65 - (طلعها) المشبه بطلع النخل (كأنه رؤوس الشياطين) الحيات القبيحة المنظر
وقوله "طلعها كأنه رؤوس الشياطين" يقول تعالى ذكره : كأن طلع هذه الشجرة، يعني شجرة الزقوم في قبحه وسماجته رءوس الشياطين في قبحها.
وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله إنها شجرة نابتة في أصل الجحيم.
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "طلعها كأنه رؤوس الشياطين" قال : شبهه بذلك.
فإن قال قائل : وما وجه تشبيهه طلع هـذه الشجرة برءوس الشياطين في القبح ، ولا علم عندنا بمبلغ قبح رءوس الشياطين ، وإنما يمثل الشيء بالشيء تعريفاً من الممثل الممثل له قرب اشتباه الممثل أحدهما بصاحبه مع معرفة الممثل له الشيئين كليهما أو أحدهما، ومعلوم أن الذين خوطبوا بهذه الآية من المشركين ، لم يكونوا عارفين شجرة الزقوم ، ولا برءوس الشياطين ، ولا كانوا رأوهما ، ولا واحداً منهما؟.
قيل له : أما شجرة الزقوم فقد وصفها الله تعالى ذكره لهم وبينها حتى عرفوها ما هي وما صفتها، فقال لهم "شجرة تخرج في أصل الجحيم * طلعها كأنه رؤوس الشياطين" فلم يتركهم في عماء منها وأما في تمثيله طلعها برءوس الشياطين ، فأقول لكل منها وجه مفهوم : أحدها أن يكون مثل ذلك برءوس الشياطين على نحو ما قد جرى به استعمال المخاطبين بالآية بينهم وذلك أن استعمال الناس قد جرى بينهم في مبالغتهم إذا أراد أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء ، قال : كأنه شيطان ، فذلك أحد الأقوال ، والثاني أن يكون مثل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطاناً، وهي حية لها عرف فيما ذكر قبيح الوجه المنظر، وإياه عنى الراجز بقوله:
عنجرد تحلف حين أحلف كمثل شيطان الحماط أعرف
" طلعها " أي ثمرها ، سمي طلعاً لطلوعه . " كأنه رؤوس الشياطين " قيل : يعني الشياطين بأعيانهم شبهها برؤوسهم لقبحهم ، ورؤوس الشياطين متصور في النفوس وإن كان غير مرئي . ومن ذلك قولهم لك قبيح هو كصورة الشيطان ، ولكل صورة حسنة هي كصورة ملك . ومنه قوله تعالى مخبراً عن صواحب يوسف : " ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم " وهذا تشبيه تخييلي ، روي معناه عن ابن عباس و القرظي . ومنه قول امرىء القيس :
* ومسنونة زرق كأنياب أغوال *
وإن كانت الغول لا تعرف ، ولكن لما تصور من قبحها في النفوس . وقد قال الله تعالى : " شياطين الإنس والجن " [ الأنعام : 112 ] فمردة الإنس شياطين مرئية . و"في الحديث الصحيح : ولكأن [ رؤوس ] نخلها رؤوس الشياطين " وقد ادعى كثير من العرب رؤية الشياطين والغيلان . وقال الزجاج و الفراء : الشياطين حيات لها رؤوس وأعراف ، وهي أقبح الحيات وأخبثها وأخفها جسماً . قال الراجز وقد شبه المرأة بحية لها عرف :
عنجرد تحلف حين أحلف كمثل شيطان الحماط أعرف
الواحدة حماطة . والأعرف الذي له عرف . وقال الشاعر يصف ناقته :
تلاعب مثنى حضرمي كأنه تعمج شيطان بذي خروع فقر
التعمج : الاعوجاج في السير . وسهم عموج : يتلوى في ذهابه . وتعمجت الحية : إذا تلوت في سيرها . وقال يصف زمام الناقة :
تلاعب مثنى حضرمي كأنه تعمج شيطان بذي خروع قفر
وقيل : إنما شبه ذلك بنبت قبيح في اليمن يقال له الأستن والشيطان . قال النحاس : وليس ذلك معروفاً عند العرب . الزمخشري : هو شجر خشن منتن مر منكر الصورة يسمى ثمره رؤوس الشياطين . النحاس : وقيل الشياطين ضرب من الحيات قباح .
يقول الله تعالى أهذا الذي ذكره من نعيم الجنة وما فيها من مآكل ومشارب ومناكح وغير ذلك من الملاذ خير ضيافة وعطاء "أم شجرة الزقوم" أي التي في جهنم وقد يحتمل أن يكون المراد بذلك شجرة واحدة معينة كما قال بعضهم إنها شجرة تمتد فروعها إلى جميع محال جهنم كما أن شجرة طوبى ما من دار في الجنة إلا وفيها منها غصن, وقد يحتمل أن يكون المراد بذلك جنس شجر يقال له الزقوم كقوله تعالى: " وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين " يعني الزيتونة ويؤيد ذلك قوله تعالى: " ثم إنكم أيها الضالون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم " وقوله عز وجل: "إنا جعلناها فتنة للظالمين" قال قتادة ذكرت شجرة الزقوم فافتتن بها أهل الضلالة وقالوا صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة والنار تأكل الشجر فأنزل الله تعالى: "إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم" غذيت من النار ومنها خلقت. وقال مجاهد "إنا جعلناها فتنة للظالمين" قال أبو جهل لعنه الله: إنما الزقوم التمر والزبد أتزقمه. قلت ومعنى الاية إنما أخبرناك يا محمد بشجرة الزقوم اختباراً نختبر به الناس من يصدق منهم ممن يكذب كقوله تبارك وتعالى: "وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً". وقوله تعالى: "إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم" أي أصل منبتها في قرار النار "طلعها كأنه رؤوس الشياطين" تبشيع لها وتكريه لذكرها. قال وهب بن منبه شعور الشياطين قائمة إلى السماء, وإنما شبهها " رؤوس الشياطين " وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر, وقيل المراد بذلك ضرب من الحيات رؤوسها بشعة المنظر, وقيل جنس من النبات طلعه في غاية الفحاشة وفي هذين الاحتمالين نظر, وقد ذكرهما ابن جرير والأول أقوى وأولى, والله أعلم. وقوله تعالى: " فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ". ذكر تعالى أنهم يأكلون من هذه الشجرة التي لا أبشع منها ولا أقبح من منظرها مع ما هي عليه من سوء الطعم والريح والطبع فإنهم ليضطرون إلى الأكل منها لأنهم لا يجدون إلا إياها وما هو في معناها كما قال تعالى: "ليس لهم طعام إلا من ضريع * لا يسمن ولا يغني من جوع" وقال ابن أبي حاتم رحمه الله حدثنا أبي حدثنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الاية وقال: "اتقوا الله حق تقاته فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون طعامه ؟" ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث شعبة وقال الترمذي حسن صحيح. وقوله تعالى: "ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم" قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني شرب الحميم على الزقوم, وقال في رواية عنه شوباً من حميم, مزجاً من حميم, وقال غيره يمزج لهم الحميم بصديد وغساق مما يسيل من فروجهم وعيونهم وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي حدثنا بقية بن الوليد عن صفوان بن عمرو وأخبرني عبيد الله بن بسر عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول "يقرب ـ يعني إلى أهل النار ـ ماء فيتكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فيه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عمرو بن رافع حدثنا يعقوب بن عبد الله عن جعفر وهارون بن عنترة عن سعيد بن جبير قال إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم فأكلوا منها فاختلست جلود وجوههم فلو أن ماراً مر بهم يعرفهم لعرفهم بوجوههم فيها ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل وهو الذي قد انتهى حره فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود ويصهر ما في بطونهم فيمشون تسيل أمعاؤهم وتتساقط جلودهم ثم يضربون بمقامع من حديد فيسقط كل عضو على حياله يدعو بالثبور. وقوله عز وجل: "ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم" أي ثم إن مردهم بعد هذا الفصل لإلى نار تتأجج وجحيم تتوقد وسعير تتوهج فتارة في هذا وتارة في هذا كما قال تعالى: "يطوفون بينها وبين حميم آن" هكذا تلا قتادة هذه الاية وهو تفسير حسن قوي, وقال السدي في قراءة عبد الله رضي الله عنه " ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم " وكان عبد الله رضي الله عنه يقول والذي نفسي بيده لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار, ثم قرأ "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً" وروى الثوري عن ميسرة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه قال: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء ويقيل هؤلاء قال سفيان أراه ثم قرأ "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً" ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم قلت على هذا التفسير تكون ثم عاطفة لخبر على خبر. وقوله تعالى: "إنهم ألفوا آباءهم ضالين" أي إنما جازيناهم بذلك لأنهم وجدوا آباءهم على الضلالة فاتبعوهم فيها بمجرد ذلك من غير دليل ولا برهان, ولهذا قال: "فهم على آثارهم يهرعون" قال مجاهد شبيهة بالهرولة, وقال سعيد بن جبير يسفهون.
ثم قال 65- "طلعها كأنه رؤوس الشياطين" أي ثمرها وما تحمله كأنه في تناهي قبحه وشناعة منظره رؤوس الشياطين، فشبه المحسوس بالمتخيل، وإن كان غير مرئي للدلالة على أنه غاية في القبح كما تقول في تشبيه من يستقبحونه: كأنه شيطان، وفي تشبيه من يستحسنونه: كأنه ملك، كما في قوله "ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم" ومنه قول
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وقال الزجاج والفراء: الشياطين حيات لها رؤوس وأعراف، وهي من أقبح الحيات وأخبثها وأخفها جسماً. وقيل إن رؤوس الشياطين اسم لنبت قبيح معروف باليمن يقال له الاستن، ويقال له الشيطان. قال النحاس: وليس ذلك معروفاً عند العرب. وقيل هو شجر خشن منتن مر منكر الصورة يسمى ثمره رؤوس الشياطين.
65. " طلعها "، ثمرها سمي طلعاً لطلوعه، " كأنه رؤوس الشياطين "، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الشياطين بأعيانهم شبه بها لقبحها، لأن الناس إذا وصفوا شيئاً بغاية القبح قالوا: كأنه شيطان، وإن كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها متصور في النفس، وهذا معنى قول ابن عباس و القرظي ، وقال بعضهم: أراد بالشياطين الحيات، والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطاناً.
وقيل: هي شجرة قبيحة مرة منتنة تكون في البادية، تسميها العرب رؤوس الشياطين.
65-" طلعها " حملها مستعار من طلع التمر لمشاركته إياه في الشكل ، أو الطلوع من الشجر . " كأنه رؤوس الشياطين " في تناهي القبح والهول ، وهو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق الحسن بالملك . وقيل " الشياطين " حيات هائلة قبيحة المنظر لها أعراف ، ولعلها سميت بها لذلك .
65. Its crop is as it were the heads of devils
65 - The shoots of its fruit stalks are like the heads of devils: