48 - (ولا تطع الكافرين والمنافقين) فيما يخالف شريعتك (ودع) اترك (أذاهم) لا تجازهم عليه إلى أن تؤمر فيهم بأمر (وتوكل على الله) فهو كافيك (وكفى بالله وكيلا) مفوضا إليه
وقوله " ولا تطع الكافرين والمنافقين " يقول: ولا تطع لقول كافر ولا منافق، فتسمع منه دعاءه إياك إلى التقصير في تبليغ رسالات الله إلى من أرسلك بها إليه من خلقه " ودع أذاهم " يقول: وأعرض عن أذاهم لك، واصبر عليه، ولا يمنعك ذلك عن القيام بأمر الله في عباده، والنفوذ لكا كلفك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " ودع أذاهم " قال: أعرض عنهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ودع أذاهم ": أي اصبر على أذاهم.
وقوله " وتوكل على الله " يقول: وفوض إلى الله أمورك، وثق به، فإنه كافيك جميع من دونه، حتى يأتيك أمره وقضاؤه " وكفى بالله وكيلا " يقول: وحسبك بالله قيماً بأمورك، وحافظاً لك وكالئاً.
"ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً"
قال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود , حدثنا فليح بن سليمان , حدثنا هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما, فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة, قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً" وحرزاً للأميين, أنت عبدي ورسولي, سميتك المتوكل, لست بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق, ولا يدفع السيئة بالسيئة, ولكن يعفو ويصفح ويغفر, ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء, بأن يقولوا لا إله إلا الله, فيفتح بها أعيناً عمياً, وآذاناً صماً, وقلوباً غلفاً, وقد رواه البخاري في البيوع عن محمد بن سنان عن فليح بن سليمان عن هلال بن علي به. ورواه في التفسير عن عبد الله , قيل ابن رجاء , وقيل ابن صالح ,عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو به. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن عبد الله بن رجاء عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون به.
وقال البخاري في البيوع : وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه, وقال وهب بن منبه : إن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له شعياء: أن قم في قومك بني إسرائيل فإني منطق لسانك بوحي وأبعث أمياً من الأميين, أبعثه ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق, لو يمر إلى جنب سراج لم يطفئه من سكينته, ولو يمشي على القصب لم يسمع من تحت قدميه, أبعثه مبشراً ونذيراً لا يقول الخنا, أفتح به أعيناً كمهاً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً, أسدده لكل أمر جميل وأهب له كل خلق كريم, وأجعل السكينة لباسه, والبر شعاره, والتقوى ضميره, والحكمة منطقه, والصدق والوفاء طبيعته, والعفو والمعروف خلقه, والحق شريعته, والعدل سيرته والهدى إمامه, والإسلام ملته, وأحمد اسمه أهدي به بعد الضلال, وأعلم به بعد الجهالة, وأرفع به بعد الخمالة, وأعرف به بعد النكرة, وأكثر به بعد القلة, وأغني به بعد العيلة, وأجمع به بعد الفرقة, وأؤلف به بين أمم متفرقة وقلوب مختلفة, وأهواء متشتتة, وأستنقذ به فئاماً من الناس عظيمة من الهلكة, وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, موحدين مؤمنين مخلصين مصدقين لما جاءت به رسلي, ألهمهم التسبيح والتحميد, والثناء والتكبير والتوحيد, في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومنقلبهم ومثواهم يصلون لي قياناً وقعوداً ويقاتلون في سبيل الله صفوفاً وزحوفاً, ويخرجون من ديارهم ابتغاء مرضاتي ألوفاً, يطهرون الوجوه والأطراف ويشدون الثياب في الأنصاف, قربانهم دماؤهم, وأناجيلهم في صدورهم, رهبان بالليل ليوث بالنهار, وأجعل في أهل بيته, وذريته السابقين والصديقين والشهداء والصالحين, أمته من بعده يهدون بالحق وبه يعدلون, وأعز من نصرهم وأؤيد من دعا لهم, وأجعل دائرة السوء على من خالفهم, أو بغى عليهم أو أراد أن ينتزع شيئاً مما في أيديهم, أجعلهم ورثة لنبيهم, والداعية إلى ربهم, يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوفون بعهدهم أختم بهم الخير الذي بدأته بأولهم, ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم. هكذا رواه ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه اليماني رحمه الله.
ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عبد الرحمن بن صالح , حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي عن شيبان النحوي , أخبرني قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً" وقد كان أمر علياً ومعاذاً رضي الله عنهما أن يسيرا إلى اليمن فقال "انطلقا فبشرا ولا تنفرا, ويسرا ولا تعسرا, إنه قد أنزل علي "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً"" ورواه الطبراني عن محمد بن نصر بن حميد البزاز البغدادي , عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي , عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي بإسناده مثله, وقال في آخره "فإنه قد أنزل علي يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً على أمتك ومبشراً بالجنة ونذيراً من النار وداعياً إلى شهادة أن لا إله إلا الله بإذنه وسراجاً منيراً بالقرآن". فقوله تعالى: "شاهداً" أي لله بالوحدانية, وأنه لا إله غيره وعلى الناس بأعمالهم يوم القيامة وجئنا بك على هؤلاء شهيداً كقوله: "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً". وقوله عز وجل: "ومبشراً ونذيراً" أي بشيراً للمؤمنين بجزيل الثواب, ونذيراً للكافرين من وبيل العقاب. وقوله جلت عظمته: "وداعياً إلى الله بإذنه" أي داعياً للخلق إلى عبادة ربهم عن أمره لك بذلك "وسراجاً منيراً" أي وأمرك ظاهر فيما جئت به من الحق كالشمس في إشرافها وإضاءتها لا يجحدها إلا معاند. وقوله جل وعلا "ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم" أي لا تطعهم وتسمع منهم في الذي يقولونه "ودع أذاهم" أي اصفح وتجاوز عنهم, وكل أمرهم إلى الله تعالى, فإن فيه كفاية لهم, ولهذا قال جل جلاله: "وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً".
ثم نهاه سبحانه عن طاعة أعداء الدين فقال: 48- "ولا تطع الكافرين والمنافقين" أي لا تطعهم فيما يشيرون عليك به من المداهنة في الدين، وفي الآية تعريض لغيره من أمته لأنه صلى الله عليه وسلم معصوم عن طاعتهم في شيء مما يريدونه ويشيرون به عليه، وقد تقدم تفسير هذه الآية في أول السورة "ودع أذاهم" أي لا تبال بما يصدر منهم إليك من الأذى بسبب يصيبك في دين الله وشدتك على أعدائه، أو دع أن تؤذيهم مجازاة لهم على ما يفعلونه من الأذى لك، فالمصدر على الأول مضاف إلى الفاعل. وعلى الثاني مضاف إلى المفعول، وهي منسوخة بآية السيف "وتوكل على الله" في كل شؤونك "وكفى بالله وكيلاً" توكل إليه الأمور وتفوض إليه الشؤون، فمن فوض إليه أموره كفاه، ومن وكل إليه أحواله لم يحتج فيها إلى سواه.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "اذكروا الله ذكراً كثيراً" يوقل: لا يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها أجلاً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العضر غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه ولم يعذر أحد في تركه إلا مغلوباً على عقله، فقال: اذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم، بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، في الغنى والفقر، وفي الصحة والسقم، في السر والعلانية وعلى كل حال، وقال: "وسبحوه بكرةً وأصيلاً" إذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته قال الله: "هو الذي يصلي عليكم وملائكته".
وقد ورد في فضل الذكر والاستكثار منه أحاديث كثيرة وقد صنف في الأذكار المتعلقة بالليل والنهار جماعة من الأئمة كالنسائي والنووي والجزري وغيرهم، وقد نطقت الآيات القرآنية بفضل الذاكرين وفضيلة الذكر "ولذكر الله أكبر" وقد ورد أنه أفضل من الجهاد كما في حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد والترمذي والبيهقي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيراً، قلت: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون أفضل منه درجة". وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعا في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: ذكر الله عز وجل". وأخرجه أيضاً الترمذي وابن ماجه. وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً". وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون". وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذكروا الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون".
وورد في فضل التسبيح بخصوصه أحاديث ثابته في الصحيحين وغيرهما، فمن ذلك حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال في يوم مائة مرة سبحان الله وبحمده حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر". وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص قال "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيعجز أحدكم أن يكتسب في اليوم ألف حسنة؟ فقال رجل: كيف يكتسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف خطيئة". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذكر الموت وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن البراء بن عازب في قوله: "تحيتهم يوم يلقونه سلام" قال: يوم يلقون ملك الموت ليس من مؤمن يقبض روحه إلا سلم عليه. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال:" لما نزلت "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً". وقد كان أمر علياً ومعاذاً أن يسيرا إلى اليمن، فقال: انطلقا فبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، فإنها قد أنزلت علي " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " قال: شاهداً على أمتك، ومبشراً بالجنة، ونذيراً من النار، وداعياً إلى شهادة أن لا إله إلا الله "بإذنه وسراجاً منيراً" بالقرآن". وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفاته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا تجزي بالسيئة السيئة، ولكن تعفو وتصفح زاد أحمد ولن يقبضه الله حتى يقيم الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله، فيفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً. وقد ذكر البخاري في صحيحه في البيوع هذا الحديث فقال: وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن عبد الله بن سلام، ولم يقل عبد الله بن عمرو، وهذا أولى، فعبد الله بن سلام هو الذي كان يسأل عن التوراة فيخبر بما فيها.
48- "ولا تطع الكافرين والمنافقين"، ذكرنا تفسيره في أول السورة، "ودع أذاهم"، قال ابن عباس وقتادة: اصبر على أذاهم. وقال الزجاج: لا تجازهم عليه. وهذا منسوخ بآية القتال.
"وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً"، حافظاً.
48 -" ولا تطع الكافرين والمنافقين " تهييج له على ما هو عليه من مخالفتهم . " ودع أذاهم " إيذاءهم إياك ولا تحتفل به ، أو إيذاءك إياهم مجازاة أو مؤاخذة على كفرهم ، ولذلك قيل إنه منسوخ . " وتوكل على الله " فإنه يكفيكهم . " وكفى بالله وكيلاً " موكولاً إليه الأمر في الأحوال كلها ، ولعله سبحانه وتعالى لما وصفه بخمس صفات قابل كلا منها بخطاب يناسبه ، فحذف مقابل الشاهد وهو الأمر بالمراقبة لأن ما بعده كالتفصيل له ، وقابل المبشر بالأمر والسراج المنير بالاكتفاء به فإن من أناره الله برهاناً على جميع خلقه كان حقيقاً بأن يكتفى به عن غيره .
48. And incline not to the disbelievers and the hypocrites. Disregard their noxious talk, and put thy trust in Allah. Allah is sufficient as Trustee.
48 - And obey not (the behests) of the Unbelievers and the Hypocrites, and heed not their annoyances, but put thy trust in God. For enough is God as a Disposer of affairs.