58 - (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم) ننزلهم وفي قراءة بالمثلثة بعد النون من الثواء الإقامة وتعديته إلى غرف بحذف من (من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين) مقدرين الخلود (فيها نعم أجر العاملين) هذا الأجر
فقال: " والذين آمنوا "، يعني صدقوا الله ورسوله، فيما جاء به من عند الله، " وعملوا الصالحات ": يقول: وعملوا بما أمرهم الله فأطاعوه فيه، وانتهوا عما نهاهم عنه " لنبوئنهم من الجنة غرفا " يقول: للنزلنهم من الجنة علالي.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين " لنبوئنهم " بالباء وقرأته عامة قراء الكوفة بالثاء ( لنثوينهم)
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار، قد قرأ بك واحدة منهما علماء من القراء متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، وذلك أن قوله " لنبوئنهم " من بوأته منزلاً: أي أنزلته، وكذلك لنثوينهم، إنما هو من أثويته مسكناً إذا أنزلته منزلاً، من الثواء، وهو المقامز
وقوله " تجري من تحتها الأنهار " يقول: تجري من تحت أشجارها الأنهار. " خالدين فيها " يقول: ماكثين فيها إلى غير نهاية " نعم أجر العاملين " يقول: نعم جزاء العاملين بطاعة الله هذه الغرف التي يثويهموها الله في جناته، تجري من تحتها الأنهار
قوله تعالى : " والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا " وقرأ ابن مسعود و الأعمش و يحيى بن وثاب و حمزة و الكسائي ، ( لنثوينهم ) بالثاء مكان الباء من الثوى وهو الإقامة ، أي لنعطينهم غرقاً يثوون فيها . وقرأ رويس عن يعقوب و الجحدري و السلمي : ( ليبوئنهم ) بالياء مكان النون . والباقون " لنبوئنهم " أي ( لنزلهم ) ( غرفاً ) جمع غرفة وهي العلية المشرفة . وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم كما تتراؤن الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم . قال : بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " وخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن في الجنة لغرفاً يرى ظهروها من بطونها وبطونها من ظهورها فقام إليه أعرابي فقال : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصالى لله بالليل والناس نيام " وقد زدنا هذا المهنى بياناً في كتاب التذكير والحمد لله .
هذا أمر من الله تعالى المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين إلى أرض الله الواسعة حيث يمكن إقامة الدين, بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم, ولهذا قال تعالى: "يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون" قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه , حدثنا بقية بن الوليد , حدثني جبير بن عمرو القرشي , حدثني أبو سعد الأنصاري عن أبي يحيى مولى الزبير بن العوام عن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البلاد بلاد الله, والعباد عباد الله, فحيثما أصبت خيراً فأقم" ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها, خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك, فوجدوا خير المنزلين هناك: أصحمة النجاشي ملك الحبشة رحمه الله تعالى, فآواهم وأيدهم بنصره, وجعلهم سيوماً ببلاده, ثم بعد ذلك هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الباقون إلى المدينة النبوية يثرب المطهرة.
ثم قال تعالى: "كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون" أي أينما كنتم يدرككم الموت, فكونوا في طاعة الله وحيث أمركم الله, فهو خير لكم, فإن الموت لا بد منه ولا محيد عنه, ثم إلى الله المرجع والمآب, فمن كان مطيعاً له جازاه أفضل الجزاء, ووافاه أتم الثواب ولهذا قال تعالى: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار" أي لنسكننهم منازل عالية في الجنة تجري من تحتها الأنهار على اختلاف أصنافها من ماء وخمر وعسل ولبن, يصرفونها ويجرونها حيث شاؤوا "خالدين فيها" أي ماكثين فيها أبداً لا يبغون عنها حولا "نعم أجر العاملين" نعمت هذه الغرف أجراً على أعمال المؤمنين "الذين صبروا" أي على دينهم. وهاجروا إلى الله ونابذوا الأعداء, وفارقوا الأهل والأقرباء ابتغاء وجه الله ورجاء ما عنده وتصديق موعده.
وقال ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا أبي , أخبرنا صفوان المؤذن , أخبرنا الوليد بن مسلم , أخبرنا معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام عن جده أبي سلام الأسود , حدثني أبو معاوية الأشعري أن أبا مالك الأشعري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, حدثه أن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها, وباطنها من ظاهرها, أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام, وأطاب الكلام, وتابع الصلاة والصيام, وقام بالليل والناس نيام "وعلى ربهم يتوكلون" في أحوالهم كلها في دينهم ودنياهم ثم أخبرهم تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة, بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا, بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب, فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار, ولهذا قال تعالى: "وكأين من دابة لا تحمل رزقها" أي لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تدخر شيئاً لغد "الله يرزقها وإياكم" أي الله يقيض لها رزقها على ضعفها وييسره عليها, فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر في قرار الأرض, والطير في الهواء والحيتان في الماء. قال تعالى: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي , حدثنا يزيد يعني ابن هارون , حدثنا الجراح بن منهال الجزري ـ هو أبو العطوف ـ عن الزهري عن رجل عن ابن عمر قال: " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان المدينة, فجعل يلتقط من التمر ويأكل, فقال لي: يا ابن عمر ما لك لا تأكل ؟ قال: قلت لا أشتهيه يا رسول الله, قال لكني أشتهيه, وهذا صبح رابعة منذ لم أذق طعاماً ولم أجده, ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين ؟ قال: فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت "وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل لم يأمرني بكنز الدنيا, ولا باتباع الشهوات, فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية, فإن الحياة بيد الله, ألا وإني لا أكنز ديناراً ولا درهماً ولا أخبأ رزقاً لغد" هذا حديث غريب, وأبو العطوف الجزري ضعيف, وقد ذكروا أن الغراب إذا فقس عن فراخه البيض خرجوا وهم بيض, فإذا رآهم أبواهم كذلك نفرا عنهم أياماً حتى يسود الريش, فيظل الفرخ فاتحاً فاه يتفقد أبويه فيقيض الله تعالى طيراً صغاراً كالبرغش, فيغشاه فيتقوت به تلك الأيام حتى يسود ريشه, والأبوان يتفقدانه كل وقت, فكلما رأوه أبيض الريش نفرا عنه, فإذا رأوه قد اسود ريشه عطفا عليه بالحضانة والرزق, ولهذا قال الشاعر:
يا رازق النعاب في عشه وجابر العظم الكسير المهيض
وقد قال الشافعي في جملة كلام له في الأوامر كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "سافروا تصحوا وترزقوا" قال البيهقي : أخبرنا إملاء أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان , أخبرنا أحمد بن عبيد , أخبرنا محمد بن غالب , حدثني محمد بن سنان , أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن رداد شيخ من أهل المدينة, حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سافروا تصحوا وتغنموا" قال: ورويناه عن ابن عباس : وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة , أخبرنا ابن لهيعة عن دراج عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سافروا تربحوا وصوموا تصحوا, واغزوا تغنموا" وقد ورد مثل حديث ابن عمر عن ابن عباس مرفوعاً, وعن معاذ بن جبل موقوفاً, وفي لفظ "سافروا مع ذوي الجد والميسرة" قال: ورويناه عن ابن عباس : وقوله: "وهو السميع العليم" أي السميع لأقوال عباده العليم بحركاتهم وسكناتهم.
58- "والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً" في هذا الترغيب إلى الهجرة، وأن جزاء من هاجر أن يكون في غرف الجنة، ومعنى لنبوئنهم لننزلنهم غرف الجنة، وهي علاليها: فانتصاب غرفاً على أنه المفعول الثاني على تضمين نبوتهم معنى ننزلنهم أو على الظرفية مع عدم التضمين، لأن نبوتهم لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، وإما منصوب بنزع الخافض اتساعاً: أي في غرف الجنة، وهو مأخوذ من المباءة وهي الإنزال. قرأ أبو عمرو ويعقوب والجحدري وابن أبي إسحاق وابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائي وخلف يا عبادي بإسكان الياء وفتحها الباقون. وقرأ ابن عامر "إن أرضي" بفتح الياء، وسكنها الباقون. وقرأ السلمي وأبو بكر عن عاصم يرجعون بالتحتية، وقرأ الباقون بالفوقية. وقرأ ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي " لنبوئنهم " بالثاء المثلثة مكان الباء الموحدة، وقرأ الباقون بالباء الموحدة، ومعنى لنثوينهم بالمثلثة: لنعطينهم غرفاً يثوون فيها من الثوى وهو الإقامة. قال الزجاج، يقال ثوى الرجل: إذا أقام، وأثويته: إذا أنزلته منزلاً يقيم فيه. قال الأخفش: لا تعجبني هذه القراءة لأنك لا تقول أثويته الدار، بل تقول في الدار، وليس في الآية حرف جر في المفعول الثاني، قال أبو علي الفارسي: هو على إرادة حرف الجر، ثم حذف كما تقول أمرتك الخير: أي بالخير. ثم وصف سبحانه تلك الغرف فقال: "تجري من تحتها الأنهار" أي من تحت الغرف "خالدين فيها" أي في الغرف لا يموتون أبداً، أو في الجنة، والأول أولى "نعم أجر العاملين" المخصوص بالمدح محذوف: أي نعم أجر العاملين أجرهم، والمعنى: العاملين للأعمال الصالحة.
58- "والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم"، قرأ حمزة، والكسائي: بالثاء ساكنة من غير همز، يقال: ثوى الرجل إذا أقام، وأثويته: إذا أنزلته منزلاً يقيم فيه. وقرأ الآخرون بالباء وفتحها وتشديد الواو وهمزة بعدها، أي: لننزلنهم، "من الجنة غرفاً"، علالي، " تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ".
58ـ " والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم " لننزلنهم . " من الجنة غرفاً " علالي ، وقرأ حمزة و الكسائي (( لنثوينهم )) أي لنقيمنهم من الثواء فيكون انتصاب غرفاً لإجرائه مجرى لننزلنهم ، أو بنزع الخافض أو بتشبيه الظرف المؤقت بالمبهم . " تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين " وقرئ (( فنعم )) والمخصوص بالمدح محذوف دل عليه ما قبله .
58. Those who believe and do good works, them verily We shall house in lofty dwellings of the Garden underneath which rivers flow. There they will dwell secure. How sweet the guerdon of the toilers,
58 - But those who believe and work deeds of righteousness to them shall We give a Home in Heaven, Lofty mansions beneath which flow rivers, to dwell therein for aye; an excellent reward for those who do (good)!