62 - (ولا نكلف نفسا إلا وسعها) طاقتها فمن لم يستطع أن يصلي قائما فليصلي جالسا ومن لم يستطع أن يصوم فليأكل (ولدينا) عندنا (كتاب ينطق بالحق) بما عملته وهو اللوح المحفوظ تسطر فيه الأعمال (وهم) أي النفوس العاملة (لا يظلمون) شيئا منها فلا ينقص من ثواب أعمال الخيرات ولا يزاد في السيئات
يقول تعالى ذكره : ولا نكلف نفسا إلا ما يسعها ، و يصلح لها من العبادة ، و لذلك كلفناها ما كلفناها من معرفة وحدانية الله ، و شرعنا لها ما شرعنا من الشرائع " ولدينا كتاب ينطق بالحق " يقول : وعندنا كتاب أعمال الخلق ، بما عملوا من خير و شر " ينطق بالحق وهم لا يظلمون " يقول : و يبين بالصدق عما عملوا من عمل في الدنيا ، لا زيادة عليه ولا نقصان ، و نحن موفو جميعهم أجورهم ، المحسن منهم بإحسانه والمسيء بإساءته " وهم لا يظلمون " يقول : وهم لا يظلمون ، بأن يزاد على سيئات المسيء منهم ما لم يعمله ، فيعاقب على غير جرمه ، و ينقص المحسن عما عمل من إحسانه ، فينقص عما له من الثواب .
قوله تعالى: " ولا نكلف نفسا إلا وسعها " قد مضى في ((البقرة)) وأنه ناسخ لجميع ما ورد في الشرع من تكليف ما لا يطاق. " ولدينا كتاب ينطق بالحق " أظهر ما قيل فيه: إنه أراد كتاب إحصاء الأعمال الذي ترفعه الملائكة، وأضافه إلى نفسه لأن الملائكة كتبت فيه أعمال العباد بأمره، فهو ينطق بالحق. وفي هذا تهديد وتأييس من الحيف والظلم. ولفظ النطق يجوز في الكتاب، والمراد أن النبيين تنطق بما فيه. والله أعلم. وقيل: عنى اللوح المحفوظ، وقد أثبت فيه كل شيء، فهم لا يجاوزون ذلك. وقيل: الإشارة بقوله " ولدينا كتاب " القرآن، والله أعلم، وكل محتمل والأول أظهر.
يقول تعالى مخبراً عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها, أي إلا ما تطيق حمله والقيام به, وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء, ولهذا قال: "ولدينا كتاب ينطق بالحق" يعني كتاب الأعمال, "وهم لا يظلمون" أي لا يبخسون من الخير شيئاً, وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين, ثم قال منكراً على الكفار والمشركين من قريش: "بل قلوبهم في غمرة" أي في غفلة وضلالة "من هذا", أي القرآن الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون" قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس "ولهم أعمال" أي سيئة من دون ذلك يعني الشرك "هم لها عاملون" قال: لا بد أن يعملوها, كذا روي عن مجاهد والحسن وغير واحد. وقال آخرون "ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون" أي قد كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة, لتحق عليهم كلمة العذاب, وروي نحو هذا عن مقاتل بن حيان والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم , وهو ظاهر قوي حسن, وقد قدمنا في حديث ابن مسعود : " فو الذي لا إله غيره إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع, فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها".
وقوله: "حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون" يعني حتى إذا جاء مترفيهم وهم المنعمون في الدنيا عذاب الله وبأسه ونقمته بهم "إذا هم يجأرون" أي يصرخون ويستغيثون كما قال تعالى: " وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا * إن لدينا أنكالا وجحيما " الاية, وقال تعالى: " كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ". وقوله "لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون" أي لا يجيركم أحد مما حل بكم سواء جأرتم أو سكتم لا محيد ولا مناص ولا وزر لزم الأمر ووجب العذاب, ثم ذكر أكبر ذنوبهم فقال: "قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون" أي إذا دعيتم أبيتم وإن طلبتم امتنعتم "ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير".
وقوله: "مستكبرين به سامراً تهجرون" في تفسيره قولان. (أحدهما) أن مستكبرين حال منهم حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه استكباراً عليه, واحتقاراً له ولأهله, فعلى هذا الضمير في به فيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه الحرم أي مكة, ذموا لأنهم كانوا يسمرون فيه بالهجر من الكلام. (والثاني) أنه ضمير للقرآن كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام: إنه سحر, إنه شعر, إنه كهانة, إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة. (والثالث) أنه محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يذكرونه في سمرهم بالأقوال الفاسدة, ويضربون له الأمثال الباطلة, من أنه شاعر أو كاهن أو ساحر أو كذاب أو مجنون, فكل ذلك باطل, بل هو عبد الله ورسوله الذي أظهره الله عليهم وأخرجهم من الحرم صاغرين أذلاء. وقيل المراد بقوله: "مستكبرين به" أي بالبيت يفتخرون به ويعتقدون أنهم أولياؤه وليسوا به, كما قال النسائي من التفسير في سننه: أخبرنا أحمد بن سليمان , أخبرنا عبد الله عن إسرائيل عن عبد الأعلى أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال: إنما كره السمر حين نزلت هذه الاية "مستكبرين به سامراً تهجرون" فقال: مستكبرين بالبيت, يقولون: نحن أهله سامراً قال: كانوا يتكبرون ويسمرون فيه ولا يعمرونه ويهجرونه, وقد أطنب ابن أبي حاتم ههنا بما هذا حاصله.
ثم لما انجر الكلام إلى ذكر أعمال المكلفين ذكر لهما حكمين: الأول قوله: 62- "ولا نكلف نفساً إلا وسعها" الوسع هو الطاقة، وقد تقدم بيان هذا في آخر سورة البقرة, وفي تفسير الوسع قولان: الأول أنه الطاقة كما فسره بذلك أهل اللغة. الثاني أنه دون الطاقة، وبه قال مقاتل والضحاك والكلبي. والمعتزلة قالوا: لأن الوسع إنما سمي لأنه يتسع على فاعله فعله ولا يضيق عليه، فمن لم يستطع الجلوس فليوم إيماء، ومن لم يستطع الصوم فليفطر. وهذه الجملة مستأنفة للتحريض على ما وصف به السابقون من فعل الطاعات المؤدي إلى نيل الكرامات ببيان سهولته وكونه غير خارج عن حد الوسع والطاقة، وأن ذلك عادة الله سبحانه في تكليف عباده، وجملة "ولدينا كتاب ينطق بالحق" من تمام ما قبلها من نفي التكليف بما فوق الوسع والمراد بالكتاب صحائف الأعمال: أي عندنا كتاب قد أثبت فيه أعمال كل واحد من المكلفين على ما هي عليه، ومعنى ينطق بالحق يظهر به الحق المطابق للواقع من دون زيادة ولا نقص، ومثله قوله سبحانه: "هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون"، وفي هذا تهديد للعصاة وتأنيس للمطيعين من الحيف والظلم. وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ، فإنه قد كتب فيه كل شيء. وقيل المراد بالكتاب: القرآن، والأول أولى. وفي هذه الآية تشبيه للكتاب بمن يصدر عنه البيان بالنطق بلسانه، فإن الكتاب يعرب عما فيه كما يعرب الناطق المحق، وقوله: "بالحق". يتعلق بينطق، أو بمحذوف هو حال من فاعله: أي ينطق ملتبساً بالحق، وجملة "وهم لا يظلمون" مبينة لما قبلها من تفضله وعدله في جزاء عباده: لا يظلمون بنقص ثواب أو زيادة عقاب، ومثله قوله سبحانه: "ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً".
62. قوله: " ولا نكلف نفساً إلا وسعها "، أي: طاقتها، فمن لم يستطع القيام فليصل قاعداً، ومن لم يستطع الصوم فليفطر، " ولدينا كتاب ينطق بالحق "، وهو اللوح المحفوظ، " ينطق بالحق " يبين بالصدق، ومعنى الآية: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها إلا ما أطاقت من العمل، وقد أثبتنا عمله في اللوح المحفوظ، فهو ينطق به ويبينه. وقيل: هو كتب أعمال العباد التي تكتبها الحفظة، " وهم لا يظلمون "، ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم، ثم ذكر الكفار، فقال:
62ـ " ولا نكلف نفساً إلا وسعها " قدر طاقتها يريد به التحريض على ما وصف به الصالحين وتسهيله على النفوس . " ولدينا كتاب " يريد به اللوح أو صحيفة الأعمال . " ينطق بالحق " بالصدق لا يوجد فيه ما يخالف الواقع ." وهم لا يظلمون " بزيادة عقاب أو نقصان ثواب .
62. And We task not any soul beyond its scope, and with Us is a Record which speaketh the truth, and they will not be wronged.
62 - On no soul do We place a burden greater than it can bear: before Us is a record which clearly shows the truth: they will never be wronged.