45 - (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم) من عذاب الدنيا كغيركم (وما خلفكم) من عذاب الآخرة (لعلكم ترحمون) أعرضوا
يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله، المكذبين رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم: ( احذروا ما مضى بين أيديكم من نقم الله ومثلاته بمن حل ذلك به من الأمم قبلكم أن يحل مثله بكم بشرككم وتكذيبكم رسوله " وما خلفكم " يقول: وما بعد هلاككم ما أنتم لاقوه إن هلكتم على كفركم الذي أنتم عليه " لعلكم ترحمون " يقول: ليرحمكم ربكم إن أنتم حذرتم ذلك، واتقيتموه بالتوبة من شرككم والإيمان به، ولزوم طاعته فيما أوجب عليكم من فرائضه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: " وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم ": وقائع الله فيمن خلا قبلهم من الأمم وما خلفهم من أمر الساعة.
وكان مجاهد يقول في ذلك ما:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: " ما بين أيديكم " قال: ما مضى من ذنوبهم. وهذا القول قريب المعنى من القول الذي قلنا، لأن معناه: اتقوا عقوبة ما بين أيديكم من ذنوبكم، وما خلفكم مما تعملون من الذنوب ولم تعملوه بعد، فذلك بعد تخويف لهم العقاب على كفرهم.
قوله تعالى : " وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم " قال قتادة : يعني < اتقوا ما بين أيديكم > أي من الوقائع فيمن كان قبلكم من الأمم ، < وما خلفكم > من الآخرة . ابن عباس و ابن جبير و مجاهد : < ما بين أيديكم > ما مضى من الذنوب ، < وما خلفكم > ما يأتي من الذنوب . الحسن : < ما بين أيديكم > ما مضى من أجلكم < وما خلفكم > ما بقي منه . وقيل : < ما بين أيديكم > من الدنيا ، < وما خلفكم > من عذاب الآخرة ، قاله سفيان . وحكى عكس هذا القول الثعلبي عن ابن عباس . قال : < ما بين أيديكم > من أمر الآخرة وما عملوا لها ، و < ما خلفكم > من أمر الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها . وقيل : < ما بين أيديكم > ما ظهر لكم < وما خلفكم > ما خفي عنكم . والجواب محذوف ، والتقدير : إذا قيل لهم ذلك أعرضوا ، دليله قوله بعد : " وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " فاكتفى بهذا عن ذلك .
يقول تعالى مخبراً عن تمادي المشركين في غيهم وضلالهم وعدم اكتراثهم بذنوبهم التي أسلفوها, وما يستقبلون بين أيديهم يوم القيامة "وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم" قال مجاهد : من الذنوب, وقال غيره بالعكس, "لعلكم ترحمون" أي لعل الله باتقائكم ذلك يرحمكم ويؤمنكم من عذابه, وتقدير الكلام أنهم لا يجيبون إلى ذلك بل يعرضون عنه, واكتفى عن ذلك بقوله تعالى: "وما تأتيهم من آية من آيات ربهم" أي على التوحيد وصدق الرسل "إلا كانوا عنها معرضين" أي لا يتأملونها ولا يقبلونها ولا ينتفعون بها.
وقوله عز وجل: "وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله" أي إذا أمروا بالإنفاق مما رزقهم الله على الفقراء والمحاويج من المسلمين "قال الذين كفروا للذين آمنوا" أي عن الذين آمنوا من الفقراء أي قالوا لمن أمرهم من المؤمنين بالإنفاق محاجين لهم فيما أمروهم به"أنطعم من لو يشاء الله أطعمه" أي هؤلاء الذين أمرتمونا بالإنفاق عليهم لو شاء الله لأغناهم ولأطعمهم من رزقه, فنحن نوافق مشيئة الله تعالى فيهم "إن أنتم إلا في ضلال مبين" أي في أمركم لنا بذلك. قال ابن جرير : يحتمل أن يكون من قول الله عز وجل للكفار حين ناظروا المؤمنين وردوا عليهم, فقال لهم: "إن أنتم إلا في ضلال مبين" وفي هذا نظر, والله أعلم.
45- "وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم" أي ما بين أيديكم من الآفات والنوازل فإنها محيطة بكم، وما خلفكم منها. قال قتادة معنى "اتقوا ما بين أيديكم" أي من الوقائع فيمن كان قبلكم من الأمم "وما خلفكم" في الآخرة. وقال سعيد بن جبير ومجاهد "ما بين أيديكم" ما مضى من الذنوب "وما خلفكم" ما بقي منها. وقيل "ما بين أيديكم" الدنيا "وما خلفكم" الآخرة، قاله سفيان. وحكى عكس هذا القول الثعلبي عن ابن عباس. وقيل "ما بين أيديكم" ما ظهر لكم "وما خلفكم" ما خفي عنكم، وجواب إذا محذوف، والتقدير: إذا قيل لهم ذلك أعرضوا كما يدل عليه "إلا كانوا عنها معرضين" "لعلكم ترحمون" أي رجاء أن ترحموا، أو كي ترحموا، أو راجين أن ترحموا.
45. " وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم "، قال ابن عباس: (( ما بين أيديكم )) يعني الآخرة، فاعملوا لها، (( وما خلفكم )) يعني الدنيا، فاحذروها، ولا تغتروا بها.
وقيل: (( ما بين أيديكم )) وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأمم، (( وما خلفكم )) عذاب الآخرة، وهو قول قتادة و مقاتل .
" لعلكم ترحمون "، والجواب محذوف تقديره: إذا قيل لهم هذا أعرضوا عنه، دليله ما بعده:
45 -" وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم " الوقائع التي خلت أو العذاب المعد في الآخرة ، أو نوازل السماء ونوائب الأرض كقوله : " أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض " أو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة أو عكسه ، أو ما تقدم من الذنوب وما تأخر . " لعلكم ترحمون " لتكونوا راجين رحمة الله ، وجواب إذا محذوف دل عليه قوله :
45. When it is said unto them: Beware of that which is before you and that which is behind you, that haply ye may find mercy (they are heedless).
45 - When they are told, fear ye that which is before you and that which will be after you, in order that ye may receive Mercy, (they turn back).