65 - (لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون) لا تمنعون
القول في تأويل قوله تعالى : " لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون " .
" لا تجأروا اليوم إنكم منا " أي من عذابنا. " لا تنصرون " لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم. وقال الحسن : لا تنصرون بقبول التوبة. وقيل: معنى هذا النهي الإخبار، أي إنكم إن تضرعتم لم ينفعكم.
يقول تعالى مخبراً عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها, أي إلا ما تطيق حمله والقيام به, وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء, ولهذا قال: "ولدينا كتاب ينطق بالحق" يعني كتاب الأعمال, "وهم لا يظلمون" أي لا يبخسون من الخير شيئاً, وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين, ثم قال منكراً على الكفار والمشركين من قريش: "بل قلوبهم في غمرة" أي في غفلة وضلالة "من هذا", أي القرآن الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: "ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون" قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس "ولهم أعمال" أي سيئة من دون ذلك يعني الشرك "هم لها عاملون" قال: لا بد أن يعملوها, كذا روي عن مجاهد والحسن وغير واحد. وقال آخرون "ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون" أي قد كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة, لتحق عليهم كلمة العذاب, وروي نحو هذا عن مقاتل بن حيان والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم , وهو ظاهر قوي حسن, وقد قدمنا في حديث ابن مسعود : " فو الذي لا إله غيره إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع, فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها".
وقوله: "حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون" يعني حتى إذا جاء مترفيهم وهم المنعمون في الدنيا عذاب الله وبأسه ونقمته بهم "إذا هم يجأرون" أي يصرخون ويستغيثون كما قال تعالى: " وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا * إن لدينا أنكالا وجحيما " الاية, وقال تعالى: " كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ". وقوله "لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون" أي لا يجيركم أحد مما حل بكم سواء جأرتم أو سكتم لا محيد ولا مناص ولا وزر لزم الأمر ووجب العذاب, ثم ذكر أكبر ذنوبهم فقال: "قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون" أي إذا دعيتم أبيتم وإن طلبتم امتنعتم "ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير".
وقوله: "مستكبرين به سامراً تهجرون" في تفسيره قولان. (أحدهما) أن مستكبرين حال منهم حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه استكباراً عليه, واحتقاراً له ولأهله, فعلى هذا الضمير في به فيه ثلاثة أقوال (أحدها) أنه الحرم أي مكة, ذموا لأنهم كانوا يسمرون فيه بالهجر من الكلام. (والثاني) أنه ضمير للقرآن كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام: إنه سحر, إنه شعر, إنه كهانة, إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة. (والثالث) أنه محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يذكرونه في سمرهم بالأقوال الفاسدة, ويضربون له الأمثال الباطلة, من أنه شاعر أو كاهن أو ساحر أو كذاب أو مجنون, فكل ذلك باطل, بل هو عبد الله ورسوله الذي أظهره الله عليهم وأخرجهم من الحرم صاغرين أذلاء. وقيل المراد بقوله: "مستكبرين به" أي بالبيت يفتخرون به ويعتقدون أنهم أولياؤه وليسوا به, كما قال النسائي من التفسير في سننه: أخبرنا أحمد بن سليمان , أخبرنا عبد الله عن إسرائيل عن عبد الأعلى أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أنه قال: إنما كره السمر حين نزلت هذه الاية "مستكبرين به سامراً تهجرون" فقال: مستكبرين بالبيت, يقولون: نحن أهله سامراً قال: كانوا يتكبرون ويسمرون فيه ولا يعمرونه ويهجرونه, وقد أطنب ابن أبي حاتم ههنا بما هذا حاصله.
ثم أخبر سبحانه أنه يقال لهم حينئذ على جهة التبكيت 65- "لا تجأروا اليوم" فالقول مضمر، والجملة مسوقة لتبكيتهم وإقناطهم وقطع أطماعهم، وخصص سبحانه المترفين مع أن العذاب لاحق بهم جميعاً واقع على مترفيهم وغير مترفيهم لبيان أنهم بعد النعمة التي كانوا فيها صاروا على حالة تخالفها وتباينها، فانتقلوا من النعيم التام إلى الشقاء الخالص، وخص اليوم بالذكر للتهويل، وجملة " إنكم منا لا تنصرون " تعليل للنهي عن الجؤار، والمعنى: إنكم من عذابنا لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم. وقيل المعنى: إنكم لا يلحقكم من جهتنا نصرة تمنعكم مما دهمكم من العذاب.
65. " لا تجأروا اليوم "، أي لا تضجوا، " إنكم منا لا تنصرون "، لا تمنعون منا ولا ينفعكم تضرعكم.
65ـ " لا تجأروا اليوم " فإنه مقدر بالقول أي قيل لهم " لا تجأروا اليوم " . " إنكم منا لا تنصرون " تعليل للنهي أي لا تجأروا فإنه لا ينفعكم إذ لا تمنعون منا ، أو لا يلحقكم نصر ومعونة من جهتنا .
65. Supplicate not this day! Assuredly ye will not be helped by Us.
65 - (It will be said): Groan not in supplication this day: for ye shall certainly not be helped by Us.