53 - هو (الذي جعل لكم) في جملة الخلق (الأرض مهدا) فراشا (وسلك) سهل (لكم فيها سبلا) طرقا (وأنزل من السماء ماء) مطرا قال تعالى تتميما لما وصفه به موسى وخطابا لأهل مكة (فأخرجنا به أزواجا) أصنافا (من نبات شتى) صفة أزواجا أي مختلفة الألوان والطعوم وغيرهما وشتى جمع شتيت كمريض ومرضى من شت الأمر تفرق
اختلف أهل التأويل في قراءة قوله "مهدا" فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة الذي جعل لكم الأرض مهاداً بكسر الميم من المهاد وإلحاق ألف فيه بعد الهاء، وكذلك عملهم ذلك في كل القرآن . وزعم بعض من اختار قراءة ذلك كذلك ، أنه إنما اختاره من أجل أن المهاد: اسم الموضع ، وأن المهد الفعل ، قال : وهو مثل الفرش والفراش. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين "مهدا" بمعنى : الذي مهد لكم الأرض مهداً.
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار مشهورتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب فيها.
وقوله "وسلك لكم فيها سبلا" يقول : وأنهج لكم في الأرض طرقاً والهاء في قوله فيها: من ذكر الأرض.
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "وسلك لكم فيها سبلا": أي طرقاً.
وقوله "وأنزل من السماء ماء" يقول : وأنزل من السماء مطراً "فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى" وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن إنعامه على خلقه بما يحدث لهم من الغيث الذي ينزله من سمائه إلى أرضه ، بعد تناهي خبره عن جواب موسى فرعون عما سأله عنه وثنائه على ربه بما هو أهله ، يقول جل ثناؤه فأخرجنا نحن أيها الناس بما ننزل من السماء من ماء أزواجاً، يعني ألواناً من نبات شتى، يعني مختلفة الطعوم ، والأراييح والمنظر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "من نبات شتى" يقول: مختلف.
قوله تعالى: " الذي جعل لكم الأرض مهدا " " الذي " في موضع نعت لربي أي لا يضل ربي الذي جعل. ويجوز أن يكون خبر ابتداء مضمر أي هو " الذي ". ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار أعني. وقرأ الكوفيون مهدا هنا وفي ((الزخرف)) بفتح الميم وإسكان الهاء. الباقون " مهادا " واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لاتفاقهم على قراءة " ألم نجعل الأرض مهادا " [النبأ: 6]. النحاس : والجمع أولى لأن " مهدا " مصدر وليس هذا موضع مصدر إلا على حذف، أي ذات مهد. المهدوي : ومن قرأ " مهدا " جاز أن يكون مصدراً كالفرش أي مهد لكم الأرض مهداً، وجاز أن يكون على تقدير حذف المضاف، أي ذات مهد. ومن قرأ " مهادا " جاز أن يكون مفرداً كالفراش. وجاز أن يكون جمع " مهد " استعمل استعمال الأسماء فكسر. ومعنى " مهادا " أي فراشاً وقراراً تستقرون عليها. " وسلك لكم فيها سبلا " أي طرقاً. نظيره " والله جعل لكم الأرض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا " [نوح: 19 - 20] وقال تعالى: " الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون " [الزخرف: 10]. " وأنزل من السماء ماء " تقدم معناه. وهذا آخر كلام موسى، ثم قال الله تعالى: " فأخرجنا به ". وقيل: كله من كلام موسى، والمعنى " فأخرجنا به " أي بالحرث والمعالجة، لأن الماء المنزل سبب خروج النبات. ومعنى " أزواجا " ضروباً وأشباهاً، أي أصنافاً من النبات المختلفة الأزواج والألوان. وقال الأخفش : التقدير أزواجاً شتى من نبات. قال: وقد يكون النبات شتى، فـ" شتى " يجوز أن يكون نعتاً لأزواج، ويجوز أن يكون نعتاً للنبات. و " شتى " مأخود من شت الشيء أي تفرق. يقال: أمر شت أي متفرق. وشت الأمر شتاً وشتاتاً تفرق، واستشت مثله. وكذلك التشتت. وشتته تشتيتاً فرقه. وأشت بي قومي أي فرقوا أمري. والشتيت المتفرق. قال رؤبة يصف إبلاً:
جاءت معاً واطرقت شتيتا وهي تثير الساطع السختيتا
وثغر شتيت أي مفلج. وقوم شتى، وأشياء شتى، وتقول: جاءوا أشتاتاً، أي متفرقين، واحدهم شت، قاله الجوهري .
من تمام كلام موسى فيما وصف به ربه عز وجل حين سأله فرعون عنه, فقال: "الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" ثم اعترض الكلام بين ذلك, ثم قال: "الذي جعل لكم الأرض مهداً" وفي قراءة بعضهم مهاداً أي قراراً تستقرون عليها, وتقومون وتنامون عليها, وتسافرون على ظهرها "وسلك لكم فيها سبلاً" أي جعل لكم طرقاً تمشون في مناكبها كما قال تعالى: "وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون" "وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى" أي من أنواع النباتات من زروع وثمار, ومن حامض وحلو ومر وسائر الأنواع "كلوا وارعوا أنعامكم" أي شيء لطعامكم وفاكهتكم, وشيء لأنعامكم لأقواتها خضراً ويبساً " إن في ذلك لآيات " أي لدلالات وحججاً وبراهين "لأولي النهى" أي لذوي العقول السليمة المستقيمة, على أنه لا إله إلا الله ولا رب سواه "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" أي من الأرض مبدؤكم, فإن أباكم آدم مخلوق من تراب من أديم الأرض وفيها نعيدكم أي وإليها تصيرون إذا متم وبليتم, ومنها نخرجكم تارة أخرى "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا" وهذه الاية كقوله تعالى: "قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون" وفي الحديث الذي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر جنازة, فلما دفن الميت أخذ قبضة من التراب فألقاها في القبر وقال: منها خلقناكم, ثم أخذ أخرى, وقال: وفيها نعيدكم, ثم أخرى, وقال: ومنها نخرجكم تارة أخرى. وقوله: "ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى" يعني فرعون أنه قامت عليه الحجج والايات والدلالات, وعاين ذلك وأبصره فكذب بها وأباها كفراً وعناداً وبغياً, كما قال تعالى: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً" الاية.
53- " الذي جعل لكم الأرض مهدا " الموصول في محل رفع على أنه صفة لربي متضمنة لزيادة البيان، ويجوز أن يكون خبر لمبتدإ محذوف، أو في محل النصب على المدح. قرأ الكوفيون "مهداً" على أنه مصدر لفعل مقدر: أي مهدها مهداً، أو على تقدير مضاف محذوف: أي ذات مهد، وهو اسم لما يمهد كالفراش لما يفرش. وقرأ الباقون "مهاداً" واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم قال لاتفاقهم على قراءة: "ألم نجعل الأرض مهاداً" قال النحاس: والجمع أولى من المصدر، لأن هذا الموضع ليس موضع المصدر إلا على حذف المضاف. قيل يجوز أن يكون مهاداً مفرداً كالفراش، ويجوز أن يكون جمعاً، ومعنى المهاد: الفراش فالمهاد جمع المهد: أي جعل كل موضع منها مهداً لكل واحد منكم " وسلك لكم فيها سبلا " السلك: إدخال الشيء في الشيء. والمعنى: أدخل في الأرض لأجلكم طرقاً تسلكونها وسهلها لكم. وفي الآية الأخرى " الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون " ثم قال سبحانه ممتناً على عباده "وأنزل من السماء ماء" هو ماء المطر، قيل إلى هنا انتهى كلام موسى، وما بعده هو "فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى" من كلام الله سبحانه، وقيل هو من الكلام المحكي عن موسى معطوف على أنزل، وإنما التفت إلى التكلم للتنبيه على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة. ونوقش بأن هذا خلاف الظاهر مع استلزامه فوت الالتفات لعدم اتحاد المتكلم، ويجاب عنه بأن الكلام كله محكي عن واحد هو موسى، والحاكي للجميع هو الله سبحانه. والمعنى: فأخرجنا بذلك الماء بسبب الحرث والمعالجة أزواجاً: أي ضروباً وأشباهاً من أصناف النبات المختلفة. وقوله من نبات صفة لأزواجاً، أو بيان له، وكذا شتى صفة أخرى له، أي متفرقة جمع شتيت. وقال الأخفش: التقدير أزواجاً شتى من نبات. قال: وقد يكون النبات شتى، فيجوز أن يكون شتى نعتاً لـ أزواجاً ويجوز أن يكون نعتاً للنبات، يقال أمر شت: أي متفرق، وشت الأمر شتاً وشتاتاً تفرق واشتت مثله، والتشتيت المتفرق. قال رؤبة:
جاءت معاً وأطرقت شتيتاً
53. " الذي جعل لكم الأرض مهداً "، قرأ أهل الكوفة: " مهداً " هاهنا، وفي الزخرف، فيكون مصدراً، أي: فرشاً، وقرأ الآخرون: " مهاداً "، كقوله تعالى: " ألم نجعل الأرض مهاداً " (النبأ-16)، أي: فراشاً وهو اسم لما يفرش، كالبساط: اسم لما يبسط.
" وسلك لكم فيها سبلاً " [السلك: إدخال الشيء في الشيء، والمعنى: أدخل في الأرض لأجلكم طرقاً تسلكونها]. قال ابن عباس: سهل لكم فيها طرقاً تسلكونها.
" وأنزل من السماء ماءً "، يعني: المطر.
تم الإخبار عن موسى، ثم أخبر الله عن نفسه بقوله: " فأخرجنا به "، بذلك الماء " أزواجاً "، أصنافاً، " من نبات شتى "، مختلف الألوان والطعوم والمنافع من بين أبيض وأحمر وأخضر وأصفر، فكل صنف منها زوج، فمنها للناس ومنها للدواب.
53ـ " الذي جعل لكم الأرض مهداً " مرفوع صفة لـ " ربي " أو خبر لمحذوف أو منصوب على المدح . وقرأ الكوفيون هنا وفي ((الزخرف)) "مهداً"
أي كالمهد تتمدونها ، وهو مصدر سمي به ، والباقون مهاداً وهو اسم ما يمهد كالفراش أو جمع مهد ولم يختلفوا في الذي في ((النبأ)) . " وسلك لكم فيها سبلاً " وجعل لم فيها سبلاً بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها . " وأنزل من السماء ماءً " مطراً . " فأخرجنا به " عدل به عن لفظ الغيبة إلى صيغة التكلم على الحكاية لكلام الله تعالى ، تنبيهاً على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة وإيذاناً بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لمشيئته ، وعلى هذا نظائره كقوله : " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها " " أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق " الآية . " أزواجاً " أصنافاً سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض . " من نبات " بيان أو صفة لأزواجاً وكذلك : " شتى " ويحتمل أن يكون صفة لـ " نبات " فإنه من حيث إنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع ، وهو جمع شتيت كمريض ومرضى أي متفرقات في الصور والأغراض والمنافع يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم فلذلك قال :
53. Who hath appointed the earth as a bed and hath threaded roads for you therein and hath sent down water from the sky and thereby We have brought forth divers kinds of vegetation,
53 - He who has made for you the earth like a carpet spread out; has enabled you to go about therein by roads (And channels); and has sent down water from the sky. with it have we produced divers pairs of plants each separate from the others.