62 - (قال أرأيتك) أي أخبرني (هذا الذي كرمت) فضلت (علي) بالأمر بالسجود له وأنا خير منه خلقتني من نار (لئن) لام قسم (أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن) لأستأصلن (ذريته) بالإغواء (إلا قليلا) منهم ممن عصمته
وقوله : " أرأيتك هذا الذي كرمت علي " يقول تعالى ذكره : أرأيت هذا الذي كرمته علي ، فأمرتني بالسجود له ، ويعني بذلك آدم " لئن أخرتن " أقسم عدو الله ، فقال لربه : لئن أخرت إهلاكي إلى يوم القيامة " لأحتنكن ذريته إلا قليلاً " يقول : لأستولين عليهم ، ولأستأصلنهم ، ولأستميلنهم ! يقال منه : احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم أو غير ذلك ، ومنه قول الشاعر:
نشكو إليك سنة قد أجحفت جهدا إلى جهد بنا فاضعفت
واحتنكت أموالنا وجلفت
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى . وحدثني الحارث ، قال : ئنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تبارك وتعالى " لأحتنكن ذريته إلا قليلاً " قال : لأحتوينهم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " لأحتنكن ذريته إلا قليلاً " يقول : لأستولين.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " لأحتنكن ذريته إلا قليلاً " قال : لأضلنهم ، وهذه الألفاظ وإن اختلفت فإنها متقاربات المعنى ، لأن الاستيلاء والاحتواء بمعنى واحد ، لاذا استولى عليهم فقد أضلهم .
"قال أرأيتك" أي قال إبليس. والكاف توكيد للمخاطبة. "هذا الذي كرمت علي" أي فضلته لعي. ورأى جوهر النار خيراً من جوهر الطين ولم يعلم أن الجواهر متماثلة. وقد تقدم هذا في الأعراف. وهذا نصب بأرأيت. الذي نعته. والإكرام: اسم جامع لكل ما يحمد. وفي الكلام حذف تقديره: أخبرني عن هذا الذي فضلته علي، لم فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من طين؟ فحذف لعلم السامع. وقيل: لا حاجة إلى تقدير الحذف، أي أترى هذا الذي كرمته علي لأفعلن به كذا وكذا. ومعنى "لأحتنكن" في قول ابن عباس: لأستولين عليهم. وقاله الفراء. مجاهد: لأحتوينهم. ابن زيد: لأضلنهم. والمعنى متقارب، أي لأستأصلن ذريته بالإغواء والإضلال، ولأجتاحنهم. وروي عن العرب: احتنك الجراد الزرع إذا ذهب به كله. وقيل: معناه لأسوقنهم حيث شئت وأقودنهم حيث أردت. من قولهم: حنكت الفرس أحنكه وأحنكه حنكا إذا جعلت في فيه الرسن. وكذلك احتنكه. والقول الأول قريب من هذا، لأنه إنما يأتي على الزرع بالحنك. وقال الشاعر:
أشكو إليك سنةً قد أجحفت جهدا إلى جهد بنا وأضعفت
واحتنكت أموالنا واجتلفت
"إلا قليلا" يعني المعصومين، وهم الذين ذكرهم الله في قوله: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" وإنما قال إبليس ذلك ظنا، كما قال الله تعالى: "ولقد صدق عليهم إبليس ظنه" [سبأ: 20] أو علم من طبع البشر تركب الشهوة فيهم، أو بنى على قول الملائكة: "أتجعل فيها من يفسد فيها" [البقرة 30]. وقال الحسن: ظن ذلك لأنه وسوس إلى آدم عليه السلام فلم يجد له عزماً.
يذكر تبارك وتعالى عداوة إبليس لعنه الله وذريته وأنها عداوة قديمة منذ خلق آدم فإنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لادم فسجدوا كلهم إلا إبليس استكبر وأبى أن يسجد له افتخاراً عليه واحتقاراً له "قال أأسجد لمن خلقت طيناً" كما قال في الاية الأخرى "أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" وقال أيضاً أرأيتك يقول للرب جراءة وكفراً والرب يحلم وينظر " قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي " الاية, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول لأستولين على ذريته إلا قليلاً وقال مجاهد لأحتوين وقال ابن زيد لأضلنهم وكلها متقاربة والمعنى أرأيتك هذا الذي شرفته وعظمته علي لإن أنظرتني لأضلن ذريته إلا قليلاً منهم.
62- "أرأيتك" أي أخبرني عن هذا الذي فضلته علي لم فضلته؟ وقد "خلقتني من نار وخلقته من طين" فحذف هذا للعلم به "لأحتنكن ذريته" أي لأستولين عليهم بالإغواء والإضلال قال الواحدي: أصله من احتناك الجراد الزرع، وهو أن تستأصله بأحناكها وتفسده، هذا هو الأصل، ثم سمي الاستيلاء على الشيء، وأخذه كله احتناكاً، وقيل معناه: لأسوقنهم حيث شئت وأقودنهم حيث أردت، من قولهم حنكت الفرس أحنكه حنكاً: إذا جعلت في فيه الرسن، والمعنى الأول أنسب بمعنى هذه الآية، ومنه قول الشاعر:
أشكو إليك سنة قد أجحفت جهداً إلى جهد بنا وأصعقت
واحتنكت أموالنا واختلفت
أي استأصلت أموالنا، واللام في "لئن أخرتن" هي الموطئة، وإنما أقسم اللعين هذا القسم على أنه سيفعل بذرية آدم ما ذكره لعلم قد سبق إليه من سمع استرقه، أو قاله لما ظنه من قوة نفوذ كيده في بني آدم، وأنه يجري منهم في مجاري الدم، وأنهم بحيث يروج عندهم كيده وتنفق لديهم وسوسته إلا من عصم الله، وهم المرادون بقوله: "إلا قليلاً" وفي معنى هذا الاستثناء قوله سبحانه: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى: "ولقد صدق عليهم إبليس ظنه" فإنه يفيد أنه قال ما قاله هنا اعتماداً على الظن، وقيل إنه استنبط ذلك من قول الملائكة "أتجعل فيها من يفسد فيها"، وقيل علم ذلك من طبع البشر لما ركب فيهم من الشهوات، أو ظن ذلك لأنه وسوس لآدم، فقبل منه ذلك ولم يجد له عزماً، كما روي عن الحسن.
62 - " قال " ، يعني إبليس : " أرأيتك " أي أخبرني ، والكاف لتأكيد المخاطبة ، " هذا الذي كرمت علي " أي : فضلته علي : " لئن أخرتن " أمهلتني " إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته " أي : لأستأصلنهم بالإضلال ، يقال احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله . وقيل : هو من قول العرب حنك الدابة يحنكها : إذا شد في حنكها الأسفل حبلاً يقودها ، أي : لأقودنهم كيف شئت . وقيل : لأستولين عليهم بالإغواء ، " إلا قليلاً " ، يعني المعصومين الذين استثناءهم الله عز وجل في قوله :" إن عبادي ليس لك عليهم سلطان " ( الحجر - 42 ) .
62." قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي "الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الإعراب ، وهذا مفعول أو والذي صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه، والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي بأمري بالسجود له لم كرمته علي."لئن أخرتن إلى يوم القيامة "كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه :"لأحتنكن ذريته إلا قليلاً"أي لأستأصلنهم بالإغواء إلا قليلاً لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم ، من احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلاً، مأخوذ من الحنك وإنما علم أن ذلك يتسهل له إما استنباطاً من قوله الملائكة "أتجعل فيها من يفسد فيها"مع التقرير ، أو تفرساً من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب.
62. He said: Seest Thou this (creature) whom Thou hast honored above me, if Thou give me grace until the Day of Resurrection I verily will seize his seed, save but a few.
62 - He said, seest thou? this is the one whom thou hast honored above me if thou wilt but respite me to the day of judgment, I will surely bring his descendants under my sway all but a few