47 - (فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) مطيعون خاضعون
يقول تعالى ذكره : فقال فرعون وملؤه " أنؤمن لبشرين مثلنا " فنتبعها " وقومهما " من بني إسرائيل " لنا عابدون " يعنون أنهم لهم مطيعون متذللون ، يأتمرون لأمرهم ، ويدينون لهم ، والعرب تسمي كل من دان لملك عابدا له . ومن ذلك قيل لأهل الحيرة : العباد ، لأنهم كانوا أهل طاعة لملوك العجم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قال فرعون " أنؤمن لبشرين مثلنا " نذهب نرفعهم فوقنا ، ونكون تحتهم ، ونحن اليوم فوقهم وهم تحتنا ، كيف نصنع ذلك ؟ وذلك حين أتوهم بالرسالة ، وقرأ " وتكون لكما الكبرياء في الأرض " يونس : 78 قال : العلو في الأرض .
" فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا " الآية، تقدم أيضاً.
يخبر تعالى أنه بعث رسوله موسى عليه السلام وأخاه هارون إلى فرعون وملئه بالايات والحجج الدامغات والبراهين القاطعات, وأن فرعون وقومه استكبروا عن اتباعهما والانقياد لأمرهما لكونهما بشرين, كما أنكرت الأمم الماضية بعثة الرسل من البشر, تشابهت قلوبهم فأهلك الله فرعون وملأه, وأغرقهم في يوم واحد أجمعين, وأنزل على موسى الكتاب وهو التوراة, فيها أحكامه وأوامره ونواهيه, وذلك بعد أن قصم الله فرعون والقبط وأخذهم أخذ عزيز مقتدر, وبعد أن أنزل الله التوراة لم يهلك أمة بعامة بل أمر المؤمنين بقتال الكافرين, كما قال تعالى: "ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون".
وجملة 47- "فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا" معطوفة على جملة "استكبروا" وما بينهما اعتراض، والاستفهام للإنكار: أي كيف نصدق من كان مثلنا في البشرية، والبشر يطلق على الواحد كقوله: "بشراً سوياً" كما يطلق على الجمع كمغا في قوله: "فإما ترين من البشر أحدا" فتثنيته هنا هي باعتبار المعنى الأول، وأفرد المثل لأنه في حكم المصدر، ومعنى "وقومهما لنا عابدون" أنهم مطيعون لهم منقادون لما يأمرونهم به كانقياد العبيد. قال المبرد: العابد المطيع الخاضع. قال أبو عبيدة: العرب تسمي كل من دان لملك عابداً له، وقيل يحتمل أنه كان يدعي الإلهية فدعى الناس إلى عبادته فأطاعوه، واللام في لنا متعلقة بعابدون، قدمت عليه لرعاية الفواصل، والجملة حالية.
47. " فقالوا "، يعني فرعون وقومه، " أنؤمن لبشرين مثلنا "، يعني: موسى وهارون، " وقومهما لنا عابدون "، مطيعون متذللون، والعرب تسمي كل من دان للملك: عابداً له.
47ـ " فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا " ثنى البشر لأنه يطلق للواحد كقوله " بشراً سوياً " كما يطلق للجمع كقوله : " فإما ترين من البشر أحداً " ولم يثن المثل لأنه في حكم المصدر ، وهذه القصص كما نرى تشهد بأن قصارى شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء على أحوالهم لما بينهم من المماثلة في الحقيقة وفساده يظهر للمستبصر بأدنى تأمل ، فإن النفوس البشرية وإن تشاركت في أصل القوى والإدراك لكنها متباينة الأقدام فيهما ، وكما ترى في جانب النقصان أغبياء لا يعود عليهم الفكر برادة ، يمكن أن يكون في طرف الزيادة أغنياء عن التفكر والتعلم في أكثر الأشياء وأغلب الأحوال ، فيدركون ما لا يدرك غيرهم ويعلمون ما لا ينتهي إليه علمهم ، وإليه أشار بقوله تعالى : " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد " . " وقومهما " يعني بني إسرائيل . " لنا عابدون " خادمون منقادون كالعباد .
47. And they said: Shall we put faith in two mortals like ourselves, and whose folk are servile unto us?
47 - They said: Shall we believe in two men like ourselves? And their people are subject to us!