5 - (عسى ربه إن طلقكن) أي طلق النبي أزواجه (أن يبدله) بالتشديد والتخفيف (أزواجا خيرا منكن) خبر عسى والجملة جواب الشرط ولم يقع التبديل لعدم موقوع الشرط (مسلمات) مقرات بالإسلام (مؤمنات) مخلصات (قانتات) مطيعات (تائبات عابدات سائحات) صائمات أو مهاجرات (ثيبات وأبكارا)
قوله تعالى عسى ربه إن طلقكن الآية تقدم سبب نزولها وهو قول عمر في سورة البقرة
يقول تعالى ذكره : عسى رب محمد إن طلقكن يا معشر أزواج محمد صلى الله عليه وسلم أن يبدله منكن أزواجاً خيراً منكن .
وقيل : إن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذيراً من الله نساءه لمنا اجتمعن عليه في الغيرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب و يعقوب بن إبراهيم ، قالا : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : اجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن ، قال : فنزل كذلك .
حدثنا يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن حميد ، عن أنس عن عمر ، قال : بلغني عن بعض أمهاتنا أمهات المؤمنين شدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذاهن إياه ، فاستقريتهن امرأة امرأة ، أعظها وأنهاها عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقول : إن أبيتن أبدله الله خيراً منكن ، حتى أتيت ، حسبت أنه قال على زينب ، فقالت : يا ابن الخطاب ، أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ؟ فأمسكت ، فأنزل الله " عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن " .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس ، قال : قال عمر بن الخطاب : بلغني عن أمهات المؤمنين شيء ، فاستقريتهن أقول : لتكففن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن ، حتى أتيت على إحدى أمهات المؤمنين ، فقالت : يا عمر أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ؟ فكففت ، فأنزل الله " عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات " ... الآية .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( أن يبدله ) فقرأ ذلك بعض قراء مكة والمدينة والبصرة بتشديد الدال ( يبدله أزواجاً ) من التبديل ، وقرأه عامة قراء الكوفة ( يبدله ) بتخفيف الدال من الإبدال .
والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله " مسلمات " يقول : خاضعات لله بالطاعة " مؤمنات " يعني مصدقات بالله ورسوله .
وقوله " قانتات " يقول : مطيعات لله .
كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله " قانتات " قال : مطيعات .
حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " قانتات " قال مطيعات .
وقوله " تائبات " يقول : راجعات إلى ما يحبه الله منهن من طاعته عما يكرهه منهن " عابدات " يقول : متذللات لله بطاعته .
وقوله " سائحات " يقول : صائمات .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله " سائحات " فقال بعضهم : معنى ذلك : صائمات .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " سائحات " قال : صائمات .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، ثنا سعيد ، عن قتادة قوله " سائحات " قال : صائمات .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال ( السائحات ) : الصائمات .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " سائحات " يعني : صائمات .
وقال آخرون : السائحات : المهاجرات .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، قال : السائحات : المهاجرات .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " سائحات " قال : مهاجرات ، ليس في القرآن ولا في أمة محمد سياحة إلا الهجرة وهي التي قال الله " السائحون " [ التوبة : 112 ] .
وقد بينا الصواب الصواب من القول في معنى السائحين فيما مضى قبل بشواهده مع ذكرنا أقوال المختلفين فيه ، وكرهنا إعادته .
وكان بعض أهل العربية يقول : نرى أن الصائم إنما سمي سائحاً ، لأن السائح لا زاد معه ، وإنما يأكل حيث يجد الطعام ، فكأنه أخذ من ذلك .
وقوله " ثيبات " وهن اللواتي لم يجامعن ، ولم يفترعن .
قوله تعالى: " عسى ربه إن طلقكن " قد تقدم في الصحيح أن هذه الآية نزلت على لسان عمر رضي الله عنه. ثم قيل: كل عسى في القرآن واجب، إلا هذا. وقيل: هو واجب ولكن الله عز وجل علقه بشرط وهو التطليق ولم يطلقهن. " أن يبدله أزواجا خيرا منكن" لأنكن لو كنتن خيراً منهن ما طلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال معناه السدي. وقيل: هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، لو طلقهن في الدنيا أن يزوجه في الدنيا نساء خيراً والإنزال. والله كان عالماً بأنه كان لا يطلقهن، ولكن أخبر عن قدرته، على أنه إن طلقهن أبدله خيراً منهن تخويفاً لهن. وهو كقوله تعالى: " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم " وهو إخبار عن القدرة وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: " مسلمات" يعنى مخلصات، قاله سعيد بن جبير. وقيل: معناه مسلمات لأمر الله تعالى وأمره رسوله. "مؤمنات" مصدقات بما أمرن به ونيهن عنه. "قانتات" مطيعات. والقنوت: الطاعة. وقد تقدم. "تائبات" أي من ذنوبهن، قاله السدي. وقيل: راجعات إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تاركات لمحارب أنفسهن. "عابدات" أي كثيرات العبادة لله تعالى. وقال ابن عباس: كل عبادة في القرآن فهو التوحيد "سائحات" صائبات، قاله ابن عباس والحسن وابن جبير. وقال زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن ويمان: مهاجرات. قال زيد: وليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة. ولاسياحة الجولان في الأرض. وقال لفراء والقتبي وغيرهما: سمي الصائم سائحاً لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل من يجد الطعام. وقيل: ذاهبات في طاعة الله عز وجل، من ساح الماء إذا وهب. وقد مضى في سورة براءة والحمد لله. "ثيبات وأبكارا" أي منهن ثيب ومنهن بكر. وقيل: إنما سميت الثيب ثيباً لأنها راجعة إلى زوجها إن أقام معها، أو غيره إن فارقها. وقيل: لأنها ثابت إلى بيت أبويها. وهذا أصح، لأنه ليس كل ثيب تعود إلى زوج. وأما البكر فهي العذراء، سميت بكراً لأنها على أول حالتها التي خلقت بها. وقال الكلبي: أراد بالثيب مثل آسية امرأة فرعون، وبالبكر مثل مريم ابنة عمران.
قلت: وهذا إنما يمشي على قول من قال: إن التبديل وعد من الله لنبيه لو طلقهن في الدنيا زوجه في الآخرة خيراً منهن والله أعلم.
اختلف في سبب نزول صدر هذه السورة فقيل: نزلت في شأن مارية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرمها, فنزل قوله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك " الاية.
قال أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد, حدثنا أبي, حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها, فأنزل الله عز وجل "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" إلى آخر الاية. وقال ابن جرير: حدثني ابن عبد الرحيم البرقي, حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا أبو غسان, حدثني زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصاب أم إبراهيم في بيت بعض نسائه فقالت: أي رسول الله في بيتي وعلى فراشي ؟ فجعلها عليه حراماً فقالت: أي رسول الله كيف تحرم عليك الحلال ؟ فحلف لها بالله لا يصيبها فأنزل الله تعالى: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" قال زيد بن أسلم: فقوله أنت علي حرام لغو وهكذا روى عبد الرحمن بن زيد عن أبيه.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا يونس, حدثنا ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم قال: قال لها: "أنت علي حرام والله لا أطؤك" وقال سفيان الثوري وابن علية عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرم, فعوتب في التحريم وأمر بالكفارة في اليمين رواه ابن جرير وكذا روي عن قتادة وغيره عن الشعبي نفسه, وكذا قال غير واحد من السلف منهم الضحاك والحسن وقتادة ومقاتل ابن حيان, وروى العوفي عن ابن عباس القصة مطولة.
وقال ابن جرير: حدثنا سعيد بن يحيى, حدثنا أبي, حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: قلت لعمر بن الخطاب: من المرأتان ؟ قال: عائشة وحفصة. وكان بدء الحديث في شأن أم إبراهيم مارية القبطية أصابها النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في نوبتها, فوجدت حفصة: فقالت: يا نبي الله لقد جئت إلي شيئاً ما جئت إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دوري وعلى فراشي قال: "ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها" قالت: بلى فحرمها وقال لها "لا تذكري ذلك لأحد" فذكرته لعائشة فأظهره الله عليه فأنزل الله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك " الايات كلها. فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر عن يمينه وأصاب جاريته. وقال الهيثم بن كليب في مسنده: حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة: "لا تخبري أحداً وإن أم إبراهيم علي حرام" فقالت: أتحرم ما أحل الله لك ؟ قال: "فو الله لا أقربها" قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة. قال: فأنزل الله تعالى: "قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" وهذا إسناد صحيح ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة, وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, حدثنا هشام الدستوائي قال: كتب إلي يحيى يحدث عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير أن ابن عباس كان يقول في الحرام يمين تكفرها, وقال ابن عباس "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم جاريته فقال الله تعالى: " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم " فكفر يمينه فصير الحرام يميناً, ورواه البخاري عن معاذ بن فضالة عن هشام الدستوائي عن يحيى, هو ابن أبي كثير, عن ابن حكيم وهو يعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الحرام يمين تكفر وقال ابن عباس: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" ورواه مسلم من حديث هشام الدستوائي به. وقال النسائي: أنبأنا عبد الله بن عبد الصمد بن علي, حدثنا مخلد وهو ابن يزيد, حدثنا سفيان عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال إني جعلت امرأتي علي حراماً, قال: كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا هذه الاية "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة, تفرد به النسائي من هذا الوجه بهذا اللفظ.
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن زكريا, حدثنا عبد الله بن رجاء, حدثنا إسرائيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريته ومن ههنا ذهب من ذهب من الفقهاء ممن قال بوجوب الكفارة على من حرم جاريته أو زوجته أو طعاماً أو شراباً أو ملبساً أو شيئاً من المباحات, وهو مذهب الإمام أحمد وطائفة, وذهب الشافعي إلى أنه لا تجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية إذا حرم عينيهما أو أطلق التحريم فيهما في قول, فأما إن نوى بالتحريم طلاق الزوجة أو عتق الأمة نفذ فيهما.
وقال ابن أبي حاتم حدثني أبو عبد الله الظهراني أنبأنا حفص بن عمر العدني أنبأنا الحكم بن أبان أنبأنا عكرمة عن ابن عباس قال: نزلت هذه الاية "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا قول غريب, والصحيح أن ذلك كان في تحريمه العسل كما قال البخاري عند هذه الاية: حدثنا إبراهيم بن موسى أنبأنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش ويمكث عندها, فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير, قال: "لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينت بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً" " تبتغي مرضاة أزواجك " هكذا أورد هذا الحديث ههنا بهذا اللفظ.
وقال في كتاب الأيمان والنذور: حدثنا الحسن بن محمد, حدثنا الحجاج عن ابن جريج قال زعم عطاء أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً, فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل له إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير, فدخل على إحداهما النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ذلك له فقال: "لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له" فنزلت " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير * إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما " لعائشة وحفصة "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً" لقوله: "بل شربت عسلاً" وقال إبراهيم بن موسى عن هشام: "ولن أعود له وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحداً" وهكذا رواه في كتاب الطلاق بهذا الإسناد ولفظه قريب منه, ثم قال: المغافير شبيه بالصمغ يكون في الرمث فيه حلاوة, أغفر به الرمث إذا ظهر فيه, واحدها مغفور ويقال مغافير, وهكذا قال الجوهري قال وقد يكون المغفور أيضاً للعشر والثمام والسلم والطلح, قال والرمث بالكسر مرعى من مراعي الإبل وهو من الحمض, قال والعرفط شجر من العضاه ينضح المغفور.
وقد روى مسلم هذا الحديث في كتاب الطلاق من صحيحه عن محمد بن حاتم عن حجاج بن محمد عن ابن جريج, أخبرني عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة به, ولفظه كما أورده البخاري في الأيمان والنذور, ثم قال البخاري في كتاب الطلاق: حدثنا فروة بن أبي المغراء, حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلوى والعسل, وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن, فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس, فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل, فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة فقلت: أما والله لنحتالن له, فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك فإذا دنا منك فقولي أكلت مغافير فإنه سيقول لك لا, فقولي له ما هذه الريح التي أجد فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل, فقولي جرست نحله العرفط وسأقول لك, وقولي له أنت يا صفية ذلك, قالت: تقول سودة فو الله ما هو إلا أن قام على الباب, فأردت أن أناديه بما أمرتني فرقاً منك, فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال: "لا" قالت: فما هذه الريح التي أجد منك ؟ قال: "سقتني حفصة شربة عسل" قالت: جرست نحله العرفط, فلما دار إلي قلت نحو ذلك فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك, فلما دار إلى حفصة قالت له: يا رسول الله ألا أسقيك منه ؟ قال: "لا حاجة لي فيه" قالت: تقول سودة والله لقد حرمناه, قلت لها اسكتي, هذا لفظ البخاري. وقد رواه مسلم عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر به وعن أبي كريب وهارون بن عبد الله والحسن بن بشر ثلاثتهم عن أبي أسامة حماد بن أسامة عن هشام بن عروة به, وعنده قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح, يعني الريح الخبيثة, ولهذا قلن له أكلت مغافير لأن ريحها فيه شيء, فلما قال: "بل شربت عسلاً" قلن جرست نحله العرفط أي رعت نحله شجر العرفط الذي صمغه المغافير, فلهذا ظهر ريحه في العسل الذي شربته. قال الجوهري: جرست النحل العرفط تجرس إذا أكلته, ومنه قيل للنحل جوارس, قال الشاعر:
* تظل على الثمراء منها جوارس*
وقال الجرس والجرس الصوت الخفي, ويقال: سمعت جرس الطير إذا سمعت صوت مناقيرها على شيء تأكله, وفي الحديث "فيسمعون جرس طير الجنة" قال الأصمعي: كنت في مجلس شعبة, قال: فيسمعون جرش طير الجنة بالشين فقلت جرس فنظر إلي فقال: خذوها عنه فإنه أعلم بهذا منا, والغرض أن هذا السياق فيه أن حفصة هي الساقية للعسل, وهو من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن خالته عائشة, وفي طريق ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة أن زينب بنت جحش هي التي سقته العسل, وأن عائشة وحفصة تواطأتا وتظاهرتا عليه فالله أعلم. وقد يقال إنهما واقعتان ولا بعد في ذلك إلا أن كونهما سبباً لنزول هذه الاية فيه نظر, والله أعلم. ومما يدل على أن عائشة وحفصة رضي الله عنهما هما المتظاهرتان الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس قال: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى: "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" حتى حج عمر وحججت معه, فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرز, ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ فقلت: يا أمير المؤمنين, من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى: "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" فقال عمر: واعجباً لك يا ابن عباس: قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه قال: هي عائشة وحفصة.
قال: ثم أخذ يسوق الحديث قال: كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء, فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم قال: وكان منزلي في دار أمية بن زيد بالعوالي, قال: فغضبت يوماً على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن أراجعك فو الله إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. قال: فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: نعم. قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل ؟ قالت: نعم. قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر, أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت, لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئاً وسليني من مالي ما بدا لك, ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم ـ أي أجمل ـ وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك ـ يريد عائشة ـ قال: وكان لي جار من الأنصار, وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ينزل يوماً وأنزل يوماً فيأتيني بخبر الوحي وغيره, وآتيه بمثل ذلك.
قال: وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا, فنزل صاحبي يوماً ثم أتى عشاء فضرب بابي ثم ناداني فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم, فقلت: وما ذاك أجاءت غسان ؟ قال: لا بل أعظم من ذلك وأطول طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. فقلت: قد خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن هذا كائناً حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي, ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا أدري هو هذا معتزل في هذه المشربة, فأتيت غلاماً له أسود فقلت استأذن لعمر, فدخل الغلام ثم خرج إلي فقال: ذكرتك له فصمت, فانطلقت حتى أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم, فجلست عنده قليلاً ثم غلبني ما أجد, فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر, فدخل ثم خرج فقال: قد ذكرتك له فصمت, فخرجت, فجلست إلى المنبر ثم غلبني ما أجد, فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر, فدخل ثم خرج إلي فقال: قد ذكرتك له, فصمت, فوليت مدبراً, فإذا الغلام يدعوني فقال: ادخل قد أذن لك, فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكىء على رمال الحصير ـ قال الإمام أحمد: وحدثناه يعقوب في حديث صالح قال: رمال حصير ـ وقد أثر في جنبه فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك ؟ فرفع رأسه إلي وقال: "لا" فقلت: الله أكبر. ولو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء, فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم, فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فغضبت علي امرأتي يوماً فإذا هي تراجعني, فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن أراجعك ؟ فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه, وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل, فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت, أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله فإذا هي قد هلكت.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم أو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك. فتبسم أخرى, فقلت: استأنس يا رسول الله, قال: "نعم" فجلست فرفعت رأسي في البيت, فو الله ما رأيت في البيت شيئاً يرد البصر إلا أهبة مقامه, فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك, فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله, فاستوى جالساً وقال: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب. أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا" فقلت استغفر لي يا رسول الله. وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل. وقد رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري به, وأخرجه الشيخان من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيد بن حنين, عن ابن عباس, قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له, حتى خرج حاجاً فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له, قال: فوقفت حتى فرغ ثم سرت معه, فقلت: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم. هذا لفظ البخاري, ولمسلم: من المرأتان اللتان قال الله تعالى: "وإن تظاهرا عليه" قال عائشة وحفصة, ثم ساق الحديث بطوله ومنهم من اختصره.
وقال مسلم أيضاً: حدثني زهير بن حرب, حدثنا عمر بن يونس الحنفي, حدثنا عكرمة بن عمار عن سماك بن الوليد أبي زميل, حدثني عبد الله بن عباس, حدثني عمر بن الخطاب, قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه دخلت المسجد, فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه, وذلك قبل أن يؤمر بالحجاب فقلت لأعلمن ذلك اليوم, فذكر الحديث في دخوله على عائشة وحفصة ووعظه إياهما, إلى أن قال: فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسكفة المشربة, فناديت فقلت: يا رباح استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نحو ما تقدم ـ إلى أن قال ـ فقلت: يا رسول الله ما يشق عليك من أمر النساء, فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكال وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك, وقلما تكلمت ـ وأحمد الله ـ بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي, فنزلت هذه الاية آية التخيير "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن" "وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير" فقلت: أطلقتهن ؟ قال: "لا" فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق نساءه. ونزلت هذه الاية "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر. وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة ومقاتل بن حيان والضحاك وغيرهم "وصالح المؤمنين" أبو بكر وعمر, زاد الحسن البصري وعثمان, وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد "وصالح المؤمنين" قال: علي بن أبي طالب.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن أبي عمر, حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين, قال: أخبرني رجل ثقة يرفعه إلى علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "وصالح المؤمنين" قال: "هو علي بن أبي طالب" إسناده ضعيف وهو منكر جداً, وقال البخاري: حدثنا عمر بن عون, حدثنا هشيم عن حميد عن أنس قال: قال عمر: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه, فقلت لهن "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن" فنزلت هذه الاية, وقد تقدم أنه وافق القرآن في أماكن: منها في نزول الحجاب, ومنها في أسارى بدر, ومنها قوله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى, فأنزل الله تعالى: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الأنصاري, حدثنا حميد عن أنس قال: قال عمر بن الخطاب: بلغني شيء كان بين أمهات المؤمنين وبين النبي صلى الله عليه وسلم فاستقريتهن أقول: لتكفن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن, حتى أتيت على آخر أمهات المؤمنين فقالت: يا عمر أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن, فأمسكت فأنزل الله عز وجل "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً" وهذه المرأة التي ردته عما كان فيه من وعظ النساء هي أم سلمة كما ثبت ذلك في صحيح البخاري.
وقال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني, حدثنا إسماعيل البجلي, حدثنا أبو عوانة عن أبي سنان عن الضحاك, عن ابن عباس في قوله: "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً" قال: دخلت حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها وهو يطأ مارية, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة. أن أباك يلي الأمر من بعد أبي بكر إذا أنا مت" فذهبت حفصة فأخبرت عائشة, فقالت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنبأك هذا ؟ قال: "نبأني العليم الخبير" فقالت عائشة: لا أنظر إليك حتى تحرم مارية, فحرمها, فأنزل الله تعالى: "يا أيها النبي لم تحرم" إسناده فيه نظر وقد تبين مما أوردناه تفسير هذه الايات الكريمات, ومعنى قوله: "مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات" ظاهر. وقوله تعالى: "سائحات" أي: صائمات, قاله أبو هريرة وعائشة وابن عباس وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء, ومحمد بن كعب القرظي وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو مالك وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس والسدي وغيرهم, وتقدم فيه حديث مرفوع عند قوله: "السائحون" في سورة براءة, ولفظه "سياحة هذه الأمة الصيام" وقال زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن "سائحات" أي مهاجرات, وتلا عبد الرحمن "السائحون", أي المهاجرون, والقول الأول أولى, والله أعلم.
وقوله تعالى: "ثيبات وأبكاراً" أي منهن ثيبات ومنهن أبكاراً ليكون ذلك أشهى إلى النفس, فإن التنوع يبسط النفس, ولهذا قال: "ثيبات وأبكاراً" وقال أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا أبو بكر بن صدقة, حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق, حدثنا عبد الله بن أمية, حدثنا عبد القدوس عن صالح بن حيان, عن ابن بريدة, عن أبيه "ثيبات وأبكاراً" قال: وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الاية أن يزوجه, فالثيب آسية امرأة فرعون وبالأبكار مريم بنت عمران. وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مريم عليها السلام من طريق سويد بن سعيد: حدثنا محمد بن صالح بن عمر عن الضحاك ومجاهد عن ابن عمر قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت خديجة فقال: إن الله يقرئها السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد من اللعب لا نصب فيه ولا صخب, من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران وبيت آسية بنت مزاحم.
ومن حديث أبي بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي في الموت فقال: "يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام", فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تزوجت قبلي ؟ قال: "لا, ولكن الله زوجني مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وكلثم أخت موسى" ضعيف أيضاً, وقال أبو يعلى: حدثنا إبراهيم بن عرعرة, حدثنا عبد النور بن عبد الله, حدثنا يوسف بن شعيب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعلمت أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى وآسية امرأة فرعون ؟" فقلت: هنيئاً لك يا رسول الله, وهذا أيضاً ضعيف وروي مرسلاً عن ابن أبي داود.
5- "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن" أي يعطيه بدلكن أزواجاً أفضل منكن، وقد علم الله سبحانه أنه لا يطلقهن، ولكن أخبر عن قدرته على أنه إن وقع منه الطلاق أبدله خيراً منهن تخويفاً لهن، وهو كقوله: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم" فإنه إخبار عن القدرة وتخويف لهم. ثم نعت سبحانه الأزواج بقوله: "مسلمات مؤمنات" أي قائمات بفرائض الإسلام مصدقات بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره. وقال سعيد بن جبير: مسلمات أي مخلصات وقيل معناه: مسلمات لأمر الله ورسوله "قانتات" مطيعات لله. والقنوات الطاعة، وقيل مصليات: "تائبات" يعني من الذنوب "عابدات" لله متذللات له. قال الحسن وسعيد بن جبير: كثيرات العبادة "سائحات" أي صائمات. وقال زيد بن أسلم: مهاجرات، وليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة. قال ابن قتيبة والفراء وغيرهما: وسمي الصيام سياحة لأن السائح لا زاد معه. وقيل المعنى: ذاهبات في طاعة الله، من ساح الماء إذا ذهب، وأصل السياحة الجولان في الأرض، وقد مضى الكلام على السياحة في سورة براءة "ثيبات وأبكاراً" وسط بينهما العاطف لتنافيهما، والثيبات: جمع ثيب، وهي المرأة التي قد تزوجت ثم ثابت عن زوجها فعادت كما كانت غير ذات زوج. والأبكار جمع بكر، وهي العذراء، سميت بذلك لأنها على أول حالها التي خلقت عليه.
وقد أخرج البخاري وغيره عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها لبناً أو عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة إن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير، فدخل على إحداهما فقالت ذلك له، فقال: لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود، فنزلت: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" إلى قوله: "إن تتوبا إلى الله" لعائشة وحفصة "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا" لقوله: بل شربت عسلاً. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند صحيح عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من شراب عند سودة من العسل، فدخل على عائشة فقالت: إني أجد منك ريحاً، فدخل على حفصة فقالت: إني أجد منك ريحاً، فقال: أراه من شراب شربته عند سودة، والله لا أشربه أبداً، فأنزل الله "يا أيها النبي لم تحرم" الآية". وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن رافع قال: سألت أم سلمة عن هذه الآية "يا أيها النبي لم تحرم" قالت: كانت عندي عكة من عسل أبيض، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلعق منها وكان يحبه، فقالت له عائشة: نحلها تجرس عرفطاً فحرمها، فنزلت الآية. وأخرج النسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراماً، فأنزل الله هذه الآية "يا أيها النبي لم تحرم"" وأخرج البزار الطبراني قال السيوطي: بسند صحيح عن ابن عباس قال: قلت لعمر بن الخطاب: من المرأتان اللتان تظاهرتا؟ قال: عائشة وحفصة، وكان بدو الحديث في شأن مارية القبطية أم إبراهيم أصابها النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في يومها، فوجدت حفصة فقالت: يا رسول الله لقد جئت إلي بشيء ما جئته إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دوري على فراشي، قال ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها أبداً؟ قالت: بلى، فحرمها وقال: لا تذكري ذلك لأحد، فذكرته لعائشة فأظهره الله عليه، فأنزل الله "يا أيها النبي لم تحرم" الآيات كلها، فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر عن يمينه وأصاب مارية. وأخرجه ابن سعد وابن مردويه عنه بأطول من هذا. وأخرجه ابن مردويه أيضاً من وجه آخر عنه بأخصر منه، وأخرجه ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عنه مختصراً بلفظ قال: حرم سريته وجعل ذلك سبب النزول في جميع ما روي عنه من هذه الطرق، وأخرج الهيثم بن كليب في مسنده والضياء المقدسي في المختارة من طريق نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة لا تحدثي أحداً، وإن أم إبراهيم علي حرام، فقالت: أتحرم ما أحل الله لك؟ قال: فوالله لا أقربها، فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، فأنزل الله "قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي هريرة أن سبب نزول الآية تحريم مارية كما سلف، وسنده ضعيف. فهذان سببان صحيحان لنزول الآية، والجمع ممكن بوقوع القصتين: قصة العسل، وقصة مارية، وأن القرآن نزل فيهما جميعاً، وفي كل واحد منهما أنه أسر الحديث إلى بعض أزواجه، وأما ما قيل من أن السبب هو تحريم المرأة التي وهبت نفسها، فلريس في ذلك إلا ما روى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" في المراة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. قال السيوطي: وسنده ضعيف. ويرد هذا أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل تلك الواهبة لنفسها، فكيف يصح أن يقال إنه نزل في شأنها "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" فإن من رد ما وهب له لم يصح أن يقال إنه حرمه على نفسه، وأيضاً لا ينطبق على هذا السبب قوله "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً" إلى آخر ما حكاه الله. وأما ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن ابن عباس سأل عمر بن الخطاب عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنهما عائشة وحفصة، ثم ذكر قصة الإيلاء كما في الحديث الطويل، فليس في هذا نفي لكون السبب هو ما قدمنا من قصة العسل وقصة السرية، لأنه إنما أخبره بالمتظاهرتين، وذكر فيه أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، وأن ذلك سبب الاعتزال لا سبب نزول "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك". ويؤيد هذا ما قدمنا عن ابن عباس أنه قال لعمر من المراتان اللتان تظاهرتا؟ فأخبره بأنهما حفصة وعائشة، وبين له أن السبب قصة مارية. هذا ما تيسر من تلخيص سبب نزول الآية، ودفع الاختلاف في شأنه فاشدد عليه يديك لتنجو به من الخبط والخلط الذي وقع للمفسرين. وأخرج عبد الرزاق والبخاري وابن مردويه عن ابن عباس قال: في الحرام يكفر، وقال "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة". وأخرج ابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه عنه أنه جاءه رجل فقال: إني جعلت امرأتي علي حراماً، فقال كذبت ليست عليك بحرام، ثم تلا "لم تحرم ما أحل الله لك" قال: عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة. وأخرج الحارث بن أبي أسامة عن عائشة قالت: لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح، فأنزل الله "قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" فأحل يمينه وأنفق عليه. وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن عائشة في قوله: " وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا " قالت: أسر إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي. وأخرج ابن عدي وأبو نعيم في والصحابة والعشاري في فضائل الصديق وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن علي وابن عباس قال: والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً" قال لحفصة: أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي، فإياك أن تخبري أحداً بهذا. قلت: وهذا ليس فيه أنه سبب نزول قوله: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" بل فيه أن الحديث الذي أسره رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هذا. فعلى فرض أن له إسناداً يصلح للاعتبار هو معارض بما سبق من تلك الروايات الصحيحة، وهي مقدمة عليه ومرجحة بالنسبة إليه. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "فقد صغت قلوبكما" قال: زاغت وأثمت. وأخرج ابن المنذر عنه قال: مالت. وأخرج ابن عساكر من طريق الله بن بريدة عن أبيه في قوله: "وصالح المؤمنين" قال: أبو بكر وعمر. وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود مثله. وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في فضائل الصحابة من وجه آخر عنه مثله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر وابن عباس مثله. وأخرج الحاكم عن أبي أمامة مرفوعاً مثله. وأخرج ابن أبي حاتم. قال السيوطي بسند ضعيف عن علي مرفوعاً قال: هو علي بن أبي طالب. وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وصالح المؤمنين" علي بن أبي طالب". وأخرج ابن مردويه وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: ""وصالح المؤمنين" قال: هو علي بن أبي طالب". وأخرج الطبراني وابن مردويه عن بريدة في قوله: "ثيبات وأبكاراً" قال: وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه أن يزوجه بالثيب آسية امرأة فرعون، وبالبكر مريم بنت عمران.
5- "عسى ربه إن طلقكن"، أي: واجب من الله إن طلقكن رسوله، "أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات"، خاضعات لله بالطاعة، "مؤمنات"، مصدقات بتوحيد الله، "قانتات"، طائعات، وقيل: داعيات. وقيل: مصليات، "تائبات عابدات سائحات"، صائمات، وقال زيد بن أسلم: مهاجرات وقيل: يسحن معه حيث ما ساح، "ثيبات وأبكاراً"، وهذا في الإخبار عن القدرة لا عن الكون لأنه قال: "إن طلقكن" وقد علم أنه لا يطلقهن وهذا كقوله: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"، (محمد- 38) وهذا في الإخبار عن القدرة لأنه ليس في الوجود أمة خير من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
5-" عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن " على الغليب ، أو تعميم الخطاب ، وليس فيه ما يدل على أنه لم يطلق حفصة وأن في النساء خيراً منهن لأن تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة والمعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه ، وقرأ نافع و أبو عمرو " يبدله " بالتخفيف . " مسلمات مؤمنات " مقرات مخلصات أو منقادات مصدقات . " قانتات " مصليات أو مواظبات على الطاعات . " تائبات " عن الذنوب " عابدات " متعبدات أو متذللات لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام . " سائحات " صائمات سميى الصائم سائحاً لأنه يسبح بالنهار بلا زاد ، أو مهاجرات " ثيبات وأبكاراً " وسط العاطف بينهما لتنافيهما لأنهما في حكم صفة واحدة إذ المعنى مشتملات على الثيبات والأبكار .
5. It may happen that his Lord, if he divorce you, will give him in your stead wives better than you, submissive (to Allah), believing, pious, penitent, inclined to fasting, widows and maids.
5 - It may be, if he divorced you (all), that God will give him in exchange Consorts better than you, who submit (their wills), who believe, who are devout, who turn to God in repentance, who worship (in humility), who travel (for Faith) and fast, previously married or virgins.