(فلما أحس) علم (عيسى منهم الكفر) وأرادوا قتله (قال من أنصاري) أعواني ذاهباً (إلى الله) لأنصر دينه (قال الحواريون نحن أنصار الله) أعوان دينه وهم أصفياء عيسى أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصّارين يحورون الثياب أي يبيّضونها (آمنا) صدقنا (بالله واشهد) يا عيسى (بأنا مسلمون)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "فلما أحس عيسى منهم الكفر"، فلما وجد عيسى منهم الكفر.
والإحساس هو الوجود، ومنه قول الله عز وجل: "هل تحس منهم من أحد" [مريم: 98].
فأما الحس، بغير ألف، فهو الإفناء والقتل، ومنه قوله: "إذ تحسونهم بإذنه" [آل عمران: 152]
والحس أيضاً العطف والرقة، ومنه قول الكميت:
هل من بكى الدار راج أن تحس له، أو يبكي الدار ماء العبرة الخضل؟
يعني بقوله: أن تحس له، أن ترق له.
فتأويل الكلام: فلما وجد عيسى -من بني إسرائيل الذين أرسله الله إليهم- جحوداً لنبوته، وتكذيباً لقوله، وصداً عما دعاهم إليه من أمر الله، قال: "من أنصاري إلى الله"؟، يعني بذلك: قال عيسى: من أعواني على المكذبين بحجة الله ، والمولين عن دينه ، والجاحدين نبوة نبيه ، "إلى الله" عبد الرزاق وجل؟.
ويعني بقوله: "إلى الله"، مع الله.
وإنما حسن أن يقال: "إلى الله"، بمعنى: مع الله ، لأن من شأن العرب إذا ضموا الشيء إلى غيره ، ثم أرادوا الخبر عنهما بضم أحدهما مع الآخر إذا ضم إليه، جعلوا مكان مع، إلى أحياناً، وأحياناً تخبر عنهما بـ مع فتقول: الذود إلى الذود إبل ، بمعنى : إذا ضممت الذود إلى الذود صارت إبلاً. فأما إذا كان الشيء مع الشيء لم يقولوه ابن بشارـ إلى، ولم يجعلوا مكان مع إلى. غير جائز أن يقال : قدم فلان وإليه مال ، بمعنى : ومعه مال.
وبمثل ما قلنا في تأويل قوله: "من أنصاري إلى الله"، قال جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : "من أنصاري إلى الله"، يقول : مع الله.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "من أنصاري إلى الله"، يقول : مع الله.
وأما سبب استنصار عيسى عليه السلام من استنصر من الحواريين ، فإن بين أهل العلم فيه اختلافاً.
فقال بعضهم: كان سبب ذلك ما:
حدثني به موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: لما بعث الله عيسى فأمره بالدعوة، نفته بنو إسرائيل وأخرجوه ، فخرج هو وأمه يسيحون في الأرض . فنزل في قرية على رجل فضافهم وأحسن إليهم . وكان لتلك المدينة ملك جبار معتد، فجاء ذلك الرجل يوماً وقد وقع عليه هم وحزن ، فدخل منزله ومريم عند امرأته . فقالت مريم لها: ما شأن زوجك ؟ أراه حزيناً! قالت : لا تسألي ! قالت : أخبريني ! لعل الله يفرج كربته ! قالت : فإن لنا ملكاً يجعل على كل رجل منا يوماً يطعمه هو وجنوده ويسقيهم من الخمر، فإن لم يفعل عاقبه، وإنه قد بلغت نوبته اليوم الذي يريد أن نصنع له فيه ، وليس لذلك عندنا سعة! قالت: فقولي له لا يهتم ، فإني آمر ابني فيدعو له ، فيكفى ذلك . قالت مريم لعيسى في ذلك ، قال عيسى : يا أمه، إني إن فعلت كان في ذلك شر. قالت : فلا تبال ، فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا! قال عيسى : فقولي له : إذا اقترب ذلك ، فاملأ قدورك وخوابيك ماء، ثم أعلمني . قال : فلما ملأهن أعلمه ، فدعا الله ، فتحول ما في القدور لحماً ومرقاً وخبزاً، وما في الخوابي خمراً لم ير الناس مثله قط وإياه طعاماً. فلما جاء الملك أكل ، فلما شرب الخمر سأل : من أين هذه الخمر؟ قال له : هي من أرض كذا وكذا. قال الملك : فإن خمري أوتى بها من تلك الأرض ، فليس هي مثل هذه ! قال : هي من أرض أخرى. فلما خلط على الملك اشتد عليه ، قال : فأنا أخبرك ، عندي غلام لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ، وإنه دعا الله فجعل الماء خمراً. قال الملك ، وكان له ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل ذلك بأيام ، وكان أحب الخلق إليه ، فقال : إن رجلاً دعا الله حتى جعل الماء خمراً، ليستجابن له حتى يحيي ابني ! فدعا عيسى فكلمه ، فسأله أن يدعو الله فيحيي ابنه ، فقال عيسى : لا تفعل ، فإنه إن عاش كان شراً. فقال الملك : لا أبالي، أليس أراه ؟ فلا أبالي ما كان. فقال عيسى عليه السلام : فإن أحييته تتركوني أنا وأمي نذهب أينما شئنا؟ قال الملك : نعم. فدعا الله فعاش الغلام . فلما رآه أهل مملكته قد عاش ، تنادوا بالسلاح وقالوا : أكلنا هذا، حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف ابنه ، فيأكلنا كما أكلنا أبوه !! فاقتتلوا، وذهب عيسى وأمه، وصحبهما يهودي . وكان مع اليهودي رغيفان ، ومع عيسى رغيف ، فقال له عيسى : شاركني. فقال اليهودي: نعم . فلما رأى أنه ليس مع عيسى إلا رغيف ندم ، فلما ناما جعل اليهودي يريد أن يأكل الرغيف ، فلما أكل لقمة قال له عيسى: ما تصنع ؟ فيقول : لا شيء ! فيطرحها، حتى فرغ من الرغيف كله . فلما أصبحا قال له عيسى : هلم طعامك ! فجاء برغيف ، فقال له عيسى: أين الرغيف الآخر؟ قال : ما كان معي إلا واحد . فسكت عنه عيسى ، فانطلقوا، فمروا براعي غنم ، فنادى عيسى : يا صاحب الغنم ، أجزرنا شاةً من غنمك . قال : نعم ، أرسل صاحبك يأخذها. فأرسل عيسى اليهودي ، فجاء بالشاة فذبحوها وشووها، ثم قال لليهودي : كل، ولا تكسرن عظماً. فأكلا. فلما شبعوا، قذف عيسى العظام في الجلد، ثم ضربها بعصاه وقال : قومي بإذن الله ! فقامت الشاة تثغو، فقال: يا صاحب الغنم ، خذ شاتك ، فقال له الراعي : من أنت ؟ فقال : أنا عيسى ابن مريم . قال : أنت الساحر! وفر منه . قال عيسى لليهودي : بالذي أحيى هذه الشاة بعد ما أكلناها، كم كان معك رغيفاً؟ فحلف ما كان معه إلا رغيف واحد. فمروا بصاحب بقر، فنادى عيسى فقال : يا صاحب البقر، أجزرنا من بقرك هذه عجلاً. قال : ابعث صاحبك يأخذه . قال: انطلق يا يهودي فجيء به . فانطلق فجاء به . فذبحه وشواه وصاحب البقر ينظر، فقال له عيسى : كل ولا تكسرن عظماً. فلما فرغوا، قذف العظام في الجلد ثم ضربه بعصاه ، وقال : قم بإذن الله. فقام وله خوار، قال : خذ عجلك . قال : ومن أنت ؟ قال : أنا عيسى. قال : أنت السحار! ثم فر منه . قال اليهودي : يا عيسى أحييته بعد ما أكلناه ! قال عيسى : فبالذي أحيى الشاة بعد ما أكلناها، والعجل بعد ما أكلناه ، كم كان معك رغيفاً؟ فحلف بالله ما كان معه إلا رغيف واحد. فانطلقا، حتى نزلا قريةً، فنزل اليهودي أعلاها وعيسى في أسفلها، وأخذ اليهودي عصا مثل عصا عيسى وقال : أنا الآن أحيي الموتى! وكان ملك تلك المدينة مريضاً شديد المرض ، فانطلق اليهودي ينادي : من يبتغي طبيباً؟ حتى أتى ملك تلك القرية، فأخبر بوجعه ، فقال : أدخلوني عليه فأنا أبرئه ، وإن رأيتموه قد مات فأنا أحييه . فقيل له : إن وجع الملك قد أعيى الأطباء قبلك ، ليس من طبيب يداويه ولا يفيء دواؤه شيئاً إلا أمر به فصلب . قال : أدخلوني عليه ، فإني سأبرئه . فأدخل عليه فأخذ برجل الملك فضربه بعصاه حتى مات ، فجعل يضربه بعصاه وهو ميت ويقول : قم بإذن الله ! فأخذ ليصلب فبلغ عيسى ، فأقبل إليه وقد رفع على الخشبة ، فقال : أرأيتم إن أحييت لكم صاحبكم ، أتتركون لي صاحبي؟ قالوا : نعم . فأحيى الله الملك لعيسى، فقام وأنزل اليهودي فقال : يا عيسى أنت أعظم الناس علي منةً، والله لا أفارقك أبداً. قال عيسى -فيما حدثنا به محمد بن الحسين بن موسى قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي- لليهودي : أنشدك بالذي أحيى الشاة والعجل بعد ما أكلناهما، وأحيى هذا بعد ما مات ، وأنزلك من الجذع بعد ما رفعت عليه لتصلب ، كم كان معك رغيفاً؟ قال : فحلف بهذا كله ما كان معه إلا رغيف واحد، قال : لا بأس ! فانطلقا، حتى مرا على كنز قد حفرته السباع والدواب ، فقال اليهودي : يا عيسى، لمن هذا المال ؟ قال عيسى : دعه ، فإن له أهلاً يهلكون عليه. فجعلت نفس اليهودي تطلع إلى المال ، ويكره أن يعصى عيسى، فانطلق مع عيسى . ومر بالمال أربعة نفر، فلما رأوه اجتمعوا عليه ، فقال اثنان لصاحبيهما: انطلقا فابتاعا لنا طعاماً وشراباً ودواب نحمل عليها هذا المال . فانطلق الرجلان فابتاعا دواب وطعاماً وشراباً، وقال أحدهما لصاحبه : هل لك أن نجعل لصاحبينا في طعامهما سماً، فإذا أكلا ماتا، فكان المال بيني وبينك ؟ فقال الآخر: نعم ! ففعلا. وقال الآخران : إذا ما أتيانا بالطعام ، فليقم كل واحد إلى صاحبه فيقتله ، فيكون الطعام والدواب بيني وبينك . فلما جاءا بطعامهما قاما فقتلاهما، ثم قعدا على الطعام فأكلا منه، فماتا. وأعلم ذلك عيسى، فقال لليهودي أخرجه حتى نقسمه . فأخرجه ، فقسمه عيسى بين ثلاثة، فقال اليهودي : يا عيسى، اتق الله ولا تظلمني ، فإنما هو أنا وأنت !! وما هذه الثلاثة؟ قال له عيسى : هذا لي ، وهذا لك ، وهذا الثلث لصاحب الرغيف . قال اليهودي : فإن أخبرتك بصاحب الرغيف ، تعطيني هذا المال ؟ فقال عيسى : نعم . قال : أنا هو. قال عيسى : خذ حظي وحظك وحظ صاحب الرغيف ، فهو حظك من الدنيا والآخرة. فلما حمله مشى به شيئاً، فخسف به . وانطلق عيسى ابن مريم ، فمر بالحواريين وهم يصطادون السمك ، فقال: ما تصنعون؟ فقالوا: نصطاد السمك . فقال: أفلا تمشون حتى نصطاد الناس؟ قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عيسى ابن مريم . فآمنوا به وانطلقوا معه . فذلك قول الله عز وجل: "من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون".
حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد بن منصور، عن الحسن في قوله: "فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله"، الآية قان : استنصر فنصره الحواريون ، وظهر عليهم.
وقال آخرون: كان سبب استنصار عيسى من استنصر، لأن من استنصر الحواريين عليه كانوا أرادوا قتله.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد: "فلما أحس عيسى منهم الكفر"، قال : كفروا وأرادوا قتله ، فذلك حين استنصر قومه ، "قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله".
والأنصار، جمع نصير ، كما الأشراف جمع شريف ، والأشهاد جمع شهيد.
وأما "الحواريون"، فإن أهل التأويل اختلفوا في السبب الذي من أجله سموا حواريين.
فقال بعضهم: سموا بذلك لبياض ثيابهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : مما روى أبي قال ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن ميسرة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال : إنما سموا الحواريين، ببياض ثيابهم.
وقال آخرون: سموا بذلك : لأنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن أبي أرطاة قال: "الحواريون"، الغسالون الذين يحورون الثياب ، يغسلونها.
وقال آخرون: هم خاصة الأنبياء وصفوتهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن روح بن القاسم: أن قتادة ذكر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان من الحواريين . فقيل له: من الحواريون؟ قال: الذين تصلح لهم الخلافة.
حدثت عن المنجاب قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا بشر، عن عمارة، عن أبي روق ، عن الضحاك في قوله: "إذ قال الحواريون"، قال : أصفياء الأنبياء.
قال أبو جعفر: وأشبه الأقوال التي ذكرنا في معنى الحواريين، قول من قال : سموا بذلك لبياض ثيابهم، ولأنهم كانوا غسالين.
وذلك أن الحور عند العرب شدة البياض ، ولذلك سمي الحوارى من الطعام حوارى لشدة بياضه ، ومنه قيل للرجل الشديد بياض مقلة العينين أحور، وللمرأة حوراء. وقد يجوز أن يكون حواريو عيسى كانوا سموا بالذي ذكرنا ، من تبييضهم الثياب ، وأنهم كانوا قصارين ، فعرفوا بصحبة عيسى ، واختياره إياهم لنفسه أصحاباً وأنصاراً ، فجرى ذلك الاسم لهم ، واستعمل حتى صار كل خاصة للرجل من أصحابه وأنصاره: حواريه، ولذلك "قال النبي صلى الله عليه وسلم.
إن لكل نبي حوارياً، وحواري الزبير".
يعني خاصته . وقد تسمي العرب النساء اللواتي مساكنهم القرى والأمصار حواريات، وإنما سمين بذلك لغلبة البياض عليهن ، ومن ذلك قول أبي جلدة اليشكري:
فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
ويعني بقوله: "قال الحواريون"، قال هؤلاء الذين صفتهم ما ذكرنا، من تبييضهم الثياب : "آمنا بالله"، صدقنا بالله ، واشهد أنت يا عيسى بأننا مسلمون.
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عز وجل أن الإسلام دينه الذي ابتعث به عيسى والأنبياء قبله ، لا النصرانية ولا اليهودية، وتبرئة من الله لعيسى ممن انتحل النصرانية ودان بها، كما برأ إبراهيم من سائر الأديان غير الإسلام . وذلك احتجاج من الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم على وفد نجران، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: "فلما أحس عيسى منهم الكفر"، والعدوان ، "قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله"، وهذا قولهم الذي أصابوا به الفضل من ربهم، "واشهد بأنا مسلمون"، لا كما يقول هؤلاء الذين يحاجونك فيه- يعني وفد نصارى نجران.
قوله تعالى : " فلما أحس عيسى منهم الكفر " أي من بني إسرائيل . وأحس معناه علم ووجد ، قاله الزجاج . وقال أبو عبيدة : معنى أحس عرف ، وأصل ذلك وجود الشيء بالحاسة . والإحساس : العلم بالشيء ، قال الله تعالى " هل تحس منهم من أحد " والحس القتل ، قال الله تعالى : " إذ تحسونهم بإذنه " ومنه الحديث في الجراد .
إذا حسه البرد . " منهم الكفر " أي الكفر بالله . وقيل سمع منهم كلمة الكفر . وقال الفراء : أرادوا قتله . " قال من أنصاري إلى الله " استنصر عليهم . قال السدي والثوري وغيرهما : المعنى مع الله ، فإلى بمعنى مع ، كقوله تعالى : " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " أي مع . والله أعلم . وقال الحسن : المعنى من أنصاري في السبيل إلى الله ، لأنه دعاهم إلى الله عز وجل . وقيل : المعنى من يضم نصرته إلى نصرة الله عز وجل . فإلى على هذين القولين على بابها ، وهو الجيد . وطلب النصرة ليحتمي بها من قومه ويظهر الدعوة ، عن الحسن ومجاهد . وهذه سنة الله في أنبيائه وأوليائه . وقد قال لوط : " لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد " أي عشيرة وأصحاب ينصرونني . " قال الحواريون نحن أنصار الله " أي أنصار نبيه ودينه . والحواريون أصحاب عيسى عليه السلام ، وكانوا اثنى عشر رجلا ، قاله الكلبي وأبو روق .
واختلف في تسميتهم بذلك ، فقال ابن عباس : سموا ذلك لبياض ثيابهم ، وكانوا صيادين . ابن أبي نجيح وابن أرطاة : كانوا قصارين فسموا بذلك لتبييضهم الثياب . قال عطاء : أسلمت مريم عيسى إلى أعمال شتى ، وآخر ما دفعته إلى الحواريين وكانوا قصارين وصباغين فأراد معلم عيسى السفر ن فقال لعيسى : عندي ثياب كثيرة مختلفة الألوان وقد علمتك الصبغة فاصبغها . فطبخ عيسى حبا واحدا وأدخله جميع الثياب وقال : كوني بإذن الله على ما أريد منك . فقدم الحواري والثياب كلها في الحب فلما رآها قال قد أفسدتها ، فأخرج عيسى حبا واحدا وأدخله جميع الثياب وقال ك كوني بإذن الله على ما أريد منك . فقدم الحواري والثياب كلها في الحب فلما رآها قال : قد أفسدتها ، فأخرج عيسى ثوبا أحمر وأصفر وأخضر إلى غير ذلك مما كان على كل ثوب مكتوب عليه صبغه ، فعجب الحواري ، وعلم أن ذلك من الله ودعا الناس إليه فآمنوا به ، فهم الحواريون . قتادة والضحاك : سموا بذلك لأنهم كانوا خاصة الأنبياء . يريدان لنقاء قلوبهم . وقيل : كانوا ملوكا ، وذلك أن الملك صنع طعاما فدعا الناس إليه فكان عيسى على قصعة فكانت لا تنقص ، فقال الملك له : من أنت ؟ قال عيسى ابن مريم . قال : إني أترك ملكي هذا وأتبعك . فانطلق بمن اتبعه معه ، فهم الحواريون ، قاله ابن عون . وأصل الحور في اللغة البياض ن وحورت الثياب بيضتها ، والحواري من الطعام ما حور ن أي بيض واحور ابيض ، والجفنة المحورة : المبيضة بالسنام ، والحواري أيضا الناصر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل نبي حواري وحواريي الزبير " . والحواريات : النساء لبياضهن ، وقال :
فقل للحواريات يبكين غيرنا ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
يقول تعالى مخبراً عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام: أن الله يعلمه "الكتاب والحكمة", الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة, والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة, و"التوراة والإنجيل", فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران, والإنجيل الذي أنزل على عيسى ابن مريم عليهما السلام. وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا وهذا, وقوله: "ورسولاً إلى بني إسرائيل" أي يجعله رسولاً إلى بني إسرائيل, قائلاً لهم " أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله " وكذلك كان يفعل, يصور من الطين شكل طير, ثم ينفخ فيه فيطير عياناً بإذن الله عز وجل, الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله " وأبرئ الأكمه " قيل: أنه الذي يبصر نهاراً ولا يبصر ليلاً, وقيل بالعكس. وقيل: الأعشى. وقيل الأعمش. وقيل: هو الذي يولد أعمى وهو أشبه, لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي "والأبرص" معروف, "وأحيي الموتى بإذن الله" قال كثير من العلماء: بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه, فكان الغالب على زمان موسى عليه السلام السحر وتعظيم السحرة, فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار, فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام, وصاروا من عباد الله الأبرار. وأما عيسى عليه السلام, فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة فجاءهم من الايات بما لا سبيل لأحد إليه إلا أن يكون مؤيداً من الذي شرع الشريعة, فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد, أو على مداواة الأكمه والأبرص, وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد. وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم, بعث في زمان الفصحاء والبلغاء ونحارير الشعراء, فأتاهم بكتاب من الله عز وجل, لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله, أو بعشر سور من مثله, أو بسورة من مثله, لم يستطيعوا أبداً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً, وما ذاك إلا لأن كلام الرب عز وجل لا يشبه كلام الخلق أبداً, وقوله: "وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم" أي أخبركم بما أكل أحدكم الان, وما هو مدخر له في بيته لغد, "إن في ذلك" أي في ذلك كله " لآية لكم " أي على صدقي فيما جئتكم به " إن كنتم مؤمنين * ومصدقا لما بين يدي من التوراة " أي مقرراً لها ومثبتاً "ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم" فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة, وهو الصحيح من القولين, ومن العلماء من قال: لم ينسخ منها شيئاً, وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ, فكشف لهم عن المغطى في ذلك, كما قال في الاية الأخرى "ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه" والله أعلم. ثم قال "وجئتكم بآية من ربكم" أي بحجة ودلالة على صدقي فيما أقوله لكم " فاتقوا الله وأطيعون * إن الله ربي وربكم فاعبدوه " أي أنا وأنتم سواء في العبودية له والخضوع والاستكانة إليه "هذا صراط مستقيم".
قوله 52- "فلما أحس" أي علم ووجد: قاله الزجاج: وقال أبو عبيدة معنى أحس عرف، وأصل ذلك وجود الشيء بالحاسة، والإحساس: العلم بالشيء. قال الله تعالى "هل تحس منهم من أحد". والمراد بالإحساس هنا الإدراك القوي الجاري مجرى المشاهدة. وبالكفر إصرارهم عليه، وقيل: سمع منهم كلمة الكفر. وقال الفراء: أرادوا قتله. وعلى هذا فمعنى الآية: فلما أدرك منهم عيسى إرادة قتله التي هي كفر قال من أنصاري إلى الله. الأنصار جمع نصير. وقوله "إلى الله" متعلق بمجذوف وقع حالاً: أي متوجهاً إلى الله وملتجئاً إليه أو ذاهباً إليه وقيل: إلى بمعنى مع كقوله تعالى "ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم" وقيل المعنى: من أنصاري في السبيل إلى الله، وقيل المعنى: من يضم نصرته إلى نصرة الله. والحواريون جمع حواري، وحواري الرجل: صفوته وخلاصته، وهو مأخوذ من الحور وهو البياض عند أهل اللغة، حورت الثياب بيضتها والحواري من الطعام: ما حور: أي بيض، والحواري أيضاً الناصر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي حواري وحواريي الزبير" وهو في البخاري وغيره. وقد اختلف في سبب تسميتهم بذلك، فقيل: لبياض ثيابهم، وقيل: لخلوص نياتهم، وقيل: لأنهم خاصة الأنبياء، وكانوا اثني عشر رجلاً، ومعنى أنصار الله: أنصار دينه ورسله. وقوله "آمنا بالله" استئناف جار مجرى العلة لما قبله، فإن الإيمان يبعث على النصرة. قوله " واشهد بأنا مسلمون " أي: اشهد لنا يوم القيامة بأنا مخلصون لإيماننا منقادون لما تريد منا.
52-قوله تعالى "فلما أحس عيسى منهم الكفر" أي و جد قال الفراء ، وقال أبو عبيدة : عرف ، وقال مقاتل: رأى "منهم الكفر" وأرادوا قتله استنصر عليهم وقال" قال من أنصاري إلى الله " قال السدي : كان سبب ذلك أن عيسى عليه السلام لما بعثه الله عز وجل إلى بني إسرائيل وأمره بالدعوة ، نفته بنو إسرائيل وأخرجوه ، فخرج هو وأمه يسيحان في الأرض ، فنزلا في قرية على رجل فأضافهما وأحسن إليهما وكان لتلك المدينة جبار متعد فجاء ذلك الرجل يوماً مهتماً حزيناً ، فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها مريم : ما شان زوجك أراه كئيباً،قالت: لا تسأليني ، قالت : اخبريني لعل الله يفرج كربته، قالت: إن لنا ملكاً يجعل على كل رجل منا يوماً أن يطعمه وجنوده ويسقيهم الخمر فإن لم يفعل عاقبه ، واليوم نوبتنا وليس لذلك عندنا سعة ، قالت: فقول ي له لا يهتم فإني آمر ابني فيدعو له فيكفي ذلك ، فقالت مريم لعيسى عليه السلام في ذلك ، فقال عيسى: إن فعلت ذلك وقع شر ، قالت: فلا تبال فإنه قد احسن إلينا وأكرمنا ، قال عيسى عليه السلام ، فقولي له إذا اقترب ذلك فاملأ قدورك وخوابيك ماء ثم أعلمني ففعل ذلك ، فدعا الله تعالى عيسى عليه السلام ، فتحول ماء القدور مرقاً ولحماً ، وماء الخوابي خمراً لم ير الناس مثله قط فلما جاء الملك أكل فلما شرب الخمر، قال: من أين هذا الخمر، قال: من أرض كذا، قال (الملك) :فإن خمري من تلك الأرض وليست مثل هذه ، قال: هي من أرض أخرى ، فلما خلط على الملك واشتد عليه قال: فأنا أخبرك عندي غلام لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه، وإنه دعا الله فجعل الماء خمراً، وكان للملك ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل ذلك بأيام ، وكان احب الخلق إليه ، فقال: أن رجلاً دعا الله حتى جعل الماء خمراً (ليستجاب له ) حتى يحيي ابني ، فدعا عيسى عليه السلام فكلمه في ذلك فقال عيسى : لا تفعل فإنه إن عاش وقع شر ، فقال الملك : لا أبالي أليس أراه ، قال عيسى : أن أحييته تتركون وأمي نذهب حيث نشاء ، قال: نعم ، فدعا الله فعاش الغلام فلما رآه أهل مملكته قد عاش تبادروا بالسلاح ، و قالوا: أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف عليها ابنه فيأكل كما أكل أبوه فاقتتلوا فذهب عيسى وأمه فمر بالحواريين وهو يصطادون السمك ، فقال: ما تصنعون ؟ فقالوا : نصطاد السمك قال: أفلا تمشون حتى نصطاد الناس، قالوا : ومن أنت ، قال : انا عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله من أنصاري إلى الله فآمنوا وانطلقوا معه.
قوله تعالى:"من أنصاري إلى الله" قال السدي وابن جريج : مع الله تعالى تقول العرب : الذود إلى الذود إبل أي مع الذوذ ، وكما قال الله تعالى :" ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم "(2-النساء) ظاي مع أموالكم . وقال الحسن وأبو عبيدة : الى بمعنى في أي من أعواني في الله أي في ذات الله وسبيله ، وقيل الى في موضعه معناه من يضم نصرته الى نصرة الله لي ، واختلفوا في الحواريين قال مجاهد والسدي : كانوا صيادين يصطادون السمك سمواً حواريين لبيضا ثيابهم ، وقيل: كانوا ملاحين . وقال الحسن : كانوا قصارين سموا بذلك لأنهم كانوا يحورون الثياب أي يبيضونها . وقال عطاء: سلمت مريم عيسى عليه السلام إلى أعمال شتى فكان آخر ما دفعته الى الحواريين ، وكانوا قصارين وصباغين فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه فاجتمع عند ثياب وعرض له سفر، فقال لعيسى : إنك قد تعلمت هذه الحرفة وأنا خارج في سفر لا أرجع إلى عشرة أيام وهذه ثياب الناس مختلفة الألوان ، وقد أعلمت على كل واحد منها بخيط على اللون الذي يصبغ به ، فيجب ان تكون فارغاً منها وقت قدومي، وخرج فطبخ عيسى جباً واحداً على لون واحد وأدخل جميع الثياب وقال: كوني بإذن اله على ما أريد منك ، فقدم الحواري والثياب كلها في الجب ، فقال: ما فعلت؟فقال: فرغت منها ، قال: اين هي؟ قال: في الجب ،قال: كلها، قال: قال:لقد أفسدت تلك الثباب ، فقال: قم فانظر ، فأخرج عيسى ثوباً أحمر، وثوباً اصفر وثوباً أخضر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها ، فجعل الحواري يتعجب فعلم أن ذلك من الله ، فقال للناس : تعالوا فانظروا فلآمن به هو وأصحابه فهم الحواريون وقال الضحاك: سموا حواريين لصفاء (قلوبهم) وقال ابن المبارك : سموا به لما عليهم من اثر العبادة ونورها ، اصل الحور عند العرب شدة البياض ، يقال: رجل احور وامرأة حوراء أي شديدة بياض العين ، وقال الكلبي وعكرمة : الحواريون هم الأصفياء وهم كانوا أصفياء عيسى عليه السلام ، وكانوا اثنى عشر رجلاً ، قال روح بن القاسم :سألت قتادة عن الحواريين قال: هم الذي يصلح لهم الخلافة ، وعنه انه قال: الحواريون هم الوزراء ، وقال الحسن: الحواريون الأنصار والحواري الناصر ، والحواري في كلام العرب خاصة الرجل الذي يستعين به / فيما ينوبه.
أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي،أخبرنااحمد بن عبد الله النعيمي ،اخبرنا محمد بن يوسف،اخبرنامحمد بن إسماعيل ،أخبرناالحميدي،أخبرناسفيان ، أخبرنا محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما يقول: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أن لكل نبي حوارياً وحواريي الزبير".
قال سفيان: الحواري الناصر، قال المعمر: قال قتادة : أن الحواريين كلهم من قريش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظفون وعبد الرحمن وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص و طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله عنهم أجمعين.
"قال الحواريون :نحن أنصار الله " أعوان دين الله ورسوله "آمنا بالله واشهد" يا عيسى" بأنا مسلمون".
52"فلما أحس عيسى منهم الكفر" يحقق كفرهم عنده تحقق ما يدرك بالحواس. "قال من أنصاري إلى الله" ملتجئاً إلى الله تعالى أو ذاهباً أو ضاماً إليه، ويجوز أن يتعلق الجار بـ"أنصاري" مضمناً معنى الإضافة، أي من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله تعالى في نصري. وقيل إلى ها هنا بمعنى (مع) أو (في) أو (اللام)و "قال الحواريون" حواري الرجل خاصته من الحور وهو البياض الخالص، ومنه الحواريات للحضريات لخلوص ألوانهن. سمي به أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام من اليهود. وقيل قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها. "نحن أنصار الله" أي أنصار دين الله. " آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون " لتشهد لنا يوم القيامة حين تشهد الرسل لقومهم وعليهم.
52. But when Jesus became conscious of their disbelief, he cried: Who will be my helpers in the cause of Allah? The disciples said: We will be Allah's helpers. We believe in Allah, and bear thou witness that we have surrendered (unto Him).
52 - When Jesus found unbelief on their part he said: who will be my helpers to (the work of) God? said the disciples: we are God's helpers: we believe in God, and do thou bear witness that we are Muslims.