6 - (يا أيها الإنسان إنك كادح) جاهد في عملك (إلى) لقاء (ربك) وهو الموت (كدحا فملاقيه) أي ملاق عملك المذكور من خير أو شر يوم القيامة
يقول تعالى ذكره : يا أيها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملاً فملاقيه به ، خيراً كان عملك ذلك أو شراً ، يقول : فليكن عملك مما ينجيك من سخطه ، ويوجب لك رضاه ، ولا يكن مما يسخطه عليك فتهلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " يقول : تعمل عملاً تلقى الله به خيراً كان أو شراً .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " إن كدحك يا ابن آدم لضعيف ، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ، ولا قوة إلا بالله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله " إنك كادح إلى ربك كدحا " قال : عامل له عملاً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وسمعته يقول في ذلك " إنك كادح إلى ربك كدحا " قال : عامل إلى ربك عملاً ، قال : كدحاً : العمل .
قال تعالى:" يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه" ((إذا السماء انشقت)). قاله المبرد. وعنه أيضاً: الجواب ((فأما من أوتي كتابه بيمينه)) وهو قول الكسائي، أي إذا السماء انشقت فمن أوتي كتابه بيمينه فحكمه كذا. قال أبو جعفر النحاس : وهذا أصح ما قيل فيه وأحسنه. قيل : هو بمعنى اذكر " إذا السماء انشقت". وقيل: الجواب محذوف لعلم المخاطبين به، أي إذا كانت هذه الأشياء علم المكذبون بالبعث ضلالتهم وخسرانهم. وقيل: تقدم منهم سؤال عن وقت القيامة، فقيل لهم: إذا ظهرت أشراطها كانت القيامة، فرأيتم عاقبة تكذيبكم بها. والقرآن كالآية الواحدة في دلالة البعض على البعض. وعن الحسن: إن قوله " إذا السماء انشقت" قسم.والجمهور على خلاف قوله من أنه خبر وليس بقسم.
قوله تعالى:" يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا" المراد بالإنسان الجنس أي يابن آدم. وكذا روى سعيد عن قتادة : يا بن آدم، إن كدحك لضعيف، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله. وقيل: هو معين، قال مقاتل : يعني الأسود بن عبد الأسد. ويقال : يعني أبي بن خلف. ويقال: يعني جميع الكفار، أيها الكافر إنك كادح. والكدح في كلام العرب: العمل والكسب، قال ابن مقبل:
وما الدهر إلا تارتان فنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
قال آخر :
ومضت بشاشة كل عيش صالح وبقيت أكدح للحياة وأنصب
أي أعمل. وروى الضحاك عن ابن عباس: ((إنك كادح)) أي راجع ((إلى ربك كدحاً)) أي رجوعاً لا محالة " فملاقيه" أي ملاق ربك. وقيل : ملاق عملك. القتبي ((إنك كادح)) أي عامل ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك. والملاقاة بمعنى اللقاء أي تلقى ربك بعملك. وقيل: أي تلاقي كتاب عملك، لأن العمل قد انقضى ولهذا قال:" فأما من أوتي كتابه بيمينه".
يقول تعالى: "إذا السماء انشقت" وذلك يوم القيامة "وأذنت لربها" أي: استمعت لربها وأطاعت أمره فيما أمرها به من الانشقاق وذلك يوم القيامة "وحقت" أي وحق لها أن تطيع أمره لأنه العظيم الذي لا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء وذل له كل شيء, ثم قال: "وإذا الأرض مدت" أي: بسطت وفرشت ووسعت.
قال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري , عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين الرحمن والله ما رآه قبلها, فأقول يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي فيقول الله عز وجل صدق ثم أشفع, فأقول: يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض ـ قال ـ وهو المقام المحمود". وقوله تعالى: "وألقت ما فيها وتخلت" أي ألقت ما في بطنها من الأموات وتخلت منهم, قاله مجاهد وسعيد وقتادة "وأذنت لربها وحقت" كما تقدم.
وقوله: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً" أي إنك ساع إلى ربك سعياً وعامل عملاً "فملاقيه" ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أوشر. ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسي عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال جبريل يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب ما شئت فإنك مفارقه, واعمل ما شئت فإنك ملاقيه" ومن الناس من يعيد الضمير على قوله ربك أي فملاق ربك, ومعناه فيجازيك بعملك ويكافئك على سعيك, وعلى هذا فكلا القولين متلازم, قال العوفي عن ابن عباس "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً" يقول: تعمل عملاً تلقى الله به خيراً كان أو شراً.
وقال قتادة : "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً" إن كدحك يا ابن آدم لضعيف فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله ثم قال تعالى: " فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا " أي سهلاً بلا تعسير أي لا يحقق عليه جميع دقائق أعماله فإن من حوسب كذلك هلك لا محالة. وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل, أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نوقش الحساب عذب" قالت فقلت: أفليس قال الله تعالى: "فسوف يحاسب حساباً يسيراً" قال: "ليس ذاك بالحساب ولكن ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب" وهكذا رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث أيوب السختياني به.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع , حدثنا روح بن عبادة , حدثنا أبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذباً فقلت: أليس الله يقول " فسوف يحاسب حسابا يسيرا " قال: ذاك العرض إنه من نوقش الحساب عذب" وقال بيده على إصبعه كأن ينكت, وقد رواه أيضاً عن عمرو بن علي عن ابن أبي عدي عن أبي يونس القشيري , عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث, أخرجاه من طريق أبي يونس القشيري واسمه حاتم بن أبي صغيرة به. قال ابن جرير : حدثنا نصر بن علي الجهضمي , حدثنا مسلم عن الحريش بن الخريت أخي الزبير عن ابن أبي مليكة عن عائشة , قالت: من نوقش الحساب ـ أو من حوسب ـ عذب. قال: ثم قالت: إنما الحساب اليسير عرض على الله تعالى وهو يراهم. وقال أحمد : حدثنا إسماعيل , حدثنا محمد بن إسحاق , حدثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير , عن عائشة , قالت: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حساباً يسيرا فلما انصرف قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال: أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه إنه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك" صحيح على شرط مسلم .
وقوله تعالى: "وينقلب إلى أهله مسروراً" أي ويرجع إلى أهله في الجنة: قاله قتادة والضحاك : مسروراً أي فرحاً مغتبطاً بما أعطاه الله عز وجل. وقد روى الطبراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنكم تعملون أعمالاً لا تعرف ويوشك الغائب أن يثوب إلى أهله فمسرور أو مكظوم " , وقوله تعالى: "وأما من أوتي كتابه وراء ظهره" أي بشماله من وراء ظهره تثنى يده إلى ورائه ويعطى كتابه بها كذلك "فسوف يدعو ثبوراً" أي خساراً وهلاكاً "ويصلى سعيراً * إنه كان في أهله مسرورا" أي فرحاً لا يفكر في العواقب ولا يخاف مما أمامه, فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل "إنه ظن أن لن يحور" أي كان يعتقد أنه لا يرجع إلى الله ولا يعيده بعد موته, قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما, والحور هو الرجوع قال الله: "بلى إن ربه كان به بصيراً" يعني بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله خيرها وشرها فإنه كان به بصيراً أي عليماً خبيراً.
6- "يا أيها الإنسان" المراد جنس الإنسان فيشمل المؤمن والكافر، وقيل هو الإنسان الكافر، والأول أولى لما سيأتي من التفصيل "إنك كادح إلى ربك كدحاً" الكدح في كلام العرب: السعي في الشيء بجهد من غير فرق بين أن يكون ذلك الشيء خيراً أو شراً، والمعنى: أنك ساع إلى ربك في عملك، أو إلى لقاء ربك، مأخوذ من كدح جلده: إذا خدشه. قال ابن مقبل:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح
قال قتادة والضحاك والكبي: عامل لربك عملاً "فملاقيه" أي فملاق عملك، والمعنى: أنه لا محالة ملاق لجزاء عمله وما يترت عليه من الثواب والعقاب. قال القتيبي: معنى الآية: إنك كادح: أي عامل ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك، والملاقاة بمعنى اللقاء: أي تلقى ربك بعملك، وقيل فملاق كتاب عملك، لأن العمل قد انقضى.
ومعنى قوله: 6- "كادح إلى ربك كدحاً"، أي ساع إليه في عملك، والكدح: عمل الإنسان وجهده في الأمر من الخير والشر حتى يكدح ذلك فيه، أي يؤثر. وقال قتادة والكلبي الضحاك: عامل لربك عملاً، "فملاقيه"، أي ملاقي جزاء عملك خيراً كان أو شراً.
6-" يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه " عليه وتقديره لاقى الإنسان كدحه اي جهداً يؤثر فيه من كدحه إذا خدشه ، أو " فملاقيه " و" يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك " اعتراض ، والكدح إليه السعي إلى لقاء جزائه .
6. Thou, verily, O man, art working toward thy Lord a work which thou wilt meet (in His presence).
6 - O thou man! Verily thou art ever toiling on towards thy Lord painfully toiling, but thou shalt meet Him.