55 - (فاصبر) يا محمد (إن وعد الله) بنصر أوليائه (حق) وأنت ومن تبعك منهم (واستغفر لذنبك) ليستن بك (وسبح) صل متلبسا (بحمد ربك بالعشي) وهو من بعد الزوال (والإبكار) الصلوات الخمس
وقوله : " فاصبر إن وعد الله حق " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاصبر يا محمد لأمر ربك ، وانفذ لما أرسلك به من الرسالة ، وبلغ قومك ومن أمرت ببلاغه ما أنزل إليك ، وأيقن بحقيقة وعد الله الذي وعدك من نصرتك ، ونصرة من صدقك وآمن بك ، على من كذبك ، وأنكر ما جئته به من عند ربك ، إن وعد الله حق لا خلف له وهو منجز له " واستغفر لذنبك " يقول : وسله غفران ذنوبك وعفوه لك عنه " وسبح بحمد ربك " يقول : وصل بالشكر منك لربك " بالعشي " وذلك من زوال الشمس إلى الليل " والإبكار " وذلك من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس . وقد وجه قوم الإبكار إلى أنه من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى وخروج وقت الضحى ، والمعروف عند العرب القول الأول .
واختلف أهل العربية في وجه عطف الإبكار والباء غير حسن دخولها فيه على العشي ، والباء تحسن فيه فقال بعض نحويي البصرة : معنى ذلك : وسبح بحمد ربك بالعشي وفي الإبكار . وقال : قد يقال : بالدار زيد ، يراد : في الدار زيد . وقال غيره : إنما قيل ذلك كذلك ، لأن معنى الكلام : صل بالحمد بهذين الوقتين وفي هذين الوقتين ، بإدخال الباء وفي واحد فيهما .
قوله تعالى : " فاصبر إن وعد الله حق " أي فاصبر يا محمد على أذى المشركين ، كما صبر من قبلك ( إن وعد الله حق ) بنصرك وإظهارك ، كما نصرت موسى وبني إسرائيل . وقال الكلبي : نسخ هذا بآية السيف . " واستغفر لذنبك " قيل : لذنب أمتك حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . وقيل : لذنب نفسك على من يجوز الصغائر على الأنبياء . ومن قال لا يجوز قال : هذا تعبد للنبي عليه السلام بدعاء ، كما قال تعالى : " وآتنا ما وعدتنا " [ آل عمران : 194] والفائدة زيادة الدرجات وأن يصير الدعاء سنة لمن بعده . وقيل : فاستغفر الله من ذنب صدر منك قبل النبوة . " وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار " يعني صلاة الفجر وصلاة العصر ، قاله الحسن و قتادة . وقيل : هي صلاة كانت بمكة قبل أن تفلرض الصلوات الخمس ركعتان عدوة وركعتان عشية . عن الحسن أيضاً ذكره الماوردي . فيكون هذا مما نسخ والله أعلم . وقوله: " بحمد ربك " بالشكر له والثناء عليه . وقيل : ( وسبح بحمد ربك ) أي استدم التسبيح في الصلاة وخارجاً منها لتشتغل بذلك عن استعجال النصر .
قد أورد أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا" سؤالاً فقال قد علم أن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قتله قومه بالكلية كيحيى وزكريا وشعياء ومنهم من خرج من بين أظهرهم إما مهاجراً كإبراهيم, وإما إلى السماء كعيسى فأين النصرة في الدنيا ثم أجاب عن ذلك بجوابين (أحدهما) أن يكون الخبر خرج عاماً والمراد به البعض قال وهذا سائغ في اللغة (الثاني) أن يكون المراد بالنصر والإنتصار لهم ممن آذاهم وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبهم أو بعد موتهم كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعياء سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم وقد ذكر أن النمرود أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر, وأما الذين راموا صلب المسيح عليه السلام من اليهود فسلط الله تعالى عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم وأظهرهم الله تعالى عليهم ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود ويقتل الخنزير ويكسر الصليب, ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام وهذه نصرة عظيمة وهذه سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ويقر أعينهم ممن آذاهم ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول الله تبارك وتعالى من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب" وفي الحديث الاخر: "إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث بالحرب" ولهذا أهلك الله عز وجل قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وقوم لوط وأهل مدين وأشباههم وأضرابهم ممن كذب الرسل وخالف الحق. وأنجى الله تعالى من بينهم المؤمنين فلم يهلك منهم أحداً وعذب الكافرين فلم يفلت منهم أحداً, قال السدي لم يبعث الله عز وجل رسولاً قط إلى قوم فيقتلونه أو قوماً من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى لهم من ينصرهم فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا قال فكانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون فيها. وهكذا نصر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه على من خالفه وناوأه وكذبه وعاداه فجعل كلمته هي العليا ودينه هو الظاهر على سائر الأديان, وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى المدينة النبوية وجعل له فيها أنصاراً وأعواناً, ثم منحه أكتاف المشركين يوم بدر فنصره عليهم وخذلهم له وقتل صناديديهم, وأسر سراتهم فاستاقهم مقرنين في الأصفاد, ثم من عليهم بأخذه الفداء منهم ثم بعد مدة قريبة فتح عليه مكة فقرت عينه ببلده وهو البلد المحرم الحرام المشرف المعظم فأنفذه الله تعالى به مما كان فيه من الكفر والشرك وفتح له اليمن ودانت له جزيرة العرب بكاملها ودخل الناس في دين الله أفواجاً, ثم قبضه الله تعالى إليه لما له عنده من الكرامة العظيمة فأقام الله تبارك وتعالى أصحابه خلفاء بعده فبلغوا عنه دين الله عز وجل ودعوا عباد الله تعالى إلى الله جل وعلا, وفتحوا البلاد والرساتيق والأقاليم والمدائن والقرى والقلوب حتى انتشرت الدعوة المحمدية في مشارق الأرض ومغاربها. ثم لا يزال هذا الدين قائماً منصوراً ظاهراً إلى قيام الساعة ولهذا قال تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" أي يوم القيامة تكون النصرة أعظم وأكبر وأجل, قال مجاهد: الأشهاد الملائكة. وقوله تعالى: "يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم" بدل من قوله: "ويوم يقوم الأشهاد" وقرأ آخرون يوم بالرفع كأنه فسره به " ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين " وهم المشركون "معذرتهم" أي لا يقبل منهم عذر ولا فدية "ولهم اللعنة" أي الإبعاد والطرد من الرحمة "ولهم سوء الدار" وهي النار قاله السدي بئس المنزل والمقيل, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "ولهم سوء الدار" أي سوء العاقبة وقوله تعالى: "ولقد آتينا موسى الهدى" وهو ما بعثه الله عز وجل به من الهدى والنور "وأورثنا بني إسرائيل الكتاب" أي جعلنا لهم العاقبة وأورثناهم بلاد فرعون وأمواله وحواصله وأرضه بما صبروا على طاعة الله تبارك وتعالى واتباع رسوله موسى عليه الصلاة والسلام وفي الكتاب الذي أورثوه وهو التوارة "هدى وذكرى لأولي الألباب" وهي العقول الصحيحة السليمة. وقوله عز وجل: "فاصبر" أي يا محمد "إن وعد الله حق" أي وعدناك أنا سنعلي كلمتك ونجعل العاقبة لك ولمن اتبعك والله لا يخلف الميعاد وهذا الذي أخبرناك به حق لا مرية فيه ولا شك وقوله تبارك وتعالى: "واستغفر لذنبك" هذا تهييج للأمة على الاستغفار "وسبح بحمد ربك بالعشي" أي في أواخر النهار وأوائل الليل "والإبكار" وهي أوائل النهار وأواخر الليل. وقوله تعالى: "إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم" أي يدفعون الحق بالباطل ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله "إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه" أي ما في صدورهم إلا كبر على اتباع الحق واحتقار لمن جاءهم به وليس ما يرومونه من إخماد الحق وإعلاء الباطل بحاصل لهم بل الحق هو المرفوع وقولهم وقصدهم هو الموضوع "فاستعذ بالله" أي من حال مثل هؤلاء "إنه هو السميع البصير" أو من شر مثل هؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان هذا تفسير ابن جرير.
وقال كعب وأبو العالية نزلت هذه الاية في اليهود "إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه" قال أبو العالية وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم وأنهم يملكون به الأرض فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم آمراً له أن يستعيذ من فتنة الدجال ولهذا قال عز وجل: "فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير" وهذا قول غريب وفيه تعسف بعيد وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه, والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على الأذى فقال: 55- "فاصبر إن وعد الله حق" أي اصبر على أذى المشركين كما صبر من قبلك من الرسل إن وعد الله الذي وعد به رسله حق لا خلف فيه ولا شك في وقوعه كما في قوله: "إنا لننصر رسلنا" وقوله: " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون " قال الكلبي: نسخ هذا بآية السيف. ثم أمره سبحانه بالاستغفار لذنبه فقال: "واستغفر لذنبك" قيل المراد ذنب أمتك فهو على حذف مضاف، وقيل المراد الصغائر عند من يجوزها على الأنبياء، وقيل هو مجرد تعبد له صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لزيادة الثواب، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر "وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار" أي دم على تنزيه الله ملتبساً بحمده، وقيل المراد صل في الوقتين صلاة العصر وصلاة الفجر. قاله الحسن وقتادة، وقيل هما صلاتان ركعتان غدوة وركعتان عشية، وذلك قبل أن تفرض الصلوات الخمس.
55. " فاصبر "، يا محمد على أذاهم، " إن وعد الله "، في إظهار دينك وإهلاك أعدائك، " حق "، قال الكلبي : نسخت آية القتال آية الصبر، " واستغفر لذنبك "، هذا تعبد من الله ليزيده به درجة ولصير سنة لمن بعده، " وسبح بحمد ربك "، صلى الله عليه وسلم شاكراً لربك، " بالعشي والإبكار "، قال الحسن : يعني صلاة العصر وصلاة الفجر. وقال ابن عباس: الصلوات الخمس.
55-" فاصبر " على أذى المشركين . " إن وعد الله حق " بالنصر لا يخلفه ، واستشهد بحال موسى وفرعون . " واستغفر لذنبك " وأقبل على أمر دينك وتدارك فرطاتك بترك الأولى والاهتمام بأمر العدا بالاستغفار ، فإنه تعالى كافيك في النصر إظهار الأمر . " وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار " ودم على التسبيح والتحميد لربك . وقيل صل لهذين الوقتين ، إذ كان الواجب بمكة ركعتين بكرة وركعتين عشياً .
55. Then have patience (O Muhammad). Lo! the promise of Allah is true. And ask forgiveness of thy sin, and hymn the praise of thy Lord at fall of night and in the early hours.
55 - Patiently, then, persevere: for the Promise of God is true: and ask forgiveness for thy fault, and celebrate the Praises of thy Lord in the evening and in the morning.