(أم) بل (يحسدون الناس) أي النبي صلى الله عليه وسلم (على ما آتاهم الله من فضله) من النبوة وكثرة النساء أي يتمنون زواله عنه ويقولون لو كان نبيا لاشتغل عن النساء (فقد آتينا آل إبراهيم) جده كموسى وداود وسليمان (الكتاب والحكمة) والنبوة (وآتيناهم ملكاً عظيماً) فكان لداود تسع وتسعون امرأة ولسليمان ألف ما بين حرة وسرية
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "أم يحسدون الناس"، أم يحسد هؤلاء الذين أوتوا نصيباً من الكتاب من اليهود، كما:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "أم يحسدون الناس"، قال: يهود.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبوحذيفة قال،حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة مثله. وأما قوله: الناس فإن أهل التأويل اختلفوا فيمن عنى الله به.
فقال بعضهم: عنى الله بذلك محمداً صلى الله عليه وسلم خاصة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط قال، أخبرنا هشيم ، عن خالد، عن عكرمة في قوله: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"، قال: "الناس"، في هذا الموضع، النبي بين خاصة.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"، قال: "الناس"،محمداً صلى الله عليه وسلم،.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول، فذكر نحوه.
وقال آخرون: بل عنى الله به العرب.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"، أولئك اليهود، حسدوا هذا الحي من العرب على ما آتاهم الله من فضله.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله عاتب اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآيات، فقال لهم في قيلهم للمشركين من عبدة الأوثان أنهم أهدى من محمد وأصحابه سبيلاً، على علم منهم بأنهم في قيلهم ما قالوا من ذلك كذبة: أتحسدون محمداً وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن ما قبل قوله: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"، مضى بذم القائلين من اليهود للذين كفروا: "هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا"، فإلحاق قوله: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"، بذمهم على ذلك، وتقريظ الذين آمنوا الذين قيل فيهم ما قيل، أشبه وأولى، ما لم تأت دلالة على انصراف معناه عن معنى ذلك.
واختلف أهل التأويل في تأويل الفضل الذي أخبر الله أنه آتى الذين ذكرهم في قوله : "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله". فقال بعضهم: ذلك الفضل، هو النبوة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"، حسدوا هذا الحي من العرب على ما آتاهم الله من فضله. بعث الله منهم نبياً، فحسدوهم على ذلك.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: "على ما آتاهم الله من فضله"، قال: النبوة.
وقال آخرون: بل ذلك الفضل الذي ذكر الله أنه آتاهموه، هو إباحته ما أباح لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من النساء، ينكح منهن ما شاء بغير عدد. قالوا: وإنما يعني: ب"الناس"، محمداً صلى الله عليه وسلم، على ما ذكرت قبل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"، الآية، وذلك أن أهل الكتاب قالوا: زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع، وله تسع نسوة، ليس همه إلا النكاح! فأي ملك أفضل من هذا! فقال الله: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله".
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"، يعني: محمداً، أن ينكح ما شاء من النساء.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"، وذلك أن اليهود قالوا. ما شأن محمد أعطي النبوة كما يزعم، وهو جائع عار، وليس له هم إلا نكاح النساء؟، فحسدوه على تزويج الأزواج. وأحل الله لمحمد أن ينكح منهن ما شاء أن ينكح.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، قول قتادة وابن جريج الذي ذكرناه قبل: أن معنى الفضل في هذا الموضع: النبوة التي فضل الله بها محمداً، وشرف بها العرب، إذ آتاها رجلًا منهم دون غيرهم، لما ذكرنا من أن دلالة ظاهر هذه الآية، تدل على أنها تقريظ للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رحمة الله عليهم، على ما قد بينا قبل. وليس النكاح وتزويج النساء، وإن كان من فضل الله جل ثناؤه الذي آتاه عباده، بتقريظ لهم ومدح.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أم يحسد هؤلاء اليهود- الذين وصف صفتهم في هذه الآيات- الناس على ما آتاهم الله من فضله، من أجل أنهم ليسوا منهم ؟ فكيف لا يحسدون آل إبراهيم، فقد آتيناهم الكتاب؟ ويعني بقوله: " فقد آتينا آل إبراهيم"، فقد أعطينا آل إبراهيم، يعني. أهله وأتباعه على دينه، "الكتاب"، يعني كتاب الله الذي أوحاه إليهم، وذلك كصحف إبراهيم وموسى والزبور، وسائر ما آتاهم من الكتب.
وأما "الحكمة"، فما أوحي إليهم مما لم يكن كتاباً مقروءاً، "وآتيناهم ملكا عظيما".
واختلف أهل التأويل في معنى الملك العظيم الذي عناه الله في هذه الآية.
فقال بعضهم: هو النبوة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله: "أم يحسدون الناس"، قال: يهود، "على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب"، وليسوا منهم، "والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما"، قال: النبوة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبوحذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: "ملكا"، النبوة.
وقال آخرون: بل ذلك تحليل النساء. قالوا: وإنما عنى الله بذلك: أم يحسدون محمداً على ما أحل الله له من النساء، فقد أحل الله مثل الذي أحله له منهن، لداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء، فكيف لم يحسدوهم على ذلك، وحسدوا محمداً عليه السلام؟ ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فقد آتينا آل إبراهيم"، سليمان وداود، "الحكمة"، يعن : النبوة، "وآتيناهم ملكا عظيما"، في النساء، فما باله حل لأولئك وهم أنبياء: أن ينكح داود تسعاً وتسعين امرأة، وينكح سليمان مائة، ولا يحل لمحمد أن ينكح كما نكحوا؟
وقال آخرون: بل معنى قوله: "وآتيناهم ملكا عظيما"، الذي آتى سليمان بن داود. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "وآتيناهم ملكا عظيما"، يعني ملك سليمان.
وقال آخرون: بل كانوا أيدوا بالملائكة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن حازم الغفاري قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحق ، عن همام بن الحارث: "وآتيناهم ملكا عظيما"، قال: أيدوا بالملائكة والجنود.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، وهي قوله: "وآتيناهم ملكا عظيما"، القول الذي روي عن ابن عباس أنه قال: يعني ملك سليمان. لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، دون الذي قال إنه ملك النبوة، ودون قول من قال: إنه تحليل النساء والملك عليهن. لأن كلام الله الذي خوطب به العرب، غير جائز توجيهه إلا إلى المعروف المستعمل فيهم من معانيه، إلا أن تأتي دلالة أو تقوم حجة على أن ذلك بخلاف ذلك، يجب التسليم لها.
فيه أربع مسائل:
الأولى - قوله تعالى :" أم يحسدون" يعني اليهود" الناس " يعني النبي صل الله عليه وسلم خاصة عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما حسدوه على النبوة وأصحابه على الإيمان به وقال قتادة الناس العرب، حسدتهم اليهود على النبوة الضحاك: حسدت اليهود قريشا لأن النبوة فيهم والحسد مذموم وصاحبه مغموم :
وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحسن: ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد، نفس دائم وحزن لازم وعبرة لا تنفد وقال عبد الله بن مسعود: لا تعادوا نعم الله قيل له : ومن يعادي نعم الله ؟ قال الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله يقول الله تعالى في بعض الكتب الحسود عدو نعمت متسخط لقضائي غير راض بقسمتي ولمنصور الفقيه:
إلا قل لمن ظل لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه إذا أنت لم ترض لي ما وهب
ويقال: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض فأما في السماء فحسد إبليس لآدم وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل: ولأبي العتاهية في الناس:
فيا رب إن الناس لا ينصفونني فكيف ولو أنصفتهم ظلموني
وإن كان لي شيء تصدوا لأخذه وإن شئت أبغي شيئهم منعوني
وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم وإن أنا لم أبذل لهم شتموني
وإن طرقتني نكبة فكهوا بها وإن صحبتني نعمة حسدوني
سأمنع قلبي أن يحن إليهمو وأحجب عنهم ناظري وجفوني
وقيل: إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك ولرجل من قريش :
حسدوا النعمة لما ظهرت فرموها بأباطيل الكلم
وإذا ما الله أسدى نعمة لم يضرها قول أعداء النعم
ولقد أحسن من قال
اصبر على حسد الحسو د فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
وقال بعض أهل التفسير في قوله تعالى :" ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين"[فصلت: 29] إنه إنما أراد بالذي من الجن إبليس والذي من الإنس قابيل، وذلك إن إبليس كان أول من سن الكفر، وقابيل كان أو من سن القتل، وإنما كان أصل ذلك كله الحسد. وقال الشاعر:
إن الغراب وكان يمشي مشيةً فيما مضى من سالف الأحوال
حسد القطاة فرام يمشي مشيها فأصابه ضب من التعقال
الثانية- قوله تعالى :" فقد آتينا " ثم أخبر تعالى أنه آتى آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتاهم ملكاً عظيماً قال همام بن الحارث: أيدوا بالملائكة وقيل: يعني ملك سليمان عن ابن عباس . وعنه أيضاً : المعنى أم يحسدون محمداً على ما أحل الله له من النساء فيكون الملك العظيم على هذا أنه أحل لداود تسعاً وتسعين امرأة ولسليمان أكثر من ذلك واختار الطبري أن يكون المراد ما أوتيه سليمان من الملك وتحليل النساء والمراد تكذيب اليهود والرد عليهم في قولهم : لو كان نبياً ما رغب في كثرة النساء ولشغلته النبوة عن ذلك فأخبر الله تعالى بما كان لداود وسليمان يوبخهم فأقرت اليهود أنه اجتمع عند سليمان ألف امرأة، فقال لهم النبي صلى لاله عليه وسلم :
"ألف امرأة " قالوا: نعم ثلاثمائة مهرية ، وسبعمائة سرية، وعند داود مائة امرأة فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ألف عند رجل ومائة عند رجل أكثر أو تسع نسوة فسكتوا وكان له يومئذ تسع نسوة .
الثالثة - يقال: إن سليمان عليه السلام كان أكثر الأنبياء نساء والفائدة في كثرة تزوجه أنه كان له قوة أربعين نبياً، وكل من كان أقوى فهو أكثر نكاحاً ويقال: إنه أراد بالنكاح كثرة العشيرة لأن لكل امرأة قبيلتين قبيلة من جهة الأب وقبيلة من جهة الأم فكلما تزوج امرأة صرف وجوه القبيلتين إلى نفسه فتكون عوناً له على أعدائه ويقال: إن كل من كان أتقى فشهوته أشد لأن الذي لا يكون تقياً فإنما يتفرج بالنظر والمس، ألا ترى ما روي عن الخبر :
"العينان تزنيان واليدان تزنيان" فإذا كان في النظر والمس نوع من قضاء الشهوة قل الجماع، والمتقي لا ينظر ولا يمس فتكون الشهوة مجتمعة في نفسه فيكون أكثر جماعاً وقال أبو بكر الوراق كل شهوة تقسي القلب إلا الجماع فإنه يصفي القلب ولهذا كان الأنبياء يفعلون ذلك .
يقول تعالى: أم لهم نصيب من الملك, وهذا استفهام إنكاري, أي ليس لهم نصيب من الملك ثم وصفهم بالبخل, فقال: "فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً", أي لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك والتصرف لما أعطوا أحداً من الناس ولا سيما محمداً صلى الله عليه وسلم شيئاً, ولا ما يملأ النقير وهو النقطة التي في النواة في قول ابن عباس والأكثرين. وهذه الاية كقوله تعالى: "قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذاً لأمسكتم خشية الإنفاق" أي خوف أن يذهب ما بأيديكم مع أنه لا يتصور نفاده وإنما هو من بخلكم وشحكم, ولهذا قال تعالى: "وكان الإنسان قتوراً" أي بخيلاً, ثم قال "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله" يعني بذلك حسدهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة, ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له, لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل. وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي, حدثنا يحيى الحماني, حدثنا قيس بن الربيع عن السدي, عن عطاء, عن ابن عباس في قوله "أم يحسدون الناس" الاية, قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس, قال الله تعالى: "فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً" أي فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل, الذين هم من ذرية إبراهيم النبوة وأنزلنا عليهم الكتب وحكموا فيهم بالسنن, وهي الحكمة, وجعلنا منهم الملوك ومع هذا "فمنهم من آمن به", أي بهذا الإيتاء وهذا الإنعام, "ومنهم من صد عنه" أي كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه, وهو منهم ومن جنسهم أي من بني إسرائيل. فقد اختلفوا عليهم, فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل ؟ وقال مجاهد: "فمنهم من آمن به", أي بمحمد صلى الله عليه وسلم, "ومنهم من صد عنه", فالكفرة منهم أشد تكذيباً لك, وأبعد عما جئتهم به من الهدى, والحق المبين, ولهذا قال متوعداً لهم "وكفى بجهنم سعيراً" أي وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله.
قوله 54- "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله" أم منقطعة مفيدة للانتقال عن توبيخهم بأمر إلى توبيخهم بآخر: أي بل يحسدون الناس يعني اليهود يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم فقط، أو يحسدونه هو وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله من النبوة والنصر وقهر الأعداء. قوله "فقد آتينا آل إبراهيم" هذا إلزام لليهود بما يعترفون به ولا ينكرونه: أي ليس ما آتينا محمداً وأصحابه من فضلنا ببدع حتى يحسدهم اليهود على ذلك، فهم يعلمون بما آتينا آل إبراهيم، وهم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم تفسير الكتاب والحكمة، والملك العظيم، قيل: هو ملك سليمان.
54-"أم يحسدون الناس"، يعني: اليهود، ويحسدون الناس: قال قتادة : المراد بالناس العرب حسدهم اليهود على النبوة ، وما أكرمهم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقيل: :أراد محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وجماعة : المراد بالناس: رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، حسدوه على ما أحل الله له من النساء، وقالوا: ما له هم إلا النكاح، وهو المراد من قوله:" على ما آتاهم الله من فضله "، وقيل: حسدوه على النبوة وهو المراد من الفضل المذكور في الآيه، "فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة" ،أراد بآل إبراهيم : داود وسليمان ، وبالكتاب : ماأ نزل الله عليهم وبالحكمة النبوة"وآتيناهم ملكاً عظيماً" فمن فسر الفضل بكثرة النساء فسر الملك العظيم في حق داود وسليمان عليهما السلام بكثرة النساء، فإنه كان لسليمان ألف امرأة ثلاثمائه حرة وسبعمائة سرية ، وكان لداود مائه امرأة ولم يكن يومئذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسع نسوة، فلما قال لهم ذلك سكتوا.
54"أم يحسدون الناس" بل أيحسدون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أو العرب، أو الناس جميعاً لأن من حسد على النبوة فكأنما حيد الناس كلهم كمالهم. ورشدهم وبخعهم وأنكر عليهم الحسد كما ذمهم على البخل وهما شر الرذائل وكأ، بينهما تلازماً وتجاذباً. "على ما آتاهم الله من فضله" يعني النبوة والكتاب والنصرة والإعزاز وجعل النبي الموعود منهم. "فقد آتينا آل إبراهيم" الذي هم أسلاف محمد صلى الله عليه وسلم وأبناء عمه. "الكتاب والحكمة" النبوة. "وآتيناهم ملكاً عظيماً" فلا يبعد أن يؤتيه الله مثل ما آتاهم.
54. Or are they jealous of mankind because of that which Allah of His bounty hath bestowed upon them? For We bestowed upon the house of Abraham (of old) the Scripture and Wisdom, and We bestowed on them a mighty kingdom.
54 - Or do they envy mankind for what God hath given them of his bounty? but we had already given the people of Abraham the book and wisdom, and conferred upon them a great kingdom.