47 - (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده) بإنزال العذاب فأنزله يوم بدر (وإن يوما عند ربك) من أيام الآخرة بسبب العذاب (كألف سنة مما تعدون) بالتاء والياء في الدنيا
يقول تعالى ذكره : و يستعجلونك يا محمد مشركو قومك ، بما تعدهم من عذاب الله على شركهم به ، و تكذيبهم إياك فيما أتيتهم به من عند الله في الدنيا ، و لن يخلف الله وعده الذي وعدك فيهم ، من إحلال عذابه و نقمته بهم ي عاجل الدنيا ، ففعل ذلك ، ووفى لهم بما وعدهم ، فقتلهم يوم بدر .
و اختلف أهل التأويل في اليوم الذي قال جل ثناؤه : " وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون "
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ،قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، " و إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون " قال:من الأيام التي خلق الله فيها السماوات و الأرض .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله " و إن يوما عند ربك " . . . الآية ، قال: هي مثل قوله في آلم تنزيل سواء ، هو هو الآية .
و قال آخرون : بل هو من أيام الآخرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سماك ، عن عكرمة ،عن ابن عباس ، قال : مقدار الحساب يوم القيامة ألف سنة .
حدثني يعقوب ،قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا ابن علية ، قال : ثنا سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ،عن سمير بن نهار ، قال : قال أبو هريرة : يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بمقدار نصف يوم ، قلت : وما نصف يوم ؟ قال: أو ما تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى ، قال :" وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون"
حدثنا ابن بشار ،قال : ثني عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن مجاهد : " وإن يوما عند ربك كألف سنة " قال:من أيام الآخرة .
حدثنا محمد بن المثنى ،قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة ، أنه قال في هذه الآية : " وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون " قال : هذه أيام الآخرة . و في قوله : " ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " السجدة : 5 ، قال : يوم القيامة ، و قرأ : " إنهم يرونه بعيدا * و نراه قريبا " المعارج : 6- 7 .
و قد اختلف في وجه صرف الكلام من الخبر عن استعجال الذين استعجلوا العذاب إلى الخبر عن طول اليوم عند الله ، فقال بعضهم : إن القوم استعجلوا العذاب في الدنيا ، فأنزل الله : " ولن يخلف الله وعده " في أن ينزل ما وعدهم من العذاب في الدنيا ، و إن يوما عند ربك من عذابهم في الدنيا و الآخرة ، كألف سنة مما تعدون في الدنيا .
و قال آخرون : قيل ذلك كذلك إعلاما من الله مستعجليه العذاب ، أنه لا يعجل ، ولكنه يمهل إلى أجل أجله ، و أن البطيء عندهم قريب عنده ، فقال لهم : مقدار اليوم عندي ألف سنة مما تعدونه أنتم أيها القوم من أيامكم ، و هو عتدكم بطيء ، و عو عندي قريب .
و قال آخرون : معنى ذلك : و إن يوما من الثقل و ما يخاف كألف سنة .
و القول الثاني عندي أشبه بالحق في ذلك ، و ذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن استعجال المشركين رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعذاب ، ثم أخبر عن مبلغ قدر اليوم عنده ، ثم أتبع ذلك قوله : " وكأين من قرية أمليت لها و هي ظالمة " فأخبر عن إملائه أهل القرية الظالمة ، و تركه معاجلتهم بالعذاب ، فبين بذلك أنه عنى بقوله : " و إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون " فني العجلة عن نفسه ، ووصفها بالأناة و الانتظار . و إذ من عددكم ، و ليس ذلك عنده ببعيد ، و هو عندكم بعيد ، فلذلك لا يعجل بعقوبة من أراد عقوبته ، حتى يبلغ غاية مدته .
قوله تعالى: " ويستعجلونك بالعذاب " نزلت في النضر بن الحارث، وهو قوله: " فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين " [الأحقاف: 22].وقيل: نزلت في أبي جهل بن هشام، وهو قوله: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " [ الأنفال: 32]. " ولن يخلف الله وعده " أي في إنزال العذاب. قال الزجاج : استعجلوا العذاب فأعلمهم الله أنه لا يفوته شيء، وقد نزل بهم في الدنيا يوم بدر.
قوله تعالى: " وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون " قال ابن عباس و مجاهد : يعني من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض. عكرمة: يعني من أيام الآخرة، أعلمهم الله إذا استعجلوه بالعذاب في أيام قصيرة أنه يأتيهم به في أيام طويلة. قال الفراء : هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة، أي يوم من أيام عذابهم في الآخرة ألف سنة. وقيل: المعنى وإن يوماً في الخوف والشدة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة، وكذلك يوم النعيم قياساً. وقرأ ابن كثير وحمزة و الكسائي مما يعدون بالياء المثناة تحت، واختاره أبو عبيد لقوله: " ويستعجلونك ". والباقون بالتاء على الخطاب، واختاره أبو حاتم.
يقول تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: "ويستعجلونك بالعذاب" أي هؤلاء الكفار الملحدون المكذبون بالله وكتابه ورسوله واليوم الاخر, كما قال تعالى: "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" "وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب". وقوله: "ولن يخلف الله وعده" أي الذي قد وعد من إقامة الساعة والإنتقام من أعدائه, والإكرام لأوليائه. قال الأصمعي : كنت عند أبي عمرو بن العلاء , فجاءه عمرو بن عبيد فقال : يا أبا عمرو , هل يخلف الله الميعاد ؟ فقال: لا, فذكر آية وعيد, فقال له: أمن العجم أنت ؟ إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤماً, وعن الإيعاد كرماً, أما سمعت قول الشاعر:
ليرهب ابن العم والجار سطوتي ولا أنثني عن سطوة المتهدد
فإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
- وقوله: "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون" أي هو تعالى لا يعجل, فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حلمه, لعلمه بأنه على الانتقام قادر, وأنه لا يفوته شيء وإن أجل وأنظر وأملى, ولهذا قال بعد هذا: "وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير" قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة , حدثني عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمسمائة عام" ورواه الترمذي والنسائي من حديث الثوري عن محمد بن عمرو به, وقال الترمذي : حسن صحيح. وقد رواه ابن جرير عن أبي هريرة موقوفاً فقال: حدثني يعقوب , حدثنا ابن علية , حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن سمير بن نهار قال: قال أبو هريرة : " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بمقدار نصف يوم, قلت: وما مقدار نصف يوم ؟ قال أو ما تقرأ القرآن ؟ قلت, بلى, قال: "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون " " .
وقال أبو داود في آخر كتاب الملاحم من سننه: حدثنا عمرو بن عثمان , حدثنا أبو المغيرة , حدثنا صفوان عن شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم" قيل لسعد : وما نصف يوم ؟ قال: خمسمائة سنة. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان , حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن سماك , عن عكرمة عن ابن عباس "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون" قال: من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض. ورواه ابن جرير عن ابن بشار عن ابن المهدي , وبه قال مجاهد وعكرمة , ونص عليه أحمد بن حنبل في كتاب الرد على الجهمية, وقال مجاهد : هذه الاية كقوله: "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عارم محمد بن الفضل , حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين , عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال: إن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون" وجعل أجل الدنيا ستة أيام, وجعل الساعة في اليوم السابع "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون". فقد مضت الستة الأيام وأنتم في اليوم السابع فمثل ذلك كمثل الحامل إذا دخلت شهرها ففي أية لحظة ولدت كان تماماً.
ثم حكى سبحانه عن هؤلاء ما كانوا عليه من التكذيب والاستهزاء فقال: 47- "ويستعجلونك بالعذاب" لأنهم كانوا منكرين لمجيئه أشد إنكار، فاستعجالهم له هو على طريقة الاستهزاء والسخرية، وكأنهم كانوا يقولون ذلك عند سماعهم لما تقوله الأنبياء عن الله سبحانه من الوعد منه عز وجل بوقوعه عليهم وحلوله بهم، ولهذا قال: "ولن يخلف الله وعده" قال الفراء: في هذه الآية وعيد لهم بالعذاب في الدنيا والآخرة. وذكر الزجاج وجهاً آخر فقال: أعلم أن الله لا يفوته شيء، وإن يوماً عنده وألف سنة في قدرته واحد، ولا فرق بين وقوع ما يستعجلونه به من العذاب وتأخره في القدرة، إلا أن الله تفضل بالإمهال انتهى، ومحل جملة: ولن يخلف الله وعده النصب على الحال: أي والحال أنه لا يخلف وعده أبداً، وقد سبق الوعد فلا بد من مجيئه حتماً، أو هي اعتراضية مبينة لما قبلها، وعلى الأول تكون جملة "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون" مستأنفة، وعلى الثاني تكون معطوفة على الجملة التي قبلها مسوقة لبيان حالهم في الاستعجال، وخطابهم في ذلك ببيان كما حلمه لكون المدة القصيرة عنده كالمدة الطويلة عندهم كما في قوله: " إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا " قال الفراء: هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة: أي يوم من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة. وقيل المعنى: وإن يوماً من الخوف والشدة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة، وكذلك يوم النعيم قياساً. قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " ما يعبدون " بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله: "ويستعجلونك" وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب، واختارها أبو حاتم.
47. " ويستعجلونك بالعذاب "، نزلت في النضر بن الحارث حيث قال: إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء. " ولن يخلف الله وعده "، فأنجز ذلك يوم بدر. " وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون "، قرأ ابن كثير و حمزة و الكسائي : ((يعدون)) بالياء هاهنا لقوله: " يستعجلونك "، وقرأ الباقون: بالتاء لأنه أعم، لأنه خطاب للمستعجلين والمؤمنين، واتفقوا في تنزيل ((السجدة)) أنه بالتاء.
قال ابن عباس: يعني يوماً من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض.
وقال مجاهد و عكرمة : يوماً من أيام الآخرة، والدليل عليه ما روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم، وذلك مقدار خمسمائة سنة ".
قال ابن زيد : (( وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون )) هذه أيام الآخرة. وقوله: (( كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون )) يوم القيامة. والمعنى على هذا: أنهم يستعجلون بالعذاب، وإن يوماً من أيام عذابهم في الآخرة ألف سنة.
وقيل: معناه وإن يوماً من أيام العذاب الذي استعجلوه في الثقل والاستطالة والشدة كألف سنة مما تعدون، فكيف تستعجلونه؟ هذا كما يقال: أيام الهموم طوال، وأيام السرور قصار.
وقيل: معناه إن يوماً عنده وألف سنة في الإمهال سواء، لأنه قادر متى شاء أخذهم لا يفوته شيء بالتأخير، فيستوي في قدرته وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء .
47ـ " ويستعجلونك بالعذاب " المتوعد به . " ولن يخلف الله وعده " لامتناع الخلف في خبره فيصيبهم ما أوعدهم به ولو بعد حين لكنه صبور لا يعجل بالعقوبة . " وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون " بيان لتناهي صبره وتأنيه حتى استقصر المدد الطوال ، أو لتمادي عذابه وطول أيامه حقيقة ، أو من حيث إن أيام الشدائد مستطالة ، وقرأ ابن كثير و حمزة و الكسائي بالياء .
47. And they will bid thee hasten on the Doom, and Allah faileth not His promise, but lo! a Day with Allah is as a the sand years of what ye reckon.
47 - Yet they ask thee To hasten on the Punishment! But God will not fail In His promise. Verily A Day in the sight of thy Lord Is like a thousand years Of your reckoning.