55 - (منها) أي من الأرض (خلقناكم) بخلق أبيكم آدم منها (وفيها نعيدكم) مقبورين بعد الموت (ومنها نخرجكم) عند البعث (تارة) مرة (أخرى) كما أخرجناكم عند ابتداء خلقكم
يقول تعالى ذكره : من الأرض خلقناكم أيها الناس ، فأنشأناكم أجساماً ناطقة "وفيها نعيدكم" يقول : وفي الأرض نعيدكم بعد مماتكم ، فنصيركم تراباً، كما كنتم قبل إنشائنا لكم بشراً سوياً "ومنها نخرجكم" يقول : ومن الأرض نخرجكم كما كنتم قبل مماتكم أحياء، فننشئكم منها، كما أنشأناكم أول مرة. . . وقوله "تارة أخرى" يقول : مرة أخرى.
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة "ومنها نخرجكم تارة أخرى" يقول: مرة أخرى.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد، في قوله "تارة أخرى" قال : مرة أخرى الخلق الآخر.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذن : من الأرض أخرجناكم ولم تكونوا شيئاً خلقاً سوياً، وسنخرجكم منها بعد مماتكم مرة أخرى، كما أخرجناكم منها أول مرة.
قوله تعالى " منها خلقناكم " يعني آدم عليه السلام لأنه خلق من الأرض، قاله أبو إسحاق الزجاج وغيره. وقيل: كل نطفة مخلوقة من التراب، على هذا يدل ظاهر القرآن. وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما من مولود إلا وقد ذر عليه من تراب حفرته " أخرجه أبو نعيم الحافظ في باب ابن سيرين ، وقال: هذا حديث غريب من حديث عون لم نكتبه إلا من حديث أبي عاصم النبيل، وهو أحد الثقات الأعلام من أهل البصرة. وقد مضى هذا المعنى مبيناً في سورة ((الأنعام)) عن ابن مسعود. وقال عطاء الخراساني : إذا وقعت النطفة في الرحم انطلق الملك الموكل بالرحم فأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذره على النطفة، فيخلق الله النسمة من النطفة ومن التراب، فذلك قوله تعالى: " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ". وفي حديث البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم:
" إن العبد المؤمن إذا خرجت روحه صعدت به الملائكة فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة فيقولون فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا فيستفتحون لها فيفتح فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: (( اكتبوا لعبدي كتاباً في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ))، فتعاد روحه في جسده " وذكر الحديث. وقد ذكرناه بتمامه في كتاب التذكرة وروي من حديث علي رضي الله عنه، ذكره الثعلبي . ومعنى " وفيها نعيدكم " أي بعد الموت " ومنها نخرجكم " أي للبعث والحساب. " تارة أخرى " يرجع هذا إلى قوله: " منها خلقناكم " لا إلى " نعيدكم ". وهو كقولك: اشتريت ناقة وداراً وناقة أخرى، فالمعنى: من الأرض أخرجناكم ونخرجكم بعد الموت من الأرض تارة أخرى.
من تمام كلام موسى فيما وصف به ربه عز وجل حين سأله فرعون عنه, فقال: "الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" ثم اعترض الكلام بين ذلك, ثم قال: "الذي جعل لكم الأرض مهداً" وفي قراءة بعضهم مهاداً أي قراراً تستقرون عليها, وتقومون وتنامون عليها, وتسافرون على ظهرها "وسلك لكم فيها سبلاً" أي جعل لكم طرقاً تمشون في مناكبها كما قال تعالى: "وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون" "وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى" أي من أنواع النباتات من زروع وثمار, ومن حامض وحلو ومر وسائر الأنواع "كلوا وارعوا أنعامكم" أي شيء لطعامكم وفاكهتكم, وشيء لأنعامكم لأقواتها خضراً ويبساً " إن في ذلك لآيات " أي لدلالات وحججاً وبراهين "لأولي النهى" أي لذوي العقول السليمة المستقيمة, على أنه لا إله إلا الله ولا رب سواه "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى" أي من الأرض مبدؤكم, فإن أباكم آدم مخلوق من تراب من أديم الأرض وفيها نعيدكم أي وإليها تصيرون إذا متم وبليتم, ومنها نخرجكم تارة أخرى "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا" وهذه الاية كقوله تعالى: "قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون" وفي الحديث الذي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر جنازة, فلما دفن الميت أخذ قبضة من التراب فألقاها في القبر وقال: منها خلقناكم, ثم أخذ أخرى, وقال: وفيها نعيدكم, ثم أخرى, وقال: ومنها نخرجكم تارة أخرى. وقوله: "ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى" يعني فرعون أنه قامت عليه الحجج والايات والدلالات, وعاين ذلك وأبصره فكذب بها وأباها كفراً وعناداً وبغياً, كما قال تعالى: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً" الاية.
والضمير في 55- "منها خلقناكم" وما بعده راجع إلى الأرض المذكورة سابقاً. قال الزجاج وغيره: يعني أن آدم خلق من الأرض وأولاده منه. وقيل المعنى: أن كل نطفة مخلوقة من التراب في ضمن خلق آدم، لأن كل فرد من أفراد البشر له حظ من خلقه "وفيها" أي في الأرض "نعيدكم" بعد الموت فتدفنون فيها وتتفرق أجزاؤكم حتى تصبر من جنس الأرض، وجاء بفي دون إلى للدلالة على الاستقرار "ومنها" أي من الأرض "نخرجكم تارة أخرى" أي بالبعث والنشور وتأليف الأجسام ورد الأرواح إليها على ما كانت عليه قبل الموت، والتارة كالمرة.
55. " منها " أي من الأرض، " خلقناكم "، يعني أباكم آدم.
وقال عطاء الخراساني : إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذره على النطفة فيخلق الله من التراب ومن النطفة، فذلك قوله تعالى: " منها خلقناكم، وفيها نعيدكم "، أي: عند الموت والدفن، " ومنها نخرجكم تارةً أخرى "، يوم البعث.
55ـ " منها خلقناكم " فإن التراب أصل خلقة أول آبائكم وأول مواد أبدانكم . " وفيها نعيدكم " بالموت وتفكيك الأجزاء . " ومنها نخرجكم تارةً أخرى " بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الصور السابقة ورد الأرواح إليها .
55. Thereof We created you, and thereunto we return you and thence We bring you forth a second time.
55 - From the (earth) did we create you, and into it shall we return you, and from it shall we bring you out once again.