63 - (بل قلوبهم) أي الكفار (في غمرة) جهالة (من هذا) القرآن (ولهم أعمال من دون ذلك) المذكون للمؤمنين (هم لها عاملون) فيعذبون عليها
يقول تعالى ذكره : ما الأمر كما يحسب هؤلاء المشركون ، ، من أن إمدادناهم بما نمدهم به من الم وبنين ، بخير نوسقه بذلك إليهم ، والرضا منا عنهم ، ولكن قلوبهم في غمر عمي عن هذا القرآن . وعنى بالغمرة : ما غمر قلوبهم ، فغطاها عن فهم ما أودع الله كتابه من المواعظ والعبر والحجج . وعنى بقوله " من هذا " من القرآن .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " في غمرة من هذا " قال : في عمى من هذا القرآن .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن أبي جريج عن مجاهد ، في قوله " في غمرة من هذا " قال : من القرآن .
وقوله " ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون " يقول تعالى ذكره : ولهؤلاء الكفار أعمال لا يرضاها الله من المعاصي . من دون ذلك : يقول : من دون أعمال أهل الإيمان بالله ، وأهل التقوى ، والخشية له .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد " ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون " قال : الخطايا .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قوله " ولهم أعمال من دون ذلك " قال : الحق .
حدثنا علي بن سهل ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله " ولهم أعمال من دون ذلك " قال : خطايا من دون ذلك الحق .
قال : ثنا حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله " ولهم أعمال من دون ذلك " قال : أعمال دون الحق .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : ذكر الله الذين هم من خشية ربهم مشفقون ، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ، ثم قال للكفار " بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون " قال : من دون الأعمال التي منها قوله " من خشية ربهم مشفقون " والذين ، والذين .
حدثني القاسم ، قال ثنا الحسين ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن العلاء بن عبد الكريم ، عن مجاهد ، قال : أعمال لا بد لهم من أن يعملوها .
حدثنا علي بن سهل ، قال : ثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، قال : سألت الحسن عن قول الله " ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون " قال : أعمال لم يعملوها سيعملونها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون " قال : لم يكن له بد من أن يستوفي بقية عمله ، ويصلى به .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن العلاء بن عبد الكريم ، عن مجاهد ، في قوله " ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون " قال : أعمال لا بد لهم من أن يعملوها .
حدثنا عمرو ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن العلاء بن عبد الكريم ، عن مجاهد ، في قول الله تبارك وتعالى " ولهم أعمال من دون ذلك " قال : أعمال لا بد لهم من أن يعملوها .
قوله تعالى: " بل قلوبهم في غمرة من هذا " قال مجاهد : أي في غطاء وغفلة وعماية عن القرآن. ويقال: غمره الماء إذا غطاه. ونهر غمر يغطي من دخله. ورجل غمر يغمره آراء الناس. وقيل: " غمرة " لأنها تغطي الوجه. ومنه دخل في غمار الناس وخمارهم، أي فيما يغطيه من الجمع. وقيل: " بل قلوبهم في غمرة " أي في حيرة وعمىً، أي مما وصف من أعمال البر في الآيات المتقدمة، قاله قتادة . أو من الكتاب الذي ينطق بالحق. " ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون " قال قتادة و مجاهد : أي لهم خطايا لا بد أن يعملوها من دون الحق. وقال الحسن وابن زيد: المعنى ولهم أعمال رديئة لم يعملوها من دون ما هم عليه، لا بد أن يعملوها دون أعمال المؤمنين، فيدخلون بها النار، لما سبق لهم من الشقوة. ويحتمل ثالثاً: أنه ظلم الخلق مع الكفر بالخالق، ذكره الماوردي . والمعنى متقارب.
يقول تعالى مخبراً عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها, أي إلا ما تطيق حمله والقيام به, وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء, ولهذا قال: "ولدينا كتاب ينطق بالحق" يعني كتاب الأعمال, "وهم لا يظلمون" أي لا يبخسون من الخير شيئاً, وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين, ثم قال منكراً على الكفار والمشركين من قريش: "بل قلوبهم في غمرة" أي في غفلة وضلالة "من هذا", أي القرآن الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون" قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس "ولهم أعمال" أي سيئة من دون ذلك يعني الشرك "هم لها عاملون" قال: لا بد أن يعملوها, كذا روي عن مجاهد والحسن وغير واحد. وقال آخرون "ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون" أي قد كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة, لتحق عليهم كلمة العذاب, وروي نحو هذا عن مقاتل بن حيان والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم , وهو ظاهر قوي حسن, وقد قدمنا في حديث ابن مسعود : " فو الذي لا إله غيره إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع, فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها".
وقوله: "حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون" يعني حتى إذا جاء مترفيهم وهم المنعمون في الدنيا عذاب الله وبأسه ونقمته بهم "إذا هم يجأرون" أي يصرخون ويستغيثون كما قال تعالى: " وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا * إن لدينا أنكالا وجحيما " الاية, وقال تعالى: " كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ". وقوله "لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون" أي لا يجيركم أحد مما حل بكم سواء جأرتم أو سكتم لا محيد ولا مناص ولا وزر لزم الأمر ووجب العذاب, ثم ذكر أكبر ذنوبهم فقال: "قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون" أي إذا دعيتم أبيتم وإن طلبتم امتنعتم "ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير".
وقوله: "مستكبرين به سامراً تهجرون" في تفسيره قولان. (أحدهما) أن مستكبرين حال منهم حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه استكباراً عليه, واحتقاراً له ولأهله, فعلى هذا الضمير في به فيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه الحرم أي مكة, ذموا لأنهم كانوا يسمرون فيه بالهجر من الكلام. (والثاني) أنه ضمير للقرآن كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام: إنه سحر, إنه شعر, إنه كهانة, إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة. (والثالث) أنه محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يذكرونه في سمرهم بالأقوال الفاسدة, ويضربون له الأمثال الباطلة, من أنه شاعر أو كاهن أو ساحر أو كذاب أو مجنون, فكل ذلك باطل, بل هو عبد الله ورسوله الذي أظهره الله عليهم وأخرجهم من الحرم صاغرين أذلاء. وقيل المراد بقوله: "مستكبرين به" أي بالبيت يفتخرون به ويعتقدون أنهم أولياؤه وليسوا به, كما قال النسائي من التفسير في سننه: أخبرنا أحمد بن سليمان , أخبرنا عبد الله عن إسرائيل عن عبد الأعلى أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال: إنما كره السمر حين نزلت هذه الاية "مستكبرين به سامراً تهجرون" فقال: مستكبرين بالبيت, يقولون: نحن أهله سامراً قال: كانوا يتكبرون ويسمرون فيه ولا يعمرونه ويهجرونه, وقد أطنب ابن أبي حاتم ههنا بما هذا حاصله.
ثم أضرب سبحانه عن هذا فقال: 63- "بل قلوبهم في غمرة من هذا" والضمير للكفار: أي بل قلوب الكفار في غمرة غامرة لها عن هذا الكتاب الذي ينطق بالحق، أو عن الأمر الذي عليه المؤمنون، يقال غمره الماء: إذا غطاه، ونهر غمر: يغطي من دخله، والمراد بها هنا الغطاء والغفلة أو الحيرة والعمى، وقد تقدم الكلام على الغمرة قريباً "ولهم أعمال من دون ذلك" قال قتادة ومجاهد: أي لهم خطايا لا بد أن يعملوها من دون الحق. وقال الحسن وابن زيد: المعنى ولهم أعمال رديئة لم يعملوها من دون ما هم عليه لا بد أن يعملوها فيدخلون بها النار، فالإشارة بقوله: "ذلك" إما إلى أعمال المؤمنين، أو إلى أعمال الكفار: أي لهم أعمال من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله، أو من دون أعمال الكفار التي تقدم ذكرها من كون قلوبهم في غفلة عظيمة مما ذكر، وهي فنون كفرهم ومعاصيهم التي من جملتها ما سيأتي من طعنهم في القرآن. قال الواحدي: إجماع المفسرين وأصحاب المعاني على أن هذا إخبار عما سيعملونه من أعمالهم الخبيثة التي كتبت عليهم لا بد لهم أن يعملوها، وجملة "هم لها عاملون" مقررة لما قبلها: أي واجب عليهم أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة لا محيص لهم عن ذلك.
63. " بل قلوبهم في غمرة "، أي: في غفلة وجهالة، " من هذا "، أي: من القرآن، " ولهم أعمال من دون ذلك "، أي: للكفار أعمال خبيثة من المعاصي والخطايا محكومة عليهم من دون ذلك، يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله تعالى في قوله " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون "، " هم لها عاملون "، لا بد لهم من أن يعملوها، فيدخلوا بها النار، لما سبق لهم من الشقاوة. هذا قول أكثر المفسرين. زقال قتادة : هذا ينصرف إلى المسلمين، وأن لهم أعمالاً سوى ما عملوا من الخيرات هم لها عاملون، والأول أظهر.
63ـ " بل قلوبهم " قلوب الكفرة . " في غمرة " في غفلة غامرة لها . " من هذا " من الذي وصف به هؤلاء أو كتاب الحفظة . " ولهم أعمال " خبيثة " من دون ذلك " متجاوزة لما وصفوا به أو متخطية عما هم عليه من الشرك . " هم لها عاملون " معتادون فعلها .
63. Nay, but their hearts are in ignorance of this (Quran), and they have other works, besides, which they are doing;
63 - But their hearts are inconfused ignorance of this; and there are, besides that, deeds of theirs, which they will (continue) to do,