64 - (حتى) ابتدائية (إذا أخذنا مترفيهم) أغنياءهم ورؤساءهم (بالعذاب) السيف يوم بدر (إذا هم يجأرون) يضجون يقال لهم
يقول تعالى ذكره : ولهؤلاء الكفار من قريش أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ، إلى أن يؤخذ أهل النعمة والبطر منهم بالعذاب .
كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد " إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب " قال : المترفون : العظماء " إذا هم يجأرون " يقول : فإذا اخذناهم به جاروا ، يقول : ضجوا واستغاثوا مما حل بهم من عذابنا ، ولعل الجؤار : رفع الصوت ، كما يجأر الثور ، ومنه قول الأعشى :
يراوح من صلوات المليك طورا سجودا وطورا جؤارا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس " إذا هم يجأرون " يقول : يستغيثون .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى و عبد الرحمن ، قالا : ثنا سفيان ، عن علقمة بن قردد ، عن مجاهد في قوله " حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون " قال : بالسيوف يوم بدر .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، في قوله " إذا هم يجأرون " قال : يجزعون .
قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج " حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب " قال : عذاب يوم بدر " إذا هم يجأرون " قال : الذين بمكة .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب " يعني أهل بدر ، أخذهم الله بالعذاب يوم بدر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله " إذا هم يجأرون " قال : يجزعون .
وقوله " لا تجأروا اليوم " يقول : لا تضجوا وتستغيثوا اليوم وقد نزل لكم العذاب الذي لا يدفع عن الذين ظلموا أنفسهم ، فإن ضجيجكم غير نافعكم ، ولا دافع عنكم شيئا مما قد نزل بكم من سخط الله ، " إنكم منا لا تنصرون " يقول : إنكم من عذابنا الذي قد حل بكم لا تستنقذون ، ولا يخلصكم منه شيء .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس " لا تجأروا اليوم " : لا تجزعوا اليوم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا الربيع بن أنس " لا تجأروا اليوم " لا تجزعوا الآن حين نزل بكم العذاب ، إنه لا ينفعكم ، فلو كان هذا الجزع قبل نفعكم .
" حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب " يعني بالسيف يوم بدر، قاله ابن عباس. وقال الضحاك : يعني بالجوع حين قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليها سنين كسني يوسف ". فابتلاهم الله بالقحط والجوع حتى أكلوا العظام والميتة والكلاب والجيف، وهلك الأموال بالتضرع كما يفعل الثور. وقال الأعشى يصف بقرة:
فطافت ثلاثاً بين يوم وليلة وكان النكير أن تضيف وتجأرا
قال الجوهري : الجؤار مثل الخوار، يقال: جأر الثور يجأر أي صاح. وقرأ بعضهم عجلا جسدا له جؤار حكاه الأخفش. وجأر الرجل إلى الله عز وجل تضرع بالدعاء. قتادة : يصرخون بالتوبة فلا تقبل منهم. قال:
يراوح من صلوات المليك فطوراً سجوداً وطوراً جؤارا
وقال ابن جريج : " حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب " هم الذين قتلوا ببدر " إذا هم يجأرون " هم الذين بمكة، فجمع بين القولين المتقدمين، وهو حسن.
يقول تعالى مخبراً عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها, أي إلا ما تطيق حمله والقيام به, وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء, ولهذا قال: "ولدينا كتاب ينطق بالحق" يعني كتاب الأعمال, "وهم لا يظلمون" أي لا يبخسون من الخير شيئاً, وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين, ثم قال منكراً على الكفار والمشركين من قريش: "بل قلوبهم في غمرة" أي في غفلة وضلالة "من هذا", أي القرآن الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون" قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس "ولهم أعمال" أي سيئة من دون ذلك يعني الشرك "هم لها عاملون" قال: لا بد أن يعملوها, كذا روي عن مجاهد والحسن وغير واحد. وقال آخرون "ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون" أي قد كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة, لتحق عليهم كلمة العذاب, وروي نحو هذا عن مقاتل بن حيان والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم , وهو ظاهر قوي حسن, وقد قدمنا في حديث ابن مسعود : " فو الذي لا إله غيره إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع, فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها".
وقوله: "حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون" يعني حتى إذا جاء مترفيهم وهم المنعمون في الدنيا عذاب الله وبأسه ونقمته بهم "إذا هم يجأرون" أي يصرخون ويستغيثون كما قال تعالى: " وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا * إن لدينا أنكالا وجحيما " الاية, وقال تعالى: " كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ". وقوله "لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون" أي لا يجيركم أحد مما حل بكم سواء جأرتم أو سكتم لا محيد ولا مناص ولا وزر لزم الأمر ووجب العذاب, ثم ذكر أكبر ذنوبهم فقال: "قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون" أي إذا دعيتم أبيتم وإن طلبتم امتنعتم "ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير".
وقوله: "مستكبرين به سامراً تهجرون" في تفسيره قولان. (أحدهما) أن مستكبرين حال منهم حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه استكباراً عليه, واحتقاراً له ولأهله, فعلى هذا الضمير في به فيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه الحرم أي مكة, ذموا لأنهم كانوا يسمرون فيه بالهجر من الكلام. (والثاني) أنه ضمير للقرآن كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام: إنه سحر, إنه شعر, إنه كهانة, إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة. (والثالث) أنه محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يذكرونه في سمرهم بالأقوال الفاسدة, ويضربون له الأمثال الباطلة, من أنه شاعر أو كاهن أو ساحر أو كذاب أو مجنون, فكل ذلك باطل, بل هو عبد الله ورسوله الذي أظهره الله عليهم وأخرجهم من الحرم صاغرين أذلاء. وقيل المراد بقوله: "مستكبرين به" أي بالبيت يفتخرون به ويعتقدون أنهم أولياؤه وليسوا به, كما قال النسائي من التفسير في سننه: أخبرنا أحمد بن سليمان , أخبرنا عبد الله عن إسرائيل عن عبد الأعلى أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال: إنما كره السمر حين نزلت هذه الاية "مستكبرين به سامراً تهجرون" فقال: مستكبرين بالبيت, يقولون: نحن أهله سامراً قال: كانوا يتكبرون ويسمرون فيه ولا يعمرونه ويهجرونه, وقد أطنب ابن أبي حاتم ههنا بما هذا حاصله.
ثم رجع سبحانه إلى وصف الكفار فقال: 64- "حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب" حتى هذه هي التي يبتدأ بعدها الكلام، والكلام هو الجملة الشرطية المذكورة، وهذه الجملة مبينة لما قبلها، والضمير في مترفيهم راجع إلى من تقدم ذكره من الكفار، والمراد بالمترفين المتنعمين منهم، والضمير ففي مترفيهم راجع إلى من تقدم ذكره من الكفار، والمراد بالمترفين المتنعمين منهم، وهم الذين أمدهم الله بما تقدم ذكره من المال والبنين، أو المراد بهم الرؤساء منهم. والمراد بالعذاب هو عذابهم بالسيف يوم بدر، أو بالجوع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف. وقيل المراد بالعذاب عذاب الآخرة، ورجح هذا بأن ما يقع منهم من الجؤار إنما يكون عند عذاب الآخرة، لأنه الاستغاثة بالله ولم يقع منهم ذلك يوم بدر ولا في سني الجوع. ويجاب عنه بأن الجؤار في اللغة الصراخ والصياح. قال الجوهري: الجؤار مثل الخوار، يقال جأر الثور يجأر: أي صاح، وقد وقع منهم ومن أهلهم وأولادهم عند أن عذبوا بالسيف يوم بدر، وبالجوع في سني الجوع، وليس الجؤار ها هنا مقيد بالجؤار الذي هو التضرع بالدعاء حتى يتم ما ذكره ذلك القائل، وجملة "إذا هم يجأرون" جواب الشرط، وإذا هي الفجائية، والمعنى: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب جأروا بالصراخ.
64. " حتى إذا أخذنا مترفيهم "، أي: أخذنا أغنياءهم ورؤساءهم، " بالعذاب "، قال ابن عباس: هو السيف يوم بدر. وقال الضحاك : يعني الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف "، فابتلاهم الله عز وجل بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف. " إذا هم يجأرون " يضجون ويجزعون ويستغيثون، وأصل الجأر: رفع الصوت بالتضرع.
64ـ " حتى إذا أخذنا مترفيهم " متنعميهم . " بالعذاب " يعني القتل يوم بدر أو الجوع حين" دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " . فقحطوا حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة . " إذا هم يجأرون " فاجئوا الصراخ بالاستغاثة ، وهو جواب الشرط والجملة مبتدأ بعد حتى ويجوز أن يكون الجواب :
64. Till when We grasp their luxurious ones with the punishment, behold! they supplicate.
64 - Until, when We seize in Punishment those of them who received the good things of this world, behold, they will groan in supplication!