57 - (إن الذين هم من خشية ربهم) خوفهم منه (مشفقون) خائفون من عذابه
يعني تعالى ذكره " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون " إن الذين هم من خشيتهم و خوفهم من عذاب الله مشفقون ، فهم من خشيتهم من ذلك دائبون في طاعته ، جادون في طلب مرضاته . " والذين هم بآيات ربهم يؤمنون " يقول : والذين هم بآيات كتابه و حججه مصدقون . " والذين هم بربهم لا يشركون " يقول : و الذين يخلصون لربهم عبادتهم ، فلا يجعلون له فيها لغيره شركا لوثن ، ولا لصنم ، ولا يراءون بها أحدا من خلقه ، و لكنهم يجعلون أعمالهم لوجهه خالصا ، و إياه يقصدون بالطاعة و العبادة ، دون كل شيء
قوله تعالى: " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون " لما فرغ من ذكر الكفرة وتوعدهم عقب ذلك بذكر المؤمنين المسارعين في الخيرات ووعدهم، وذكر ذلك بأبلغ صفاتهم. و " مشفقون " خائفون وجلون مما خوفهم الله تعالى.
يقول تعالى: "إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون" أي هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح مشفقون من الله خائفون منه وجلون من مكره بهم, كما قال الحسن البصري : إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة, وإن الكافر جمع إساءة وأمناً "والذين هم بآيات ربهم يؤمنون" أي يؤمنون بآياته الكونية والشرعية, كقوله تعالى إخباراً عن مريم عليها السلام: "وصدقت بكلمات ربها وكتبه" أي أيقنت أن ما كان, إنما هو عن قدر الله وقضائه, وما شرعه الله فهو إن كان أمراً فمما يحبه ويرضاه, وإن كان نهياً فهو مما يكرهه ويأباه, وإن كان خيراً فهو حق, كما قال الله: "والذين هم بربهم لا يشركون" أي لا يعبدون معه غيره, بل يوحدونه ويعلمون أنه لا إله إلا الله أحداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً, وأنه لا نظير له ولا كفء له.
وقوله: "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون" أي يعطون العطاء وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشرط الإعطاء, وهذا من باب الإشفاق والاحتياط, كما قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم , حدثنا مالك بن مغول , حدثنا عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن عائشة أنها قالت: " يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل ؟ قال:لا يا بنت الصديق, ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل" وهكذا رواه الترمذي وابن أبي حاتم من حديث مالك بن مغول بنحوه, وقال "لا يا ابنة الصديق, ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون ألا يتقبل منهم "أولئك يسارعون في الخيرات" " وقال الترمذي : وروي هذا الحديث من حديث عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا, وهكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي والحسن البصري في تفسير هذه الاية.
وقد قرأ آخرون هذه الاية "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة" أي يفعلون ما يفعلون وهم خائفون, وروي هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها كذلك. قال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا صخر بن جويرية , حدثنا إسماعيل المكي , حدثنا أبو خلف مولى بني جمح أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها, فقالت: " مرحباً بأبي عاصم, ما يمنعك أن تزورنا أو تلم بنا ؟ فقال: أخشى أن أملك, فقالت: ما كنت لتفعل ؟ قال: جئت لأسألك عن آية من كتاب الله عز وجل: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ؟ قال: أية آية ؟ قال: "والذين يؤتون ما آتوا" " والذين يؤتون ما آتوا " فقالت: أيتهما أحب إليك ؟ فقلت: والذي نفسي بيده لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعاً, أو الدنيا وما فيها. قالت وما هي ؟ فقلت: " والذين يؤتون ما آتوا " فقالت: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يقرؤها, وكذلك أنزلت " , ولكن الهجاء حرف, فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف, والمعنى على القراءة الأولى, وهي قراءة الجمهور السبعة وغيرهم أظهر, لأنه قال: "أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون" فجعلهم من السابقين, ولو كان المعنى على القراءة الأخرى لأوشك أن لا يكونوا من السابقين بل من المقتصدين أو المقصرين, والله أعلم.
لما نفى سبحانه الخيرات الحقيقية عن الكفرة المتنعمين أتبع ذلك بذكر من هو أهل للخيرات عاجلاً وآجلاً فوصفهم بصفات أربع: الأولى قوله: 57- " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون " الإشفاق: الخوف، تقول أنا مشفق من هذا الأمر: أي خائف. قيل الإشفاق هو الخشية، فظاهر ما في الآية التكرار. وأجيب بحمل الخشية على العذاب: أي من عذاب ربهم خائفون، وبه قال الكلبي ومقاتل. وأجيب أيضاً بحمل الإشفاق على ما هو أثر له: وهو الدوام على الطاعة: أي الذين هم من خشية ربهم دائمون على طاعته. وأجيب أيضاً بأن الإشفاق كمال الخوف فلا تكرار، وقيل هو تكرار للتأكيد.
57. " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون "، أي: خائفون، والإشفاق: الخوف، والمعنى أن المؤمنين بما هم عليه من خشية الله خائفون من عقابه، قال الحسن البصري : المؤمن من جمع إحساناً وخشية، والمنافق من جمع إساءة وأمناً.
57ـ " إن الذين هم من خشية ربهم " من خوف عذابه . " مشفقون " حذرون .
57. Lo! those who go in awe for fear of their Lord,
57 - Verily those who live in awe for fear of their Lord;