53 - (فتقطعوا) أي الأتباع (أمرهم) دينهم (بينهم زبرا) حال من فاعل تقطعوا أي أحزابا متخالفين كاليهود والنصارى وغيرهم (كل حزب بما لديهم) عندهم من الدين (فرحون) مسرورين
اختلف القراء في قراءة قوله " زبرا " فقرأته عامة قراء المدينة والعراق " زبرا " بمعنى جمع الزبور . فتأويل الكلام على قراءة هؤلاء : فتفرق القوم الذين أمرهم الله من أمة الرسول عيسى بالاجتماع على الدين الواحد ، والملة الواحدة ، دينهم الذي أمرهم الله بلزومه " زبرا " كتبا ، فدان كل فريق منهم بكتاب غير الكتاب الذي دان به الفريق الآخر ، كاليهود الذين زعموا أنهم دانوا بحكم التوراة ، وكذبوا بحكم الإنجيل والقرآن ، وكالنصارى الذين دانوا بالإنجيل بزعمهم ، وكذبوا بحكم الفرقان .
ذكر من تأول ذلك كذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " زبرا " قال : كتبا .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " بينهم زبرا " قال : كتب الله فرقوها قطعا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا " قال مجاهد : كتبهم فرقوها قطعا .
وقال آخرون من أهل هذه القراءة : إنما معنى الكلام : فتفر قوادينهم بينهم كتبا أحدثوها ، يحتجون فيها لمذابهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون " قال : هذا ما اختلفوا فيه من الأديان والكتب ، كل معجبون برأيهم ، ليس أهل هواء إلا وهم معجبون برأيهم وهواهم ، وصاحبهم الذي اخترق ذلك لهم . وقرأ ذلك عامة قراء الشام فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا بضم الزاي ، وفتح الباء ، بمعنى : فتفرقوا أمرهم بينهم قطعا كزبر الحديد ، وذلك القطع منها ، واحدتها زبرة ، من قول الله "آتوني زبر الحديد" الكهف : 96 فصار بعضهم يهودا ، وبعضهم نصارى .
والقراءة التي نختار في ذلك : قراءة من قراه بضم الزاي والباء ، لإجماع أهل التأويل في تأويل ذلك ، على أنه مراد به الكتب ، فذلك يبين عن صحة ما اخترنا في ذلك ، لأن الزبر هي الكتب ، يقال منه : زبرت الكتاب : إذا كتبته .
فتأويل الكلام : فتفرق الذين أمرهم الله بلزوم دينه من الأمم ، دينهم بينهم كتبا ، كما بينا قبل .
وقوله " كل حزب بما لديهم فرحون " يقول : كل فريق من تلك الأمم بما اختاره لأنفسهم من الدين والكتب فرحون ، معجبون به ، لا يرون أن الحق سواه .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " كل حزب بما لديهم فرحون " قطعة ، وهؤلاء هم أهل الكتاب .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " كل حزب " قطعة أهل الكتاب .
" فتقطعوا " أي افترقوا، يعني الأمم، أي جعلوا دينهم أدياناً بعد ما أمروا بالاجتماع. ثم ذكر تعالى أن كلاً منهم معجب برأيه وضلالته وهذا غاية الضلال.
الرابعة: هذه الآية تنظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم:
" ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة " الحديث. خرجه أبو داود ، ورواه الترمذي وزاد: قالوا ومن هي يا رسول الله؟ قال: " ما أنا عليه وأصحابي " خرجه من حديث عبد الله بن عمرو. وهذا يبين أن الافتراق المحذر منه في الآية والحديث إنما هو في أصول الدين وقواعده، لأنه قد أطلق عليها مللاً، وأخبر أن التمسك بشئ من تلك الملل موجب لدخول النار. ومثل هذا لا يقال في الفروع، فإنه لا يوجب تعديل الملل ولا عذاب النار، قال الله تعالى: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " [المائدة: 48].
قوله تعالى: " زبراً " يعني كتباً وضعوها وضلالات ألفوها، قاله ابن زيد. وقيل: إنهم فرقوا الكتب فاتبعت فرقة الصحف وفرقة التوراة وفرقة الزبور وفرقة الإنجيل، ثم حرف الكل وبدل، قاله قتادة . وقيل: أخذ كل فريق منهم كتاباً آمن به وكفر بما سواه. و " زبراً " بضم الباء قراءة نافع، جمع زبور. و الأعمش وأبو عمرو بخلاف عنه " زبراً " بفتح الباء، أي قطعاً كقطع الحديد، كقوله تعالى: " آتوني زبر الحديد " [الكهف: 96]. " كل حزب " أي فريق وملة. " بما لديهم " أي عندهم من الدين. " فرحون " أي معجبون به.
يأمر تعالى عباده المرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين بالأكل من الحلال والقيام بالصالح من الأعمال, فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح, فقام الأنبياء عليهم السلام بهذا أتم القيام, وجمعوا بين كل خير قولاً وعملاً ودلالةً ونصحاً, فجزاهم الله عن العباد خيراً. قال الحسن البصري في قوله: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات" قال: أما والله ما أمركم بأصفركم ولا أحمركم ولا حلوكم ولا حامضكم, ولكن قال: انتهوا إلى الحلال منه. وقال سعيد بن جبير والضحاك "كلوا من الطيبات" يعني الحلال. وقال أبو إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل : كان عيسى ابن مريم يأكل من غزل أمه, وفي الصحيح "وما من نبي إلا رعى الغنم قالوا: وأنت يا رسول الله ؟ قال: نعم وأنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة". وفي الصحيح "إن داود عليه السلام كان يأكل من كسب يده". وفي الصحيحين "إن أحب الصيام إلى الله صيام داود, وأحب القيام إلى الله قيام داود, كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه, وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً, ولا يفر إذا لاقى".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع , حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب أن أم عبد الله أخت شداد بن أوس قال: " بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره وهو صائم, وذلك في أول النهار وشدة الحر, فرد إليها رسولها أنى كانت لك الشاة ؟ فقالت: اشتريتها من مالي, فشرب منه, فلما كان من الغد أتته أم عبد الله أخت شداد فقالت: يا رسول الله بعثت إليك بلبن, مرثية لك من طول النهار, وشدة الحر, فرددت إلي الرسول فيه, فقال لها: بذلك أمرت الرسل: أن لا تأكل إلا طيباً, ولا تعمل إلا صالحاً". وقد ثبت في صحيح مسلم وجامع الترمذي ومسند الإمام أحمد واللفظ له, من حديث فضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً, وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين, فقال: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم" وقال: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر, ومطعمه حرام, ومشربه حرام, وملبسه حرام, وغذي بالحرام يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب فأنى يستحاب لذلك" وقال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فضيل بن مرزوق .
وقوله: "وإن هذه أمتكم أمة واحدة" أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد وملة واحدة, وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له, ولهذا قال "وأنا ربكم فاتقون" وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الأنبياء, وأن قوله "أمة واحدة" منصوب على الحال. وقوله: "فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً" أي الأمم الذين بعثت إليهم الأنبياء "كل حزب بما لديهم فرحون" أي يفرحون بما هم فيه من الضلال لأنهم يحسبون أنهم مهتدون, ولهذا قال متهدداً لهم ومتوعداً: "فذرهم في غمرتهم" أي في غيهم وضلالهم "حتى حين" أي إلى حين حينهم وهلاكهم, كما قال تعالى: "فمهل الكافرين أمهلهم رويداً" وقال تعالى: "ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون".
وقوله: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " يعني أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا ؟ كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم " نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين " لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم, بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجاً وإنظاراً وإملاء, ولهذا قال: "بل لا يشعرون" كما قال تعالى: "فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا" الاية. وقال تعالى: "إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً" وقال تعالى: "فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم" الاية, وقال: " ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا " وقال تعالى: "وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً" الاية, والايات في هذا كثيرة.
قال قتادة في قوله: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " قال: مكر والله بالقوم في أموالهم وأولادهم, يا ابن آدم فلا تعتبر الناس بأموالهم وأولادهم, ولكن اعتبرهم بالإيمان والعمل الصالح. وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد , حدثنا أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد عن مرة الهمداني , حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم, وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب, ولا يعطي الدين إلا لمن أحب, فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه, والذي نفس محمد بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه, ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه قالوا: وما بوائقه يا رسول الله ؟ قال: غشمه وظلمه, ولا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه, ولا يتصدق به فيقبل منه, ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار, إن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن, إن الخبيث لا يمحو الخبيث".
ثم ذكر سبحانه ما وقع من الأمم من مخالفتهم لما أمرهم به الرسل فقال: 53- "فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً" والفاء لترتيب عصيانهم على ما سبق من الأمر بالتقوى، والضمير راجع إلى ما يدل عليه لفظ الأمة، والمعنى: أنهم جعلوا دينهم مع اتحاده قطعاً متفرقة مختلفة. قال المبرد: زبراً فرقاً وقطعاً مختلفة، واحدها زبور، وهي الفرقة والطائفة، ومثله الزبرة وجمعها زبر، فوصف سبحانه الأمم بأنهم اختلفوا، فاتبعت فرقة التوراة، وفرقة الزبور، وفرقة الإنجيل ثم حرفوا وبدلوا، وفرقة مشركة تبعوا ما رسمه لهم آباؤهم من الضلال: قرئ زبراً بضم الباء جمع زبور، وقرئ بفتحها: أي قطعاً كقطع الحديد "كل حزب بما لديهم فرحون" أي كل فريق من هؤلاء المختلفين بما لديهم: أي بما عندهم من الدين فرحون: أي معجبون به.
53. " فتقطعوا أمرهم "، دينهم، " بينهم "، أي: تفرقوا فصاروا فرقاً، يهوداً ونصارى ومجوساً، " زبراً "، أي: فرقاً وقطعاً مختلفة، واحدها زبور وهي الفرقة والطائفة، ومثله الزبرة وجمعها زبر، ومنه: " زبر الحديد " (الكهف-96). اي: صاروا فرقاً كزبر الحديد. وقرأ بعض أهل الشام ((زبراً)) بفتح الباء، قال قتادة و مجاهد ((زبراً)) أي: كتباً، يعني دان كل فريق بكتاب غير الكتاب الذي دان به الآخرون. وقيل: جعلوا كتبهم قطعاً مختلفة، آمنوا بالبعض، وكفروا بالبعض، وحرفوا البعض، " كل حزب بما لديهم "، بما عندهم من الدين، " فرحون "، معجبون ومسرورون.
53ـ " فتقطعوا أمرهم بينهم " فتقطعوا أمر دينهم جعلوه أدياناً مختلفة ، أو فتفرقوا وتحزبوا وأمرهم منصوب بنزع الخافض أو التمييز ، والضمير لما دل عليه الأمة من أربابها أولها . " زبراً " قطعاً جمع زبور الذي بمعنى الفرقة ويؤيده القراءة بفتح الباء فإنه جمع زبرة وهو حال من أمرهم أو من الواو ، أو مفعول ثان لـ " فتقطعوا " فإنه متضمن معنى جعل . وقيل كتباً من زبرت الكتاب فيكون مفعولاً ثانياً ، أو حالاً من أمرهم على تقدير مثل كتب ، وقرئ بتخفيف الباء كرسل في " رسل " . " كل حزب " من المتحزبين . " بما لديهم " من الدين . " فرحون " معجبون معتقدون أنهم على الحق .
53. But they (mankind) have broken their religion among them into sects, each sect rejoicing in its tenets.
53 - But people have cut off their affair (of unity), between them, into sects: each party rejoices in that which is with itself.