59 - (فارتقب) انتظر هلاكهم (إنهم مرتقبون) هلاكك وهذا قبل نزول الأمر بجهادهم
وقوله : " فارتقب إنهم مرتقبون " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صل الله عليه وسلم : فانتظر أنت يا محمد الفتح من ربك ، والنصر على هؤلاء المشركين بالله من قومك من قريش ، إنهم منتظرون عند أنفسهم قهرك وغلبتك بصدهم عما أتيتهم به من الحق ، من أراد قبوله واتباعك عليه .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : " فارتقب إنهم مرتقبون " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " فارتقب إنهم مرتقبون " : أي فانتظر إنهم منتظرون .
قوله تعالى : " فارتقب إنهم مرتقبون " أي انتظر ما وعدتك من النصر عليهم إنهم منتظرون لك الموت ،حكاه النقاش ، وقيل : انتظر الفتح من ربك إنهم منتظرون بزعمك قهرك ، وقيل : انتظر أن يحكم الله بينك وبينهم فإنهم ينتظرون بك ريب الحدثان ، والمعنى متقارب ، وقيل : ارتقب ما وعدتك من الثواب فإنهم كالمنتظرين لما وعدتهم من العقاب ، وقيل : ارتقب يوم القيامة فإنه يوم الفصل ، وإن لم يعتقدوا وقوع القيامة ، جعلوا كالمرتقبين لأن عاقبتهم ذلك ، والله تعالى أعلم .
لما ذكر تعالى حال الأشقياء عطف بذكر السعداء ولهذا سمي القرآن مثاني, فقال: "إن المتقين" أي لله في الدنيا "في مقام أمين" أي في الاخرة وهو الجنة, قد أمنوا فيها من الموت والخروج, ومن كل هم وحزن وجزع وتعب ونصب ومن الشيطان وكيده وسائر الافات والمصائب "في جنات وعيون" وهذا في مقابلة ما أولئك فيه من شجرة الزقوم وشرب الحميم, وقوله تعالى: "يلبسون من سندس" وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها "وإستبرق" وهو ما فيه بريق ولمعان وذلك كالريش وما يلبس على أعالي القماش "متقابلين" أي على السرر لا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره. وقوله تعالى: "كذلك وزوجناهم بحور عين" أي هذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحسان الحور العين اللاتي "لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان" "كأنهن الياقوت والمرجان" " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا نوح بن حبيب, حدثنا نصر بن مزاحم العطار. حدثنا عمر بن سعد عن رجل عن أنس رضي الله عنه رفعه نوح قال: لو أن حوراء بزقت في بحر لجي لعذب ذلك الماء لعذوبة ريقها.
وقوله عز وجل: "يدعون فيها بكل فاكهة آمنين" أي مهما طلبوا من أنواع الثمار أحضر لهم وهم آمنون من انقطاعه وامتناعه بل يحضر إليهم كلما أرادوا. وقوله: "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" هذا استثناء يؤكد النفي فإنه استثناء منقطع, ومعناه أنهم لا يذوقون فيها الموت أبداً كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت" وقد تقدم الحديث في سورة مريم عليها الصلاة والسلام. وقال عبد الرزاق: حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي مسلم الأغر عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً, وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً, وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً, وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً" رواه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعبد بن حميد, كلاهما عن عبد الرزاق به هكذا يقول أبو إسحاق, وأهل العراق يقولون أبو مسلم الأغر, وأهل المدينة يقولون أبو عبد الله الأغر. وقال أبو بكر بن أبي داود السجستاني: حدثنا أحمد بن حفص عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن الحجاج هو ابن حجاج عن عبادة عن عبيد الله بن عمرو عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اتقى الله دخل الجنة ينعم فيها ولا يبأس ويحيا فيها فلا يموت, لا تبلى ثيابه, ولا يفنى شبابه".
وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى, حدثنا عمرو بن محمد الناقد, حدثنا سليم بن عبد الله الرقي, حدثنا مصعب بن إبراهيم, حدثنا عمران بن الربيع الكوفي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: سئل نبي الله صلى الله عليه وسلم: أينام أهل الجنة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون" وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره, حدثنا أحمد بن القاسم بن صدقة المصري, حدثنا المقدام بن داود, حدثنا عبد الله بن المغيرة, حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون", وقال أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا الفضل بن يعقوب , حدثنا محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله: هل ينام أهل الجنة ؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا , النوم أخو الموت" , ثم قال: لا نعلم أحداً أسنده عن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه إلا الثوري ولا عن الثوري إلا الفريابي, هكذا قال, وقد تقدم خلاف ذلك, والله أعلم.
وقوله تعالى: "ووقاهم عذاب الجحيم" أي مع هذا النعيم العظيم المقيم قد وقاهم وسلمهم ونجاهم وزحزحهم عن العذاب الأليم في دركات الجحيم, فحصل لهم المطلوب ونجاهم من المرهوب ولهذا قال عز وجل: "فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم" أي إنما كان هذا بفضله عليهم وإحسانه إليهم كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحداً لن يدخله عمله الجنة قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل", وقوله تعالى: "فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون" أي إنما يسرنا هذا القرآن الذي أنزلناه سهلاً واضحاً بيناً جلياً بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأعلاها "لعلهم يتذكرون" أي يتفهمون ويعلمون.
ثم لما كان مع هذا الوضوح والبيان من الناس من كفر وخالف وعاند قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم مسلياً له وواعداً له بالنصر, ومتوعداً لمن كذبه بالعطب والهلاك: "فارتقب" أي انتظر "إنهم مرتقبون" أي فسيعملون لمن تكون النصرة والظفر وعلو الكلمة في الدنيا والاخرة, فإنها لك يا محمد ولإخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعكم من المؤمنين كما قال تعالى: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي" الاية. وقال تعالى: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار".
59- "فارتقب إنهم مرتقبون" أي فانتظر ما وعدناك من النصر عليهم وإهلاكهم على يدك فإنهم منتظرون ما ينزل بك من موت أو غيره، وقيل انتظر أن يحكم الله بينك وبينهم، فإنهم منتظرون بك نوائب الدهر، والمعنى متقارب.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ذق إنك أنت العزيز الكريم" يقول: لست بعزيز ولا كريم. وأخرج الأموي في مغازيه عن عكرمة قال: "لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل، فقال: إن الله أمرني أن أقول لك " أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى " قال: فنزع يده من يده وقال: ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء، لقد علمت أني أمنع أهل بطحاء، وأنا العزيز الكريم، فقتله الله يوم بدر وأذله وعيره بكلمته وأنزل: "ذق إنك أنت العزيز الكريم"". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: " إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم " قال: المهل. وأخرج عنه أيضاً "ذق إنك أنت العزيز الكريم" قال: هو أبو جهل بن هشام.
بحمد الله تعالى تم طبع الجزء الرابع، ويليه: الجزء الخامس
وأوله: تفسير سورة الجاثية.
59. " فارتقب "، فانتظر النصر من ربك. وقيل: فانتظر لهم العذاب. " إنهم مرتقبون "، منتظرون قهرك بزعمهم.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن فنجويه ، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، حدثنا أبو عيسى موسى بن علي الختلي ، حدثنا أبو هاشم الرفاعي ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا عمر بن عبد الله بن أبي خثعم ، عن يحيى بن كثير ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك ".
59-" فارتقب " فانتظر ما يحل بهم . " إنهم مرتقبون " منتظرون ما يحل بك . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ حم الدخان ليلة جمعة أصبح مغفوراً له " .
59. Wait then (O Muhammad). Lo! they (too) are waiting.
59 - So wait thou and watch; for they (too) are waiting.