47 - (وإذا صرفت أبصارهم) أي أصحاب الأعراف (تلقاء) جهة (أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا) في النار (مع القوم الظالمين)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإذا صرفت أبصار أصحاب الأعراف تلقاء أصحاب النار يعني : حيالهم ووجاههم فنظروا إلى تشويه الله لهم ، " قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين " ، الذين ظلموا أنفسهم ، فاكسبوها من سخطك ما أورثهم من عذابك ما هم فيه .
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : وإذا مروا بهم يعني باصحاب الأعراف بزمرة يذهب بها إلى النار، قالوا : " ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين " .
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم ، قالوا : " ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين " .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي مكين ، عن أخيه ، عن عكرمة : " وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار" ، قال : تحرد وجوههم للنار فإذا رأوا أهل الجنة ذهب ذلك عنهم .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار" ، فرأوا وجوههم مسودة، وأعينهم مزرقة، " قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" ، .
قوله تعالى: "وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار" أي جهة اللقاء وهي جهة المقابلة. ولم يأت مصدر على تفعال غير حرفين: تلقاء وتبيان. والباقي بالفتح، مثل تسيار وتهمام وتذكار. وأما الاسم بالكسر فيه فكثير، مثل تقصار وتمثال. "قالوا" أي قال أصحاب الأعراف. "ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" سألوا الله ألا يجعلهم معهم، وقد علموا أنه لا يجعلهم معهم. فهذا على سبيل التذلل، كما يقول أهل الجنة: "ربنا أتمم لنا نورنا" [التحريم: 8] ويقولون: الحمد لله. على سبيل الشكر لله عز وجل. ولهم في ذلك لذة.
لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار نبه أن بين الجنة والنار حجاباً وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة, قال ابن جرير: وهو السور الذي قال الله تعالى فيه: "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب" وهو الأعراف. الذي قال الله تعالى فيه: "وعلى الأعراف رجال" ثم روى بإسناده عن السدي أنه قال في قوله تعالى: "وبينهما حجاب" وهو السور وهو الأعراف وقال مجاهد الأعراف حجاب بين الجنة والنار سور له باب , قال ابن جرير: والأعراف جمع عرف وكل مرتفع من الأرض عند العرب يسمى عرفاً, وإنما قيل لعرف الديك عرفاً لارتفاعه.
وحدثنا سفيان بن وكيع, حدثنا ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد, سمع ابن عباس يقول: الأعراف هو الشيء المشرف. وقال الثوري عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال: الأعراف سور كعرف الديك. وفي رواية عن ابن عباس: الأعراف جمع تل بين الجنة والنار حبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار, وفي رواية عنه هو سور بين الجنة والنار. وكذا قال الضحاك وغير واحد من علماء التفسير. وقال السدي: إنما سمي الأعراف أعرافاً لأن أصحابه يعرفون الناس, واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم ؟ وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم, نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله, وقد جاء في حديث مرفوع رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الله بن إسماعيل حدثنا عبيد بن الحسين حدثنا سليمان بن داود حدثنا النعمان بن عبد السلام حدثنا شيخ لنا يقال له أبو عباد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناته وسيئاته فقال "أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون" وهذا حديث غريب من هذا الوجه.
ورواه من وجه آخر عن سعيد بن سلمة عن أبي الحسام عن محمد بن المنكدر عن رجل من مزينة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناته وسيئاته فقال "إنهم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم فقتلوا في سبيل الله" وقال سعيد بن منصور: حدثنا أبو معشر حدثنا يحيى بن شبل عن يحيى بن عبد الرحمن المزني عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف قال "هم ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم ومنعهم من النار قتلهم في سبيل الله" ورواه ابن مردويه وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن أبي معشر به, وكذا رواه ابن ماجه مرفوعاً من حديث أبي سعيد الخدري وابن عباس, والله أعلم بصحة هذه الأخبار المرفوعة, وقصاراها أن تكون موقوفة وفيه دلالة على ما ذكر. وقال ابن جرير حدثني يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن الشعبي عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف قال فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة وخلفت بهم حسناتهم عن النار, قال فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم, وقد رواه من وجه آخر أبسط من هذا فقال حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال: قال الشعبي أرسل إلي عبد الحميد بن عبد الرحمن وعنده أبو الزناد عبد الله ابن ذكوان مولى قريش فإذا هما قد ذكرا من أصحاب الأعراف ذكراً ليس كما ذكرا فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة فقالا هات فقلت إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: هم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة "وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال لهم اذهبوا فادخوا الجنة فإني قد غفرت لكم.
وقال عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي قال: قال سعيد بن جبير وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود قال: يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ثم قرأ قول الله: " فمن ثقلت موازينه " الايتين, ثم قال: الميزان يخف بمثقال حبة, ويرجح قال: ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا سلام عليكم وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظروا أهل النار "قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" تعوذوا بالله من منازلهم قال: فأما أصحاب الحسنات فإنهم يعطون نوراً يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ويعطى كل عبد يومئذ نوراً وكل أمة نوراً فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قالوا "ربنا أتمم لنا نورنا" وأما أصحاب الأعراف فإن النور كان بأيديهم فلم ينزع فهنالك يقول الله تعالى: "لم يدخلوها وهم يطمعون" فكان الطمع دخولاً.
قال: فقال ابن مسعود: إن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة ثم يقول: هلك من غلبت آحاده عشراته. رواه ابن جرير وقال أيضاً: حدثني ابن وكيع وابن حميد قالا: حدثنا جرير عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال: الأعراف السور الذي بين الجنة والنار وأصحاب الأعراف بذلك المكان حتى إذا بدا الله أن يعافيهم انطلق بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة حافتاه قصب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم وتبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها حتى إذا صلحت ألوانهم أتى بهم الرحمن تبارك وتعالى فقال: تمنوا ما شئتم, فيتمنون حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعون ضعفاً, فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها يسمون مساكين أهل الجنة, وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن يحيى بن المغيرة عن جرير به, وقد رواه سفيان الثوري, عن حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد وعن عبد الله بن الحارث من قوله وهذا أصح والله أعلم. وهكذا روي عن مجاهد والضحاك وغير واحد وقال سعيد بن داود: حدثني جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف قال "هم آخر من يفصل بينهم من العباد فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد قال أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ولم تدخلوا الجنة فأنتم عتقائي فارعوا من الجنة حيث شئتم" وهذا مرسل حسن, وقيل هم أولاد الزنى حكاه القرطبي وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الوليد بن موسى عن شيبة بن عثمان عن عروة بن رويم عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب, فسألناه عن ثوابهم وعن مؤمنيهم فقال على الأعراف وليسوا في الجنة مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم فسألناه وما الأعراف ؟ فقال حائط الجنة تجري فيه الأنهار وتنبت فيه الأشجار والثمار وراه البيهقي عن ابن بشران عن علي بن محمد المصري عن يوسف بن يزيد عن الوليد بن موسى به.
وقال سفيان الثوري: عن خصيف عن مجاهد قال أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء, وقال ابن جرير, حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن سليمان التيمي عن أبي مجلز في قوله تعالى: "وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم" قال هم رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار قال " ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة " قال فيقال حين يدخل أهل الجنة الجنة "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" وهذا صحيح إلى أبي مجلز لاحق بن حميد أحد التابعين وهو غريب من قوله وخلاف الظاهر من السياق وقول الجمهور مقدم على قوله بدلالة الاية على ما ذهبوا إليه, وكذا قول مجاهد إنهم قوم صالحون علماء فقهاء فيه غرابة أيضاً, والله أعلم, وقد حكى القرطبي وغيره فيهم اثني عشر قولاً منها: أنهم شهدوا أنهم صلحاء تهرعوا من فزع الاخرة وخلق يطلعون على أخبار الناس وقيل هم أنبياء وقيل هم ملائكة. وقوله تعالى: "يعرفون كلاً بسيماهم" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يعرفون أهل الجنة ببياض الوجوه وأهل النار بسواد الوجوه وكذا روى الضحاك عنه, وقال العوفي عن ابن عباس أنزلهم الله تلك المنزلة ليعرفوا من في الجنة والنار وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه. ويتعوذوا بالله أن يجعلوهم مع القوم الظالمين وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها وهم داخلوها إن شاء الله, وكذا قال مجاهد والضحاك والسدي والحسن وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم.
وقال معمر عن الحسن إنه تلا هذه الاية "لم يدخلوها وهم يطمعون" قال والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم وقال قتادة, قد أنبأكم الله بمكانهم من الطمع, وقوله "وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" قال الضحاك عن ابن عباس إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. وقال السدي وإذا مروا بهم يعني بأصحاب الأعراف بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. وقال عكرمة تحدد وجوههم للنار فإذا رأوا أصحاب الجنة ذهب ذلك عنهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله "وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار" فرأوا وجوههم مسودة وأعينهم مزرقة "قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين".
قوله: 47- "وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار" أي إذا صرفت أبصار أهل الأعراف تلقاء أصحاب النار: أي جهة أصحاب، واصل معنى "تلقاء" جهة اللقاء، وهي جهة المقابلة ولم يأت مصدر على تفعال بكسر أوله غير مصدرين، أحدهما هذا، والآخر تبيان، وما عداهما بالفتح "قالوا" أي قال أهل الأعراف: "ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" سألوا الله أن لا يجعلهم منهم.
47-" وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار"، تعوذوا بالله، " قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين"، يعني: الكافرين في النار.
47. " وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا " نعوذ بالله . " ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين " أي في النار .
47. And when their eyes are turned toward the dwellers of the Fire, they say: Our Lord! Place us not with the wrongdoing folk.
47 - When their eyes shall be turned towards the companions of the fire, they will say: our Lord send us not to the company of the wrong doers.