62 - (وقال لفتيته) وفي قراءة {لفتيانه} غلمانه (اجعلوا بضاعتهم) التي أتوا بها ثمن الميرة وكانت دراهم (في رحالهم) أوعيتهم (لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم) وفرغوا أوعيتهم (لعلهم يرجعون) إلينا لأنهم لا يستحلون إمساكها
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال إخوة يوسف ليوسف ، إذ قال لهم :"ائتوني بأخ لكم من أبيكم" . "قالوا سنراود عنه أباه" ، ونسأله أن يخليه معنا حتى يجيء به إليك ، "وإنا لفاعلون" ، يعنون بذلك : وإنا لفاعلون ما قلنا لك إنا نفعله من مراودة أبينا عن أخينا منه ، ولنجتهدن . كما :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ،عن ابن إسحاق : "وإنا لفاعلون" ، لنجتهدن .
وقوله : "وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم" ، يقول تعالى ذكره : وقال يوسف ، "لفتيانه" ، وهم غلمانه ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وقال لفتيانه"، أي : لغلمانه .
"اجعلوا بضاعتهم في رحالهم" ، يقول : اجعلوا أثمان الطعام التي أخذتموها منهم ، "في رحالهم" .
و الرحال ، جمع رحل ، وذلك جمع الكثير . فأما القليل من الجمع منه فهو : أرحل ، وذلك جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة .
وبنحو الذي قلنا في معنى البضاعة ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "اجعلوا بضاعتهم في رحالهم" ، أي : أوراقهم .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ثم أمر ببضاعتهم التي أعطاهم بها ما أعطاهم من الطعام ، فجعلت في رحالهم وهم لا يعلمون .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ،عن السدي قال : وقال لفتيانه وهو يكيل لهم : "اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون" ، إلي .
فإن قال قائل : ولأية علة أمر يوسف فتيانه أن يجعلوا بضاعة إخوته في رحالهم ؟
قيل : يحتمل ذلك وجهاً .
أحدها : أن يكون خشي أن لا يكون عند ابيه دراهم ، إذ كانت السنة سنة جدب وقحط ، فيضر أخذ ذلك منهم به ، وأحب أن يرجع إليه .
أو : أراد أن يتسع بها أبوه وإخوته ، مع قلة حاجتهم إليه ، فرده عليهم من حيث لا يعلمون سبب رده ،
تكرماً وتفضلاً .
الثالث : وهو أن يكون أراد بذلك أن لا يخلفوه الوعد في الرجوع ، إذا وجدوا في رحالهم ثمن طعام قد قبضوه وملكه عليهم غيرهم ، عوضاً من طعامه ،ويتحرجوا من إمساكهم ثمن طعام قد قبضوه حتى يؤدوه على صاحبه ، فيكون ذلك أدعى لهم إلى العود إليه .
قوله تعالى: " وقال لفتيانه " هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم، وهي اختيار أبي حاتم و النحاس وغيرهما. وقرأ سائر الكوفيين ( لفتيانه) وهو اختيار أبي عبيد، وقال: هو في مصحف عبد الله كذلك. قال الثعلبي : وهما لغتان جيدتان، مثل الصبيان والصبية قال النحاس : ( لفتيانه) مخالف للسواد الأعظم، لأنه في السواد لا ألف فيه ولا نون، ولايترك السواد المجتمع عليه لهذا الإسناد المنقطع، وأيضاً فإن فتية أشبه من فتيان، فأن فتية عند العرب لأقل العدد، والقليل بأن يجعلوا البضاعة في الرحال أشبه. وكان هؤلاء الفتية يسوون جهازهم، ولهذا أمكنهم جعل بضاعتهم في رحالهم. ويجوز أن يكونوا أحراراً، وكانوا أعواناً له، وبضاعتهم أثمان ما اشتروه من الطعام. وقيل: كانت دراهم ودنانير. وقال ابن عباس: النعال والأدم ومتاع المسافر، ويسمى رحلاً، قال ابن الأنباري: يقال للوعاء رحل، وللبيت رحل. وقال: " لعلهم يعرفونها " لجواز ألا تسلم في الطريق. وقيل: إنما فعل ذلك ليرجعوا إذا وجدوا ذلك، لعلمه أنهم لا يقبلون الطعام إلا بثمنه. قيل: ليستعينوا بذلك على الرجوع لشراء الطعام. وقيل: استقبح أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن الطعام. وقيل: ليروا فضله، ويرغبوا في الرجوع إليه.
ذكر السدي ومحمد بن إسحاق وغيرهما من المفسرين أن السبب الذي أقدم إخوة يوسف بلاد مصر, أن يوسف عليه السلام لما باشر الوزارة بمصر ومضت السبع السنين المخصبة, ثم تلتها السبع السنين المجدبة, وعم القحط بلاد مصر بكمالها, ووصل إلى بلاد كنعان وهي التي فيها يعقوب عليه السلام وأولاده, وحينئذ احتاط يوسف عليه السلام للناس في غلاتهم, وجمعها أحسن جمع, فحصل من ذلك مبلغ عظيم وهدايا متعددة هائلة, وورد عليه الناس من سائر الأقاليم والمعاملات, يمتارون لأنفسهم وعيالهم, فكان لا يعطي الرجل أكثر من حمل بعير في السنة, وكان عليه السلام, لا يشبع نفسه, ولا يأكل هو والملك وجنودهما إلا أكلة واحدة في وسط النهار, حتى يتكفا الناس بما في أيديهم مدة السبع سنين, وكان رحمة من الله على أهل مصر.
وما ذكره بعض المفسرين من أنه باعهم في السنة الأولى بالأموال, وفي الثانية بالمتاع, وفي الثالثة بكذا, وفي الرابعة بكذا, حتى باعهم بأنفسهم وأولادهم بعد ما تملك عليهم جميع ما يملكون, ثم أعتقهم ورد عليهم أموالهم كلها, الله أعلم بصحة ذلك, وهو من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب, والغرض أنه كان في جملة من ورد للميرة إخوة يوسف عن أمر أبيهم لهم في ذلك, فإنه بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه, فأخذوا معهم بضاعة يعتاضون بها طعاماً, وركبوا عشرة نفر, واحتبس يعقوب عليه السلام عنده ابنه بنيامين شقيق يوسف عليه السلام, وكان أحب ولده إليه بعد يوسف, فلما دخلوا على يوسف وهو جالس في أبهته ورياسته وسيادته, عرفهم حين نظر إليهم, وهم له منكرون أي لا يعرفونه, لأنهم فارقوه وهو صغير حدث, وباعوه للسيارة ولم يدروا أين يذهبون به, ولا كانوا يستشعرون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه, فلهذا لم يعرفوه, وأما هو فعرفهم. فذكر السدي وغيره أنه شرع يخاطبهم, فقال لهم كالمنكر عليهم: ما أقدمكم بلادي ؟ فقالوا: أيها العزيز إنا قدمنا للميرة, قال: فلعلكم عيون ؟ قالوا: معاذ الله. قال: فمن أين أنتم ؟ قالوا من بلاد كنعان, وأبونا يعقوب نبي الله. قال: وله أولاد غيركم ؟ قالوا: نعم كنا اثني عشر, فذهب أصغرنا, هلك في البرية وكان أحبنا إلى أبيه, وبقي شقيقه فاحتبسه أبوه ليتسلى به عنه, فأمر بإنزالهم وإكرامهم "ولما جهزهم بجهازهم" أي أوفى لهم كيلهم, وحمل لهم أحمالهم, قال: ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتم لأعلم صدقكم فيما ذكرتم " ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين " يرغبهم في الرجوع إليه, ثم رهبهم فقال: "فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي" الاية, أي إن لم تقدموا به معكم في المرة الثانية فليس لكم عندي ميرة, "ولا تقربون * قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون" أي سنحرص على مجيئه إليك بكل ممكن, ولا نبقي مجهوداً لتعلم صدقنا فيما قلناه, وذكر السدي أنه أخذ منهم رهائن حتى يقدموا به معهم, وفي هذا نظر لأنه أحسن إليهم ورغبهم كثيراً, وهذا لحرصه على رجوعهم, "وقال لفتيانه" أي غلمانه "اجعلوا بضاعتهم" أي التي قدموا بها ليمتاروا عوضاً عنها "في رحالهم" أي في أمتعتهم من حيث لا يشعرون, "لعلهم يرجعون" بها, قيل: خشي يوسف عليه السلام أن لا يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون للميرة بها. وقيل: تذمم أن يأخذ من أبيه وإخوته عوضاً عن الطعام, وقيل أراد أن يردهم إذا وجدوها في متاعهم تحرجاً وتورعاً, لأنه يعلم ذلك منهم والله أعلم.
62- "وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم" قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم من رواية شعبة وابن عامر " لفتيانه " واختار هذه القراءة أبو حاتم والنحاس وغيرهما. وقرأ سائر الكوفيين "لفتيانه" واختار هذه القراءة أبو عبيدة، وفي مصحف عبد الله بن مسعود كالقراءة الآخرة. قال النحاس: لفتيانه مخالف للسواد الأعظم، ولا يترك السواد المجمع عليه لهذا الإسناد المنقطع وأيضاً فإن فتية أشبه من فتيان، لأن فتية عند العرب لأقل العدد، وأمر القليل بأن يجعلوا البضاعة في الرحال أشبه والجملة مستأنفة جواب سؤال كأنه قيل: فما قال يوسف بعد وعدهم له بذلك؟ فأجيب بأنه قال لفتيته. قال الزجاج الفتية والفتيان في هذا الموضع المماليك، وقال الثعلبي: هما لغتان جيدتان مثل الصبيان والصبية. والمراد بالبضاعة هنا هي التي وصلوا بها من بلادهم ليشتروا بها الطعام، وكانت نعالاً وأدماً، فعل يوسف عليه السلام ذلك تفضلاً عليهم، وقيل فعل ذلك ليرجعوا إليه مرة أخرى لعلمه أنهم لا يقبلون الطعام إلا بثمن، قاله الفراء، وقيل فعل ذلك ليستعينوا بها على الرجوع إليه لشراء الطعام، وقيل إنه استقبح أن يأخذ من أبيه وأخوته ثمن الطعام، ثم علل يوسف عليه السلام ما أمر به من جعل الضاعة في رحالهم بقوله: "لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم" فجعل علة جعل البضاعة في الرحال هي معرفتهم لها إذا انقلبوا إلى أهلهم، وذلك لأنهم لا يعلمون برد البضاعة إليهم إلا عند تفريغ الأوعية التي جعلوا فيها الطعام، وهم لا يفرغونها إلا عند الوصول إلى أهلهم، ثم علل معرفتهم للبضاعة المردودة إليهم المجعولة في رحالهم بقوله: "لعلهم يرجعون" فإنهم إذا عرفوا ذلك وعلموا أنهم أخذوا الطعام بلا ثمن، وأن ما دفعوه عوضاً عنه قد رجع إليهم، وتفضل به من وصلوا إليه عليهم نشطوا إلى العود إليه، ولا سيما مع ما هم فيه من الجدب الشديد والحاجة إلى الطعام وعدم وجوده لديهم، فإن ذلك من أعظم ما يدعوهم إلى الرجوع، وبهذا يظهر أن يوسف عليه السلام لم يرد البضاعة إليهم إلا لهذا المقصد، وهو رجوعهم إليه فلا يتم تعليل ردا بغير ذلك، والرحال جمع رحل، والمراد به هنا ما يستصحبه الرجل معه من الأثاث. قال الواحدي: الرحل كل شيء معد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير ومجلس ورسن انتهى. والمراد هنا الأوعيه التي يجعلون فيها ما يمتارونه من الطعام. قال ابن الأنباري: يقال للوعاء رحل وللبيت رحل.
62-"وقال لفتيانه"، قرأ حمزة والكسائي وحفص: "لفتيانه" بالألف والنون، وقرأ الباقون: " لفتيانه " بالتاء من غير ألف، يريد لغلمانه، وهما لغتان مثل الصبيان والصبية، "اجعلوا بضاعتهم" ثمن طعامهم وكانت دراهم.
وقال الضحاك عن ابن عباس: كانت النعال والأدم.
وقيل: كانت ثمانية جرب من سويق المقل. والأول أصح.
"في رحالهم"، أوعيتهم، وهي جمع رحل، "لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا"، انصرفوا، "إلى أهلهم لعلهم يرجعون".
واختلفوا في السبب الذي فعله يوسف من أجله، قيل: أراد أن يريهم كرمه في رد البضاعة وتقديم الضمان في البر والإحسان، ليكون أدعى لهم إلى العود، لعلهم يعرفونها، أي: كرامتهم علينا.
وقيل: رأى لؤما أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه، فرده عليهم من حيث لا يعلمون تكرما.
وقال الكلبي: تخوف أن لا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى.
وقيل: فعل ذلك لأنه علم أن ديانتهم تحملهم على رد البضاعة نفيا للغلط ولا يستحلون إمساكها.
62."وقال لفتيانه"لغلمانه الكيالين جمع فتى . وقرأ حمزةوالكسائي وحفص لفتيانه على أنه جمع الكثرة ليوافق قوله: "اجعلوا بضاعتهم في رحالهم "فإنه وكل بكل رحل واحداً يعني فيه بضاعتهم التي شروا بها الطعام ، وكانت نعالاً و أدماً وإنما فعل ذلك توسيعاً وتفضلاً عليهم وترفعاً من أن يأخذ ثمن الطعام منهم ،وخوفاً من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به ."لعلهم يعرفونها" لعلهم يعرفون حق ردها . أو لكي يعرفونها ."إذا انقلبوا" انصرفوا ورجعوا."إلى أهلهم " وفتحوا أوعيتهم."لعلهم يرجعون" لعل معرفتهم ذلك تدعوهم إلى الرجوع.
62. He said unto his young men: Place their merchandise in their saddlebags, so that they may know it when they go back to their folk, and so will come again.
62 - And (Joseph) told his servants to put their stock in trade (with which they had bartered) into their saddle bags, so they should know it only when they returned to their people, in order that they might come back.