي , حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة , عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: لما بعث الله عز وجل موسى إلى فرعون قال: رب أي شيء أقول ؟ قال: قل هيا شراهيا. قال الأعمش : فسر ذلك: أنا الحي قبل كل شيء والحي بعد كل شيء, إسناده جيد, وشيء غريب "فأتياه فقولا إنا رسولا ربك" قد تقدم في حديث الفتون عن ابن عباس أنه قال: مكثا على بابه حيناً لا يؤذن لهما حتى أذن لهما بعد حجاب شديد.
وذكر محمد بن إسحاق بن يسار أن موسى وأخاه هارون خرجا فوقفا بباب فرعون يلتمسان الإذن عليه, وهما يقولان: إنا رسولا رب العالمين فآذنوا بنا هذا الرجل, فمكثا فيما بلغني سنتين يغدوان ويروحان لا يعلم بهما ولا يجترىء أحد على أن يخبره بشأنهما حتى دخل عليه بطال له يلاعبه ويضحكه, فقال له: أيها الملك إن على بابك رجلاً يقول قولاً عجيباً يزعم أن له إلهاً غيرك أرسله إليك. قال ببابي ؟ قال: نعم, قال: أدخلوه, فدخل ومعه أخوه هارون وفي يده عصاه, فلما وقف على فرعون قال: إني رسول رب العالمين, فعرفه فرعون, وذكر السدي أنه لما قدم بلاد مصر ضاف أمه وأخاه, وهما لا يعرفانه, وكان طعامهما ليلتئذ الطفيل وهو اللفت, ثم عرفاه وسلما عليه, فقال له موسى: يا هارون إن ربي قد أمرني أن آتي هذا الرجل فرعون فأدعوه إلى الله وأمرك أن تعاونني. قال: افعل ما أمرك ربك, فذهبا وكان ذلك ليلاً, فضرب موسى باب القصر بعصاه فسمع فرعون, فغضب وقال: من يجترىء على هذا الصنيع الشديد, فأخبره السدنة والبوابون بأن ههنا رجلاً مجنوناً يقول إنه رسول الله, فقال علي به, فلما وقفا بين يديه قالا وقال لهما ما ذكر الله في كتابه.
وقوله: "قد جئناك بآية من ربك" أي بدلالة ومعجزة من ربك "والسلام على من اتبع الهدى" أي والسلام عليك إن اتبعت الهدى, ولهذا لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم كتاباً كان أوله "بسم الله الرحمن الرحمن, من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم, سلام على من اتبع الهدى, أما بعد, فإني أدعوك بدعاية الإسلام, فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين" وكذلك لما كتب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً صورته من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله, سلام عليك, أما بعد فإني قد أشركتك في الأمر, فلك المدر ولي الوبر, ولكن قريشاً قوم يعتدون, فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم "من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب, سلام على من اتبع الهدى, أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" ولهذا قال موسى وهارون عليهما السلام لفرعون " والسلام على من اتبع الهدى * إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى " أي قد أخبرنا الله فيما أوحاه إلينا من الوحي المعصوم أن العذاب متمحض لمن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته, كما قال تعالى: " فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى " وقال تعالى: "فأنذرتكم ناراً تلظى * لا يصلاها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى" وقال تعالى: " فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى " أي كذب بقلبه, وتولى بفعله.
قرأ الجمهور 45- "أن يفرط" بفتح الياء وضم الراء، ومعنى ذلك: أننا نخاف أن يجعل ويبادر بقعوبتنا، يقال فرط منه أمر: أي بدر، ومنه الفارط، وهو الذي يتقدم القوم إلى الماء: أي يعذبنا عذاب الفارط في الذنب، وهو المتقدم فيه، كذا قال المبرد. وقال أيضاً: فرد منه أمر وأفرط: أسرف، وفرط: ترك. وقرأ ابن محيصن يفرط بضم الياء وفتح الراء: أي يحمله حامل على التسرع إلينا، وقرأت طائفة بضم الياء وكسر الراء، ومنهم ابن عباس مجاهد وعكرمة من الإفراط: أي يشتط في أذيتنا. قال الراجز:
قد أفرط العلج علينا وعجل
ومعنى "أو أن يطغى" قد تقدم قريباً.
45. " قالا "، يعني موسى وهارون: " ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا "، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعجل علينا بالقتل والعقوبة، يقال: فرط عليه فلان إذا عجل بمكروه، وفرط منه أمر أي بدر وسبق، " أو أن يطغى "، أي يجاوز الحد في الإساءة إلينا.
45ـ " قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا " أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى تمام الدعوة وإظهار المعجزة ، من فرط إذا تقدم ومنه الفارط وفرس فرط يسبق الخيل . وقرئ " يفرط " من أفرطته إذا حملته على العجلة ، أي نخاف أن يحمله حامل من استكبار أو خوف على الملك أو شيطان إنسي أو جني على المعالجة بالعقاب ، و " يفرط " من الإفراط في الأذية . " أو أن يطغى " أو أن يزداد طغياناً فيتخطى إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجراءته و قساوته وإطلاقه من حسن الأدب .
45. They said: Our Lord! Lo! we fear that he may be beforehand with us or that he may play the tyrant.
45 - They (Moses and Aaron) said: our Lord! we fear lest He hasten with insolence against us, or lest he transgress all bounds.