5 - (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) مدة الدنيا (ثم يعرج) يرجع الأمر والتدبير (إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) في الدنيا وفي سورة سأل خمسين ألف سنة وهو يوم القيامة لشدة أهواله بالنسبة إلى الكافر وأما المؤمن فيكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا كما جاء في الحديث
يقول تعالى ذكره: الله هو الذي يدبر الأمر من أمر خلقه من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه.
واختلف أهل التأويل في المعني بقوله " ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " فقال بعضهم: معناه: أن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض، ويصعد من الأرض إلى السماء في يوم واحد، وقدر ذلك ألف سنة مما تعدون من أيام الدنيا، لأن ما بين الأرض إلى السماء خمس مئة عام، وما بين السماء إلى الأرض مثل ذلك، فذلك ألف سنة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو بن معروف، عن ليث، عن مجاهد " في يوم كان مقداره ألف سنة " يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد، وذلك مقداره ألف سنة، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمس مئة عام.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم " من أيامكم " كان مقداره ألف سنة مما تعدون " يقول: مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنة مما تعدون من أيامكم من أيام الدنيا، خمس مئة سنة نزوله وخمس مئة صعوده فذلك ألف سنة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك " ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " قال: تعرج الملائكة إلى السماء، ثم تنزل في يوم من أيامكم هذه، وهو مسيرة ألف سنة.
قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن سماك، عن عكرمة " ألف سنة مما تعدون " قال: من أيام الدنيا.
حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي الحارث، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم " من أيامكم هذه، مسيرة ما بين السماء إلى الأرض خمس مئة عام.
وذكر عن عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قال: تنحدر الأمور وتصعد من السماء إلى الأرض في يوم واحد، مقداره ألف سنة، خمس مئة حتى ينزل، وخمس مئة حتى يعرج.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه في يوم من الأيام الستة التي خلق الله فيهن الخلق، كان مقدار ذلك اليوم ألف سنة مما تعدون من أيامكم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس " ألف سنة مما تعدون " قال: ذلك مقدار المسير قوله ( كألف سنة مما تعدون) ( الحج: 47( قال: خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وكل يوم من هذه كألف سنة مما تعدون أنتم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس " في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " قال: الستة الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله " في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " يعني هذا اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيهن السماوات والأرض وما بينهما.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض بالملائكة، ثم تعرج إليه الملائكة، في يوم كان مقداره ألف سنة من أيام الدنيا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله " ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة " قال: هذا في الدنيا تعرج الملائكة إليه في يوم كان مقداره ألف سنة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة " في يوم كان مقداره ألف سنة " قال: ما بين السماء والأرض مسيرة ألف سنة مما تعدون من أيام الآخرة.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية " يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " قال: ما بين السماء والأرض مسيرة ألف سنة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض في يوم كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة مما تعدون من أيام الدنيا، ثم يعرج إليه ذلك التدبير الذي دبره.
ذكر من قال ذلك:
ذكر عن حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أنه قال: يقضي أمر كل شيء ألف سنة إلى الملائكة ثم كذلك حتى تمضي ألف سنة، ثم يقضي أمر كل شيء ألفاً، ثم كذلك أبداً، قال: يوم كان مقداره، قال: اليوم أن يقال لما يقضي إلى الملائكة ألف سنة، كن فيكون، ولكن سماه يوماً، سماه كما بينا. كل ذلك عن مجاهد، قال: وقوله: ( إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) ( الحج: 47) قتل: هو هو سواء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إلى الله في يوم كان مقداره ألف سنة، مقدار العروج ألف سنة مما تعدون.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " قال بعض أهل العلم، مقدار ما بين الأرض حين يعرج إليه إلى أن يبلغ عروجه ألف سنة، هذا مقدار ذلك المعراج في ذلك اليوم حين يعرج فيه.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معناه: يدبر الأمر من السماء إلا الأرض، ثم يعرج إليه في يوم، كان مقدار ذلك اليوم في عروج ذلك الأمر إليه، ونزوله إلى الأرض ألف سنة مما تعدون من أيامكم، خمس مئة في النزول، وخمس مئة في الصعود، لأن ذلك أظهر معانيه، وأشبهها بظاهر التنزيل.
قوله تعالى: "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض" قال ابن عباس: ينزل القضاء والقدر. وقيل: ينزل الوحي مع جبريل. وروى عمر بن مرة عن عبد الرحمن بن سابط قال: يدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل، وميكائيل، وملك الموت، وإسرافيل، صلوات الله عليهم أجميعن. فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود. وأما ميكائيل فموكل بالقطر والماء. وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح. وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم. وقد قيل: إن العرش موضع التدبير، كما أن ما دون العرش موضع التفصيل، قاله الله تعالى: "ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات" الرعد:2 وما دون السماوات موضع التصريف، قاله الله تعالى: "ولقد صرفناه بينهم ليذكروا" الفرقان:50 .
قوله تعالى: "ثم يعرج إليه" قال يحيى بن سلام: هو جبريل يصعد إلى السماء بعد نزوله بالوحي. النقاش: هو الملك الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض. وقيل: إنها أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع حملتها من الملائكة، قاله ابن شجرة. "في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون". وقيل: ثم يعرج إليه أي يرجع ذلك الأمر والتدبير إليه بعد انقضاء الدنيا "في يوم كان مقداره ألف سنة" وهو يوم القيامة. وعلى الأقوال المتقدمة فالكتابة في يعرج كناية عن الملك، ولم يجر له ذكر لأنه مفهوم من المعنى، وقد جاء صريحاً في سأل سائل قوله : "تعرج الملائكة والروح إليه" المعارج: 4 .
والضمير في إليه يعود على السماء على لغة من يذكرها، أو على مكان الملك الذي يرجع إليه، أو على اسم الله تعالى، والمراد إلى الموضع الذي أقره فيه، وإذا رجعت إلى الله فقد رجعت إلى السما، أي إلى سدرة المنتهى، فإنه إليها يرتفع ما يصعد به من الأرض ومنها ما ينزل ما يهبط به إليها، ثبت معنى ذلك في صحيح مسلم. والهاء في مقداره راجعة إلى التدبير، والمعنى: كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة من سني الدنيا، أي يقضي أمر كل شئ لألف سنة في يوم واحد، ثم يلقيه إلى ملائكته، فإذا مضت قضى لألف سنة أخرى، ثم كذلك أبداً، قاله مجاهد. وقيل: الهاء للعروج. وقيل: المعنى أنه يدبر أمر الدينا إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة . وقيل: المعنى يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع، في يوم كان مقداره في المسافة ألف سنة. وقال ابن عباس: المعنى كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة، لأن النزول خمسمائة والصعود خمسمائة. وروي ذلك عن جماعة من المفسرين، وهو اختيار الطبري، ذكره المهدوي. وهو معنى القول الأول. أي أن جبريل لسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم، ذكره الزمخشري. وذكر الماوردي عن ابن عباس والضحاك أن الملك يصعد في يوم مسيرة ألف سنة. وعن قتادة أن الملك ينزل ويصعد في يوم مقداره ألف سنة، فيكون مقدار نزوله خمسمائة سنة، ومقداره صعود خمسمائة على قول قتادة والسدي. وعلى قول ابن عباس والضحاك: النزول ألف سنة، والصعود ألف سنة. "مما تعدون" أي مما تحسبون من أيام الدينا. وهذا اليوم عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة من سني العالم، وليس بيوم يستوعب نهاراً بين ليلتين، لأن ذلك ليس عند الله. والعرب قد تعبر عن مدة العصر باليوم، كما قال الشاعر:
يومـان يوم مقامـات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تأويب
وليس يريد يومين مخصومين، وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين، فعبر كل واحد من الشطرين بيوم. وقرأ ابن أبي عبلة: يعرج على البناء للمفعول. وقرئ: يعدون بالياء. فأما قوله تعالى: "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" فمشكل مع هذه الآية. وقد سأل عبد الله بن فيروز الديلمي عبد الله بن عباس عن هذه الآية وعن قوله: "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" فقال: أيام سماها سبحانه، وما أدري ما هي ؟ فأكره أن أقول فيها ما لا علم . ثم سئل عنها سعيد بن المسيب فقال: لا أدري. فأخبرته بقول ابن عباس فقال ابن المسيب للسائل: هذا ابن عباس اتقى أن يقول فيها وهو أعلم مني. ثم تكلم العلماء في ذلك فقيل: إن آية سأل سائل هو إشارة إلى يوم القيامة، بخلاف هذه الآية. والمعنى: أن الله تعالى جعله في صعوبته على الكفار كخمسين ألف سنة، قاله ابن عباس. والعرب تصف أيام المكروه بالطول وأيام السرور بالقصر. قال:
ويوم كظل الرمح قصر طولـه دم الزق عنا واصطفـاف المـزاهر
وقيل: إن يوم القيامة فيه أيام، فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة. وقيل: أوقات القيامة مختلفة، فيعذب الكافر بجنس من العذاب ألف سنة، ثم ينتقل إلى جنس آخر مدته خسمون ألف سنة. وقيل: مواقف القيامة خمسون موقفاً، كل موقف ألف سنة. فمعنى: "يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة" أي مقدار وقت، أو موقف من يوم القيامة. وقال النحاس: اليوم في اللغة بمعنى الوقت، فالمعنى: تعرج الملائكة والروح إليه في وقت كان مقداره ألف سنة، وفي وقت كان مقداره ألف سنة، وفي وقت آخر كان مقداره خمسين ألف سنة. وعن وهب بن منبه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال: ما بين أسفل الأرض إلى العرش. وذكر الثعلبي عن مجاهد وقتادة والضحاك في قوله تعالى: "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" المعارج:4 أراد من الأرض إلى سدرة المنتهى التي فيها جبريل. يقول تعالى: يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدينا. وقوله: "إليه" يعني إلى المكان الذي أمرهم الله تعالى أن يعرجوا إليه. وهذا كقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: "إني ذاهب إلى ربي سيهدين" الصافات:99 أراد أرض الشام. وقال تعالى: "ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله" النساء:100 أي إلى المدينة. وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتاني ملك من ربي عز وجل برسالة ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى على الأرض لم يرفعها بعد".
يخبر تعالى أنه خالق للأشياء فخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام, ثم استوى على العرش, وقد تقدم الكلام على ذلك "ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع" أي بل هو المالك لأزمة الأمور, الخالق لكل شيء, المدبر لكل شيء, القادر على كل شيء, فلا ولي لخلقه سواه, ولا شفيع إلا من بعد إذنه "أفلا تتذكرون" يعني أيها العابدون غيره المتوكلون على من عداه, تعالى وتقدس وتنزه أن يكون له نظير أو شريك أو وزير أو نديد أو عديل, لا إله إلا هو ولا رب سواه.
وقد أورد النسائي ههنا حديثاً فقال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب , حدثني محمد بن الصباح , حدثنا أبو عبيدة الحداد , حدثنا الأخضر بن عجلان عن أبي جريج المكي عن عطاء عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فقال :إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام, ثم استوى على العرش في اليوم السابع, فخلق التربة يوم السبت, والجبال يوم الأحد, والشجر يوم الاثنين, والمكروه يوم الثلاثاء, والنور يوم الأربعاء, والدواب يوم الخميس, وآدم يوم الجمعة في آخر ساعة من النهار بعد العصر, وخلقه من أديم الأرض: أحمرها وأسودها وطيبها وخبيثها, من أجل ذلك جعل الله من بني آدم الطيب والخبيث" هكذا أورد هذا الحديث إسناداً ومتنا, وقد أخرج مسلم والنسائي أيضاً من حديث حجاج بن محمد الأعور , عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية , عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من هذا السياق وقد علله البخاري في كتاب التاريخ الكبير فقال: وقال بعضهم: أبو هريرة عن كعب الأحبار وهو أصح, وكذا علله غير واحد من الحفاظ, والله أعلم.
قوله تعالى: "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه" أي يتنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة, كما قال تعالى: " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن " الاية, وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا ومسافة ما بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة وسمك السماء خمسمائة سنة وقال مجاهد وقتادة والضحاك : النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام وصعوده في مسيرة خمسمائة عام, ولكنه يقطعها في طرفة عين, ولهذا قال تعالى: "في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون * ذلك عالم الغيب والشهادة" أي المدبر لهذه الأمور, الذي هو شهيد على أعمال عباده, يرفع إليه جليلها وحقيرها وصغيرها وكبيرها, هو العزيز الذي قد عز كل شيء فقهره وغلبه, ودانت له العباد والرقاب, الرحيم بعباده المؤمنين, فهو عزيز في رحمته رحيم في عزته.
5- " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض " لما بين سبحانه خلق السموات والأرض، والمعنى: ينزل أمره من أعلى السموات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة كما قال سبحانه: " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن " ومسافة ما بين سماء الدنيا والأرض التي تحتها نزولاً وطلوعاً ألف سنة من أيام الدنيا. وقيل المراد بالأمور المأمور به من الأعمال: أي ينزله مدبراً من السماء إلى الأرض. وقيل يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية من الملائكة وغيرها نازلة أحكامها وآثارها إلى الأرض. وقيل ينزل الوحي مع جبريل. وقيل العرش موضع التدبير كما أن ما دون العرش موضع التفصيل كما في قوله: "ثم استوى على" " العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات " وما دون السموات موضع التصرف. قال الله: "ولقد صرفناه بينهم ليذكروا" ثم لما ذكر سبحانه تدبير الأمر قال: "ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون" أي ثم يرجع ذلك الأمر ويعود ذلك التدبير إليه سبحانه في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا، وذلك باعتبار مسافة النزول من السماء والطلوع ن الأرض كما قدمنا. وقيل إن المراد أنه يعرج إليه في يوم القيامة الذي مقداره ألف سنة من أيام الدنيا، وذلك حين ينقطع أمر الدنيا ويموت من فيها. وقيل هي أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع من يرسله إليها من الملائكة، والمعنى: أنه يثبت ذلك عنده ويكتب في صحف ملائكته ما عمله أهل الأرض في كل وقت من الأوقات إلى أن تبلغ مدة الدنيا آخرها. وقيل معنى يعرج إليه: يثبت في علمه موجوداً بالفعل في برهة من الزمان هي مقدار ألف سنة، والمارد طول امتداد ما بين تدبير الحوادث وحدوثها من الزمان. وقيل يدبر أمر الحواديث اليومية بإثباتها في اللوح المحفوظ فتنزل بها الملائكة، ثم تعرج إليه في زمان هو كألف سنة من أيام الدنيا. وقيل يقضي قضاء ألف سنة فتنزل به الملائكة، ثم تعرج بعد الألف لألف آخر. وقيل المراد أن الأعمال التيهي طاعات يدبرها الله سبحانه وينزل بها ملائكته ثم لا يعرج إليها منها إلا الخالص بعد مدة متطاولة لقلة المخلصين من عباده. وقيل الضمير في يعرج يعود إليها منها إلا الخالص بعد مدة متطاولة لقلة المخلصين من عباده. وقيل الضمير في يعرج يعود إلى الملك وإن لم يجر له ذكر لأنه مفهوم من السياق، وقد جاء صريحاً في قوله: "تعرج الملائكة والروح إليه" والضمير في إليه يرجع إلى السماء على لغة من يذكرها، أو إلى مكان الملك الذي يرجع إليه وهو الذي أقره الله فيه. وقيل المعنى: يدبر أمر الشمس في طلوعها وغروبها ورجوعها إلى الله في ويم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة، لأن ما بين السماء والأرض مسافة خمسمائة عام، فمسافة النزول من السماء إلى الأرض والرجوع من الأرض إلى السماء ألف عام، وقد رجح هذا جماعة من المفسرين منهم ابن جرير. وقيل مسافة النزول ألف سنة ومسافة الطلوع ألف سنة، روي ذلك عن الضحاك. وهذا اليوم هو عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة، وليس المراد به مسمى اليوم الذي هو مدة النهار بين ليلتين، والعرب قد تعبر عن المدة باليوم كما قال الشاعر:
يومان يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تأديب
فإن الشاعر لم يرد يومين مخصوصين، وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين، فعبر عن كل واحد من الشطرين بيوم. قرأ الجمهور "يعرج" على البناء للفاعل. وقرأ ابن أبي عبلة على البناء للمفعول، والأصل يعرد به، ثم حذف حرف الجار فاستتر الضمير. وقد استشكر جماعة الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه: "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة". فقيل في الجواب إن يوم القيامة مقداره ألف سنة من أيام الدنيا، ولكنه باعتبار صعوبته وشدة أهواله على الكفار كخمسين ألف سنة، والعرب تصف كثيراً يوم المكروه بالطول كما تصف يوم السرور بالقصر كما قال الشاعر:
ويوم كظل الرمح قصر طوله دم الزق عنا واصطفاف المزاهر
وقول الآخر:
ويوم كإبهام القطة قطعته
وقيل إن يوم القيامة فيه أيام، فمنها ما مقداره ألف سنة، ومنها ما مقداره خمسون ألف سنة. وقيل هي أوقات مختلفة يعذب الكافر بنوع من أنواع العذاب ألف سنة، ثم ينقل إلى نوع آخر، فيعذب به خمسين ألف سنة. وقيل مواقف القيامة خمسون موقفاً كل موقف ألف سنة، فيكون معنى "يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة" أنه يعرج إليه في وقت من تلك الأوقات أو موقف من تلك المواقف. وحكى الثعلبي عن مجاهد وقتادة والضحاك أنه أراد سبحانه في قوله: "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" المسافة من الارض إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل، والمراد أنه يسير جبريل ومن معه من الملائكة في ذلك المقام إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة في مقدار يوم واحد من أيام الدنيا، وأراد بقوله: "في يوم كان مقداره ألف سنة" المسافة التي بين الأرض وبين سماء الدنيا هبوطاً وصعوداً فإنها مقدار ألف سنة من أيام الدنيا. وقيل إن ذلك إشارة إلى امتداد نفاذ الأمر، وذلك لأن من نفذ أمره غاية النفاذ في يوم أو يومين وانقطع لا يكون مثل من ينفذ أمره في سنين متطاولة، فقوله: "في يوم كان مقداره ألف سنة" يعني يدبر الأمر في زمان يوم منه ألف سنة. فكم يكون الشهر منه؟ وكم تكون السنة منه؟ وعلى هذا فلا فرق بين ألف سنة وبين خمسين ألف سنة. وقيل غير ذلك. وقد وقف حبر الأمة ابن عباس لما سئل عن الآيتين كما سيأتي في آخر البحث إن شاء الله. قرأ الجمهور "مما تعدون" بالفوقية على الخطاب، وقرأ الحسن والسلمي وابن وثاب والأعمش بالتحتية على الغيبة.
5- "يدبر الأمر"، أي: يحكم الأمر وينزل القضاء والقدر، "من السماء إلى الأرض"، وقيل: ينزل الوحي مع جبريل من السماء إلى الأرض، "ثم يعرج"، يصعد، "إليه"، جبريل بالأمر، "في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون"، أي: في يوم واحد من أيام الدنيا وقدر مسيرة ألف سنة، خمسمائة نزوله، وخمسمائة صعوده، لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام، يقول: لو سار فيه أحد بني آدم لم يقطعه إلا في ألف سنة، والملائكة يقطعونه في يوم واحد، هذا في وصف عروج الملك من الأرض إلى السماء، وأما قوله: "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" (المعارج-4)، أراد مدة المسافة بين الأرض إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل، يسير جبريل والملائكة والذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا. هذا كله معنى قول مجاهد والضحاك، وقوله: إليه أي: إلى الله. وقيل: على هذا التأويل، أي: إلى مكان الملك الذي أمره الله عز وجل أن يعرج إليه.
وقال بعضهم: ألف سنة وخمسون ألف سنة كلها في القيامة، يكون بعضهم أطول وعلى بعضهم أقصر، معناه: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا، ثم يعرج أي: يرجع الأمر والتدبير إليه بعد فناء الدنيا، وانقطاع أمر الأمراء وحكم الحكام في يوم كان مقداره ألف سنة، وهو يوم القيامة، وأما قوله: "خمسين ألف سنة" فإنه أراد على الكافر يجعل الله ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة، وعلى المؤمن دون ذلك حتى جاء في الحديث: "أنه يكون على المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا".
وقال إبراهيم النخعي: لا يكون على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر.
ويجوز أن يكون هذا إخباراً عن شدته وهوله ومشقته. وقال ابن أبي مليكة: دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على ابن عباس فسأله ابن فيروز عن هذه الآية وعن قوله خمسين ألف سنة؟ فقال له ابن عباس: أيام سماها الله لا أدري ما هي وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم.
5ـ " يدبر الأمر من السماء إلى الأرض " يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية كالملائكة وغيرها نازلة آثارها إلى الأرض . " ثم يعرج إليه " ثم يصعد إليه ويثبت في علمه موجوداً . " في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " في برهة من الزمان متطاولة يعني بذلك استطالة ما بن التدبير والوقوع . وقيل يدبر الأمر بإظهار في اللوح فينزل به الملك ثم يعرج إليه في زمان هم كألف سنة ، لأن مسافة نزوله وعروجه مسيرة ألف سنة فإن ما بين السماء ولأرض مسيرة خمسمائة سنة . وقيل يقضي قضاء ألف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الألف لألف آخر . وقيل يدبر الأمر إلى قيام الساعة ثم يعرج إليه الأمر كله يوم القيامة . وقيل يدبر المأمور به من الطاعات منزلاً من السماء إلى الأرض بالوحي ، ثم لا يعرج إليه خالصاً كما يرتضيه إلا في مدة متطاولة لقلة المخلصين والأعمال الخلص ، وقرئ
(( يعرج )) و (( يعدون )) .
5. He directeth the ordinance from the heaven unto the earth; then it ascendeth unto Him in a Day, whereof the measure is a thousand years of that ye reckon.
5 - He rules (all) affairs from the heavens to the earth: in the end will (all affairs) go up to Him, on a Day, the space whereof will be (as) a thousand years of your reckoning.