6 - (أسكنوهن) أي المطلقات (من حيث سكنتم) أي بعض مساكنكم (من وجدكم) أي سعتكم عطف بيان أو بدل مما قبله باعادة الجار وتقدير مضاف أي أمكنة سعتكم لا ما دونها (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) المساكن فيحتجن إلى الخروج أو النفقة فيفتدين منكم (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم) أولادكم منهن (فآتوهن أجورهن) على الارضاع (وأتمروا بينكم) وبينهن (بمعروف) بجميل من حق الأولاد بالتوفيق على أجر معلوم على الارضاع (وإن تعاسرتم) تضايقتم في الارضاع فامتنع الأب من الأجرة والام من فعله (فسترضع له) للأب (أخرى) ولا تكره الأم على إرضاعه
يقول تعالى ذكره : أسكنوا مطلقات نسائكم من الموضع الذي سكنتم " من وجدكم " : يقول : من سعتكم التي تجدون ، وإنما أمر الرجال أن يعطوهن مسكناً يسكنه مما يجدونه ، حتى يقضين عددهن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد : قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم " يقول : من سعتكم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " من وجدكم " قال : سعتكم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم " قال : من سعتكم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، قوله " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن " فإن لم تجد إلا ناحية بيتك فأسكنها فيه .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم " قال : المرأة يطلقها ، فعليه أن يسكنها ، وينفق عليها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وسألته عن قوله الله عز وجل : " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم " قال : من مقدرتك حيث تقدر ، فإن كنت لا تجد شيئاً ، وكنت في مسكن ليس لك ، فجاء أمر أخرجك من المسكن ، وليس لك من مسكن تسكن فيه ، وليس تجد فذاك ، وغذا كان به قوة على الكراء فذاك وجده ، لا يخرجها من منزلها ، وإذا لم يجد وقال صاحب المسكن : لا أنزل هذه في بيتي ، فلا ، وإذا كان يجد ، كان ذلك عليه .
وقوله : " ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن " يقول جل ثناؤه : ولا تضاروهن في المسكن الذي تسكنونهن فيه ، وأنتم تجدون سعة من المنازل أن تطلبوا التضييق عليهن ، فذلك قوله " لتضيقوا عليهن " يعني : لتضيقوا عليهن في المسكن مع وجودكم السعة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن " قال : في المسكن .
حدثني محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " من وجدكم " قال : من ملككم ، من مقدرتكم .
وفي قوله : " ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن " قال : لتضيقوا عليهن مساكنهن حتى يخرجن .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن " قال : ليس ينبغي له أن يضارها ويضيق عليها مكانها " حتى يضعن حملهن " هذا لمن يملك الرجعة ولمن لا يملك الرجعة .
وقوله " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " يقول تعالى ذكره : وإن كان نساؤكم المطلقات أولات حمل وكن بائنات منكم ، فأنفقوا عليهن في عدتهن منكم حتى يضعن حملهن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " فهذه المرأة يطلقها زوجها ، فيبت طلاقها وهي حامل ، فيأمره الله أن يسكنها ، وينفق عليها حتى تضع ، وإن أرضعت فحتى تفطم ، وإن أبان طلاقها ، وليس بها حبل ، فلها السكنى حتى تنقضي عدتها ولا نفقة ، وكذلك المرأة يموت زوجها ، فإن كانت حاملاً أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا كان ميراث ، وإن لم يكن ميراث أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها كما قال الله عز وجل " وعلى الوارث مثل ذلك " [ البقرة : 233 ] ، فإن لم تكن حاملاً ، فإن نفقتها كانت من مالها .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " قال : ينفق على الحبلى إذا كانت حاملاً حتى تضع حملها .
وقال آخرون : عني بقوله " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " كل مطلقة ملك زوجها رجعتها أو لم يملك .
وممن قال ذلك : عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما .
ذكر الرواية عنهما بذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : كان عمر وعبد الله يجعلان للمطلقة ثلاثاً : السكنى ، والنفقة ، والمتعة ، وكان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في غير بيت زوجها ، قال : ما كنا لنجيز في ديننا شهادة امرأة .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : ثنا يحيى بن إبراهيم ، عن عيسى بن قرطاس ، قال : سمعت علي بن الحسين يقول في المنطقة ثلاثاً : لها السكنى والنفقة والمتعة ، فإن خرجت من بيتها فلا سكنى ولا نفقة ولا متعة .
حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : للمطلقة ثلاثاً السكنى والنفقة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم قال : إذا طلق الرجل ثلاثاً ، فإن لها السكنى والنفقة .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن لا نفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملاً ، لأن الله جل ثناؤه جعل النفقة بقوله " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن " للحوامل دون غيرهن من البائنات من أزواجهن ولو كان البوائن من الحوامل وغير الحوامل في الواجب لهن من النفقة على أزواجهن سواء لم يكن لخصوص أولات الأحمال بالذكر في هذا الموضع وجه مفهوم ، إذ هن وغيرهن في ذلك سواء ، وفي خصوصهن بالذكر دون غيرهن أدل الدليل على أن لا نفقة لبائن إلا أن تكون حاملاً .
وبالذي قلنا في ذلك صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
"حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، قال : ثنا يحيى بن أبي كثير ، قال : ثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، قال : حدثتني فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس أن أبا عمرو المحزومي طلقها ثلاثاً فأمر لها بنفقة فاستقلتها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه نحو اليمن ، فانطلق خالد بن الوليد في نفر من بني مخزوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند ميمونة ، فقال : يا رسول الله إن أبا عمرو طلق فاطمة ثلاثاً ، فهل لها من نفقة ؟ ففال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس لها نفقة ، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انتقلي إلى بيت أم شريك وأرسل إليها أن لا تسبقني بنفسك ، ثم أرسل إليها أن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون ، فانتقلي إلى ابن أم مكتوم ، فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك ، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد" .
وقوله : " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " يقول جل ثناؤه : فإن أرضع لكم نساؤكم البوائن منكم أولادهن الأطفال منكم بأجرة ، فآتوهن أجورهن على رضاعهن إياهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك أنه قال في الرضاع : إذا قام على شيء فأم الصبي أحق به ، فإن شاءت أرضعته ، وإن شاءت تركته إلا أن لا يقبل من غيرها ، فإذا كان كذلك أجبرت على رضاعه .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " هي أحق بولدها أن تأخذه بما كنت مسترضعاً به غيرها .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " قال : ما تراضوا عليه ( على الموسع قدره ، وعلى المقتر قدره ) .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم في الصبي إذا قام على ثمن فأمه أحق أن ترضعه ، فإن لم يجد له أن يرضعه أجبرت الأم على الرضاع .
قال ثنا مهران ، عن سفيان ، " فآتوهن أجورهن " قال : إن أرضعت لك بأجر فهي أحق من غيرها ، وإن هي أبت أن ترضعه ولم تواتك فيما بينك وبينها عاسرتك في الأجر فاسترضع له أخرى .
وقوله " وأتمروا بينكم بمعروف " يقول تعالى ذكره : وليقبل بعضكم أيها الناس من بعض ما أمركم بعضكم به بعضاً من معروف .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " وأتمروا بينكم بمعروف " قال : اصنعوا المعروف فيما بينكم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " وأتمروا بينكم بمعروف " حث بعضهم على بعض .
وقوله : " وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " يقول : وإن تعاسر الرجل والمرأة في رضاع ولدها منه ، فامتنعت من رضاعه ، فلا سبيل له عليها ، وليس له إكراهها على إرضاعه ، ولكنه يستأجر للصبي مرضعة غير أمه البائنة منه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " قال : إن أبت الأم أن ترضع ولدها إذا طلقها أبوه التمس له مرضعة أخرى ، الأم أحق إذا رضيت من أجر الرضاع بما يرضى غيرها ، فلا ينبغي له أن ينتزع منها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : إن هي أبت أن ترضعه ولم تواتك فيما بينها وبينك عاسرتك في الأجر ، فاسترضع له أخرى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله " وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى * لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " قال : فرض لها من قدر ما يجد ، فقالت : لا أرضى هذا ، قال : وهذا بعد الفراق ، فأما وهي زوجته فإنها ترضع له طائعة ومكرهة إن شاءت وإن أبت ، فقال لها : ليس لي زيادة على هذا إن أحببت أن ترضعي بهذا فارضعي ، وإن كرهت استرضعت ولدي ، فهذا قوله " وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " .
فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم " قال أشهب عن مالك: يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل، لقوله تعالى: " أسكنوهن ". فلو كان معها ما قال أسكنوهن. وقال ابن نافع: قال مالك في قول الله تعالى: " أسكنوهن من حيث سكنتم ". يعني المطلقات اللاتي بن من أزواجهن فلا رجعة لهم عليهن وليس حاملا، فلها السكني ولا نفقة لها ولا كسوة، لأنه بائن منه، لا يتوارثان ولا رجعة له عليها. وإن كانت حاملا فلها النفقة والكسوة والمسكن حتى تنقضي عدتها. فأما من لم تبن منهن فإنهن نساؤهم يتوارثون، ولا يخرجن إلا أن يأذن لهن أزواجهن ما كن في عدتهن، ولم يؤمروا بالسكنى لهن لأن ذلك لازم لأزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن حوامل كن أو غير حوامل. وإنما أمر الله بالسكني للأئي بن من أزواجهن مع نفقتهن، قال الله تعالى: " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " فجعل عز وجل للحوامل اللائي قد بن من أزواجهن السكنى والنفقة. قال ابن العربي: وبسط ذلك وتحقيقه أن الله سبحانه لما ذكر السكنى أطلقها لكل طلقة، فلما ذكر النفقة قيدها بالحمل، فدل على أن المطلقة البائن لا نفقة لها. وهي مسألة عظيمة قد مهدنا سبلها قرآنا وسنة ومعنى في مسائل الخلاف. وهذا مأخذها من القرآن.
قلت: اختلف العلماء في المطلقة ثلاثاً على ثلاثة أقوال، فمذهب مالك والشافعي: أن لها السكنى ولا نفقة لها. ومذهب أبي حنيفة وأصحابه: أن لها السكنى والنفقة. ومذهب أحمد وإسحاق وأبي الثور: أن لا نفقة لها ولا سكنى، على: حديث فاطمة بنت قيس: قالت : " دخلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي زوجي فقلت: إن زوجي طلقني وإن هذا يرغم أن ليس لي سكنى ولا نفقة ؟ قال: بل لك السكنى ولك النفقة. قال: إن زوجها طلقها ثلاثاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة. فلما قدمت الكوفة طلبني الأسود بن يزيد ليسألني عن ذلك، وإن أصحاب عبد الله يقولون: إن لها السكنى والنفقة ". خرجه الدار قطني. ولفظ مسلم عنها: أنه طلقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنفق عليها نفقة دون، فلما رأت ذلك قالت: والله لأعلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ شيئاً. قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لا نفقة لك ولا سكنى ". وذكر الدارقنطي عن الأسود قال: قال عمر لما بلغه قول فاطمة بنت قيس: لا نجيز في المسلمين قول امرأة. وكان يجعل للمطلقة ثلاثاً السكنى والنفقة. وعن الشعبي قال: لقيني الأسود بن يزيد فقال. يا شعبي، اتق الله وارجع عن حديث فاطمة بنت قيس، إن عمر كان يجعل لها السكنى والنفقة. قلت: لا أرجع عن شئ حدثني به فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: ما أحسن هذا. وقد قال قتادة وابن أبي ليلى: لا سكنى إلا للرجعية، لقوله تعالى: " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا "، وقوله تعالى: " أسكنوهن " راجع إلى ما قبله، وهي المطلقة الرجعية. والله أعلم. ولأن السكنى تابعة للنفقة وجارية مجراها، فلما لم تجب للمبتوتة نفقة لم يجب لها سكنى. وحجة أبي حنيفة أن للمبتوتة النفقة قوله تعالى: " ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن " وترك من أكبر الأضرار.
وفي إنكار عمر على فاطمة قولها ما يبين هذا، ولأنها معتدة تستحق السكنى عن طلاق فكانت لها النفقة كالرجعية، ولأنها محبوسة عليه لحقه فاستحقت النفقة كالزوجة. دليل مالك قوله تعالى: " وإن كن أولات حمل " الآية. على ما تقدم بيانه. وقد قيل: إن الله تعالى ذكر المطلقة الرجعية وأحكامها أول الآية إلى قوله: " ذوي عدل منكم " ثم ذكر بعد ذلك من حكما يعم المطلقات كلهن من تعديد الأشهر وغير ذلك. وهو عام في كل مطلقة، فرجع ما بعد ذلك من الأحكام إلى كل مطلقة.
الثانية-: قوله تعالى: " من وجدكم " أي من سعتكم، يقال وجدت في المال أجد وجداً ووجداً ووجداً وجدةً. والوجد: الغني والمقدرة. وقراءة العامة بضم الواو. وقرأ الأعرج والزهري بفتحها، ويعقوب بكسرها. وكلها لغات فيها.
الثالثة-: قوله تعالى: " ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن " قال مجاهد: في المسكن مقاتل: في النفقة، وهو قول أبي حنيفة. وعن أبي الضحى: هو أن يطلقها فإذا بقي يومان من عدتها راجعها ثم طلقها.
الرابعة-: قوله تعالى: " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " لا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة والسكنى للحامل المطلقة ثلاثاً أو أقل منهن حتى تضع حملها. فأما الحامل المتوفى عنها زوجها فقال علي وابن عمر وابن مسعود وشريح والنخعي والشعبي وحماد وابن أبي ليلى وسفيان والضحاك: ينفق عليها من جميع المال حتى تضع. وقال ابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم: لا ينفق عليها إلا من نصيبها. وقد مضى في البقرة بيانه.
قوله تعالى: " فإن أرضعن لكم " فيه أربع مسائل: الأولى-: قوله تعالى: " فإن أرضعن لكم " - يعني المطلقات - أولادكم منهن فعلى الآباء أن يعطوهن أجر إرضاعهن. وللرجل أن يستأجر امرأته للرضاع كما يستأجر أجنبية ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه الاستئجار إذا كان الولد منهن ما لم يبن. ويجوز عند الشافعي. وتقدم القول في الرضاع في البقرة والنساء مستوفى ولله الحمد.
الثانية-: قوله تعالى: " وأتمروا بينكم بمعروف " وهو خطاب للأزواج والزوجات، أي وليقبل بعضكم من بعض ما أمره به من المعروف الجميل. والجميل منها إرضاع الولد من غير أجرة. والجميل منه توفير الأجرة عليه توفير الأجرة عليها للإرضاع. وقيل: ائتمروا في رضاع الولد فيما بينكم بمعروف حتى لا يلحق الولد إضرار. وقيل: هو الكسوة والدثار. وقيل: معناه لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده.
الثالثة-: قوله تعالى: " وإن تعاسرتم " أي أجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الأم رضاعها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها، وليستأجر مرضعة غير أمه. وقيل: معناه وإن تضايقتم وتشاكستم فليسترضع لولده غيرها، وهو خبر في معنى الأمر. وقال الضحاك: إن أبت الأم أن ترضع استأجر لولده أخرى، فإن لم يقبل أجبرت أمه على الرضاع بالأجر. وقد اختلف العلماء فيمنن يجب عليه رضاع الوالد على ثلاثة أقوال: قال علماؤنا: رضاع الولد على الزوجة ما دامت الزوجية، إلا لشرفها وموضعها فعلى الأب رضاعه يومئذ في ماله. والثاني - قال أبو حنيفة: لا يجب على الأم بحال. الثالث - يجب عليها في كل حال.
الرابعة-: فإن طلقها فلا يلزمها رضاعه إلا أن يكون غير قابل ثدي غيرها فيلزمها حينئذ الإرضاع. فإن اختلفا في الأجر فإن دعت إلى أجر مثلها وامتنع الأب إلا تبرعاً فالأم أولى بأجر المثل إذا لم يجد الأب متبرعاً. وإن دعا الأب إلى أجر المثل وامتنعت الأم لتطلب شططاً فالأب أولى به. فإن أعسر الأب بأجرتها أخذت جبراً برضاع ولدها.
يقول تعالى آمراً عباده إذا طلق أحدهم المرأة أن يسكنها في منزل حتى تنقضي عدتها فقال: "أسكنوهن من حيث سكنتم" أي عندكم "من وجدكم" قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد يعني سعتكم حتى قال قتادة: إن لم تجد إلا جنب بيتك فأسكنها فيه, وقوله تعالى: "ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن" قال مقاتل بن حيان: يعني يضاجرها لتفتدي منه بمالها أو تخرج من مسكنه, وقال الثوري عن منصور عن أبي الضحى: "ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن" قال يطلقها فإذا بقي يومان راجعها.
وقوله تعالى: "وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن" قال كثير من العلماء منهم ابن عباس وطائفة من السلف وجماعات من الخلف: هذه في البائن إن كانت حاملا أنفق عليها حتى تضع حملها, قالوا بدليل أن الرجعية تجب نفقتها سواء كانت حاملا أو حائلا, وقال آخرون: بل السياق كله في الرجعيات وإنما نص على الإنفاق على الحامل, وإن كانت رجعية, لأن الحمل تطول مدته غالباً فاحتيج إلى النص على وجوب الإنفاق إلى الوضع, لئلا يتوهم أنه إنما تجب النفقة بمقدار مدة العدة, ثم اختلف العلماء هل النفقة لها بواسطة الحمل أم للحمل وحده ؟ على قولين منصوصين عن الشافعي وغيره ويتفرع عليها مسائل كثيرة مذكورة في علم الفروع.
وقوله تعالى: "فإن أرضعن لكم" أي إذا وضعن حملهن وهن طوالق فقد بن بانقضاء عدتهن ولها حينئذ أن ترضع الولد ولها أن تمتنع منه, ولكن بعد أن تغذيه باللبأ, وهو باكورة اللبن الذي لا قوام للمولود غالباً إلا به, فإن أرضعت استحقت أجر مثلها, ولها أن تعاقد أباه أو وليه على ما يتفقان عليه من أجرة, ولهذا قال تعالى: " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " وقوله تعالى: " وأتمروا بينكم بمعروف " أي: ولتكن أموركم فيما بينكم بالمعروف من غير إضرار ولا مضارة كما قال تعالى في سورة البقرة: "لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده" وقوله تعالى: "وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" أي وإن اختلف الرجل والمرأة فطلبت المرأة في أجرة الرضاع كثيراً, ولم يجبها الرجل إلى ذلك أو بذل الرجل قليلاً ولم توافقه عليه, فليسترضع له غيرها, فلو رضيت الأم بما استؤجرت به الأجنبية فهي أحق بولدها.
وقوله تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته" أي لينفق على المولود والده أو وليه بحسب قدرته "ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها" كقوله تعالى: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" روى ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا حكام عن أبي سنان قال: سأل عمر بن الخطاب عن أبي عبيدة فقيل إنه يلبس الغليظ من الثياب ويأكل أخشن الطعام, فبعث إليه بألف دينار وقال للرسول: انظر ما يصنع بها إذا هو أخذها ؟ فما لبث أن لبس اللين من الثياب, وأكل أطيب الطعام, فجاءه الرسول فأخبره, فقال رحمه الله تعالى تأول هذه الاية "لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله".
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير: حدثنا هاشم بن مزيد الطبراني حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش, أخبرني أبي, أخبرني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري واسمه الحارث, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة نفر كان لأحدهم عشرة دنانير فتصدق منها بدينار, وكان لاخر عشر أواق فتصدق منها بأوقية وكان آخر مائة أوقية فتصدق منها بعشر أواق ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ هم في الأجر سواء كل قد تصدق بعشر ماله قال الله تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته" "هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وقوله تعالى: "سيجعل الله بعد عسر يسراً" وعد منه تعالى ووعده حق لا يخلفه وهذه كقوله تعالى: " فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا " وقد روى الإمام أحمد حديثاً يحسن أن نذكره ههنا: فقال: حدثنا هاشم بن القاسم, حدثنا عبد الحميد بن بهرام, حدثنا شهر بن حوشب قال: قال أبو هريرة: بينما رجل وامرأة من السلف الخالي لا يقدران على شيء, فجاء الرجل من سفره فدخل على امرأته جائعاً قد أصابته مسغبة شديدة, فقال لامرأته عندك شيء ؟ قالت: نعم أبشر أتانا رزق الله فاستحثها فقال: ويحك ابتغي إن كان عندك شيء, قالت: نعم هنيهة ترجو رحمة الله, حتى إذا طال عليه الطول قال: ويحك قومي فابتغي إن كان عندك شيء فائتيني به فإني قد بلغت وجهدت, فقالت: نعم, الان نفتح التنور فلا تعجل, فلما أن سكت عنها ساعة وتحينت أن يقول لها قالت من عند نفسها: لو قمت فنظرت إلى تنوري فقامت فنظرت إلى تنورها ملان من جنوب الغنم ورحييها تطحنان, فقامت إلى الرحى فنفضتها واستخرجت ما في تنورها من جنوب الغنم, قال أبو هريرة: فو الذي نفس أبي القاسم بيده هو قول محمد صلى الله عليه وسلم: "لو أخذت ما في رحييها ولم تنفضها لطحنتها إلى يوم القيامة".
وقال في موضع آخر: حدثنا أبو عامر, حدثنا أبو بكر عن هشام عن محمد, وهو ابن سيرين عن أبي هريرة قال: دخل رجل على أهله فلما رأى ما بهم من الحاحة خرج إلى البرية, فلما رأت امرأته قامت إلى الرحى فوضعتها وإلى التنور فسجرته, ثم قالت: اللهم ارزقنا, فنظرت, فإذا الجفنة قد امتلأت قال: وذهبت إلى التنور فوجدته ممتلئاً, قال فرجع الزوج فقال: أصبتم بعدي شيئاً ؟ قالت: امرأته: نعم من ربنا, فأم إلى الرحى فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أما إنه لو لم ترفعها لم تزل تدور إلى يوم القيامة".
قوله: 6- "أسكنوهن من حيث سكنتم" هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان ما يجب للنساء من السكنى، ومن للتبعيض: أي بعض مكان سكناكم، وقيل زائدة "من وجدكم" أي من سعتكم وطاقتكم، والوجد القدرة. قال الفراء: يقول على ما يجد، فإن كان موسعاً عليه وسع عليها في المسكن والنفقة، وإن كان فقيراً فعلى قدر ذلك. قال قتادة: إن لم تجد إلا ناحية بيتك فأسكنها فيه.
وقد اختلف أهل العلم في المطلقة ثلاثاً، هل لها سكنى ونفقة أم لا؟ فذهب مالك والشافعي أن لها السكنى ولا نفقة لها. وذهب أبو حنيفة وأصحابه أن لها السكنى والنفقة. وذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور أنه لا نفقة لها ولا سكنى، وهذا هو الحق، وقد قررته في شرحي للمنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره "ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن" نهى سبحانه عن مضارتهن بالتضييق عليهن في المسكن والنفقة. وقال مجاهد: في المسكن. وقال مقاتل: في النفقة. وقال أبو الضحى: هو أن يطلقها، فإذا بقي يومان من عدتها راجعها، ثم طلقها "وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن" أي إلى غاية هي وضعهن للحمل. ولا خلاف بين العلماء في وجوب النفقة، والسكنى للحامل المطلقة، فأما الحامل المتوفى عنها زوجها، فقال علي وابن عمر وابن مسعود وشريح والنخعي والشعبي وحماد وابن أبي ليلى وسفيان وأصحابه: ينفق عليها من جميع المال حتى تضع. وقال ابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه: لا ينفق عليها إلا من نصيبها، وهذا هو الحق للأدلة الواردة في ذلك من السنة "فإن أرضعن لكم" أولادكم بعد ذلك "فآتوهن أجورهن" أي أجور إرضاعهن والمعنى: أن المطلقات إذا أرضعن أولاد الأزواج المطلقين لهن منهن فلهن أجورهن على ذلك "وأتمروا بينكم بمعروف" هو خطاب للأزواج والزوجات: أي تشاوروا بينكم بما هو معروف غير منكر وليقبل بعضكم من بعض من المعروف والجميل، وأصل معناه ليأمر بعضكم بعضاً بما هو متعارف بين الناس غير منكر عندهم. قال مقاتل: المعنى ليتراض الأب والأمر على أجر مسمى، قيل والمعروف الجميل من الزوج أن يوفر لها الأجر، والمعروف الجميل منها أن لا تطلب ما يتعاسره الزوج من الأجر "وإن تعاسرتم" أي في أجر الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الأم الأجر وأبت الأم أن ترضعه إلا بما تريد من الأجر "فسترضع له أخرى" أي يستأجر مرضعة أخرى ترضع ولده، ولا يجب عليه أن يسلم ما تطلبه الزوجة، ولا يجوز له أن يكرهها على الإرضاع بما يريد من الأجر. قال الضحاك: إن أبت الأمر أن ترضع استأجر لولده أخرى، فإن لم تقبل أجبرت أمه على الرضاع بالأجر.
"أسكنوهن"، يعني مطلقات نسائكم "من حيث سكنتم"، "من" صلة، أي: أسكنوهن حيث سكنتم، "من وجدكم"، يعني: سعتكم وطاقتكم، يعني: إن كان موسراً يوسع عليها في المسكن والنفقة، وإن كان فقيراً فعلى قدر الطاقة، "ولا تضاروهن"، لا تؤذوهن، "لتضيقوا عليهن"، مساكنهن فيخرجن، "وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن"، فيخرجن من عدتهن.
اعلم أن المعتدة الرجعية تستحق على الزوج النفقة والسكنى ما دامت في العدة. ونعني بالسكنى. مؤنة السكنى، فإن كانت الدار التي طلقها فيها ملكاً للزوج يجب على الزوج أن يخرج ويترك الدار لها مدة عدتها، وإن كانت بإجارة فعلى الزوج الأجرة، وإن كانت عارية فرجع المعير فعليه أن يكتري/ لها دارا تسكنها.
فأما المعتدة البائنة بالخلع أو الطلقات الثلاث أو باللعان، فلها السكنى، حاملاً كانت أو حائلاً، عند أكثر أهل العلم.
روي عن ابن عباس أنه قال: لا سكنى لها إلا أن تكون حاملاً وهو قول الحسن وعطاء والشعبي.
واختلفوا في نفقتها: فذهب قوم إلى أنه لا نفقة لها إلا أن تكون حاملاً. روي ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن، وعطاء، والشعبي، وبه قال الشافعي، وأحمد.
ومنهم من أوجبها بكل حال، روي ذلك عن ابن مسعود، وهو قول إبراهيم النخعي، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي.
وظاهر القرآن يدل على أنها لا تستحق إلا أن تكون حاملاً، لأن الله تعالى قال: "وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن".
والدليل عليه من جهة السنة ما:
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس، "أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب بالشام، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله مالك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له. فقال لها: ليس لك عليه نفقة، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك. ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني. قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، قالت: فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة، فنكحته، فجعل فيه خيراً واغتبطت به".
واحتج من لم يجعل لها السكنى بحديث فاطمة بنت قيس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت عمرو بن أم مكتوم".
ولا حجة فيه، لما روي عن عائشة أنها قالت: كانت فاطمة في مكان وحش، فخيف على ناجيتها.
وقال سعيد بن المسيب: إنما نقلت فاطمة لطول لسانها على أحمائها، وكانت للسانها ذرابة.
أما المعتدة عن وطء الشبهة والمفسوخ نكاحها بعيب أو خيار عتق فلا سكنى لها ولا نفقة وإن كانت حاملاً.
والمعتدة عن وفاة الزوج لا نفقة لها حاملاً كانت أو حائلاً، عند أكثر أهل العلم، وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أن لها النفقة، إن كانت حاملاً، من التركة حتى تضع، وهو قول شريح، والشعبي، والنخعي، والثوري.
واختلفوا في سكناها، وللشافعي رضي الله عنه فيه قولان: أحدهما لا سكنى لها، بل تعتد حيث تشاء، وهو قول علي، وابن عباس وعائشة. وبه قال عطاء، والحسن وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه.
والثاني: لها السكنى وهو قول عمر، وعثمان، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وبه قال مالك، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق.
واحتج من أوجب لها السكنى بما:
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب: أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها: "أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم، فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فانصرفت حتى إذا كانت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعيت له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً. قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به".
فمن قال بهذا القول قال: إذنه لفريعة أولاً بالرجوع إلى أهلها صار منسوخاً بقوله آخراً: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله".
ومن لم يوجب السكنى قال: أمرها بالمكث في بيتها آخراً استحباباً لا وجوباً.
قوله عز وجل "فإن أرضعن لكم"، أي أرضعن أولادكم، "فآتوهن أجورهن"، على إرضاعهن، "وأتمروا بينكم بمعروف"، ليقبل بعضكم من بعض إذا أمره بالمعروف، قال الكسائي: شاوروا، قال مقاتل: بتراضي الأب والأم على أجر مسمى. والخطاب للزوجين جميعاً، يأمرهم أن يأتوا بالمعروف وبما هو الأحسن، ولا يقصدوا الضرار. "وإن تعاسرتم"، في الرضاع والأجرة فأبى الزوج أن يعطي المرأة رضاها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها على إرضاعه، ولكنه يستأجر للصبي مرضعاً غير أمه وذلك قوله: "فسترضع له أخرى".
6-" أسكنوهن من حيث سكنتم " أي مكان من مكان سكناكم " من وجدكم " من وسعكم أي مما تطيقونه ، أو عطف بيان لقوله من " حيث سكنتم " . " ولا تضاروهن " في السكنى " لتضيقوا عليهن " فتلجئوهن إلى الخروج . " وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " فيخرجن من العدة ، وهذا يدل على اختصاص استحقاقه النفقة بالحامل من المعتدات والأحاديث تؤيده . " فإن أرضعن لكم " بعد انقطاع علقة النكاح . " فآتوهن أجورهن " على الإرضاع . " وأتمروا بينكم بمعروف " ليأمر بعضكم بعضاً بجميل في الإرضاع والأجر . " وإن تعاسرتم " تضايقتم ." فسترضع له أخرى " امرأة أخرى ، وفيه معاتبة للأم على المعاسرة .
6. Lodge them where ye dwell, according to your wealth, and harass them not so as to straiten life for them. And if they are with child, then spend for them till they bring forth their burden. Then, if they give suck for you, give them their due payment and consult together in kindness; but if ye make difficulties for one another, then let some other woman give suck for him (the father of the child).
6 - Let the women live (in Iddat) in the same style as ye live, according to your means: annoy them not, so as to restrict them. And if they carry (life in their wombs), then spend (your substance) on them until they deliver their burden: and if they suckle your (offspring), give them their recompense: and take mutual counsel together, according to what is just and reasonable. And if ye find yourselves in difficulties, let another woman suckle (the child) on the (father's) behalf.